أنواع العِدَد :
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
إذاً بيدها أمانة، فلعل هناك حملاً تحرك في بطنها، فلها عدة خاصة..
﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
الآن أنواع العِدَد:
المدخول بهن من ذوات الأقراء، أي امرأة تحيض وقد دخل بها فعدّتُها ثلاثة قروء،
أما غير المدخول بها فلا عدة عليها، لقوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾[ سورة الأحزاب: 49 ]
فالمرأة التي لم يدخل بها ليس لها عِدَّة، والمرأة التي دخل بها، ومن ذوات الأقراء؛ تحيض وتطهر، فعدتها ثلاثة قروء، وأما التي لم تحض بعد فعدّتُها ثلاثة أشهر، وإن كانت تحيض فعدّتها ثلاثة قروء، وإن لم يدخل بها فليس لها عدة.
الطلاق أمانة بيد الزوج وما خلق الله في أرحام النساء أمانة بيد النساء :
قال تعالى:﴿ وَاللائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ ﴾[ سورة الطلاق: 4 ]التي لم تحض بعد، عدتها ثلاثة أشهر..﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾[ سورة الطلاق: 4 ]أما الحامل فعدتها وضع الحمل..﴿ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾
[ سورة الطلاق: 4 ]فهذه الآية عامةٌ، امرأة حامل عدتها أن تضع حملها، امرأة لم تحض بعد، أو يئست من المحيض، فعدتها ثلاثة أشهر، وامرأة دخل بها وهي تحيض، فعدتها ثلاثة قروء، وامرأة لم يدخل بها، فليس لها عدة.
أيها الأخوة؛ القُرء من ألفاظ الأضداد يطلق على الحيض والطهر معاً، فأية امرأةٍ لها أن تحسب على أساس الحيض أو على أساس الطهر معاً، قال:
﴿ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾
لقد خلق اللهُ في الرحم ولداً، فقطع الحيض، وصار هناك حمل، فينبغي لها أن تصرِّح بذلك وإلا فهي عند الله آثمة، فأحياناً تدَّعي أنها حامل لشيءٍ تريده، أو تدّعي أنها لا تزال في الحيض لعلّةٍ تريدها، فهذه مسؤوليتها، وهي وحدها محاسبةٌ عن ذلك، وقد ردَّ اللهُ عز وجل الأمرَ إليهنّ، وتوعَّدهنّ فيه ألاّ يخبرنَ إلا بالحق، فالطلاق أمانة بيد الزوج، وقضية ما خلق الله في أرحام النساء أمانة بيد النساء..
ما حكم طلاق البينونة الصغرى إذا تم مراجعتها أثناء العدة أو بعد العدة ؟ .
سؤال:فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
" رجل طلق زوجته للمرة الأولى وراجعها أثناء العدة، وطلقها مرة ثانية وهي الآن في فترة العدة ولكنه لم يراجعها..... ".
أبناء هذا الرجل يفضلون أن لا يراجعها أثناء العدة لأنه إذا طلقها مرة أخرى يجب عليها الزواج بآخر قبل إعادتها، فهم لا يتخيلون أن رجل آخر سوف يتزوج أمهم....
هم يقولون انه إذا انتهت هذه العدة فان أمهم سوف تعود لأبيهم بعقد جديد..... سؤالي هو:
هل هذا العقد الجديد يلغي الطلقات السابقة ؟.
وهل أمام هذا الرجل بعد هذا العقد الجديد ثلاث طلقات جديدة ؟.
وجزاكم الله عنا كل خير
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إجابة على سؤالكم، نفيدكم بما يلي:
زواج المطلقة الرجعية ( أو بعبارة أخرى، البائنة بينونة صغرى ) بعقد جديد بعد انتهاء عدتها استمرار للحياة مع زوجها السابق ولا يلغي الطلقات التي سبقته.
حق الزوجة على زوجها :
﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا﴾[ سورة البقرة: 231 ]
أحياناً يراجع الإنسانُ زوجتَه لا حبّاً بها، ولا تنفيذاً لأمر الله، ولكن ليؤذيها، فقد بلغه أن هناك إنساناً لو أنه طلقها لتزوجها، فصار يراجعها ويغيظها ويؤذيها، وهذا الذي لا يريده الله عز وجل.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ:
((أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَا تُقَبِّحْ أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ))[أبو داود عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ ]
هذا حق الزوجة على زوجها.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ ))[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
فهذه قواعد عامة في تنظيم العلاقة بين الزوجين.
أمثلة من الكتاب والسُّنة تبين ضوابط العلاقة بين الزوجين :
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))[البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ]
من واجب المرأة أن تتزين لزوجها
ثم يقول عليه الصلاة و السلام:
((إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ))[الترمذي عن طلق بن عليّ ]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ))[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال(إني أحب أن أتزيَّن لامرأتي كما تحب أن تتزين لي))[الجامع لأحكام القرآن عن ابن عباسٍ رضي الله عنه ]
لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾
وهذه ضوابط العلاقة بين الزوجين وردت في هذه الآية.
ما هو المعروف؟
الآية الكريمة وهي دقيقة جداً:
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾
ما هو المعروف؟
المعروف ما عرفته الطباع السليمة ولم تنكره، أو ما قبله العقل ووافق كرم النفس وأقرَّه الشرع.
لكن كيف تنسَّق العلاقة بين الزوجين؟
هناك مَن يدعي أن الزوجة ليست مطالبة بخدمة زوجها، فهذا كلام لا أصل له، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت، ولو لم يكن هذا صحيحاً لما فعل ذلك، فالزوج يعمل خارج البيت، وعليها أن تطبخ، وأن تنظف، وأن تربي الأولاد، وأن ترضع، ولهذا بحث طويل قد عالجته مرة في خطبة، لأن هناك مَن يدعي أن للرجل أن يستمتع بزوجته فقط، فهذا الذي عليها، وما سوى ذلك ليست مكلفةً به، بل إن بعضهم بالغ في ذلك وقال: ليس عليها إرضاع أولادها، عليه أن يأتي بمرضع!! هذا طفل يموت من الجوع، وأمه ليست مكلفةً أن ترضعه، فهذا كلام غير مقبول إطلاقاً، إلا إذا أنت خطبت ابنة ملك، وهي مخدومة في قصر أبيها، فيجب أن تأتي لها بمن يخدمها، وهذه حالة نادرة جداً، فمن دخل مثل هذا المدخل فليهيِّئ نفسه لذلك، وما سوى ذلك فأنت غير مكلف إلا أن تعاملها بالمعروف كما هو معروف بين الناس، فكل الزوجات يطبخن، وينظفن، ويغسلن، ويربين أولادهن، ويرضعن، وهذا هو المعروف، لأنّ الطباع تقبله، والعقول تقبله، والشرع يؤكده.
أنا أستغرب كيف أن هناك مَن يخطب، ويقول العكس، ليس لها لا أن تخدم، ولا أن تطبخ، ولا أن تنظف، ولا أن ترضع، لأن عقد الزواج قضية استمتاع فقط، فهذا كلام لا يقبله العقل السليم، ولا الفِطَر السليمة، ولا الشرع، ولا فعل النبي عليه الصلاة والسلام، إذ قضى على ابنته فاطمة، وهي فلذة كبده، أن تخدم سيدنا علياً في البيت، قال العلماء: على أن المرأة عليها أن تخدم زوجها، أما إذا كانت مِمَّن تُخدَم، فينبغي لها أن تأتي لها بمن يخدمها، وهذه قاعدة.
لعَنَ اللهُ المُحَلِّلَ والمُحَلَّلَ له.
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : ابن العربي | المصدر : عارضة الأحوذي
الصفحة أو الرقم: 3/46 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الحكمة من تحريم استعادة الزوجة إلا بعد أن تتزوَّج زواجاً حقيقياً طبيعياً على التأبيد :
أيها الأخوة؛ قال الله عز وجل بعد ذلك:
﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾
أي ليس لك أن تعيدها كل مرة، إذ المسموح لك مرة تسعين يوماً، ولك أن تراجعها في هذه الأيام التسعين، وإن مضت فلك أن تعقد عليها عقداً جديداً، الطلاق مرتان؛ أما الثالثة فطلاق بائنٌ بينونة كبرى، وانتهت، وملكت نفسها، ولن تستطيع أن تستعيدها إلا أن تتزوَّج زواجاً حقيقياً طبيعياً على التأبيد، ثم يطلقها زوجها، فما حكمة ذلك؟
إنسان أساء إلى زوجته، فطلقها التطليقة الأولى، ولم يراجعها، ومضت الأيام التسعون، ثم طلقها ثانية، وأساء إليها ولم يراجعها، ومضت التسعون الثانية، فالآن انتبه إن كنت تحبها، وإن كانت مصلحتك تنعقد معها، إن طلَّقتها مرة ثالثة، فلن تستطيع أن تراها ثانية إلا في حالة تعجيزية، أيْ أن يأتيها خاطب فيخطبها على أنها زوجة على التأبيد، إنه زواج طبيعي على التأبيد، ثم يطلقها، فإن طلقها فلزوجها الأول أن يستعيدها، فما الذي يحصل؟
إن كانت هي المسيئة، فأغلب الظن أنّ الزوج الثاني سوف يطلِّقها، لأن العلة نفسها، وعندئذٍ تدرك أنها هي السبب، لعلها إن رجعت إلى زوجها الأول أنْ تغيِّر من خطتها، وإن كان الزوج الأول هو المسيء، وتزوجها الثاني فلا يمكن أن يطلقها، وهذا فعلاً حلٌّ حاسم، فتستقرّ عنده، وإذا كانت العلَّة منها، وهي المسيئة، فالزوج الثاني سوف يطلقها، وعندئذٍ تراجع نفسها وتعلم أنها هي الآثمة وقد تعود إلى زوجها الأول، أمَّا ما يجري فهو مخالف للشرع، قلت لكم: زواج حقيقي، مع الدخول، ومع نية التأبيد، وهذا هو الشرع، وما سوى ذلك انحرافٌ بالدين.
لعن الله الزوج الذي يدخل بالمرأة ليلةً واحدة كي يحللها لزوجها :
الزوج الذي يدخل بالمرأة ليلةً واحدة كي يحللها لزوجها، قال عليه الصلاة والسلام:(( لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ ))[أبو داود عن عليِّ]
فدخولٌ ليومٍ واحدٍ منْ أجل تحليلِها هذا عمل من أعظم الآثام والدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام لعنه، إنه زواجُ إغلاق باب دون دخول، لا يصح، بل يجب أن يدخل بها، وهذا الزوج الشرس يجب أن يعلم أنه لن يستعيدها إلا إذا التقى بها رجل، أفلا يغار؟!! لقد جاءها زوجٌ آخر، فلذلك هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً ما يسميه الناس (التيس المستعار) لليلةٍ واحدة، فهذا تزويرٌ في الدين والدين منه بريء، والمطلوب زواجٌ آخر عادي، طبيعي، مبني على رغبة أبدية، نِية التأبيد منعقدة، لو أنه طلقها يستعيدها الزوج الأول، أي:﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾وبعدها:﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ﴾
زوجة، يطعمها مما يأكل، ويلبسها مما يلبس، ولا يحتقرها، ولا يضربها، ولا يهينها، ولا يحرمها ما تشتهي، إنها زوجة عادية.
الطلاق يجب أن يكون من دون فضائح ومن دون كشف للعيوب :
قال تعالى:
﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
بربكم هل وجدتم طلاقاً بين المسلمين إلا ومعه فضائح؟!
والله عز وجل يقول:
﴿ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
طلَّقها، فما السبب؟ والله لا يوجد تفاهم بل تنافر طباع، والله هي ممتازة، ولكني أريد شيئاً آخر، أما ألاّ يبقي عليها ستراً مغطًّى، بعيوبها الجسدية، نفَّر الناس منها، وفضحها، فهذا مجرم.
معنى قول الله عز وجل:﴿ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
تطلِّقها فقط، من دون فضائح، ومن دون أن تكشف كل عيوبها للناس، فما قولك بإنسان يختلق عيوباً ليست موجودة؟!!
والله هناك من يفعل ذلك، يتَّهمها بأشياء لم تقع إطلاقاً، يشوِّه سمعتها بين الناس، هذا سوف ينتقم ربُّنا عز وجل منه أشدَّ الانتقام.
وقد سمعت قصة رجلٍ تزوج امرأة على جانب من الجمال، وهي ملتزمة التزاماً شديداً بالدين والأخلاق، ولها أب ربَّاها تربية عالية، ولكنه أرادها نموذجاً آخر؛ يريدها أنْ تختلط مع أصدقائه، وأنْ تذهب إلى الملاهي، وإلى الفنادق، وإلى البحر، وهذا نمطه، فرفضت، ثم رفضت، ثم رفضت، ومهرها غالٍ جداً، فدبَّرت أمُّه مكيدةً كي تجعلها تطلب الخُلع من دون شيء، فأمرته أن يسيء معاملتها، وأن يأتي بعد منتصف الليل كل يوم، وأن يضربها، ويشتمها، ويُجيعها، ويهين أهلها، ومارس معها هذا العمل أشهراً عديدة، ولها مهر كبير جداً، حتى طلبت هي الخلع، دون أن تأخذ شيئاً، وهذا الذي كان. بعد حين تزوج فتاة أخرى تروق له وتقبل نمطه في الحياة، وأصبح يتندَّر بخلاصه مِن مهر الأولى، فكلما وقع في أزمة ونجاه الله منها يقول: نجونا كما نجونا من مهر فلانة، ومرة من المرات وهو يقود سيارته، وزوجته الجديدة على اليمين، وأمه خلفه، وأبوه خلف زوجته الجديدة، أربع ركاب في السيارة وقع حادث مروّع، مات فوراً وماتت أمه معه، ونجا أبوه الذي كان ينكر على زوجته ما تفعله مع زوجة ابنها، فالله عز وجل حينما يبطش يكون بطشُه شديداً، فالشيء الذي يهتز له عرش الرحمن أن تظلم امرأة ضعيفة، وأن تتهمها بشيء هي بريئة منه، أو أن تحمِّلها ما لا تطيق، أو أن تسيء معاملتها، أو تبتزَّ مالها، وهذا شيء له ثمن باهظ عند الله عز وجل..
﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
ما هو التسريح بالإحسان؟
إذا سرَّحتها وطلقتها يجب أن تكف عنها، أما أن تفضحها، وأما ألا تدع عليها ستراً، وأما أن تبالغ في أخطائها، فهذا خلاف الآية الكريمة..
﴿ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
لماذا طلقتها؟
لم يكن لي منها نصيب، ولم يكن ثَمَّة انسجام، هل تشكو من أخلاقها؟ أنت لا تشكو من أخلاقها؟ لا والله، فهي امرأة عفيفة، وهل تشكو من رقَّة دينها؟ لا والله، هذا الزوج المؤمن..
﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ﴾
فإما أن تعاملها كزوجة معاملة طيبة..
﴿ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ﴾
قدَّمت لها مهراً وهو من حقها، والطلاق يوجب المهر، المُعَجَّل والمؤجَّل، وقدمت لها هدايا وهي من حقها، إلا أن هذه المرأة إذا كرهت زوجها كراهيةً ربما أوقعتها في الحرام يمكن أن تفتدي نفسها، أهل جهلة يزوجون بنتاً في السابعة عشرة إلى رجلاً في الستين، أو في الخامسة والستين طمعاً في ماله، فهذه البنت إن لم تطق هذا الزوج لهذا الفارق الكبير في السن، ولم تطق مرضه، ولا متاعبه، ولا شيخوخته وهي في ريعان الصبا، فربما زلَّت قدمها..
الآية التالية أصلٌ في الخلع :
قدَّمت لها حليّاً ومهراً وتطلقها، فهي تستحق المهر المعجل والمقدم والحلي..
﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾
إنها لا تحبه، ويمكن أن تنحرف إذا بقيت عنده، فافتدت نفسها منه بمهرها، وقالت له: أسامحك بالمهر على أن تطلقني، وهذا هو الخلع، وهذه الآية أصلٌ في الخلع..
﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
((عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ ـ أي أخلاقه عالية، ودينه جيد ـ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً))[رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]
الزواج لا ينعقد إلا إذا وافقت الزوجة وهذا من تقدير الدين للمرأة، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما خطَّب ابنته استأذنها: ألكِ اعتراض؟ وأي أبٍ يجبر ابنته على الزواج من إنسان لا تحبه يخالف الشرع بهذا.
هذا هو الخلع، أي إذا رفضت الزوجةُ زوجَها لعلّة فيه، وقد تَكلَّف، ودفع مهراً، فله أن يسترد كل شيء، فالمخالعة أنْ تفتدي المرأة نفسها من زوجها بمهرها كله أو بعضه..
تحريم إيذاء الزوجة بِمَنْع حقوقها حتى تضجر و تخلع نفسها :
يُحرَّم على الرجل أن يؤذيَ زوجته بِمَنْع بعض حقوقها حتى تضجر ، وتخلعَ نفسها ، وهذا هو الظلم بِعَينه ، يأتي كلّ يوم الساعة الثالثة ليلاً ، ولا يحضر لها أكلاً ، يُعنِّفها أمام والدته ، ويضربها أحيانًا ، يجعلها ترى الجنَّة بِفِراقِهِ ، لو كان مهرها المتأخِّر مئة ألف لفضَّلت الخلع ، حكى لنا شخص من المسجد أنَّ أحدهم تزوَّج امرأةً صالحة بنت عالم ، يظهر أنَّه ما حصل تحقّق بالزواج ، فهذه مُربَّاة تربيةً دينيّة ، وهذا الشاب يريد أن يفلت على هواه ، يريد اختلاطاً ، ويستقبل رفاقه ، فأمرها بِمَعاص كبرى فرفضَت ، متأخِّرها مئة ألف ، وهذا الزوج أساء إليها إساءة بالغة ، يتأخّر ويهينها ويضربها ، وهي صابرة ، وخلال سنة يئسَت ، وبعدها استسْلَمَت وقالَتْ له : لا أريد شيئًا فقط الخلْع ، فعلاً خلَعَها وخلص منها ، ولكن كيف خلعها ؟ لأنَّه ضارَّها ، بعدما خلعها وكان هذا الخلْع بِتَوجيه والدَتِهِ
الابن الظالم والأم المحرِّضة ، فالواحد إذا كانت له زوجة ، ولو كان لها الحق أن تخلع نفسها منه إذا لم يعجبهُ شكلها ، أما أن يُضايِقَها في أنصاف الليالي ، ويظلمها ، ويهينها ، ويحرمها ، ويقسو عليها إلى أن تفدي نفسها منه ، فهذا أبشع أنواع الظلم ، والله سبحانه وتعالى يقتصّ منه ، فكما قلت سابقًا : فويل لقاضي الأرض من قاضي السماء ، أحيانًا القاضي يجور ولكن ربّنا عز وجل كلّ شيء عنده بِحِسابٍ دقيق .
الذي لا يخاف من الله تعالى أحمق ، وكلّ إنسان يظنّ إذا أكل حقوق الآخرين ، أو ظلم زوجته، أو ظلم جيرانه ، وتعدَّى على الناس أنَّه ذكيّ يكون في حضيض الغباء ، أما الذكاء فله قِمَّة ، كلّ إنسان يظنّ أنَّه إذا لعب على الناس ، وأكل حقوقهم هو ذكيّ بهذا العمل يكون في غاية الحمق والغباوة .
لا ينعقد الزواج إلا بموافقة الأب والبنت معاً وهذا هو شرع الله عز وجل :
إذاً يقول الله عز وجل:
﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
الفتاة لها طموح، كما لو كان هناك صندوق وله مفتاحان، ولا يفتح إلا بالمفتاحين معاً، وعقد الزواج يحتاج إلى موافقتين؛ موافقة الأب لأنه خبير بالرجال؛ إذ يعلم أخلاقهم, ويعلم انحرافهم، والأب هو الضمانة، وقد أعجبه الخاطب، ولكن شكله لا يرضي الفتاة، فيجب أن توافق هي، ولا ينعقد الزواج الا بموافقة الاب والبنت معا
الزوج ينبغي أن يتِّقي الله في تطليقه والمرأة ينبغي أن تتقي الله في عدتها :
قال تعالى:
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾
خروج المطلقة من بيتها يفاقم المشكلة
فالمرأة حينما تُطلَّق تقتضي السنَّة أن تطلَّق طلاقاً رجعياً، أي طلقةً واحدةً في طهرٍ لم يمسَسْها فيه، وهذه الطلقة تتيح لها أن تبقى في بيت الزوجية، وأن تأكل معه، وأن تطبخ له، وأن تتزيَّن له، وهي في متناول يده، وتحت سمعه وبصره، وما من مشكلةٍ بين زوجين إلا وتتلاشى بعد أيامٍ معدودة، والشرع الحنيف قال: ثلاثة قروء، أي تسعين يوماً، ولو طبِّق الشرع الحنيف، لو طلَّق الرجال الطلاق السُّني، ما وقع طلاق من مئة ألف طلاق، ولكن مباشرةً طلقات ثلاث دفعة واحدة، ولأتفه سبب، ويطردها إلى بيت أهلها.
أي مشكلة وقد خرجت الزوجة إلى بيت أهلها تتفاقم إلى أن تنتهي بالطلاق، وإن أصغر مشكلةٍ وقد خرجت المرأة من بيتها، أو أخرجها زوجها، هذه المشكلة الصغيرة في الأعم الأغلب تتفاقم حتى تنتهي إلى الطلاق، وإن أكبر مشكلةٍ، والزوجة في بيت الزوجية، لا هي خرجت، ولا زوجها أخرجها، فهذه المشكلة الكبيرة تتلاشى بعد أيام.
إذاً ينبغي لك أن تطلِّق طلقةً واحدة في طهرٍ ما مسسْتها فيه، وأن تبقَى عندك في البيت تحت سمعك وبصرك وفي متناول يدك، وتتزين لك..
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
ففي العالم الإسلامي، وفي عالم الإيمان، لا بد من مراقبة الواحد الديان، ولا بد من أن يخشى الإنسانُ ربَّه فيما بينه وبينه، فهناك في الحياة الزوجية أسرار لا يمكن أن نضبطها إلا باعتراف الزوجة، وفي الطلاق أسرارٌ لا يمكن أن نضبطها إلا باعتراف الزوج، فالزوج ينبغي أن يتِّقي الله في تطليقه، والمرأة ينبغي أن تتقي الله في عدتها.
إذا مضت ثلاثة قروء ولم يرجع الزوج زوجته فقد ملكت نفسها :
مضت ثلاثة قروء، تسعون يوماً وهي في بيته، تتزين له، وهي في متناول يده، تحت سمعه وبصره، ولم يراجعها لا بالقول ولا بالفعل، ولو راجعها بالقول أو بالفعل ليس لها خيارٌ في ذلك، ويجب أن ترجع إليه، لأنها زوجته، أما إذا مضت تسعون يوماً، ثلاثة قروء، ثلاث حيضات، أو ثلاثة أطهار، فقد ملكت نفسها، وهذه أول مشكلة، فهذه الزوجة الآن بإمكانها أن ترفض العودة إليه، وهذا من حقها، ولكن إذا وافقت فبإمكانه أن يعيدها إليه بعقدٍ ومهرٍ جديدين، ولا شيء عليه، ولو كان المهر رمزياً.
ثم لك أن تطلقها طلقةً ثانية، وأن تتربص في بيتك، وأن تبقى في بيتك، تحت سمعك وبصرك، وفي متناول يدك، تتزين لك، وتصنع لك الطعام، تسعون يوماً ثانية، ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار، فإن لم تراجعها لا بالقول ولا بالفعل ففي هذه المدة ملكت نفسها.
﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾
﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ ﴾
أزواجهن..
﴿ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً ﴾
فهو يرجعها لا ليضرها، ولا ليغيظها، ولا لتبقى تحت سيطرته، فهذا إرجاعٌ فيه ضرر..
﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً ﴾
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾سورة البقرة: 228 )
الرجل يزيد عن المرأة بدرجة واحدة هي درجة القيادة :
لابد للأسرة من صاحب قرار واحد
لكن لا بد في هذه المؤسسة من مدير، أو قائد، أو صاحب قرار. قال تعالى:
﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾
درجة واحدة، هي درجة القرار، فلا بد من إنسان واحد يقول: لا أو نعم. فلو أراد الابن أن يسافر وحده إلى بلد غربي، وهو مراهق، وأغلب الظن أنه سيسقط في الفاحشة، فالأم بدافع من عاطفتها العمياء تحبه أن يسافر، والأب صاحب قرار، فإن قال: لا، فقد انتهى الأمر، لأن بعد نظره كبير، وقراره حاسم، وإدراكه أعمق، ومعرفته بالحياة أدق، وخبرته بالمشكلات أعمق، فلا بد من صاحب قرار، والقرار هو هذه الدرجة، درجة القيادة..
﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
الرجل مصمم، مبرمج أن يكون هو القائد، فعقله أكبر من قلبه، وإدراكه أعمق من عاطفته، وبنيته تقاوم كل الصعوبات، بنيته قوية، وإدراكه واسع، وعزيمته شديدة يعني مثلاً، نريد أن نهدم بناء، نأتي بتركس، ثلاث آلاف حصان، نريد أن نذهب إلى نزهة، نأتي بسيارة سياحية، صوتها لطيف، محركها معتدل، فهذه مهمتها شيء، وهذا مهمته شيء أخطر شيء بالمجتمع تبادل الأوراق، يعني أن تتشبه المرأة بالرجل وأن يتشبه الرجل بالمرأة، هذا هو الفساد، الفساد أن يخرج الشيء عن طبيعته، وعن خصائصه، وعن مهمته، المرأة محببة، مرغوب فيها جعلها الله كذلك، كي يسعد بها زوجها، وكي يسعد بها أولادها، فإذا كانت على احتكاك مباشر مع كل الناس، فسدت، وأفسدت، فسدت وأفسدت، أجرينا تبادل في المهمات، في أي مكان موطن اهتمام موطن نظر، موطن رغبة، فإذا كان الإنسان أقوى منها وهي تحت أمره، ومرغوبةٌ عنده، ينشأ فساد اجتماعي لذلك الآية الكريمة،﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ ( سورة الأحزاب: 33 ) لا يعني الإقرار أن تكون جاهلة، لأن لكن هذه مهمتها، وهي تملك أخطر مهمتهٍ على الإطلاق، اعلم أيتها المرأة وأعلمي من دونك النساء، أن حسن تبعل المرأة زوجها، يعدل الجهاد في سبيل الله، ولا يخف عليكم أن الجهاد، ذروة سلام الإسلام، يعني سلام الإسلام أعلى شيء فيه، وذروته أعلى نقطة بالسلام، الجهاد ذروة سلام الإسلام، وأي امرأة أحسنت تبعل زوجها، أي أعطته حقه، ورعته أفضل رعاية في كل النواحي، ورعت أولادها، فهي كالمجاهد في سبيل الله العبرة، ما هو الفساد ؟ معك مسحوق أبيض هو الملح، مسحوق أبيض هو السكر، مسحوق أبيض هو الصابون، المواد الثلاثة مهمة جداً ضع الصابون في الطعام، أتلفت الطعام، ضع الملح في الشاي أتلفت الشاي، ضع السكر في الطعام، أتلفت الطعام، الفساد تبديل موقع الأشياء، هذا الفساد فكل شيء في مكانه،
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾
يعني يجب أن يكون قائمين، بل قوامين رعاية وملاحظة وتصحيحاً وأمراً ونهياً وتوجيهاً ورحمة واهتماماً، بسبب أن الله فضلهم بذلك، هذا تفضيل فطري وهبي تفضيل فطري في تفضيل كسبي، الكسبي،
﴿ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾
المرأة في بيتها أما هو في العمل والعمل في متاعب، وفي مطبات وفي صعوبات، فهذا الذي يكسب المال بشق الأنفس، يستحق أن تكون له القوامة هو الذي يكسب المال،
﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾
لكن أجمل ما في هذه الآية، بما فضل الله، ما قال الرجال على النساء،
﴿ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
يعني أنت من أجل أن تأكل، أنت مفتقر إلى زوجتك، هي التي تطبخ الطعام من أجل أن ترى ابنك في حالة طيبة، أنت مفتقر إلى زوجتك، هي الآن تفضلك إلى تأمين الطعام، إعداد الطعام، وفي تنظيف الأولاد ورعايتهم، وإطعامهم وتربيتهم، أما من حيث الكسب، أن تفضلها إذاً ما في تميز جنسي، أنت في موطن في حاجة إليها، وهي في موطن في حاجةٍ إليك، ماذا نسمي هذه العلاقة، علاقة تكامل، في مواطن كثيرة، أنت في أمس الحاجةٍ إليها، وفي مواطن كثيرة، هي في أمس الحاجة إليك لذلك أي امرأة سألت زوجها الطلاق، من غير بئسٍ لم ترح رائحة الجنة، لأنها كفرت بنعمة الزوج، وأي زوج يطلق زوجته لأتفه الأسباب، فقد كفر نعمة الزوجة هو في أمس الحاجة إليها، وهي في أمس الحاجة إليه، وأنا ألاحظ أحياناً، هذا الذي يطرد زوجته إلى بيت أهلها، أو يطردها لأتفه سبب، أو يهجرها لأتفه مشكلة، يعاني كثيراً حينما تتركه، يطرب كثيراً، ينزعج كثيراً، هي عنك في البيت، اعرف قيمتها، واعرف دورها الإيجابي، دون أن تطردها، وأن تقيم علاقةً سيئةً معها لذلك الإنسان، قد ينجح نجاحاً كبيراً، في كسب المال، وفي نيل الشهادات، وفي إدارت الأعمال، ولا ينجح في قيادة امرأةٍ في البيت، نجاحك في قيادة زوجتك، نجاح مهم جداً في حياتك، والمؤمن يستلهم الله عز وجل،
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
أما إذا أنت ساكن بيبتها، وعما تأخذ نصف معاشها، وأنت علمك أقل من علمها، وأنت شهواني وهي مترفع عن هل الأسلوب هذا مالك قوامة صار، فقدت القوامة، فقدت القوامة الفطرية، والقوامة الكسبية، أما إذا أنت أعلى منها علماً، أعلى منها خلقاً، أعلى منها ورعاً وتنفق عليها، مندون بخل ولا تقطير، بسخاء أنا لا أعتقد أن امرأة في الأرض، تريد ترك زوجها إذا كان ينفق عليها بكرم، إذا كان يحترمها، يحترم أهلها، هي من حكمة الزوج، أن تكون زوجتك بمكان محترم هي وأهلها، أما هذا الذي يقيم النكير إذا سخرت من أهله وليل نهار يسخر من أهلها، هذا إنسان غير منطقي، ولا يعاملها بالعدل،
الحكمة من إرضاع الطفل حولين :
﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾
الطفل بحاجة إلى حليب أمه حولين كاملين
العرب تقول "حولين" لحولٍ وكسر الحول، لسنة وكسر السنة يقال حولين، لكن العلماء اكتشفوا أن الطفل في طور الرضاع لا يمكن أن يستقبل الحليب الطبيعي إلا بعد عامين، وقبل هذا التاريخ لا يهضم إلا حليب أمه، وأجهزته لا تستطيع أن تعمل بانتظام إلا بعد عامين، ولذلك جاء قوله تعالى:
﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾
تأكيداً على تمام الحولين، لأن الذي شرع هذا التشريع هو الذي خلق الإنسان، الأجهزة في جسم الطفل لا يمكن أن تهضم حليب البقر إلا بعد عامين، أما قبل العامين فكل ما عند الطفل مهيَّأ لهضم حليب أمه،
﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾
يفرض للولد الرضيع رزقاً يتناسب مع دخل والده :
الآن، هذا الطفل الذي طُلِّقت أمه، ما مصيره؟
الجواب:﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ﴾على أبيه الذي ولد له، ومن كلمة ولد له، ينسب الابن إلى الأب، ويتحمَّل الأب نفقة ابنه..
﴿ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾
بالمعروف أي حسب دخله، فكل إنسان له دخل، وله مستوى في الإنفاق، فكسوة هذا الطفل وطعامه وشرابه بمستوى دخل أبيه، والقاضي يقرر كم دخل الأب، ويفرض لولده الرضيع رزقاً يتناسب مع دخله..
﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ﴾
حليب البقر والماعز مضر بالرضيع
ولدت، وجاءها خاطب، وعدتها أن تضع حملها، فإذا جاءها خاطب، لا ينبغي للأب أن يلزم الأم المطلقة بإرضاع ابنه، إنه إن فعل هذا ألغى زواجها، وجعلها بائرة، إذاً:﴿
لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾
فالأم موجودة، وهي أمه، والأب طلق، ويجب أن ترضع الأم ابنها، فهل لاحظتم أيّة إشارة إلى حليب القوارير هنا؟!
فهل الله عز وجل غفل ـ والعياذ بالله ـ عن طريقة أخرى للإرضاع، هي حليب بالقوارير؟
لا نحتاج لمرضع، ولا نحتاج لأم، القضية الآن محلولة، نغذي هذا الطفل من حليب القوارير، ولكن هنا لا نجد ذلك، إما أن ترضع الأم، وإما أن تأتي بمرضع، ولذلك فهذا الذي سأقوله لكم: لا شيء يعدل حليب الأم، أجهزة المولود لا يمكن أن تهضم إلا حليب الأم، فإن سقيته حليب البقر، أو حليب الغنم، أو حليب الماعز، فما الذي يحصل؟ أربعة أخماس الأحماض الأمينية تبقى في الدم، وهذه تصيب المولود حينما يكبر بآفاتٍ قلبيةٍ ووعائية، بل إن هناك تجربةً أو دراسة رصينة عميقة حول علاقة الذكاء بالإرضاع الطبيعي، جاءت النتيجة أنّ ذكاء أولاد سكان (جزر الباسيفيك) في الدرجة الأولى، بسبب أن أهل هذه الجزيرة لا يعرفون الإرضاع الصناعي إطلاقاً.
﴿ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾[ سورة الطلاق: 6 ]
الله عز وجل ألم يكن يعلم أنه سيكون هناك حليباً مجففاً للأطفال وقوارير خاصة؟
ما هذه الآيات مادام العالم كله يرضع إرضاعاً صناعياً؟ فلم هذه الأحكام؟
هنا الاستنباط الخطير لا يجوز أن يرضع الطفل إلا من ثدي أمه أو امرأة أخرى لأن البوم شاسع جداً بين حليب الأم أو المرضعة وبين القوارير، فحليب البقر فيه مواد بروتينية خمسة أمثال ما يحتمل جهاز الطفل الهضمي، لذلك هناك آفات قلبية ووعائية، تنشأ مع هذا الطفل حينما يكبر بسبب الإرضاع الصناعي، فالله عز وجل يعلم السر وأخفى وما سيكون،الآن العالم كله حليب قوارير وخفيفة الوزن ومعقمة وكل شيء جاهز.
الآية التالية من آيات الإعجاز القرآني :
حليب الأم يتبدل حسب حاجة الرضيع
الشيء الذي لا يصدق: أن حليب الأم تتبدل نسبه في أثناء الرضعة الواحدة، فيبدأ في أول الرضعة بأربعين من المئة دسماً وستين من المئة ماء، وينتهي بأربعين من المئة ماء، وستين بالمئة دسماً، فتتبدَّل نِسَب الحليب كل يوم بقدرة قادر، وهو حليب معقَّم، يهضم في ساعة ونصف، وفيه مواد مضادة للجراثيم، وفيه مواد تحوي مناعة الأم بأكملها، بارد صيفاً، دافئ شتاءً، ومعقم تعقيماً تاماً، يهضم في أقل وقت، ولا يبقى منه أثر في الأوعية، ولذلك فهذه آية من آيات الإعجاز القرآني، ولا تجد في كل هذه الآيات ما يسمَّى بالإرضاع الصناعي، فالحليب للطفل، إما أن ترضعه أمه، أو أن ترضعه مرضع..
﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾
مات الأب، أو طلَّق ومات، فعلى الوارث أن يؤمن نفقة إرضاع ولد وريثه، ومن هذه الآية استنبط باب النفقة في الفقه: أن الغُرم بالغُنم، الذي يرث بعد الموت ينفق في الحياة..
﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا ﴾
أرادا أن يفطما هذا الولد..
﴿ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلاميه