(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا (118))
لا تتخذوا من هؤلاء الفئات التي أخطأت في الأهداف، أخطأت في المقاصد، حادت عن منهج الله لا تقربونهم إليكم، لا تتخذوا منهم مهما بلغ قشر المادة التي هم يحتشدون فيها وحولها، مهما بلغت القوة أو التقدم أو التطور المادي أو الذكاء العلمي لديهم، لا تتخذوا من هؤلاء مستشارين لا تتخذوا من هؤلاء أصحاب خبرة يقدمون إليكم المعلومات التي تحتاجون إليها في بناء مجتمعاتكم أو في بناء دولكم، لماذا يا رب؟ لماذا كل هذا التحذير؟
(لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا)
الضرّ، يوقعون بكم الضر، يوقعون بكم الأذى، ولماذا قضية إيقاع الأذى وذاك التحذير الشديد منهم؟ إختلاف المقاصد. أنتم اختلفتم في الأهداف معهم هؤلاء أناس ليسوا بأصحاب رسالة ولا قيم وإن تبدّى لكم أنهم قد اكتسبوا القيم المادية، القيم التي جاءت بها الأديان، القيم العظمى من عدالة ومن حرية ومن مساواة لا يمكن أن تنفك عن القيم المادية أو المنجزات المادية. وحين يخطئ الإنسان في تلك القيم الأساس التي جاءت بها الأديان قطعاً سيخطئ كذلك في الوسائل.
(إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور (119))
النوايا ليس للمؤمن أن يتدخل فيها، ليس للمؤمن أن يُحاكِم البشر وفق نواياهم ولكن للمؤمن أن يكون حذراً، للمؤمن أن يعرف الأمور وأن يقيسها بشكل جيد.
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا (120))
المؤمن ليس بالخدّاع ولا بالمكّار ولا بالمختال، المؤمن إنسان صاحب مصداقية مع المؤمن والكافر، مع المؤمن والمنافق على حد سواء، ولكن في ذات الوقت هو ليس بالإنسان المغفّل لذي يمكن أن يُستغل إلى أبعد حد، لا. المؤمن إنسان صاحب قيم ولكن هذه القيم لا تعني أن يكون مغفّلاً ولكنه تعني أن يكون واقفاً عند أمر الله له بالتحذير ولذلك هذه الآيات بيّنت وسائل التعامل مع الزائغين والضالين عن القيم التي جاءت بها الأديان، كيف يتعامل المؤمن؟ كيف يتعامل المؤمن في أجواء وفي عصور تموج بالضلال والمكائد والمكر، كيف يتعامل؟ القرآن يقدّم له أول أسلوب من أساليب التعامل الثبات على المبادئ والقيم وليس على المصالح، ليس على المصالح الشخصية ولذلك جاءت الآية بالتحذير
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا (118))
لا تقدّم المصلحة الشخصية لذاتك على مبادئك وقيمك.
لا تتنازل عن القيم والمبادئ التي تؤمن بها في كتابك لأجل تحقيق مصلحة شخصية أو غرض قريب من أغراض وعروض الدنيا، لا تتنازل.
(هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ (119))
المؤمن لا يحقد، المؤمن لا يبغض إلا لله ومعنى البغض لله أن يبغض الفعل لا يبغض الشخص، المؤمن ليس بالإنسان صاحب العداوات الشخصية، المؤمن ليس إنسانًا يعادي لأجل عرق أو تعصب أو قومية أو ما شابه.
(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ (121))
استعداد مادي، تجهيز العدّة والعتاد، استعداد مادي بحت لكن تأملوا كيف يربط القرآن بين الاستعداد المادي والاستعداد الروحي، كيف يجعل التقوى قضية حاضرة في لبّ المعركة، كيف يجعل التقوى قضية حاضرة في الاعداد المادي لأي مواجهة أو معركة
(وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
عليم بالنوايا ولذلك لا يمكن أن يتم إعداد الجيش إعدادًأ حقيقيًا دون أن يكون له رصيد من التقوى، من الشعور بأن الله سميع عليم، بأن الله مطّلع على النيّات والمقاصد والأهداف. وهذه لفتة واضحة جدًا أن المؤمن وأن المؤمنين كجماعة وكأمة لا تخرج لأجل مصالح شخصية، لا تخرج لكي تقاتل الناس لأجل أن تفرض آراءها أو تفرض مبادئها بالقوة، إطلاقاً! المؤمن إنسان يصفي نيته لله عز وجل،
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) آل عمران)
من الذي ينصر؟
الله.
هل الإنسان يأتي ويأتيه النصر من تلقاء نفسه؟
لا، المؤمن عليه أن يستحضر هذه الحقيقة الكبرى أن النصر من عند الله، أن النصر ليس من الغرب ولا من الشرق، أن النصر ليس بالعدة المادية فحسب، هذه وسائل، هذه جزئية ولكن الجزئيات الأكبر أن النصر من عند الله عز وجل فعليك أن تكون مع الله وتخرج لله لأجل أن ينصرك وإلا فلن يتحقق النصر.
(فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
تأملوا التقوى، الوصية بالتقوى، الوصية بإصلاح علاقة الإنسان مع الله عز وجل التي بها صلاح شأنه. المؤمن لا يصلح شأنه فردًا كان أو جماعة أو دولة أو أمة إلا بصلاح علاقته مع خالقه، إلا بتصحيح المنهج الذي أراد له الله أن يسير عليه في الواقع. ولذلك جاءت الآيات التي تليها بتثبيت المؤمنين، بإعطاء المؤمنين وسائل للنصر لا يمكن أن تكون للكافر أبداً
(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) آل عمران)
جيش من الملائكة وجيوش الملائكة لا يمكن أن تقاتل من أجل باطل، جيوش الملائكة لا يمكن أن تكون مع أناس حركتهم المصالح الشخصية،
(بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) آل عمران)
إذاً هذا من عند الله، هذه وسائل ربانية من عند الله لا يمكن للعلم ولا للتطور ولا التقدم في آليات الحروب أن تعرف لها سبيلاً. لا يعرفها إلا المؤمن، المؤمن الذي خالجت التقوى خاصية وسويداء قلبه، المؤمن الذي صبر على المبادئ والقيم، المؤمن الذي ثبت عليها، المؤمن الذي جاءت المعركة لتؤكد ثباته وصبره بالله عز وجل.
(وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) آل عمران).
هذه الحقيقة لا ينبغي أن تغيب عن المؤمن بحال أن النصر من عند الله وأن الهزيمة من عند النفس الأمارة بالسوء من قبيل حظوظ النفس والاستجابة والخضوع لمتطلباتها.