ملتقى أحبة القرآن

ملتقى أحبة القرآن (http://www.a-quran.com/index.php)
-   قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله (http://www.a-quran.com/forumdisplay.php?f=105)
-   -   خطبة: بطاعة الرحمن يكون الاستعداد لرمضان (http://www.a-quran.com/showthread.php?t=7820)

أسامة خضر 09-08-2012 08:15 AM

خطبة: بطاعة الرحمن يكون الاستعداد لرمضان
 
بطاعة الرحمن يكون الاستعداد لرمضان

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا، أَرْسَلَهُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًّا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فَهَدَى بِنُورِهِ مِنْ الضَّلالَةِ، وَبَصَّرَ بِهِ مِنْ الْعَمَى، وَأَرْشَدَ بِهِ مِنْ الْغَيِّ، وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، .. حيث بلَّغَ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمَّةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادِه، وَعَبَدَ اللهَ حتى أتاهُ اليقينُ من ربِّه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا، وجزاه عنَّا أفضلَ ما جزى نبيًّا عن أمته]. من الطرق الحكمية لابن القيم (3)، الحسبة في الإسلام، لابن تيمية (5). أما بعد؛
إن العلمَ بقدومِ زائرٍ عزيز، أو ضيفٍ حبيبٍ يقتضي الاستعدادُ له بما يليقُ به، ويحسنُ لملاقاته، وزائرُنا العزيز بعد أيام هو شهر رمضان، وضيفنا الحبيب هو شهر الصيام، فيجب الاستعدادُ له بما يليقُ ويحسن، فلا يليق ولا يحسن استقباله بالتنازع والاختلاف والخصام، ولا بالذنوب والخطايا والآثام، ولا بالمسلسلات والأغاني والأفلام، وما يبث ليلَ نهارَ في وسائل الإعلام، من مخالفاتٍ سافرة لشريعة الرحمن سبحانه.
كذلك لا ينبغي استقبالُ شهرِ العبادةِ بتكديس أنواع الشراب والطعام، وتخزينِ علبِ الدخانِ، وأكياس التِّتِن، وما يحتاجه الغليون والشيشة، في غرفة أو خُصٍّ أو عريشة.

إنَّ رمضانَ موسمٌ من مواسم الخيرات، وزمنٌ لنـزول البركات، ففيه تُغْتَنمُ الصالحات، ويستكثر العبدُ المؤمنُ من الحسنات، ويتعاطى أسبابَ محوِ الخطايا، وغفرانِ السيئات.
فلا بدَّ من التعرض لهذا الموسم العظيم ؛بمضاعفةِ فعلِ الخيرات، لقولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ». المعجم الكبير للطبراني (1/ 250، رقم 720)، انظر الصحيحة (1890).

فمن يدري؛ لعلَّ العبدَ ينتهي أجلُه في رمضان، فيختمُ له بخير، عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "لَيْسَ مِنْ عَمَلِ يَوْمٍ إِلاَّ وَهُوَ يُخْتَمُ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَرِضَ الْمُؤْمِنُ، قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: يَا رَبَّنَا، عَبْدُكَ فُلانٌ قَدْ حَبَسْتَهُ، =أي منعته عن العمل والطاعة= فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: اخْتِمُوا لَهُ عَلَى مِثْلِ عَمَلِهِ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ يَمُوتَ" مسند أحمد ط رسالة (28/ 553، رقم 17316)، المعجم الكبير للطبراني (17/ 284، رقم 782)، انظر الصحيحة (2193).

مواسمُ وأيامٌ تأتي وتذهبُ ولن تعود أبداً، عن مُجَاهِدٍ قال: (مَا مِنْ يَوْمٍ إِلاَّ يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ! قَدْ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، وَلَنْ أَرْجِعْ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَانْظُرْ مَا تَعْمَلُ فِيَّ، وَلا لَيْلَةٌ إِلاّ قَالَتْ كَذَلِكَ). حلية الأولياء (3/ 295).
وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: (ابْنَ آدَمَ! الْيَوْمُ ضَيْفُكَ، فَالضَّيْفُ مُرْتَحِلٌ، يَحْمَدُكَ أَوْ يَذُمُّكَ، وَكَذَلِكَ لَيْلَتُكَ). الزهد لابن أبي الدنيا (ص: 187، رقم 428).

وليس المعنى أن يُهلِكَ العبدُ نفسَه بالعبادة، فيكلِّفُها بما تطيقه، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟!» قَالَتْ: فُلاَنَةُ! تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا، قَالَ: «مَهْ! عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. صحيح البخاري (43)، ومسلم (785). فهذه المرأة شدَّدت على نفسها بالصلاة، فنصحها صلى الله عليه وسلم أن تصليَ طاقتها، وقدرتها واستطاعتها.

إنَّ نساءَ ذلك الزمانِ يقهرنَ أنفسهُنَّ ويتعبْنَها في طاعة الله، ويفعلْنَ ما يجعلُهن في يقظةٍ طوال الليل للتطوع بالصلاة، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ، وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟!» قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا كَسِلَتْ، أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ، فَقَالَ: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ، أَوْ فَتَرَ قَعَدَ»... صحيح البخاري (1150)، ومسلم (784).

وهذا أحدُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم يشدِّد على نفسه بالصيام قائما في الشمس، فيلومُه صلى الله عليه وسلم، فبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ؟ قَالُوا: (هَذَا أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ، وَلا يَقْعُدَ، وَلا يَسْتَظِلَّ، وَلا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ)، قَالَ: «مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ». سنن أبي داود (3300).

وهذا مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، رضي الله تعالى عنه يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». سنن ابن ماجه (221). [(والشر لجاجة)؛ لما فيه من العوج وضيق النفس والكرب] فيض القدير (3/ 510)
[قال الحسن: (إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة).
وقال وهيب بن الورد: (إن استطعت أن لا يسبقَك إلى الله أحدٌ فافعل).

وقال بعض السلف: (لو أن رجلا سمع بأحدٍ أطوعَ لله منه؛ كان ينبغي له أن يُحزنَه ذلك)...
قال رجل لمالك بن دينار: (رأيت في المنام مناديا ينادي: أيها الناس! الرحيلَ الرحيلَ. فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن واسع)، فصاح مالك وغشي عليه: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (الواقعة: 10, 12).

قال عمر بن عبد العزيز في حجةٍ حجها عند دفع الناس من عرفة: (ليس السابقُ اليوم من سبق به بعيرُه، إنما السابق من غفر له)]. لطائف المعارف لابن رجب (ص: 244)

[وعن فاطمة بنت عبد الملك؛ زوج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله قالت: (ما رأيت أحدًا أكثر صلاة ولا صيامًا منه ولا أحدًا أشد فرقًا من ربه منه، كان يصلي العشاء ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه ثم ينتبه فلا يزال يبكي تغلبه عيناه، ولقد كان يكون معي في الفراش، فيذكر الشيء من أمر الآخرة فينتفض كما ينفض العصفور من الماء، ويجلس يبكي فأطرح عليه اللحاف).

عن أحمد بن حرب قال: (يا عجبًا لمن يعرفُ أنَّ الجنة تُزيَّنُ فوقَه، والنار تُسَعَّرُ تحته؛ كيف ينام بينهما؟!)
لما أراد قاتل المائة أن يتوب حقًا قيل له: ".. انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ،.." صحيح مسلم (2766). فلابد لمن أراد تحصيل المغفرة من شهر رمضان أن يترك المُخْلِدين إلى الأرض، ويزاملَ =ويصاحبَ= ذوي الهممِ العالية، كما قال الجنيد: (سيروا مع الهمم العالية).

وقد أمر الله خيرَ الخلق -صلى الله عليه وسلم- بصحبة المُجِدِّين في السير إلى الله، وتركِ الغافلين، فقال جلَّ جلاله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف: 28).

وقال عز وجل: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} (لقمان: 15)، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } (التوبة: 119).
فلو صحِبَ الإنسانُ من يَظَنُّ أنَّ قيامَ ساعةٍ من الليل إنجازٌ باهرٌ؛ فهو مغبونٌ لن يعْدُوَ قدرَه، بل سيظلُّ راضيًا عن نفسه، مانًّا على ربِّه بتلك الدقائق التي أجهد نفسه فيها، ولكنه لو رأى الأوتادَ من حوله تقف ساعاتٍ طوالٍ في تهجُّدٍ وتبتل وبكاء، (وهم مُتَقَالُّوهَا)؛ فأقلُّ أحواله أن يظلَّ حسيرًا كسيرًا على تقصيره..
أنا العبد المخلَّفُ عن أُناسٍ ** حوَوْا من كل معروفٍ نصيبا
وقيل للإمام أحمد: (متى يجد العبد طعم الراحة؟) فقال: (عند أول قدم يضعها في الجنة). قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا». رواه البخاري (6308).

لأنَّ همةَ أبناءِ الآخرةِ تأبى إلاَّ الكمالَ، وأقلُّ نقصٍ يعدُّونه أعظمَ عيب، قال الشاعر:
ولم أَرَ في عيوبِ الناسِ عيبًا ** كنقصِ القادرين على التمام
وعلى قدرِ نَفاسةِ الهمةِ تشرئبُّ الأعناق، وعلى قدرِ خساستها تثَّاقل إلى الأرض، قال الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ** وتأتي على قدر الكرامِ المكارم
... فإذا كنت مدخنًا، أو مبلتىً بالنظر =إلى النساءِ وصورِهنَّ=، أو الوسوسةِ أوالعشق، فبادر إلى تقييد كلِّ هذا البلاءِ، وابدأ العمل الجادَّ في شهر رمضان، ولا تتذرَّعْ بالتدرجِ..، بل اهجر الذنبَ، وقاطع المعصيةَ وابتُر العادة، ...

إنَّ شهرَ رمضانَ فرصةٌ سانحةٌ لعلاجِ الآفات، والمعاصي والعادات، إنه شهرُ حِمْيةٍ وامتناعٍ عن شهوات (الطعام والجماع)، والشهوات مادة النشوز والعصيان، كما أنَّ الشياطين فيه تصفّد، وهُمْ أصلُ كلِّ بلاء يصيبُ ابنَ آدم، أضف إلى ذلك: جماعية الطاعة، حيث لا يبصر الصائم في الغالب إلا أمَّةً تصومُ وتتسابقُ إلى الخيرات، فتضعفُ همته في المعصية، وتقوى في الطاعة، فهذه العناصر .. المهمة تتضافر مع عزيمة النفس الصادقة للإصلاح، فتتولّدُ .. ظروفٌ مناسبة لاستئصال أي مرض.

وقبل كل ذلك وبعده لا يجوز أن ننسى ونغفلَ عن ديوان العتقاء والتائبين والمقبولين، الذي يفتحه الرب جل وعلا في هذا الشهر، وبنظرة عابرة إلى جمهور المتدينين تجدُ بداياتهم كانت بعَبَرَاتٍ هاطلة، =وعيونٍ دامعة= في سكون ليلةٍ ذات نفحاتٍ من ليالي رمضان.

وما لم تتحفّزْ الهممُ لعلاج الآفات في هذا الشهر؛ لن تبقى فرصةٌ لأولئك السالكين أن يبرَؤوا، فمن حُرم بركةَ رمضان، ولم يبرأْ من عيوبِ نفسه فيه؛ فأيُّ زمانٍ آخرَ يستظلُّ ببركته. فـ«.. رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، ..». سنن الترمذي (3545)

أما كون الطاعة ذات طعمٍ وحلاوة، فيدلُّ له قوله صلى الله عليه وسلم: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا»، مسلم (34).

ولما نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فقال: «لا تُوَاصِلُوا»، قَالُوا: (فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ!)، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ، إِنَّ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» سنن الترمذي (778).

قال ابن القيم: (وَقَدْ غَلُظَ حِجَابُ مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذَا طَعَامٌ وَشَرَابٌ حِسِّيٌّ لِلْفَمِ. وَلَوْ كَانَ كَمَا ظَنَّهُ هَذَا الظَّانُّ: لَمَا كَانَ صَائِمًا، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُونَ مُوَاصِلاً). ثم قال: (وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ ذَوْقَ حَلاوَةِ الإِيمَانِ وَالإِحْسَانِ، أَمْرٌ يَجِدُهُ الْقَلْبُ. تَكُونُ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ كَنِسْبَةِ ذَوْقِ حَلاوَةِ الطَّعَامِ إِلَى الْفَمِ..). أهـ. مدارج السالكين (3/ 87، 88).
يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (آل عمران: 135، 136)، ...]. القواعد الحسان في أسرار الطاعة والاستعداد لرمضان بتصرف.




***الخطبة الثانية***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى من اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد؛
[وأخيرا؛ رمضانُ فرصةٌ عظيمةٌ لتركِ جميع المعاصي؛ صغيرِها وكبيرِها، ومنها التدخينُ، فإن التدخينَ وباءٌ خطير، وشرٌّ مستطيرٌ، وبلاءُ مدمرٌ.
وأكثرُ هؤلاءِ المدخنون لا يكابرونَ في ضررِ التدخين، ولا يشكُّون في أثرهِ وحرمتهِ، بل تراهم يؤمِّلونَ في تركهِ، ويسعونَ للخلاصِ منهُ؛ فلهؤلاءِ حقٌّ على إخوانهم أنْ يعينوهم، ويأخذوا بأيديهم، خصوصًا في هذا الشهر الكريم.
فلو سألنا كلَّ مدخنٍ وقلنا له: (لماذا تدخِّن؟!) لأجابوا إجاباتٍ مختلفةً؛ فَمِنْ قائلٍ: أدخنُ إذا ضاق صدري؛ كي أروِّح عن نفسي.. أدخِّن كي أتسلَّى في غربتي، وبُعدي عن أهلي.. أدخن؛ إذا سامرت زملائي؛ ليكتمل فرحي وأنسي.. أدخنُ؛ لأتخلصَ من القلقِ والتوترِ والغضبِ.. أدخنُ؛ مجاملةً للرفاقِ.. أدخنُ؛ لفرط إعجابي بفلانٍ من الناسِ، فهو يدخنُ وأنا أتابعه، وأعملُ على شاكلتهِ.. التدخين تعلقتُ بهِ منذُ الصِّغرِ فعزَّ عليَّ تركهُ في الكبر، ومكابرٌ عنيدٌ يقول: أدخن؛ لقناعتي بجدوى التدخين؛ فلا ضررَ فيه، ولا عيبَ، ولا حرمة... =أشعر أنه يعطيني الرجولة والفحولة والشجاعة=...

أيُّها المدخنُ!.. متى ستقلع عن التدخين؟ إن لم يكن في رمضان فمتى؟ والجواب: أنْ تقلعَ عن التدخين فورًا، وأن تهجره بلا رجعة.
وذلك بالتوبة النصوح؛ قبل أن يفجأك الموتُ على غِرَّةٍ منك، واستعن بالله وفوّض أمرك إليه، والتمس إعانته ولطفه، وتضرع إليه بالدعاء، واسأله بصدق وإخلاص وإلحاح أن يعينك على ترك التدخين.. وأقبل على الله بالمحافظة على الصلاة؛ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأقبل على الله بالصيام؛ فإنه علاج نبوي يهذّب النفس، .. ويقوي الإرادة، .. وأقبل على كتاب ربك؛ .. وأكثر من ذكر الله -عز وجل- ففيه الطمأنينة والسكينة، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فإن الشيطان هو الذي يزيِّن لك المعصية؛ فإذا استعذت بالله من الشيطان بصدق، أعاذك الله منه... وتذكّر أن مَنْ ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه، وأن العِوَضَ أنواع مختلفة، وأجلُّ ما تعوَّضُ به: الأنس بالله، ومحبتُه، وطمأنينة القلبِ بذكره.
ولتكن عندك العزيمةُ الصادقةُ، .. التي هي عنوان عظماء الرجال.وتحلَّ الصبر؛ فالذي يريد ترك التدخين قد يجد مشقة كبرى خصوصًا في بداية الأمر؛ .. والشعور بالكآبة في الأسابيع التالية لإقلاعهم عن التدخين، ... وقد لا تظهر تلك الأعراض إذا كانت العزيمةُ صادقةً، والإرادةُ قويةً.

ثم إنَّ تلك المشقة لا تزال تَهُونُ شيئًا فشيئًا إلى أن يألف المدخنُ ترك التدخين، قال ابن القيم -رحمه الله-: (إِنَّمَا يجد الْمَشَقَّة فِي ترك المألوفات والعوائد من تَركهَا لغير الله؛ فَأَما من تَركهَا صَادِقا مخلصا من قلبه لله، فانه لا يجد فِي تَركهَا مشقة إِلاَّ فِي أوَّلِ وَهْلَةٍ، ليُمتحَنَ؛ أصادقٌ هُوَ فِي تَركهَا أم كَاذِب؟ فإن صَبر على تِلْكَ الْمَشَقَّة قَلِيلا استحالت لَذَّة..) أهـ. الفوائد لابن القيم (ص: 107). «.. وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». صحيح البخاري (1469).

وأبعِدْ يا تارك التدخين! عن رفقة السوء، وعن كلِّ ما يذكر بالتدخين، من فراغٍ، ورؤية مدخنين، أو شمّ رائحة دخان...
وأخيرًا نسأل الله أن يعينَك، وأنْ يهديَك لأرشدِ أمرِك، وأن يحبِّبَ إليك الإيمانَ، ويزيِّنَه في قلبك، وأن يكرِّهَ إليك الكفرَ والفسوق والعصيان، ويجعلك من الراشدين]. بتصرف من دروس رمضان للشيخ محمد إبراهيم الحمد.

وعليك أن تتعرض لنفحات الله الليلية عند السحر، قبيل الفجر، وتتضرع إلى ربك أيُّها العاصي، -وكلُّنا عصاة- فلنندمْ ولنتُبْ، وإلى ربنا نعود ونؤوب، ونستقبل رمضان بصحائفَ بيضاءَ، وقلوبٍ نقية، وصدور للعبادة منشرحة، فقد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، كُلَّ لَيْلَةٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ" فَلِذَلِكَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى أَوَّلِهِ. سنن ابن ماجه (1366)، صحيح الجامع (836).

(اللهم اغفر لنا خطيئاتِنا وجهلنا، وإسرافنا في أمرنا، وما أنت أعلم به منا.
اللهم اغفر لنا خطأنا وعمدنا، وهزلنا وجدّنا، وكلَّ ذلك عندنا.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلم به منّا، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت).


وجمعه من مظانه: أبو المنذر/ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
الزعفران المغازي غزة
16 شعبان 1433 هلالية.
وفق: 6/ 7/ 2012 شمسية.
للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكتروني: zafran57@yahoo.com
أو زوروا الموقع الالكتروني الرسمي للشيخ: www.alzafran.com

المؤمنة بالله 09-17-2012 04:31 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا وجزى الله الشيخ وحفظه على المعلومات القيمه جعلها الله في ميزان حسناتكما

ام هُمام 10-10-2012 05:17 PM

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
(اللهم اغفر لنا خطيئاتِنا وجهلنا، وإسرافنا في أمرنا، وما أنت أعلم به منا.
اللهم اغفر لنا خطأنا وعمدنا، وهزلنا وجدّنا، وكلَّ ذلك عندنا.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلم به منّا، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت)

حافظة القرآن 11-07-2012 04:06 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله بك وبالشيخ فؤاد بن يوسف على الخطبة التي فيها الوعظ والنصح


الساعة الآن 10:48 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009