المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين


almojahed
06-27-2011, 10:47 PM
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى أحكام الجنائز :
"وفيه أحاديث :
الأول : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد :المسجد الحرام،ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الاقصى ).
وفي رواية عنه بلفظ : (إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد : مسجد الكعبة ، ومسجدي ، ومسجد إيلياء) .أخرجه البخاري باللفظ الاول ، ومسلم باللفظ الاخر من طريق ثان عنه ، وأخرجه من الطريق الاول أصحاب السنن وغيرهم .
وله طريق ثالث عند أحمد (2/501) والدارمي (1/330)وقد خرجت الحديث مبسوطا في (الثمر المستطاب).
الثاني : عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( لا تشد ( وفي لفظ : لا تشدوا ) الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الاقصى ) . أخرجه الشيخان وغيرهما ، وله عنه أربعة طرق أوردتها في المصدر السابق واللفظ الاخر لمسلم .
والطريق الرابعة : يرويها شهر بن حوشب ، وعنه اثنان :
أحدهما : ليث بن أبي سليم عنه قال :( لقينا أبا سعيد ونحن نريد الطور،فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تعمل المطي إلا... ) الحديث .
والاخر : عبد الحميد بن بهرام عنه قال:(سمعت أبا سعيد الخدري وذكرت عنده صلاة الطور ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام).الحديث. أخرجهما أحمد (3/93،64 ) .
وشهر ضعيف،وقد تفرد بهذه الزيادة ( إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة ) فهي منكرة لعدم ورودها في الطرق الاخرى عن أبي سعيد ، حتى ولا في طريق ليث عن شهر، وكذلك لم ترد في الاحاديث الاخرى،وهي ثمانية وغالبها لها أكثر من طريق واحد،وقد سقتها كلها في ( الثمر المستطاب ) فعدم ورود هذه الزيادة في شئ من هذه الاحاديث على كثرتها وتعدد مخارجها لاكبر دليل على نكارة الزيادة وبطلانها . فهي من أوهام شهر بن حوشب أو الراوي عنه عبد الحميد ، فإن فيه بعض الضعف من قبل حفظه ، وقال الحافظ في ترجمة شهر من ( التقريب ) : ( صدوق كثير الاوهام ) .
الثالث : عن أبي بصرة الغفاري أنه لقي أبا هريرة وهو جاء ،فقال :من أين أقبلت ؟ قال : أقبلت من الطور ، صليت فيه ، قال : أما إني لو أدركتك لم تذهب ،إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الاقصى ) . أخرجه الطيالسي (1348) وأحمد (6/7) والسياق له ، وإسناده صحيح . وله عند أحمد طريقان آخران ، إسناد الاول منهما حسن ، والاخر صحيح .
وأخرجه مالك والنسائي والترمذي وصححه من الطريق الثالث ، إلا أن أحد الرواة أخطأ في سنده فجعله من مسند بصرة بن أبي بصرة . وفي متنه حيث قال : ( لاتعمل المطي ) .
الرابع : عن قزعة قال : ( أردت الخروج إلى الطور فسألت ابن عمر ،فقال :أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الاقصى ) ، ودع عنك الطور فلا تأته ) .أخرجه الازرقي ( في أخبار مكة ) (ص 304) بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح ، وأورد المرفوع منه الهيثمي في ( المجمع ) (4/4) وقال :(رواه الطبراني في الكبير والاوسط ورجاله ثقات).
وفي هذه الاحاديث تحريم السفر إلي موضع من المواضع المباركة ، مثل مقابر الانبباء والصالحين ، وهي وإن كانت بلفظ النفي ( لا تشد ) ، فالمراد النهي كما قال الحافظ ، على وزن قوله تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) ، وهو كما قال الطيبي : ( هو أبلغ من صريح النهي ،كأنه قال :لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به)
قلت : ومما يشهد لكون النفي هنا بمعنى النهي رواية لمسلم في الحديث الثاني : ( لا تشدوا ) . ثم قال الحافظ :
( قوله :( إلا إلى ثلاثة مساجد )،الاستثناء مفرغ ، والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها ، لان المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام ، ولكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا المخصوص ، وهو المسجد ) .
قلت : وهذا الاحتمال ضعيف،والصواب التقدير الاول . لما تقدم في حديث أبي بصرة وابن عمر من أنكار السفر إلى الطور . ويأتى بيانه ، ثم قال الحافظ :
( وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ، ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الانبياء ، ولان الاول ، قبلة الناس ، وإليه حجهم ، والثاني كان قبلة الامم السالفة ، والثالث أسس على التقوى . ( قال : )
واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا، وإلى المواضع الفاضلة ، لقصد التبرك بها ، والصلاة فيها،فقال الشيخ أبو محمد الجويني[1] ( يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر الحديث ) ، وأشار القاضي حسين إلى اختياره ، وبه قال عياض وطائفة ، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور ، وقال له : ( لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت ) ، واستدل بهذا الحديث ، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ، ووافته أبو هريرة . والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم ، وأجابوا عن الحديث بأجوبة :
1.منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز ، وقد وقع في رواية لاحمد سيأتي ذكرها بلفظ : ( لا ينبغي للمطي أن تعمل ) وهو لفظ ظاهر في غير التحريم .
2. ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة ، فإنه لا يجب الوفاء به . قاله ابن بطال .
3.ومنها أن المراد حكم المساجد فقط ، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة ، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب ، أو طلب عالم أو تجارة أو نزهة ، فلا يدخل في النهي ، ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال : سمعت أبا سعيد - وذكرت عنده الصلاة في الطور- فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام،والمسجد الاقصى،ومسجدي). وشهر حسن الحديث ، وإن كان فيه بعض الضعف ) .
قلت : لقد تساهل الحافظ رحمه الله تعالى في قوله في شهر أنه حسن الحديث ، مع أنه قال فيه في (( التقريب )) : (( كثير الاوهام )) كما سبق ، ومن المعلوم أن من كان كذلك فحديثه ضعيف لا يحتج به ، كما قرره الحافظ نفسه في ( شرح النخبة )
ثم هب أنه حسن الحديث،فإنما يكون كذلك عند عدم المخالفة ،أما وهو قد خالف جميع الرواة الذين رووا الحديث عن أبي سعيد ، والاخرين الذين رووه عن غيره من الصحابة كما تقدم بيانه ، فكيف يكون حسن الحديث مع هذه المخالفة !؟ بل هو منكر الحديث في مثل هذه الحالة ، دون أي شك أو ريب . أضف إلى ذلك أن قوله في الحديث ( إلى مسجد ) مما لم يثبت عن شهر نفسه فقد ذكرها عنه عبد الحميد ولم يذكرها عنه ليث بن أبي سليم ،وهذه الرواية عنه أرجح لموافقتها لروايات الثقات كما عرفت .
وأيضا فإن المتأمل في حديثه يجد فيه دليلا آخر على بطلان ذكر هذه الزيادة فيه ، وهو قوله : أن أبا سعيد الخدري احتج بالحديث على شهر لذهابه إلى الطور . فلو كان فيه هذه الزيادة التي تخص حكمه بالمساجد دون سائر المواضع الفاضلة ، لما جاز لابي سعيد رضي الله عنه أن يحتج به عليه ، لان الطور ليس مسجدا . وإنما هو الجبل المقدس الذي كلم الله تعالى موسى عليه ، فلا يشمله الحديث لو كانت الزيادة ثابتة فيه.ولكان استدلال أبي سعيد به والحالة هذه وهما ، لا يعقل أن يسكت عنه شهر ومن كان معه .فكل هذا يؤكد بطلان هذه الزيادة ، وأنها لا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت مما تقدم أنه لا دليل يخصص الحديث بالمساجد ، فالواجب البقاء على عمومه الذي ذهب إليه أبو محمد الجويني ومن ذكر معه . وهو الحق .
بقي علينا الجواب على جوابهم الاول والثاني ، فأقول :
1 - إن هذا الجواب ساقط من وجهين :
الاول : أن اللفظ الذي احتجوا به ( لا ينبغي..) غير ثابث في الحديث لانه تفرد به شهر وهو ضعيف كما سبق بيانه .
الثاني : هب أنه لفظ ثابت ، فلا نسلم أنه ظاهر في غير التحريم ، بل العكس هو الصواب ، والادلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة ، أجتزئ ببعضها :
أ-قوله تعالى :{ قالوا :سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء }[ الفرقان:18 ]
ب-قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ) .رواه أبو داود (2675) من حديث ابن مسعود ، والدارمي (2/222) من حديث أبي هريرة .
ج-( لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ) . رواه مسلم .
د-( إن الصدقة لا تنبغي لال محمد .. ) . رواه مسلم .
هـ-( لا ينبغي لعبد أن يقول : إنه خير من يونس بن متى ) . رواه البخاري .
الثالث : هب أنه ظاهر في غير التحريم ، فهو يدل على الكراهة ، وهم لا يقولون بها ، ففي (( شرح مسلم )) للنووي : ( الصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره ) . ! فالحديث حجة عليهم على كل حال .
2 -إن هذا الجواب كالذي قبله ساقط الاعتبار،لانه لا دليل على التخصيص، فالواجب البقاء على العموم لا سيما وقد تأيد بفهم الصحابة إلذين روا الحديث أبي بصرة، وأبي هريرة ، وابي عمر ، وأبي سعيد إن صح عنه - فقد استدلوا جميعا به على المنع من السفر إلى الطور،وهم أدرى بالمراد منه من غيرهم ، ولذلك قال الصنعاني في (( سبل السلام )) (2/251) :
( وذهب الجمهور إلى أن ذلك غير محرم ، واستدلوا بما لا ينهض ، وتأولوا أحاديث الباب بتأويل بعيدة ، ولا ينبغي التأويل إلا بعد أن ينهض على خلاف ما أولوه الدليل ) زاد عقبه (( فتح العلام )) (1/310) :
( ولا دليل،والاحاديث الواردة في الحث على الزيارة النبوية وفضيلتها ليس فيها الامر بشد الرحل إليها ،مع أنها كلها ضعاف أو موضوعات ، لا يصلح شئ منها للاستدلال ، ولم يتفطن أكثر الناس للفرق بين مسألة الزيارة وبين مسألة السفر إليها ، فصرفوا حديث الباب عن منطوقه الواضح بلا دليل يدعو إليه ) .
قلت : وللغفلة المشار إليها اتهم الشيخ السبكي عفا الله عنا وعنه شيخ الاسلام ابن تيمية بأنه ينكر زيارة القبر النبوي ولو بدون شد رحل ، مع أنه كان من القائلين بها ، والذاكرين لفضلها وآدابها ، وقد أورد ذلك في غير ما كتاب من كتبه الطيبة[2] وقد تولى بيان هذه الحقيقة ، ورد تهمة السبكي العلامة الحافظ محمد بن عبد الهادي في مؤلف كبير أسماه ( الصارم المنكى في الرد على السبكي ) : نقل فيه عن ابن تيمية النصوص الكثيرة في جواز الزيارة بدون السفر إليها . وأورد فيه الاحاديث الواردة في فضلها ، وتكلم عليها مفصلا ،وبين ما فيها من ضعف ووضع ، وفيه فوائد أخرى كثيرة ، فقهية وحديثية وتاريخية ،حري بكل طالب علم أن يسعى إلى الاطلاع عليها .
ثم إني النظر السليم يحكم بصحة قول من ذهب إلى أن الحديث على عمومه ، لانه إذا كان بمنطوقه يمنع من السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة ، مع العلم بأن العبادة في أي مسجد أفضل منها في غير المسجد ، وقال صلى الله عليه وسلم :( أحب البقاع إلى الله المساجد ) حتى ولو كان ذلك المسجد هو المسجد الذي أسس على التقوى ألا وهو مسجد قباء الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :( صلاة في مسجد قباء كعمرة ) ، إذا كان الامر كذلك فلان يمنع الحديث من السفر إلى غيرها من المواطن أولى وأحرى ، لا سيما إذا كان المقصود إنما هو مسجد بني على قبر نبي أو صالح ، من أجل الصلاة فيه والتعبد عنده . وقد علمت لعن من فعل ذلك ، فهل يعقل أن يسمح الشارع الحكيم بالسفر إلى مثل ذلك ويمنع من السفر إلى مسجد قباء !؟
والخلاصة : إن ما ذهب إليه أبو محمد الجويني الشافعي وغيره من تحريم السفر إلى غير المساجد الثلاثة من المواضع الفاضلة ، هو الذي يجب المصير إليه ، فلا جرم اختاره كبار العلماء المحققين المعروفين باستقلالهم في الفهم ، وتعمقهم في الفقه عن الله ورسوله أمثال شيخي الاسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله تعالى ، فإن لهم البحوث والكثيرة النافعة في هذه المسألة الهامة ، ومن هؤلاء الافاضل الشيخ ولي الله الدهلوي ، ومن كلامه في ذلك ما قال في (( الحجة البالغة )) (1/192) :
( كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها ويتبركون بها ، وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى ، فسد صلى الله عليه وسلم الفساد ، لئلا يلحق غير الشعائر بالشعائر ،ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله ، والحق عندي أن القبر ، ومحل عبادة ولي من الاولياء والطور كل ذلك سواء في النهي ) .
ومما يحسن التنبيه عليه في خاتمة هذا البحث أنه لا يدخل في النهي السفر للتجارة وطلب العلم ، فإن السفر إنما هو لطلب تلك الحاجة حيث كانت لا لخصوص المكان ، وكذلك السفر لزيارة الاخ في الله فإنه هو المقصود كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية في ( الفتاوي ) (2/186) . المصدر :(أحكام الجنائز للإمام الألباني)
وقال الشيخ الفاضل علوي بن عبدالقادرالسَّقَّاف حفظه الله تعالى:
"أما بقية أنواع السفر سواء لطلب علم أو غير ذلك فهو ليس سفراً لذات المكان بل لتحصيل غرضٍ ما. ولا شك أن من تأمل القولين بعدلٍ وإنصاف ظهر له قوة حجة المانعين وصواب فهمهم للحديث، وإلا فعلى فهم المجيزين يكون السفر إلى مسجد قباء لا يجوز لأنه ليس من المساجد الثلاثة ولكن لو قدَّرنا أن هناك قبراً لأحد الصالحين بجوار مسجد قباء فإنه يجوز السفر إليه وهذا فهم لا يستقيم، ومما يؤيد ذلك فهم ابن عمر رضي الله عنهما فعن قزعة قال: سألت ابن عمر رضي الله عنه آتي الطور؟ فقال: (دع الطور ولا تأتها وقال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح. وبعضهم قصر الجواز على قبره الشريف صلى الله عليه وآله وسلم وليس معهم دليل". المصدر :( حكم السفر لزيارة قبرالنبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الفاضل علوي بن عبدالقادرالسَّقَّاف)

"هل حرَّم ذلك أحد من العلماء قبل ابن تيمية؟
شيخ الإسلام ابن تيمية لم ينفرد بالتحريم فقد سبقه أئمة صرحوا بذلك ولم يعلم عن أحد من أصحاب القرون المفضلة شد الرحال لزيارة القبور، فقد حرَّم السفر لزيارة القبور:
من المالكية: الإمام مالك (ت:179هـ ) والقاضي عياض (ت:544هـ)
ومن الشافعية: أبو محمد الجويني (438هـ)، وابن الأثير صاحب جامع الأصول (ت:606هـ)
ومن الحنابلة: ابن بطة العكبري (ت:387هـ) وابن عقيل (ت:513هـ) وغيرهم.
قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) ( 1/304) : (وسئل مالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي، فقال مالك: إن كان أراد القبر فلا يأته وان أراد المسجد فليأته ثم ذكر الحديث: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) ذكره القاضي إسماعيل في مبسوطه) اهـ
وقال المناوي في شرحه للجامع الصغير (6/140): (... ما نقل عن مالك من منع شد الرحل لمجرد زيارة القبر من غير إرادة إتيان المسجد للصلاة فيه)
وقال ابن بطة في (الإبانة الصغرى) ( ص 92) : (ومن البدع البناء على القبور وتجصيصها وشد الرحل إلى زيارتها ) اهـ
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم (9/106): ( واختلف العلماء في شد الرحال وإعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا هو حرام وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره) اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (3/65) عند شرحه لحديث: ((لا تشد الرحال)): (قال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال إلى غيرها عملاً بظاهر هذا الحديث وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة) اهـ
وقال ابن قدامة في (المغني) ( 2/100): (فإن سافر لزيارة القبور والمشاهد، فقال ابن عقيل: لا يباح له الترخص لأنه منهي عن السفر إليها قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) متفق عليه) اهـ
وقال ابن الأثير في (جامع الأصول) (9/283) في شرح حديث ((لا تشد الرحال)) : ( هذا مثل قوله (لا تعمل المطي) وكنى به عن السير والنفر، والمراد: لا يقصد موضع من المواضع بنية العبادة والتقرب إلى الله تعالى إلا إلى هذه الأماكن الثلاثة تعظيماً لشأنها وتشريفاً) أ.هـ
وقال علامة حضرموت ومفتيها السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف (ت:1300هـ) كما في كتابه (إدام القوت) (ص584): (نص إمام الحرمين – ومثله القاضي حسين – على تحريم السفر لزيارة القبور، واختاره القاضي عياض بن موسى بن عياش في (إكماله) وهو من أفضل متأخري المالكية. وقام وقعد في ذلك الشيخ الإمام ابن تيمية، وخَطَّأهُ قومٌ وصَوَّبَهُ آخرون، ومهما يكن من الأمر فَلْيَسَعَهُ ما وسع الجويني والقاضيين حسين وعياضاً، ولكنهم أفردوه باللوم! والقولُ واحدٌ. وقال مالك بن أنس: من نَذر المشي إلى مسجد من المساجد ليصلي فيه كرهتُ ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد). وقال ابن سريج – من كبار أصحاب الشافعي – إن الزيارة قربة تلزم بالنذر. والخطب يسير لم يُوَسِّعْهُ إلا الحسد والتعصب، وإلا فالتثريب في موضع الاختلاف ممنوع))
أمَّا سؤالك: هل قلَّده أحدٌ من غير علماء نجد؟
فشيخ الإسلام ابن تيمية ليس أول من قال بتحريم السفر لزيارة القبور والمسألة ليس فيها تقليدٌ لابن تيمية بل فيها اتباعٌ لدليلٍ بفهم عدد من العلماء قبل ابن تيمية، ولكن لشهرته ومكانته وكذلك لتشنيع خصومه عليه وادعائهم أنه أول من قال بذلك اشتُهرت هذه المسألة عنه.
وهناك من قال بقوله من غير علماء نجد وهم كُثُر، منهم:
علامة اليمن محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت:1182هـ) قال في (سبل السلام) (3/ 394): (والحديث دليلٌ على فضيلة المساجد هذه ودلَّ بمفهوم الحصر أنه يحرم شد الرحال لقصد غير الثلاثة كزيارة الصالحين أحياءً وأمواتاً لقصد التقرب ولقصد المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها) اهـ
وعلامة الهند السيد صديق حسن خان الحسيني (ت:1307هـ) قال في شرحه لصحيح مسلم (5/113): (وأما السفر لغير زيارة القبور كما تقدم نظائره، فقد ثبت بأدلة صحيحة ووقع في عصره صلى الله عليه وآله وسلم وقرره النبي عليه السلام فلا سبيل إلى المنع منه والنهي عنه، بخلاف السفر إلى زيارة القبور فإنه لم يقع في زمنه، ولم يقر أحداً من أصحابه، ولم يشر في حديث واحد إلى فعله واختياره، ولم يشرِّعه لأحدٍ من أمته لا قـــولاً ولا فعــلاً، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزور أهل البقيع وغيرهم من غير سفر ورحلة إلى قبورهم، فسنته التي لا غبار عليها ولا شنار فيها: هي زيارة القبور من دون اختيار سفر لها، لتذكر الآخرة) أ.هـ
وعلامة العراق السيد نعمان بن محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد (ت:1317هـ) قال في (جلاء العينين) (ص518) بعد أن انتصر لرأي ابن تيمية: (ونهاية الكلام في هذا المقام: أن شيخ الإسلام لم ينفرد بهذا القول الذى شُنِّع به عليه، بل ذهب إليه غيره من الأئمة الأعلام)
فهؤلاء ليس فيهم نجديٌّ واحد". المصدر :( حكم السفر لزيارة قبرالنبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الفاضل علوي بن عبدالقادرالسَّقَّاف)
[1] هو عبد الله بن يوسف شيخ الشافعية ووالد إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله ، كان إماما في التفسير والفقه والادب . مات سنة ( 438 ) .
[2] مثل كتابه ( مناسك الحج ) ( 3 / 390 ) من ( مجموعة الرسائل الكبرى ) .

الزرنخي
06-28-2011, 08:17 AM
:1:
بارك الله فيك اخي الكريم المجاهد وحقيقة لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد
اما زيارة ما نحسبهم صالحين وهم احياء لا اظن في زيارتهم ضرر اما
زيارتهم وهم
اموات واذا كانت لتبرك بهم فهي بلاشك حرام اما زيارة القبور للاعتبار فلا
بأس بها
الله يعطيك العافية اخي الفاضل المجاهد ونفع الله بك وبما تبثه من علم ودي
وتقديري لك
:2:

أبوالنور
06-28-2011, 12:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
http://29.imagebam.com/download/AdeOfkQOWRAz01Q0lHxPBA/13635/136344048/%3F%3F%3F%3F+%3F%3F%3F%3F+%3F%3F+%3F%3F%3F%3F%3F+% 3F%3F%3F%3F+%3F%3F%3F%3F+%3F%3F%3F%3F%3F+%3F%3F%3F +%3F%3F%3F%3F%3F.gif
اخي ابو جبريل

almojahed
06-28-2011, 12:48 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكما أخي الزرنخي و أخي ابو النور

ابو عبد الرحمن
06-29-2011, 11:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك اخي ابو جبريل على هذا النقل الرائع والمميز

هدى الله القبوريين الى الحق

آمال
06-02-2012, 03:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله خيرا الاخ المجاهد على الطرح الرائع
وجعله في ميزان حسناتكم
لم يكن واضحا تماما لي ما المقصود : عبد الحميد بن بهرام عنه قال:(سمعت أبا سعيد الخدري وذكرت عنده صلاة الطور ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام).الحديث. أخرجهما أحمد (3/93،64 )
فهل الذهاب الى مسجد قباء في رحلة الحج والعمرة هو امر منهي عنه او نأثم عليه؟!!!
وهل النية في الذهاب الى المدينة المنورة بعد اداء فيضة الحج او العمرة لزيارة المسجد النبوي وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم هو أمر نأثم عليه؟؟!!
وجزاكم الله خيراا

almojahed
06-02-2012, 06:09 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكر الله لكي سؤالك أختنا المباركة و يبدو أنه لطول الموضوع و كثرة تفصيلاته لم تنتبهي لإجابة سؤالك التي حواها الموضوع
و سأرد بإجابات محددة ان شاء الله
أولا شد الرحال إلى مسجد قباء منهي عنه بنص الحديث " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.." فماذا يعني شد الرحال ؟؟
أي يكون مقصود السفر هو مسجد قباء فأنا مثلا في فلسطين / غزة فلو نويت أن أسافر قاصداً المدينة للصلاة في مسجد قباء فلا يجوز لي ذلك و لكن لو كنت في المدينة للصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم كما يفعل الحجاج و المعتمرون فلا بأس ومما يضاف إليه من الأماكن المشروع زيارتها دون قصدها بالسفر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه وزيارة قبور أهل البقيع وقبور شهداء أحد وآخر ذلك : زيارة مسجد قباء .
و أما فضل زيارة مسجد قباء فدليل ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبا وماشيا " وفي رواية : " فيصلي فيه ركعتين " رواه البخاري ومسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم : " من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة " رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 6154 ).
جزاكي الله خيراً مرة أخرى على السؤال و أرجو ان أكون بذلك أجبتك بارك الله فيكي

آمال
06-03-2012, 12:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر لك ردك الطيب اخ المجاهد واجابتك الطيبة
ولكني فعلا قرأت الموضوع بتمعن ورأيت ما كتب عن مسجد قباء في النص
وسؤالي كان هو اننا ونحن في المدينة المنورة نخرج بسفر خاص بيوم خاص للصلاة في مسجد قباء , فهل هذا يعتبر تخصيص ؟!
اما عن اجابتك بانه ما دمنا هناك لغرض الصلاة في المسجد النبوي فلا ضرر في زيارة مسجد قباء او قبر الرسول عليه الصلاة والسلام!
دمت بخير وجزاكم الله الجنة

almojahed
06-26-2012, 03:35 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و إياكم أختنا و أعتذر فما رأيت التعليق إلا الآن
و التخصيص أختي هو فعل النبي صلى الله عليه و سلم فلست أنت أو أنا من سن ذلك بل هو النبي صلى الله عليه و سلم
فكان صلى الله عليه و سلم يأتيه راكبا أو ماشيا فيصلي فيه
جزيتي خيرا مرة أخرى لهذا الاهتمام و بارك الله فيكي

المؤمنة بالله
11-07-2012, 02:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم مشكورين للتوضيح

Abdulmohsin
12-11-2012, 09:38 AM
الأول : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد :المسجد الحرام،ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الاقصى )
الثالث : عن أبي بصرة الغفاري أنه لقي أبا هريرة وهو جاء ،فقال :من أين أقبلت ؟ قال : أقبلت من الطور ، صليت فيه ، قال : أما إني لو أدركتك لم تذهب ،إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الاقصى ) .
ألف شكر على المجهود ... ولكن :
تشتت فكري فما عدت أعرف هل أعتمد قول أبي هريرة (الرواية الأولى أعلاه) أم أعتمد فعل أبي هريرة (الرواية التي بعدها) ؟إ

almojahed
01-09-2013, 04:48 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلامتك أخي عبد المحسن من التشتت الفكري و الموضوع اسهل بكثير مما تظن
فأبو هريرة رضي الله عنه نقل الحديث الذي أوردته و لكنه فهمه على محمل آخر فظن رضي الله عنه أن الطور لأنه ليس مسجدا فيجوز شد الرحال إليه و قد صحح له فهمه الصحابي أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه و قال لو أدركتك قبل ذهابك لم أدعك تذهب فعلم أبو هريرة رضي الله أن مقصود الحديث أن لا يقصد بالسفر للعبادة إلى أي شيء إلا المساجد الثلاثة و الحمد لله أن منهج أهل السنة و الجماعة " كل واحد يؤخذ منه و يرد عليه إلا النبي صلى الله عليه و سلم فلا معصوم إلا النبي صلى الله عليه و سلم".
أرجو أن يكون قد ذهب التشتت و عادت الأمور إلى سالف عهدها كما كانت .. بارك الله فيك.

ام هُمام
09-27-2018, 04:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
جزاكم الله خيرا