المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف يكون أدب الحوار ... الأبن النبي مع الأب الكافر


ابو عبد الرحمن
03-23-2011, 03:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف يكون أدب الحوار ...

أنظر ياراعاك الله كيف كان هذا الحوار حوار ابن مع ابيه ... انه حوار الأبوة .. ياله من حوار
قال تعالى في سورة مريم :

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً -
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ : يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
يَا أَبَتِ : إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً
يَا أَبَتِ : لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً
يَا أَبَتِ : إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً قَالَ : أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ , لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً
قَالَ : سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً , وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً

ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمات حوار إبراهيم - عليه السلام - وهو الابن النبي مع الأب الكافر فهذه صورة متكاملة في حوار الأبوة والنبوة في قضية الإيمان الكبرى يعرضها القرآن الكريم لتكون لنا فيها التربية والتزكية , وتكون لنا فيها العبرة والقدوة .
في حوار إبراهيم - عليه السلام - هنا مع أبيه الكثير من معالم الهداية , ودروس الثقافة الدينية والدنيوية , وأدب الحوار مع المخالف وإن عظم الاختلاف , وحقوق القرابة وإن تباينت الديانة , نستجلي أهمها , فيما يلي :
أولاً : لطف الخطاب , وأدب الحوار مع المخالف رغم عظم المخالفة , فالقضية المطروحة للبحث والحوار هنا قضية كفر وإيمان ، وهما ضدان لا يجتمعان لكن إبراهيم - عليه السلام - يبدأ خطابه لأبيه بلين وأدب جميل ، واستعطاف يبدأه بنداء الأبوة ! يَا أَبَتِ ! يستثير بهذا النداء أبوته الحانية ، ويحرك مشاعره الراكدة ، يلامس بهذا شغاف قلبه، ليس هذا فقط ، بل يكرر هذا النداء المؤثر أربع مرات مع كل خطاب لأبيه ، إن لم تؤثر الأولى فعسى أن تؤثر الأخرى .
ومع عدم انتهاء الحوار بين الابن والأب إلى نهايةٍ سعيدة حميدة كان يرجوها إبراهيم لأبيه ، ومع غضب أبيه عليه ، وتهديده له بقوله : " لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً " يختم إبراهيم حواره مع أبيه بالسلام عليه ، والدعاء له : " قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً " فكان لطف الخطاب ، وحسن الجواب ، وأدب الكلام شعار الحوار في البدء والختام ، وأثناء الكلام .

فحسن الكلام هو أدب القرآن للمسلم في دعوته ، وموعظته ، وحواره ، وسائر كلامه مع سائر الناس " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً "

وهو أدب الدعوة في قوله تعالى : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "

بل قال الله تعالى لموسى وهارون في بيان أسلوب خطاب فرعون الطاغية ودعوته : " فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى "

فإذا كان هذا الأدب مع غير المسلم ، فمع المسلم أولى وأوجب . وليس من الإسلام في شيء جفاء الخطاب ، فضلاً عن الشتم والسباب .

ثانياً : حسن المدخل لمسائل الخلاف وقضاياه ، حيث بدأ إبراهيم - عليه السلام- أباه بالتساؤل : " يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً " .
وهذا أسلوب جميل ، يحمل المحاور المخالف على التفكير ، وإعادة النظر في الأمر ، للوصول إلى الحق بنفسه.

ثالثاً : البدء ، بل حصر الحوار في القضايا الكبرى ، دون الانشغال في الجزئيات والتفصيلات ، فعبادة الله وحده دون شريك هي غاية الخلق

"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " ؛ وهي دعوة الرسل جميعاً لأقوامهم ، وهي دعوة إبراهيم لأبيه ، وهي ما اقتصر عليه دون الدخول في القضايا الأخرى .

رابعاً : تناول المسلّمات التي لا يختلف عليها . فآلهة آزر التي يعبدها هي الأصنام المنحوته من الأحجار ، فهي لا تملك من مقومات وصفات الإله

شيئاً ." يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً "

وبمثل هذا الأسلوب والتقرير ينتبه العقل من غفلته ، ويصحو الضمير من غفوته ، ويستيقظ الحس من رقدته ، لمن ألقى السمع وهو شهيد .

خامساً : التنبه والتنبيه لدور العلم في تبين الحق والوصول إلى الصواب ، فالعلم شرط في المُحاور المؤثر ، ومحفّز للمحاوَر من أجل قبول الحق

" يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً "

سادساً : إظهار الحرص على المخالف ، والخوف عليه من التشبث بالباطل والقناعة به ، وأن الرغبة في إقناعه وبيان وجه الحق له لمصلحته وفائدته ، ولسعادته ونجاته في دنياه وآخرته ؛ فمن دعاك لما هو عليه ، ساواك بنفسه ، ويبقى عليك تمييز ما هو عليه من حق أو باطل

" يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً ".

سابعاً : أن هدف الحوار ليس حمل المخالف قهراً وقسراً على الموافقة ، وإنما بيان الحق له ، وإقامة الحجة عليه ، عسى أن يعود للحق ، وغالباً أن من يبحث عن الحق ويحرص عليه يهتدي إليه ، ويعان عليه ؛ ومن تحكمه أهواء نفسه، وشهوات جسده ، وتتحكم به مصالح ذاته التي يبحث عنها ، أو يخاف عليها من رئاسة وسيادة وشهرة وعصبية ومال ونحو ذلك ، فإنها تحجبه عن رؤية الحق ، وتحمله على المعاندة ، وتمنعه من القبول .
ولذا نرى هنا أن أدب إبراهيم - عليه السلام- مع أبيه ، وأسلوب حواره ، وقوة حجته ، ووضوح محجته ، وشدة حرصه ، لم تبلغ به إقناع أبيه بالحق الذي معه ، والإيمان الذي يدعوه إليه ؛ لأن أمر الهداية بيد الله " إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " ولذا انتهى أبو إبراهيم إلى الغضب والتهديد ، تمسكاً بعادته ، وتعصباً لآلهته ، وتقليداً لآبائه " قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً " .

ولما أثمر الحوار ثمرته من بذل النصح ، والتعريف بالحق ، وإقامة الحجة ، وتبين تمايز المواقف ، وظهرت عداوة آزر لربه ؛ اعتزل إبراهيم أباه ، وأعلن براءته منه ، لأن واجب إبراهيم تجاه ربه ودينه أعظم من حق أبيه عليه .
ومما يستدعي الانتباه هنا ، اكتفاء إبراهيم باعتزال أبيه دون تهديد ووعيد أو إيذاء ، بل كان ذلك الاعتزال مع الدعاء له بالاهتداء .

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

أبوالنور
03-23-2011, 04:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
http://forum.sedty.com/imagehosting/1228_1272019079.gif

ابو عبد الرحمن
03-24-2011, 12:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

بارك الله فيك أخي ابو النور وجزاك الله خيرا على مرورك

ابونواف
09-24-2011, 05:57 PM
جزاك الله خير اخي ابو نور رائع

ابونواف
09-24-2011, 08:19 PM
جزاك الله خير

ام هُمام
01-24-2012, 12:57 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير المرسلين
بارك الله فيكم وجزاكم ربي جنة الرحمن على كل ما تقدموه لنا

ساردية
01-24-2012, 02:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
طرح جميل ...... يحتاج اليه كل الابناء والآباء علي السواء .

جزيت خيرا

ابو عبد الرحمن
01-24-2012, 10:55 PM
الأخ ساردية

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .