عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2025, 06:09 PM   #2
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:





 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

امانى يسرى محمد غير متواجد حاليا

افتراضي

      





﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[آل عمران: 93]:
حين يكون التحريم عقوبة!
قال الزمخشري: «المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة، وتحريم ما حُرِّم عليهم منها لظلمهم وبغيهم».
كان اليهود يعوِّلون في إنكار نبوة النبي ﷺ على إنكار النسخ، فأبطل الله ذلك بأن أخبرهم أن كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرَّم إسرائيل (يعقوب) على نفسه، فذاك الذي حرَّمه على نفسه كان حلالا، ثم صار حراما عليه وعلى أولاده من بعده، فحصل بذلك النسخ، وبطل قول اليهود: النسخ غير جائز.


﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[آل عمران: 93]:
من أبلغ الحجج، أن تحتج على الإنسان بأمر يقوله ويعترف به ولا يستطيع إنكاره.


﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[آل عمران: 93]:
أنكر اليهود أن تكون حرمة ذلك الطعام بسبب أن إسرائيل حرَّمه على نفسه، بل زعموا أنه كان حراما من لدن آدم عليه السلام، فعندها طالبهم النبي ﷺ بأن يأتوا بالتوراة، فإن التوراة ناطقة بأن بعض أنواع الطعام حُرِّم بسبب أن إسرائيل حرَّمه على نفسه، فخافوا من الفضيحة، وامتنعوا عن إحضار التوراة، فكان هذا دليلا على صدق نبوة محمد ﷺ، فقد كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، فمحال أن يعرف هذه المسألة الغامضة من التوراة إلا بوحي من السماء.


﴿فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[آل عمران: 94]:
من اختلق على الله الكذب بنسبة حكم شرعي إِليه بعد وضوح الحجة على غيره، فأولئك هم الظالمون لأَنفسهم بالكفر، ولمن أَضلوهم بالإِغواء، فتحملوا إثمهم وإثم من اتبعهم، وذلك منتهى الظلم، وإن كانت الآية نزلت في اليهود، إلا أنها تهديد لكل من افترى على الله الكذب بعد ما تبين له الحق.


﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[آل عمران: 95]:
هنا تعريض بكذبهم، لأن صدق أحد الخبرين المتضادين يستلزم كذب الآخر.

﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾[آل عمران: 96]:
فيه البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية.

﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا﴾ [آل عمران : 97]:
في الحديث القدسي: «إن اللَّه تعالى يقول: إن عبدًا أصححتُ له جسمه، ووسَّعْتُ عليه في معيشته، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم». صحيح الجامع رقم: 2256


﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران : 98]:
أمر الله نبيه أن يوبخهم على ما كان منهم، فيناديهم بلقب (أهل الكتاب) للمبالغة في الاستنكار؛ لأن علمهم بالكتاب كان يقتضي إيمانهم بما جاء فيه، فلا يستوي العالم والجاهل.


﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [آل عمران : 99]:
كان صدهم عن سبيل الله بإلقاء الشبهات والشكوك في قلوب الضعاف من المسلمين، أو القول بأن محمد ﷺ ليس موصوفا في كتابهم، أو التحريش والإيقاع بين المؤمنين كما فعل اليهودي شاس بين قيس بين الأوس والخزرج، حتى رفعوا السلاح في وجوه بعضهم.


﴿وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ﴾ [آل عمران : 99]:
قال الإمام الرازي:
وفيه وجوه، الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما:
يعني أنتم شهداء أن في التوراة أن دين الله الذي لا يقبل غيره هو الإسلام.
الثاني: وأنتم شهداء على ظهور المعجزات على نبوته ﷺ.
الثالث: وأنتم شهداء أنه لا يجوز الصد عن سبيل الله.
الرابع: وأنتم شهداء بين أهل دينكم عدول يثقون بأقوالكم، ويُعوِّلون على شهادتكم في عظام الأمور وهم الأحبار، والمعنى: أن من كان كذلك، فكيف يليق به الإصرار على الباطل والكذب والضلال والإضلال.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران : 100]:
تنبيه على أن أقصى طموحات أهل الكتاب أن يردوا المسلمين عن دينهم.

﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران : 101]:
في الآية دليل أن للصحابة وازعَيْن عن الوقوع في الضلال: سماع القرآن، ووجود النبي ﷺ. قال قتادة: «أما الرسول ﷺ فقد مضى إلى رحمة الله، وأما الكتاب فباق على وجه الدهر».


﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102]:

قال عبد الله بن مسعود: «﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾: أن يطاع فلا يُعصَى، وأن يُذكَر فلا يُنسَى، وأن يُشكَر فلا يُكفَر» .




﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[آل عمران: 107]:
من ابيضَّ قلبه اليوم بسلامته من الذنوب أو بتوبة نصوح، ابيضَّ وجهه غدا، ومن كان بالضد فحاله بالعكس.

﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[آل عمران: 107]:
فيه تنبيه على أن المؤمن -وإن استغرق عمره كله في طاعة الله- لا يدخل الجنة إلا برحمة الله.

﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾[آل عمران: 108]:
ذكره بعد ذِكْر العذاب ليفيد أن الله لا يُعذِّب أحدا بغير ذنب، ولا يزيد في عقاب مجرم بلا سبب.


﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾[آل عمران: 114]:
تعريض بمداهنة اليهود في أمر الاحتساب وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل بتعكيسهم في الأمر بإضلال الناس وصدِّهم عن سبيل الله، فإنهم أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف.



﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[آل عمران: 114]:
قال الرازي: «واعلم أن كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته، والخير لأجل العمل به، وأفضل الأعمال: الصلاة، وأفضل الأذكار: ذكر الله، وأفضل المعارف: معرفة المبدأ ومعرفة المعاد، فقوله: ﴿يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون﴾ إشارة إلى الأعمال الصالحة الصادرة عنهم.
وقوله: ﴿يؤمنون بالله واليوم الآخر ﴾ إشارة إلى فضل المعارف الحاصلة في قلوبهم، فكان هذا إشارة إلى كمال حالهم في القوة العملية وفي القوة النظرية، وذلك أكمل أحوال الإنسان».

﴿ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾[آل عمران: 114]:
أليست العجلة مذمومة، فالعجلة من الشيطان؟
والجواب: ليس هذا في أعمال الخير، لقول النبي ﷺ: «التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة». صحيح الجامع رقم: 3009. قال الإمام القاري: «لأنَّ في تأخير الخيرات آفات، ورُوِي أن أكثر صياح أهل النار مِن تسويف العمل».


﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾[آل عمران: 144]:
عبَّر هنا بالشاكرين ولم يعبر بالصابرين مع أن الصبر في هذا الموطن أظهر؟!
والجواب: لأن الشكر في هذا المقام هو أسمى درجات الصبر، فإن الصحابة ساندوا النبي ﷺ في أشد الأوقات حرجا، فلم يكتفوا فقط بالصبر على البلاء، بل تجاوزوا حدود الصبر إلى الشكر بالتضحية والبذل دفاعا عن رسول الله ﷺ، فالشكر هنا صبر وزيادة.

﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾[آل عمران: 145]:
إعلامٌ بأن الموت لابد منه، وأن كل إنسان مقتول أو ميت إذا بلغ أجله، ومعنى: ﴿مُؤَجَّلًا﴾ أي إلى أجل.

﴿وسنجزي الشَّاكِرِينَ﴾:
لم يذكر جزاءهم ليدل على عظمته، وأنه يشمل الدارين.
قال ابن فورَك: «وفيه إشارة إلى أن الله يُنَعِّمهم بنعيم الدنيا، ولا يُقصِرهم على نعيم الآخرة».


﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾[آل عمران: 148]:
قال الرازي: «فيه دقيقة لطيفة، وهي أن هؤلاء لما اعترفوا بكونهم مسيئين حيث قالوا: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾، سماهم الله محسنين، كأن الله تعالى يقول لهم: إذا اعترفتَ بإساءتك وعجزك، فأنا أصفك بالإحسان، وأجعلك حبيبا لنفسي حتى تعلم أنه لا سبيل للعبد إلى الوصول إلى حضرة الله إلا بإظهار الذلة والمسكنة والعجز».


﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 149]:
والتعبير بقوله: ﴿فَتَنْقَلِبُوا﴾ يفيد أن طاعة الكافرين تؤدى إلى انقلاب حال المؤمنين وانتكاس أمرهم، وفي ذلك تنفير عن إطاعة الكافرين والاستماع إلى كلامهم.


﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 149]:
قال الحسن: «إن تستنصحوا اليهود والنصارى وتقبلوا منهم، لأنهم كانوا يستغوونهم ويوقعون لهم الشُّبَه في الدين».

﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[آل عمران: 157]:
قال الإمام القشيري: «بذل الروح فى الله خير من الحياة بغير الله».

﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾[آل عمران:158]:
إذا كان إلى الله المصير، طاب والله المسير.



﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾[آل عمران: 158]:
قدَّم القتل على الموت في الآية السابقة لأنه أكثر ثوابا، فترتُّب المغفرة والرحمة عليه أقوى، وعكَس ذلك في هذه الآية:
﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾
لأن الموت أكثر من القتل، وكلاهما يقودان إلى الحشر.

﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾[آل عمران: 160]:
الخذلان: أن يكلك الله إلى نفسك، والتوفيق ضده: أن لا يدعه ونفسك، ولا يكلك إليها.
في الحديث: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت». صحيح الجامع رقم: 3388

﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾[آل عمران: 160]:
قال ابن القيم: «فالعبد مطروح بين الله وبين عدوه إبليس، فإن تولاه الله لم يظفر به عدوه، وإن خذله وأعرض عنه افترسه الشيطان، كما يفترس الذئب الشاة».

﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾[آل عمران: 161]:
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان على ثَقَل رسول الله ﷺ رجل يقال له (كركرة) فمات، فقال رسول الله ﷺ : هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلَّها.

﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾[آل عمران: 161]:
إشارة إلىه كلما كان العبد أشرَفَ وأعظم درجة كانت الخيانة في حقِّه أفحشَ، ورسول ﷺ أفضلُ البشرِ،
فكانتِ الخيانةُ في حقِّه مستبعدة، ولذا جاءت الآية بصيغة الجحود التي تفيد المبالغة في النفي.

﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾[آل عمران: 170]:
من علم أن أحبابه ينتظرونه في جنات النعيم، لا يهنأ له عيش حتى اللحاق بهم والنزول عليهم غدا.

﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾[آل عمران: 170]:
المعنى لم يلحقوا بالشهداء في الفضل، وإن كان لهم فضل.
قال السُّدِّي: «يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه، فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا».

﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[آل عمران: 180]:
قال القشيري: «من آثر شيئا على الله لم يبارك له فيه فلا يدوم له- فى الدنيا- بذلك استمتاع، ولا للعقوبة عليه- فى الآخرة- عنه دفاع».

قال رسول الله ﷺ: «من آتاه الله مالا، فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان، يُطَوَّقُهُ يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول: أنا مالك أنا كنزك »،
ثم تلا هذه الآية: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾[آل عمران: 180]. صحيح البخاري رقم: 1403

﴿ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾[آل عمران: 180]:
إشعار بسوء صنيعهم، وخبث نفوسهم، حيث بخلوا بشيء ليس وليد علمهم واجتهادهم، وإنما منحه الله لهم تفضلا، فبدلا من أن يشكروه على العطاء بالبذل والإنفاق، بخلوا بما أعطاهم.

(فمن زحزح عن النار) [آل عمران :185]:
قال صاحب الظلال: »كأنَّما للنَّار جاذبيَّةٌ تشدُّ إليها من يَقترب منها، ويدخل في مجالها!
فهو في حاجة إلى مَن يُزحزِحه قليلًا قليلًا؛لِيُخلِّصَه مِن جاذبيَّتها المنهومة!
فمن أمكن أن يُزحزح عن مجالها، ويُستنقذَ مِنها، ويدخلَ الجنَّة- فقد فاز».


﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾[آل عمران: 186]:
من البلاء سماع هجاء الأعداء.

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾:
ذلك هو اسم إشارة للبعيد، إشارة إلى أن علو درجة الصبر والتقوى وبُعدِ منزلتِهما، وأنَّ ليس كثيرا من الخلق يحصِّلونهما معا.

﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾[آل عمران: 186]:
تنبيه على أن من توهِن عزمه الهزيمة، فليس جديرا بنصرة الحق، فالاختبار محتوم، والهدف منه معلوم، وهو أن يظهر الثابت بحق على الحق، فإن المصائب محك صلابة الرجال.

﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران: 189]:
يملك كل شيء، ويقدر على أي شيء، فكيف يتعلق القلب بغيره؟!



﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾[آل عمران: 192]:
الخزي: الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء،
وفي الآية إشارة إلى أن العذاب النفسي في النار أشد وأفظع من العذاب البدني.


﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾[آل عمران: 192]:
من آداب الدعاء!
جاءت هذه الآية كتعليلٍ لسؤالهم الوقاية من النار.
قال جمال الدين القاسمي: «وسر هذا الإتباع عظم موقع السؤال، لأن من سأل ربه حاجة، إذا شرح عظتمها وقوتها، كانت داعيته في ذلك الدعاء- أكمل، وإخلاصه في طلبه أشد، والدعاء لا يتصل بالإجابة إلا إذا كان مقرونا بالإخلاص، وهذا أيضا تعليم من الله تعالى فنّا آخر من آداب الدعاء».


﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾[آل عمران: 194]:
﴿عَلى رُسُلِكَ﴾ أي آتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من ثواب، أو آتنا ما وعدتنا من ثواب على تصديق رسلك.


﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾[آل عمران: 194]:
كيف دعوا الله بإنجاز ما وعد، والله لا يخلف الميعاد؟!
والجواب: معناه طلب التوفيق للأسباب المادية والإيمانية التي تؤدي لإنجاز وعد الله،
فما لم يكن من الله مدد، لن يصل إلى بغيته أحد.
قال جعفر الصادق: «من حزَبه أمر فقال خمس مرات: (ربنا) أنجاه لله مما يخاف وأعطاه ما أراد، قيل: وكيف ذلك؟
قال: اقرءوا إن شئتم: ﴿الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم﴾ إلى قوله: ﴿إنك لا تخلف الميعاد﴾».
قال الحسن البصري: «ما زالوا يقولون: ربنا حتى استجاب لهم» .



﴿لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾[آل عمران: 195]:
قدّم الله تكفير سيئاتهم على إدخالهم الجنة،
لأن التخلية- كما يقولون- مقدمة على التحلية، فطهَّرهم أولا من الذنوب، ثم أدخلهم بعد ذلك جنته.


﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾[آل عمران: 195]:
وكأن كل جزاء حسن للأعمال الصالحة في الدنيا لا يُعَدُّ حسنا إذا قورِن بما أعده الله في الآخرة لعباده المتقين.


﴿لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد﴾ [آل عمران :196]:
نهي للمؤمنين عن أن يغتروا بما عليه الكافرون من جاه ونفوذ وسلطان، فالخطاب للنبي ﷺ والمراد به أمته، فإن عظيم القوم يخاطب بالشيء، فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعا، فكأنه قال: لا يغرنكم.

﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[آل عمران: 199]:
إنصاف القرآن!
لما توفي النجاشي، قال رسول الله ﷺ: استغفروا لأخيكم، فقال المنافقون:يصلي على علج مات بأرض الحبشة؟!فنزلت: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾، وثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: إن أخا لكم بالحبشة قد مات فصلوا عليه، فخرج إلى الصحراء فصفهم وصلى عليه.



﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[آل عمران: 200]:
أمرهم الله بالصبر وهو حال الصابر في نفسه.
والمصابرة وهي حال المؤمن في الصبر مع خصمه.
والمرابطة وهي الثبات والإقامة على الصبر والمصابرة.
وقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط لكن من غير تقوى، فأخبر الله أن ملاك الأمر كله بالتقوى، وأن فلاح العبد موقوف عليها.


﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾[النساء: 1]:
تنبيه على أن زوجتك بضعة منك، ومن أقرب الناس إليك، فإن الزوجات خُلِقن من الأزواج، فعليك بمراعتها والقيام بحقها


﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾[آل عمران: 197]:
تعزية للمؤمنين وتسلية لهم عما يرون من غنى وجاه وسلطان لأهل الكفر، وتحريض لهم ليجعلوا همهم الأكبر العمل الصالح الذي يوصل إلى رضوان الله الباقي،وفي الحديث: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع». صحيح مسلم رقم:2858




﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء :7]:
هذه الآية ثورة على التقاليد الجاهلية، فقد أعلنت أن الإرث غير مختص بالرجال كما كان أهل الجاهلية يفعلون، بل مشترك بين الرجال والنساء.

اليتيم طريق الجنة: «أنا وكافل اليتيم في الجنة»،
أو طريق النار: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا﴾ . [النساء :10]

﴿إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء (بجهالة)﴾ [النساء :17]:
إقدامك على المعصية ليس جهلا بحرمتها، وإنما جهل بعظمة من عصيت!


﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾:
جمع الله هنا بين عملين من أعمال الجاهلية نهى عنهما،
فالأول: كانوا يرثون النساء كالمتاع،
والثاني: العَضْل أي المنع من التزويج، فكان أولياء الميت يمنعون زوجته من الزواج بعده، ويتركونها على ذلك حتى تدفع لهم ما أخذت من ميراث الميت، أو تموت فيرثوها.


﴿فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا﴾ [النساء :19]:
خيرا كثيرا، ولو كان بدون حب، فليس على الحب وحده يقوم الزواج.


﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء :19]:
ليس فقط ذهاب ما تكره، وليس عكس ذلك من الخير فحسب، بل وكثيرا أيضا.

﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء :19]
لو قال خيرًا لكفى؛ فكيف وهو خير كثير؟!
(كثيرا) لدرجة أن ينسيك آلامك، فتفاءل مهما كان الألم بالغا!

(فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً ) [النساء :19]
قد تكون كراهية الشيء أول الخير فيه، فأحسِن الظن باللطيف الخبير.


﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء :20]: الإسلام ثورة على أحكام الجاهلية!
كان الرجل في الجاهلية إذا أراد التزويج بامرأة أخرى، بهت التي تحته- أى رماها بالفاحشة التي هي بريئة منها- حتى يلجئها إلى أن تطلب الطلاق منه، وذلك نظير أن تترك له ما لها عليه من صداق أو غيره، فنُهوا عن ذلك.


﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا﴾ [النساء :20]:
جواز الإصداق بالمال الكثير!
القنطار هو المال الكثير، ولقد رأى فيها الإمام القرطبي دليلا على جواز المغالاة في المهور، لأن الله تعالى لا يمثل إلا بمباح، وإن كان الأفضل عدم المغالاة في المهور، لقول النبي ﷺ: «خير الصداق أيسره» صحيح الجامع رقم: 3279

﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء :21]:
منع الله الرجال من أخذ شيء من مهور نسائهن لسببين:
الأول: الإفضاء وخلوص كل زوج لصاحبته حتى كأنهما نفس واحدة.
الثاني: الميثاق الغليظ الذي أخذه الله على الرجال بحسن معاملة نسائهن.

﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ [النساء :21]:
اتفق العلماء على أن المهر يستقر بالوطء، واختلفوا في استحقاقه بالخلوة المجردة،
قال القرطبي: والصحيح استقراره بالخلوة مطلقا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.

﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء :21]:
وصف الله سبحانه الميثاق بالغلظة لقوته وشدته،
وقد قيل: صحبة عشرين يوما قرابة، فكيف بالعلاقة الزوجية مع ما فيها من اتحاد وامتزاج؟!

﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء :23]:
قال رسول الله ﷺ: «لا تُنكَح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا على ابنة أخيها، ولا على ابنة أختها» .
وفي رواية الطبراني أنه قال: «فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم».
والسر في تحريم هذا النوع من النكاح أنه يؤدى لتقطيع الأرحام، إذ من شأن الضرائر أن يكون بينهن من الكراهية ما هو مشاهد ومعلوم.







امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس