-ولا شك أن الناس بين ذلك درجات في عقولهم وفهومهم، فهذا عقله متسع بنفس رحبة، وهذا ضيِّق العَطَن، وآخر يميل للأحوط، وآخر يميل للتوسيع، وهذه العقليات والمدارك تؤثر في فهْم ما يقال.
و"من رُزِق فَهمًا في كتاب الله- تعالى- ودراية بالسنة النبوية، وطريقة سلف هذه الأمة-رأى من المعالم الإيمانية في نصوص المجادلة ووقائع المناظرة، ما يستخلصه شروطًا وآدابًا، للرد على المخالفين: في تكييف حال الراد، والمردود عليه، ونوعية الدافع، وتجلية الطريق، وكيف ترتب النتيجة، وهي ضوابط، وآداب، وشروط، وأحكام، متى توفرت، ظفِر الطالب المحق ببُغيته، وصار بمنأًى عن الغلط والاضطراب، وهي قواعد العلم وضوابطه.
وهذه الشروط والآداب، وإن كانت مستقرة في الجملة، لكنَّ الشرط في ذاته مراتبُ، تتنوَّع بتنوُّع كل مخالف ومخالفته؛ فقد تكون المخالفة لا يقوى على نقضها إلا فحول العلماء، وقد تكون دون ذلك، وقد تكون فيما لا نزاع فيه أصلاً، فردها من اليسر والوضوح بمكان؛ ولهذا فإن السلف-رحمهم تعالى-مع أنهم أكمل الناس في معرفة الحق، ونقض ما يعارضه، لكنهم كانوا في هذا درجات"[١٩].
🖋 يتبَعُ بِإذنِ اللَّـهِ..
|