آية الذرية في سورة الفرقان ومضامينها التربوية
قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
نستفيد من هذه الآية الكريمة توجيهات تربوية مهمة؛ منها: أهمية الدعاء المستمر للذرية، والسعي لنيل الدرجات العالية، وعلو الهمة، وأهمية القدوة الحسنة في التربية، وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:
أولًا: أهمية الدعاء المستمر للذرية:
إن الدعاء عبادة عظيمة يتجلى فيها الافتقار والخضوع، والحاجة لله جل وعلا، وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم قولـه: "الدعاء هو العبادة"؛ (سنن أبي داود، حديث رقم 1479، كتاب: الوتر، باب: الدعاء)، وقـال رسول الله صلى الله عليـه وسلم: "لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا"؛ (سنن ابن ماجـه، حديث رقم: 90، كتاب: السنة، باب: في القدر).
وإن الله تعالى لا يرد من دعاه وتوجـُّه إليه، فهو الكريم الجواد اللطيف بعباده، وقد تأكد ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، فالأهم أن ندعو الله تعالى ونصدق معه، فالإجابة مضمونه؛ لأنه سبحانه وعد بهـا، ومن أصدق من الله تعالى وعدًا ووفاءً.
إن أفضل ما يدعو به الإنسان المسلم هو أن يكون من الموحدين لله تعالى قولًا، وسلوكًا، وأن يتعدى هذا الدعاء إلى صلاح الذرية؛ لأن صلاحهم مطلب كل والدين ينشدان الخير، والاستقامة لأولادهم، وأولاد أولادهما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولقد سمعت أذناي أكثر من مرة آباءً يدعون لأولادهم بالهداية والصلاح بعد أن تلقفتهم الشهوات، وأصدقاء السوء، والعياذ بالله، فانحرفوا عن جادة الطريق، وبعد مناجاة وإلحاح وقُرب من الله تعالى، رأيت هؤلاء الأولاد وقد عادوا إلى الطريق المستقيم، فحافظوا على الصلوات، وبروا والديهم، ووصلوا أرحامهم، وأكملوا مشوارهم العلمي والعملي؛ فاحرص أيها الأب وأيتها الأم على هذا التوجيه المبارك، فله من الخير والبركة ما لا يخطر في بالكما.
ثانيًا: السعي لنيل الدرجات العالية:
إن الدعاء مهم جدًّا، ولكنه وحده لا يكفي لبلوغ المطالب والدرجات العليا؛ إذ لا بد من الصبر واليقين، وخصوصًا في المطالب العليا؛ كالإمامة في الدين التي ورد ذكرها في الآية الكريمة المشار إليها، ويقاس عليها كل أمر رفيع المستوى لا يتم الوصول إليه إلا بالسعي والصبر واليقين، وقد تأكد هذا المعني أيضًا في قول الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
ويقول الشيخ السعـدي رحمه الله: وإنما نالوا هـذه الدرجة العالية - الإمامة في الدين - بالصبر على التعلم والتعليم، والدعوة إلى الله، والأذى في سبيله، وكفوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي، واسترسالها في الشهوات، ووصلوا في الإيمان بآيات الله إلى درجة اليقين، وهو العلم التام الموجب للعمل، وإنما وصلوا إلى درجة اليقين؛ لأنهم تعلموا تعلـمًا صحيحًا، وأخـذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين، فما زالوا يتعلمون المسائل، ويستدلـون عليها بكثرة الدلائل، حتى وصلوا لذاك، فبالصبر واليقين تُنَالُ الإمامة في الدين.
وقريبًا من هذا المعنى صاغ أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله قوله:
وما نيلُ المطالب بالتمني
ولكن تؤخَذ الدنيا غِلابا
وما استعصى على قوم منالٌ
إذا الإقدام كان لهم رِكابا
ثالثًا: علو الهِمة:
إن هذا التوجيه التربوي العظيم يتأكد في الكثير من توجيهات الشارع الحكيم، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَـلَ الشَّيْطَانِ"[1]. وقـول رسول صلى الله عليـه وسلـم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا"[2]. وهنا أورد موقفـًا عظيمًا لأحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبين علو الهمة عند الصحابة رضوان الله عليهم، فعن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رَضْي الله عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْـهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ[3].
وهذا الحديث الشريف يؤكد أمرين مهمين؛ هما:
الأول: علو الهمة، ويتضح من طلب الصحابي الجليل كعب الأسلمي رضي الله عنه مرافقة الرسول صلى عليه وسلم في الجنة، فلم يطلب عَرَضًا من الدنيا الفانية: أموال عينية، أو نقدية، بل طلب ما هو أفضل وأدوم، وأي طلب أعظم وأشرف من مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة.
الثاني: هذا الطلب العظيم الشريف لا يتأتى بالأماني والأحلام، بل ثمنه هو طاعة الله تعالى وابتغاء مرضاته، ومن خلال أعظم وأشرف عبادة، وهي السجود لله تعالى والإكثار منه، ولذلك ينبغي أن تكون همة المسلم دائمًا عالية جدًّا، وأن يعمل بجد ومثابرة للوصول إلى مبتغاة، وإن ضعفت همتُه وقصَّر عن العمل والجد والتحفز لطلب معالي الأمور، فحاله يقف نقطة واحـدة لا تَغَيُّر ولا تَجْدِيد إن لم يكن تراجعًا وتخلفًا، وهنا يحضرني قول الشاعر:
ومن لا يحب صعودَ الجبالِ *** يعشْ أبد الدهرِ بين الحفرْ
وقول الآخر:
لا تحسبِ المجد تمرًا أنت آكله *** لن تبلغَ المجد حتى تلعقَ الصبرا
وهذه التوجيهات العظيمة يجب على الوالدين غرسها في نفوس أولادهم؛ لتَعلو هممُّهم، وينشدون الأعلى من القيم والمبادئ والأخلاق والسلوكيات، شريطة أن يكون ذلك منضبطًا بضوابط الشرع الحنيف، فلا ضرر ولا ضرار.
ولا يفوتني هنا أهمية التذكير بدور مؤسسات التربية الأخرى، فهي مكملة لدور الوالدين، فيجب أن تكون هناك توجيهات وإرشادات، وعرض نماذج لعلو الهمة من السلف والخلف لشَحْذ هِمم الناشئة والشباب لمواجهة الزحف الإعلامي الكبير، وما يعرضه من نماذج سيئة تكرِّس مفهومات تافهة أثَّرت على سلوكيات بعض شبابنا، وجعلتهم لا يفكرون إلا في أمور سطحية لا تنمي فكرًا ولا توجد إبداعًا، ولا تهيئ شبابًا يُعَوَّلَ عليه في بناء أمة لها تاريخها ومجدها وحضارتها.
رابعًا: أهمية القدوة الحسنة في التربية:
من الأساليب المهمة والمفيدة في التربية: القدوة الحسنة، ولقد بيَّن القرآن الكريم المثال والأسوة الحسنة للمسلمين، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وقد أشارت الآية الكريمة (الفرقان:74) إلى أهمية القدوة الحسنة من خلال حـرص المسلم على العمل والجد والاجتهاد، وأن تكون أقواله وأفعاله متفقة وتوجيهات الشريعة أمرًا ونهيًا؛ ليكون قدوة للمتقين، فينال بذلك درجـة الإمامة وحسن الاقتداء والأجر العظيم والمثوبة مـن الله لمن اقتـدى به، فقـد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَـا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"[4]. [1] (صحيـح مسلم، حديث رقم: 6774، كتاب: القدر، باب: الإيمان بالقدر والإذعان له).
[2] ( المعجـم الكبير للطبراني، حديث رقم: 2826 ).
[3] ( صحيح مسلم، حديث رقم: 1094، كتاب: الصلاة، باب: فضل السجود والحث عليه).
[4] ( صحيح مسلم، حديث رقم: 6800، كتاب: العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة).

آية الذرية في سورة العنكبوت ومضامينها التربوية
قال الله تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [العنكبوت: 27]، ونستفيد من توجيهات هذه الآية:
ثواب صلاح الوالدين في الدنيا:
إن صلاح الوالدين له بركاته في الدنيا والآخرة على نفس الإنسان بالدرجة الأولى، فأما في الدنيا فإن الله جل وعلا يرزقه زوجة صالحة، ورزقًا واسعًا، وذرية مباركة، وثناءً حسنًا، وذكرًا جميلًا، وهذا يؤكده ما جاء في قصة الخضر مع نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، عند قتل الخضر الغلام، واعتراض موسى عليه السـلام على فعله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 80، 81].
يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: وكان ذلك الغلام، قد قُدِّر عليه، أنه لو بَلَغَ لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا؛ أي: لحملهمـا على الطغيان والكفـر؛ إما لأجل محبتهما إياه، أو للحاجة إليه يحملهما على ذلك؛ أي: فقتلته، لاطلاعي على ذلك؛ سلامةً لدين أبويـه المؤمنين، وأي فائـدة أعظم مـن هـذه الفائـدة الجليلـة؟ وهـو وإن كـان فيـه إساءة إليهمـا، وقطع لذريتهما، فإن الله تعالى سـيعطيهما مـن الذرية ما هو خـير منـه، ولهـذا قال: ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾؛ أي: ولدًا صالحًا، زكيًّا، واصلًا لرحمه، فإن الغلام الذي قُتل لو بلغ لعقهما أشدَّ العقوق بحملهما على الكفر والطغيان.
وإن الإنسان المسلم كلما ترقى في صلاحه وتقواه وورعه، نال من الله الدرجات العلا في الدنيا، وما أعده الله تعالى للصالحين من عباده في الآخرة أعلى وأعظم، فحينئذ يجب على المسلم الحرص الشديد على طاعة ربه، والتزام أوامره واجتناب نواهيه.
ثواب صلاح الوالدين في الآخرة:
إن ثواب صلاح الإنسان في الآخرة، يكون بأن يرفع الله درجته؛ ليكون مع أفضل خلق الله تعالى؛ مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
ولا شك أن هذه الكوكبة النيِّـرة من عباد الله تعالى الصالحين، يتقدمهم صفوة الخلق: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، في أفضل إنعام وأرقى درجات الجنان التي أعدها الله تعالى لهم، ولذلك يجب على الإنسان المسلم أن يحرص على صلاح نفسه أولًا باتباع هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والبعد كل البعد عن أسباب الغواية؛ من تحكيم شهواته، والحذر من الشبهات التي هي أسباب كل شر، والعياذ بالله، ثم إن هذا الصلاح للنفس - كما هو واضح من الشواهد الشرعية المشار إليها - سبيل صلاح الذرية بعون الله وتوفيقه.

آية الذرية في سورة غافر ومضامينها التربوية
قال الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [غافر: 8].
تتضمن الآية الكريمة - وما سبقها وتلاها - توجيهين تربويين مهمين؛ هما: التوبة الصادقة نجاة للعبد في الدنيا والآخرة، والبشارة بزيادة الثواب العظيم للتائبين الصالحين، وفيما يلي عرض لهما:
أولًا: التوبة الصادقة نجاة للعبد في الدنيا والآخرة:
هذه الآية الكريمة جاءت في سياق التوبة لمن أسرف على نفسه في المعاصي والذنوب - وإن عظُمت - فإن الله يقبل التوبة من عباده إذا صدقوا فيها، ونهجوا طريق الصلاح والتقوى والعمل الصالح، وختم الله تعالى حياتهم وهم على ذلك، فيكون جزاؤهم عند الله عظيمًا، وهو إدخالهم جنات دائمة التي هي رجاء كل مسلم وأمله وطموحه؛ بل إن دعاءنا كله يتمحور حولها، وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ((كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: أَتَشَهَّدُ، وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَأَعُـوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، أَمَا إِنِّي لا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ، وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ))[1].
ثانيًا: البشارة بزيادة الثواب العظيم للتائبين الصالحين:
إن مَن أخلص في توبته ونهج طريق الاستقامة؛ فإن الله تعالى - بفضله ورحمته - يزيد في إكرامه، بأنه جل وعلا سيُلْحِق به من صلح في إيمانه وعمله من آبائه وأزواجه وأولاده.
ومما أورد القرطبي رحمه الله عند تفسير هذه الآية قوله: "قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: يدخل الرجل الجنة فيقول: يا رب، أين أبي وجَدِّي وأمي؟ وأين ولدي وولد ولدي؟ وأين زوجاتي؟ فيُقال: إنهم لم يعملوا كعملك، فيقول: يا رب، كنت أعمل لي ولهم، فيُقـال: أدخلهـم الجنـة، ثم تلا: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [غافر: 7، 8].
وقد أشارت الآية الكريمة هذه إلى أسلوب تربوي هو: البشارة بمضاعفة وزيادة الأجر للعاملين، وهو أسلوب تحتاجه النفس البشرية في مختلف المراحل العمرية، وفي مختلف المجالات الحياتية؛ فعلى المعنيِّين بهذه المجالات الأخذ بهذا الأسلوب القرآني، وسيجدون بإذن الله تعالى فوائده العظيمة في: مضاعفة الجهد، وزيادة الإنتاج من العامليـن.
آية الذرية في سورة الأحقاف ومضامينها التربوية