المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مادمنا مختلفين كيف سينصرنا أرحم الراحمين. الشيخ: فؤاد أبو سعيد


أسامة خضر
03-17-2012, 12:49 PM
مَا دُمْنَا فِيمَا بَيْنَنَا مُخْتَلِفِين، وَلِدِيِنِنَا مُخالفِين، وَلِرَبِّنا عاصِين؛
هَلْ يَنْصُرُنَا أَوْ يَرْحَمُنا أَرْحَمُ الرَّاحِمِين؟
[الحمد لله العليِّ الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّرَ فهدى، له ملكُ السموات والأرضِ وما بينهما وما تحت الثَّرَى، المَلِكُ الحقُّ المبين، الذي على العرش استوَى، .. وقد وسعَ كلَّ شيء رحمةً وعلمًا.
أحمدُه سبحانه، وبحمده يلهجُ أولو الأحلامِ والنهى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالمُ السرِّ والنجوَى. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى كلمةِ التقوَى. اللهمَّ صلِّ على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلِه وأصحابِه أئمةِ العلمِ والهدى، وسلِّم تسليما كثيرا.
أما بعد؛ فيا أيها الناس! اتقوا الله تعالى حقَّ التقوَى، وراقبوه مراقبةَ من يعلمُ أنه يسمعُ ويرَى. فقد طال إعراضُكم عن النبأِ العظيمِ تغافلاً وجهلاً، وكثُرَ اشتغالُكم بالعَرَضِ الخسيسِ الأدنَى. وصارَ إقبالُكم على ما يَصُدُّ عن الصراطِ السويِّ والهدَى، أمَا أيقظَكم ما رأيتموه من حوادث القَدَر والقضا؟! أما أنذركم ما سمعتموه من أخبار من كذَّب وعصى، ومن أعرضَ عمَّا جاءت به الرُّسلُ وغلَبَ عليه الشقاءُ والهوى؟ كيف وجدوا عقوباتِ الذنوب؟ وكيف كان الحالُ بمن بغى وطغى؟ بلغتهم دعوةُ الرسلِ فلم يجيبوا، ورُفِعت إليهم المواعظُ فلم يلتفتوا ولم يُنِيبوا، فجاءهم أمرُ اللهِ بغتةً وأُصيبوا، فـ{هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا } (مريم: 98)، سَلْ عنهم تلك القصورَ الدامرة، والقبورَ الدائرة، والعظام الناخرة، وكيف كان السؤال والجواب؟ وهل وجدوا لهم من دون الله ملجأ وَوِزْرا؟ فاتقوا الله عباد الله! واعملوا ليوم العرض والجزاءِ =الأوفى=، ولا تكونوا ممن أعرض عن ذكر ربه ولم يرد إلا الحياة الدنيا]. الخطب المنبرية (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب) (ج12 ص: 11، 12).
ألاَ واعلموا أنَّ التفرقَ والتشرذمَ والاختلافَ لا يجلب خيرًا، والانقسامَ والتنازعَ لا تجني الأمة منه إلا شرًّا، والمعاصيَ والذنوبَ، ومخالفةَ علاَّمِ الغيوب، ورسولِه الأمينِ المحبوب، تورث الحسرة والندامة، ومن أطاعَ الكافرين، وانساق وراء المشركين؛ نكصَ على عَقِبَيْهِ، وخَسِرَ الخُسرانَ المبين، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ* بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ* سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ* وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ =أي ضعفتم= وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ =واختلفتم في أمر الله= وَعَصَيْتُمْ =وخالفتم نبيكم، فتركتم أمره وما عهد إليكم= مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ =من الفتح وهزيمة الكفار قبل العصيان= مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا =أي الغنائم= وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ* إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ =يقول: إليَّ عباد الله= فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ =غمّ الهزيمة، وغم ذهاب الغنائم، وغم المخالفة والعصيان، وغم إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم= لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ =من النصر والغنائم= وَلا مَا أَصَابَكُمْ =من القتل والجراح= وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (آل عمران: 149 – 153)، إذا كان هذا العقابُ من الهمِّ والغمِّ وعدمِ النصرِ المرجوِّ والمرادِ؛ حَصلَ للصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتيجةَ الاختلاف والتنازع، ومخالفةَ الرماة عن اجتهاد منهم؛ فكيف بنا في هذا الزمان الذي وصل التفرقُ فيه أَوْجَهُ، والاختلافُ أعلاه، وأُشعل بيننا فتيلُ التنازع والتقاتل، والتدابر والتنافر، وأُضرمت نارُ الفتنةِ بالسبِّ والشتم، ولم نرعوِِ عن التفسيق والتبديع، ولم نرتدعْ عن التكفير والتفجير، إلا من رحم الله جل جلاله.
عبادَ الله! إن نصرَ الله قريب من المؤمنين، من الذين يحبهم الله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف: 4)، لكنْ؛ قبلَ النصرِ هناك الصبرُ على الطاعة، والصبر على البأساء والضراء والابتلاء، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة: 214). فالسؤال ليس: متى نصرُ الله؟ بل متى نعودُ إلى الله؟ متى نتوبُ إلى الله؟ متى نتوحدُ أمام أعداء الله؟ متى نكون يدًا واحدةً على من سوانا؟ متى نصطلح مع أنفسنا؟ فقد قال {الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ؟} فكان بين الجواب: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} وبين تحقيق النصر أقلُّ من شهر!! وذلك في غزوة الخندق.
إن أردتم رحمةَ الله فـ{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف: 56) فلنكنْ من المحسنين مع الله ومع أنفسنا، ومع عباد الله.
وهو سبحانه قريب من المستغفرين التائبين {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} (هود: 61).
وهو سبحانه قريب من الداعين السائلين {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186).
والنصر والتأييد والسكينة والهدوء، والفتح قريب ممن رضي الله عنهم، {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا* وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (الفتح: 18، 19)
وهو بعيد عن المنقسمين على أنفسهم، والمختلفين فيما بينهم، فقد نهانا ربنا سبحانه عن ذلك فقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران: 105)، فالاختلاف المذموم؛ الذي يورث التنازع والاقتتال من صفات الأحزاب؛ أحزابِ الكفرِ والضلال، {فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (مريم: 37)، {فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} (الزخرف: 65)،
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} (البقرة: 176).
والنصر والفتح بعيدٌ عن العصاة لربهم سبحانه، المخالفين لشريعة نبيهم صلى الله عليه وسلم،، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46)، [{وَلا تَنَازَعُوا} تنازعا يوجب تشتتَ القلوبِ وتفرقَها، {فَتَفْشَلُوا} أي: تجبُنوا {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أي: تنحلَّ عزائمُكم، وتفرَّقَ قوتُكم، ويُرفَعَ ما وُعِدْتُم به من النصر على طاعة الله ورسوله]. تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 323). فعصيانُ الله سبحانه، وعصيانُ رسولِه صلى الله عليه وسلم وعدمُ الصبر على الطاعة، والتنازعُ والاختلافُ؛ نتيجتُه الفشل والهزيمة، وذَهابُ الريح، وقذْفُ الوَهْنِ والضعْفِ في القلوب، والهوانِ على الله والناس، قال السعدي: [فأخبر =سبحانه= أنَّ ائتلافَ قلوبِ المؤمنين، وثباتَهم وعدمَ تنازعِهم سببٌ للنصرِ على الأعداء، وأنت إذا استقرأت الدولَ الإسلاميةَ وجدتَ السببَ الأعظمَ في زوالِ مُلكها تركُ الدين، والتفرقُ الذي أطمع فيهم الأعداء، وجعلَ بأسَهم بينهم..]، تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 127). عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟! قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ». سنن أبي داود (4297). الصحيحة (958).
وعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (اشْحَذْ سَيْفَكَ). قِيلَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: (نُزِعَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمُ الرُّعْبُ، وَقُذِفَ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنُ). قَالُوا: بِمَ ذَاكَ؟! قَالَ: (بِحُبِّكُمُ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيِتِكُمُ الْمَوْتَ. طُوبَى لِمَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ، وَقَعَدَ فِي بَيْتِهِ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ). الزهد لأبي داود (ص: 317، ح364).
وهذا الوهْنُ والخوَر والضعف من جزاء المعاصي؛ عَنْ أَبِي حَبْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ =رضي الله تعالى عنه= أَنَّهُ قَالَ: (جَزَاءُ الْمَعْصِيَةِ الْوَهْنُ فِي الْعِبَادَةِ، وَالضِّيقُ فِي الْمَعِيشَةِ، وَالتَّعَسُّرُ فِي اللَّذَّةِ), قِيلَ: وَمَا التَّعَسُّرُ فِي اللَّذَّةِ؟! قَالَ: (لا يَنَالُ شَهْوَةً حَلالاً إِلاَّ جَاءَهُ مَا يُنَغِّصُهُ إِيَّاهَا). الكنى والأسماء للدولابي (1/ 402، ح719)، التوبة لابن أبي الدنيا (ص: 116، ح142).
[وكتب عمر رضي الله عنه إلى أمير جيشه سعدِ ابنِ أبي وقاص يحضُّه فيه على تقوى الله، ويحذِّرُه المعاصي فقال: (وبعد؛ فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإنَّ تقوى اللهِ أفضلُ العُدَّةِ على العدوِّ، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدَّ احتراسًا من المعاصي منكم من عدوِّكم؛ فإنَّ ذنوبَ الجيش أخوفُ عليهم من عدوِّهم، وإنما يُنْصَرُ المسلمون بمعصية عدوِّهم لله.
ولولا ذاك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأنَّ عددَنا ليس كعددِهم، ولا عُدَّتُنا كعُدَّتِهم؛ فإنْ استوينا في المعصية كان لهم الفضلُ علينا في القوة، وإلاَّ نُنْصَرُ عليهم بفضلنا؛ لم نغلبْهم بقوتنا، فاعلموا أنَّ عليكم في سَيرِكم حفظةً من الله، يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله.
ولا تقولوا: إنَّ عدوَّنا شَرٌّ مِنَّا، فلن يُسَلَّطَ علينا؛ فرُبَّ قومِ سُلِّطَ عليهم شَرٌّ منهم، كما سُلِّطَ على بني إسرائيل لما عملوا بالمعاصي كفارُ المجوس؛ فجاسوا خلال الديار، وكان وعد الله مفعولاً.. واسألوا الله العونَ على أنفسِكم، كما تسألونَه النصرَ على عدوِّكم، أسأل الله تعالى ذلك لي ولكم.. أهـ]. =بدائع السلك في طبائع الملك (2/ 62)، ورواها عن عمر بن عبد العزيز في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم (5/ ص:303)، و سيرة عمر بن عبد العزيز لعبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع، أبو محمد المصري (المتوفى: 214هـ) (ص: 76)=
[فتأملْ ما كتبه أميرُ المؤمنين إلى قائد جيشه؛ يأمرْه بالتقوى، ويحذرْه من المعاصي بأشدِّ المواقفِ وأحرجها، عند مقابلةِ المسلمين لجيش العدوِّ من الكفرة المعاندين؛ لِعِلْمِه أنَّ تقوى اللهِ أفضلُ العُدَّة والذخيرة، وأقوى عاملٍٍ لنُصرةِ المسلمين على أعدائهم، والغلبةِ عليهم، والظفرِ بهم.
فتمسَّكَ المسلمون بوصية عمر، وكانوا كما وصف رجل من الروم المسلمين لرجل من الروم؛ أمير، فقال: (جئتك من عند رجالٍ دقاقٍ، =أي أجسامهم نحيفة= يركبون خيولاً عتاقًا؛ أما الليلُ فرهبان، وأما النهار ففرسان، لو حدثت جليسك حديثًا ما فهِمِه عنك؛ لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر)، فالتفت إلى أصحابه وقال: (أتاكم منهم مالا طاقة لكم به).
هُمُ الرِّجَالُ وَغَبْنٌ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ ... لَمْ يَتَّصِفْ بِمَعَالِي وَصْفِهِمْ رَجلُ
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحُها» لمَّا كان العبدُ لابدَّ أنْ يحصلَ منه تقصيرٌ في التقوى ولوازمِها؛ أمره -صلى الله عليه وسلم- بما يدفع ذلك ويمحوه، فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: وحيث أنَّ المرءَ لا يأمنُ على نفسه من الزلل والخطأ، فإذا ما وقعَتْ منك زَلةٌ أو خطيئة، فأتبِعْها بالحسنة، فهي ماحيةٌ لها، مُخلِّصَةٌ لك من شرِّها وإثمها، نظيرُ قوله تعالى: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، ومن أساء إليك =من إخوانك المسلمين= فقابلْه بالإحسان، على حدِّ قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
اصْدُقْ صَدِيقَكَ إِنْ صَدَقْتَ صَدَاقَةً ... وَادْفَعْ عَدُوَّكَ بِالَّتِي فَإِذَا الَّذِي
وهذا من أكرمِ أخلاقِ المرءِ وأجَلِّ صفاتِه، فإذا أساءَ إليك مسيءٌ من الخلق، خصوصًا من له حقٌّ عليك؛ كالأقاربِ والأصحابِ ونحوِهم، فقابِلْ إساءتَه بالإحسان، وسواءٌ كانت إساءةً قوليةً أو فعلية، فإنْ قَطَعَك فصِلْهُ، وإنْ ظَلَمَك فاعْفُ عنه، وإن تكلَّمَ فيكَ غائبًا أو حاضرًا فلا تقابلْه بالإساءة؛ بل اعفُ عنه، وعاملْهُ بالقولِ الليِّن، وإنْ هجرَك وتركَ خطابَك فطيِّبْ لهُ الكلامَ، وابذُلْ له السلامَ، كما قيل:
وَإنْ أَسَاءَ مُسِيءٌ فَلْيَكُنْ لَكَ فِي ... عُرُوض زَلَّتِهِ صَفْحٌ وغُفْرَانُ
... فإذا قابلتَ الإساءةَ بالإحسانِ حَصَلَ فائدةٌ عظيمةٌ {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، كأنه قريب شفيق، وهذا فيما إذا كان المتعدي من غيرِ قصدٍ، وأهلاً للعفوِ والمسامحة، والمقابلةِ بالتي هي أحسن، والحذرَ من =ما يمنعك من العفو والصفح والمسامحة وهو= الكِبْرُ والعُجْب]. بتصرف من موارد الظمآن لدروس الزمان (3/92- 94)
********* خ2
الحمد لله؛ قال الشيخ الأديب الزاهد أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ثابت المعروف بابن الكيزاني المصري:
إذا سَفِه السفيهُ عليك فاجعلْ ... سكوتَك عنه من شَرَفِ الخصالِ
فإنْ جازيتِ ذا جُرم بجُرمٍ ... فما فضلُ المصونِ على المُذالِ
وإنْ كان الدنيءُ رخيصَ قَدْرٍ ... فمقدارُ الرئيسِ عليه غالِ
فإغضاءُ الحليمِ عن المساوي ... أجلُّ لدَيهِ من بذْل النّوالِ
فما شَرُفَ الغنيُّ بغيرِ لُبّ ... ولا نَقُص اللبيبُ بغيرِ مالِ
المحاضرات والمحاورات للسيوطي (ص: 177).
قديما [قال قائدٌ رومانيٌّ: (ما بالُ جيوشِنا تنهزمُ أمامَ جيوشِ المسلمين، ونحن أكثرُ منهم عَددًا وعُدَّةً، وأكثرُ تدريبًا وأوفرُ سلاحا؟!) فلم يجبْه أحدٌ، ثم قال لقوَّادِه وكبارِ مَن حولَه: (أجيبوا!) قال أكبرُهم قيادةً وأكبرُهم سِنًّا: (هل تأذن لي بالجواب؟) قال: (نعم!) قال: (السببُ؛ أنَّنا نحبُّ الحياة، وهم يحرصون على الموت، ونحن نريدُ المغانم، وهم يريدون الجزاءَ من الله، ويحرصون على الجنة التي وُعَدوا بها، ونحنُ نشربُ الخمرَ ونطرَبُ الليلَ، وهم يسهرون الليل بالعبادة). قال القائد الروماني: (صدقتَ فهل يمكن أن نغلِبَهم؟) قال: (لا! إلاَّ إذا عمِلوا بما عملنا، وعصَوا اللهَ، فهنالك يتخلَّى اللهُ عنهم، ونغلبُهم بقوتنا التي تفوقهم). ففرح القائد الروماني، وقال: (ومتى ذلك؟) قال: (عندما يهتمون بالدنيا، ويحرصون على مكاسبها، ويختفى وازع الدين من قلوبهم) أ. هـ]. مجلة البحوث الإسلامية (68/ 131، 132).
فلنستيقظْ من رقْدتْنا، ولننتبهْ من غفلتِنا، ولنعقدْ الصفقةَ الرابحة مع الله جل جلاله، ولْنتاجرْ معه سبحانه، فالتجارة مع الله لن تبور، وحليفها الفوز والظفر؛ وهي بالإيمان به وبرسوله، والمجاهدةِ بالمالِ والنفسِ، على قدْرِ الطاقةِ والاستطاعة، والنتيجةُ النصرُ والفتحُ، والمغانمُ والجناتُ في رضا الرحمن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (الصف: 10 – 13).
"اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا عدواً حاسداً، اللهم إنا نسألك من كلِّ خيرٍ خزائنُه بيدك، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك"، "اللهم أحيِنا مساكين، وأمتنا مساكين، واحشرنا في زمرة المساكين"، "اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرِنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كلِّ خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر"، "اللهم اغفر لنا خطيئتنا وجهلنا، وإسرافنا في أمرنا، وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا خطأنا وعمدنا، وهزلَنا وجَدَّنا، وكلَّ ذلك عندنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخَّرْنا، وما أسررنا وما أعلنَّا، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير"، "اللهم اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا كلَّها، اللهم أنعشنا واجبرننا، واهدنا لصالح الأعمال والأخلاق، فإنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت"، "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوراث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا".
عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت: 45)
جمع وترتيب الفقير إلى عفو رب العباد/ أبي المنذر فؤاد
الزعفران- المغازي- الوسطى- غزة- فلسطين
23 ربيع الآخر 1433 هلالية وفق 16 مارس 2012 شمسية
للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكتروني: zafran57@hotmail.com (zafran57@hotmail.com)
أو زوروا الموقع الالكتروني الرسمي للشيخ: www.alzafran.com (http://www.alzafran.com)

ام هُمام
03-17-2012, 04:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والصلاة والسلام على سيدنا محمد بارك الله فيكم على هذا الموضوع والله نحن بحاجة له في وقتنا هذا
"اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوراث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا".

almojahed
03-18-2012, 06:43 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيراأخي الكريم على هذا النقل المبارك

ابو عبد الرحمن
03-20-2012, 10:19 PM
بارك الله فيك اخي وجزاك عنا خير الجزاء