عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2025, 05:19 PM   #5
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 38

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

آية الذرية في سورة الفرقان ومضامينها التربوية

قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
نستفيد من هذه الآية الكريمة توجيهات تربوية مهمة؛ منها: أهمية الدعاء المستمر للذرية، والسعي لنيل الدرجات العالية، وعلو الهمة، وأهمية القدوة الحسنة في التربية، وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:


أولًا: أهمية الدعاء المستمر للذرية:
إن الدعاء عبادة عظيمة يتجلى فيها الافتقار والخضوع، والحاجة لله جل وعلا، وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم قولـه: "الدعاء هو العبادة"؛ (سنن أبي داود، حديث رقم 1479، كتاب: الوتر، باب: الدعاء)، وقـال رسول الله صلى الله عليـه وسلم: "لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا"؛ (سنن ابن ماجـه، حديث رقم: 90، كتاب: السنة، باب: في القدر).
وإن الله تعالى لا يرد من دعاه وتوجـُّه إليه، فهو الكريم الجواد اللطيف بعباده، وقد تأكد ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، فالأهم أن ندعو الله تعالى ونصدق معه، فالإجابة مضمونه؛ لأنه سبحانه وعد بهـا، ومن أصدق من الله تعالى وعدًا ووفاءً.
إن أفضل ما يدعو به الإنسان المسلم هو أن يكون من الموحدين لله تعالى قولًا، وسلوكًا، وأن يتعدى هذا الدعاء إلى صلاح الذرية؛ لأن صلاحهم مطلب كل والدين ينشدان الخير، والاستقامة لأولادهم، وأولاد أولادهما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولقد سمعت أذناي أكثر من مرة آباءً يدعون لأولادهم بالهداية والصلاح بعد أن تلقفتهم الشهوات، وأصدقاء السوء، والعياذ بالله، فانحرفوا عن جادة الطريق، وبعد مناجاة وإلحاح وقُرب من الله تعالى، رأيت هؤلاء الأولاد وقد عادوا إلى الطريق المستقيم، فحافظوا على الصلوات، وبروا والديهم، ووصلوا أرحامهم، وأكملوا مشوارهم العلمي والعملي؛ فاحرص أيها الأب وأيتها الأم على هذا التوجيه المبارك، فله من الخير والبركة ما لا يخطر في بالكما.


ثانيًا: السعي لنيل الدرجات العالية:
إن الدعاء مهم جدًّا، ولكنه وحده لا يكفي لبلوغ المطالب والدرجات العليا؛ إذ لا بد من الصبر واليقين، وخصوصًا في المطالب العليا؛ كالإمامة في الدين التي ورد ذكرها في الآية الكريمة المشار إليها، ويقاس عليها كل أمر رفيع المستوى لا يتم الوصول إليه إلا بالسعي والصبر واليقين، وقد تأكد هذا المعني أيضًا في قول الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
ويقول الشيخ السعـدي رحمه الله: وإنما نالوا هـذه الدرجة العالية - الإمامة في الدين - بالصبر على التعلم والتعليم، والدعوة إلى الله، والأذى في سبيله، وكفوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي، واسترسالها في الشهوات، ووصلوا في الإيمان بآيات الله إلى درجة اليقين، وهو العلم التام الموجب للعمل، وإنما وصلوا إلى درجة اليقين؛ لأنهم تعلموا تعلـمًا صحيحًا، وأخـذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين، فما زالوا يتعلمون المسائل، ويستدلـون عليها بكثرة الدلائل، حتى وصلوا لذاك، فبالصبر واليقين تُنَالُ الإمامة في الدين.
وقريبًا من هذا المعنى صاغ أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله قوله:
وما نيلُ المطالب بالتمني
ولكن تؤخَذ الدنيا غِلابا
وما استعصى على قوم منالٌ
إذا الإقدام كان لهم رِكابا



ثالثًا: علو الهِمة:
إن هذا التوجيه التربوي العظيم يتأكد في الكثير من توجيهات الشارع الحكيم، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَـلَ الشَّيْطَانِ"[1].
وقـول رسول صلى الله عليـه وسلـم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا"[2].
وهنا أورد موقفـًا عظيمًا لأحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبين علو الهمة عند الصحابة رضوان الله عليهم، فعن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رَضْي الله عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْـهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ[3].


وهذا الحديث الشريف يؤكد أمرين مهمين؛ هما:


الأول: علو الهمة، ويتضح من طلب الصحابي الجليل كعب الأسلمي رضي الله عنه مرافقة الرسول صلى عليه وسلم في الجنة، فلم يطلب عَرَضًا من الدنيا الفانية: أموال عينية، أو نقدية، بل طلب ما هو أفضل وأدوم، وأي طلب أعظم وأشرف من مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة.


الثاني: هذا الطلب العظيم الشريف لا يتأتى بالأماني والأحلام، بل ثمنه هو طاعة الله تعالى وابتغاء مرضاته، ومن خلال أعظم وأشرف عبادة، وهي السجود لله تعالى والإكثار منه، ولذلك ينبغي أن تكون همة المسلم دائمًا عالية جدًّا، وأن يعمل بجد ومثابرة للوصول إلى مبتغاة، وإن ضعفت همتُه وقصَّر عن العمل والجد والتحفز لطلب معالي الأمور، فحاله يقف نقطة واحـدة لا تَغَيُّر ولا تَجْدِيد إن لم يكن تراجعًا وتخلفًا، وهنا يحضرني قول الشاعر:
ومن لا يحب صعودَ الجبالِ *** يعشْ أبد الدهرِ بين الحفرْ


وقول الآخر:
لا تحسبِ المجد تمرًا أنت آكله *** لن تبلغَ المجد حتى تلعقَ الصبرا
وهذه التوجيهات العظيمة يجب على الوالدين غرسها في نفوس أولادهم؛ لتَعلو هممُّهم، وينشدون الأعلى من القيم والمبادئ والأخلاق والسلوكيات، شريطة أن يكون ذلك منضبطًا بضوابط الشرع الحنيف، فلا ضرر ولا ضرار.
ولا يفوتني هنا أهمية التذكير بدور مؤسسات التربية الأخرى، فهي مكملة لدور الوالدين، فيجب أن تكون هناك توجيهات وإرشادات، وعرض نماذج لعلو الهمة من السلف والخلف لشَحْذ هِمم الناشئة والشباب لمواجهة الزحف الإعلامي الكبير، وما يعرضه من نماذج سيئة تكرِّس مفهومات تافهة أثَّرت على سلوكيات بعض شبابنا، وجعلتهم لا يفكرون إلا في أمور سطحية لا تنمي فكرًا ولا توجد إبداعًا، ولا تهيئ شبابًا يُعَوَّلَ عليه في بناء أمة لها تاريخها ومجدها وحضارتها.


رابعًا: أهمية القدوة الحسنة في التربية:
من الأساليب المهمة والمفيدة في التربية: القدوة الحسنة، ولقد بيَّن القرآن الكريم المثال والأسوة الحسنة للمسلمين، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وقد أشارت الآية الكريمة (الفرقان:74) إلى أهمية القدوة الحسنة من خلال حـرص المسلم على العمل والجد والاجتهاد، وأن تكون أقواله وأفعاله متفقة وتوجيهات الشريعة أمرًا ونهيًا؛ ليكون قدوة للمتقين، فينال بذلك درجـة الإمامة وحسن الاقتداء والأجر العظيم والمثوبة مـن الله لمن اقتـدى به، فقـد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَـا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"[4].
[1] (صحيـح مسلم، حديث رقم: 6774، كتاب: القدر، باب: الإيمان بالقدر والإذعان له).

[2] ( المعجـم الكبير للطبراني، حديث رقم: 2826 ).

[3] ( صحيح مسلم، حديث رقم: 1094، كتاب: الصلاة، باب: فضل السجود والحث عليه).

[4] ( صحيح مسلم، حديث رقم: 6800، كتاب: العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة).












آية الذرية في سورة العنكبوت ومضامينها التربوية


قال الله تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [العنكبوت: 27]، ونستفيد من توجيهات هذه الآية:


ثواب صلاح الوالدين في الدنيا:
إن صلاح الوالدين له بركاته في الدنيا والآخرة على نفس الإنسان بالدرجة الأولى، فأما في الدنيا فإن الله جل وعلا يرزقه زوجة صالحة، ورزقًا واسعًا، وذرية مباركة، وثناءً حسنًا، وذكرًا جميلًا، وهذا يؤكده ما جاء في قصة الخضر مع نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، عند قتل الخضر الغلام، واعتراض موسى عليه السـلام على فعله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 80، 81].
يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: وكان ذلك الغلام، قد قُدِّر عليه، أنه لو بَلَغَ لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا؛ أي: لحملهمـا على الطغيان والكفـر؛ إما لأجل محبتهما إياه، أو للحاجة إليه يحملهما على ذلك؛ أي: فقتلته، لاطلاعي على ذلك؛ سلامةً لدين أبويـه المؤمنين، وأي فائـدة أعظم مـن هـذه الفائـدة الجليلـة؟ وهـو وإن كـان فيـه إساءة إليهمـا، وقطع لذريتهما، فإن الله تعالى سـيعطيهما مـن الذرية ما هو خـير منـه، ولهـذا قال: ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾؛ أي: ولدًا صالحًا، زكيًّا، واصلًا لرحمه، فإن الغلام الذي قُتل لو بلغ لعقهما أشدَّ العقوق بحملهما على الكفر والطغيان.
وإن الإنسان المسلم كلما ترقى في صلاحه وتقواه وورعه، نال من الله الدرجات العلا في الدنيا، وما أعده الله تعالى للصالحين من عباده في الآخرة أعلى وأعظم، فحينئذ يجب على المسلم الحرص الشديد على طاعة ربه، والتزام أوامره واجتناب نواهيه.


ثواب صلاح الوالدين في الآخرة:
إن ثواب صلاح الإنسان في الآخرة، يكون بأن يرفع الله درجته؛ ليكون مع أفضل خلق الله تعالى؛ مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].
ولا شك أن هذه الكوكبة النيِّـرة من عباد الله تعالى الصالحين، يتقدمهم صفوة الخلق: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، في أفضل إنعام وأرقى درجات الجنان التي أعدها الله تعالى لهم، ولذلك يجب على الإنسان المسلم أن يحرص على صلاح نفسه أولًا باتباع هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والبعد كل البعد عن أسباب الغواية؛ من تحكيم شهواته، والحذر من الشبهات التي هي أسباب كل شر، والعياذ بالله، ثم إن هذا الصلاح للنفس - كما هو واضح من الشواهد الشرعية المشار إليها - سبيل صلاح الذرية بعون الله وتوفيقه.


آية الذرية في سورة غافر ومضامينها التربوية

قال الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [غافر: 8].
تتضمن الآية الكريمة - وما سبقها وتلاها - توجيهين تربويين مهمين؛ هما: التوبة الصادقة نجاة للعبد في الدنيا والآخرة، والبشارة بزيادة الثواب العظيم للتائبين الصالحين، وفيما يلي عرض لهما:


أولًا: التوبة الصادقة نجاة للعبد في الدنيا والآخرة:
هذه الآية الكريمة جاءت في سياق التوبة لمن أسرف على نفسه في المعاصي والذنوب - وإن عظُمت - فإن الله يقبل التوبة من عباده إذا صدقوا فيها، ونهجوا طريق الصلاح والتقوى والعمل الصالح، وختم الله تعالى حياتهم وهم على ذلك، فيكون جزاؤهم عند الله عظيمًا، وهو إدخالهم جنات دائمة التي هي رجاء كل مسلم وأمله وطموحه؛ بل إن دعاءنا كله يتمحور حولها، وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ((كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: أَتَشَهَّدُ، وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَأَعُـوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، أَمَا إِنِّي لا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ، وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ))[1].


ثانيًا: البشارة بزيادة الثواب العظيم للتائبين الصالحين:
إن مَن أخلص في توبته ونهج طريق الاستقامة؛ فإن الله تعالى - بفضله ورحمته - يزيد في إكرامه، بأنه جل وعلا سيُلْحِق به من صلح في إيمانه وعمله من آبائه وأزواجه وأولاده.
ومما أورد القرطبي رحمه الله عند تفسير هذه الآية قوله: "قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: يدخل الرجل الجنة فيقول: يا رب، أين أبي وجَدِّي وأمي؟ وأين ولدي وولد ولدي؟ وأين زوجاتي؟ فيُقال: إنهم لم يعملوا كعملك، فيقول: يا رب، كنت أعمل لي ولهم، فيُقـال: أدخلهـم الجنـة، ثم تلا: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [غافر: 7، 8].
وقد أشارت الآية الكريمة هذه إلى أسلوب تربوي هو: البشارة بمضاعفة وزيادة الأجر للعاملين، وهو أسلوب تحتاجه النفس البشرية في مختلف المراحل العمرية، وفي مختلف المجالات الحياتية؛ فعلى المعنيِّين بهذه المجالات الأخذ بهذا الأسلوب القرآني، وسيجدون بإذن الله تعالى فوائده العظيمة في: مضاعفة الجهد، وزيادة الإنتاج من العامليـن.





آية الذرية في سورة الأحقاف ومضامينها التربوية



قال الله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 15].
نستفيد من هذه الآية الكريمة مجموعة من التوجيهات التربوية المهمة وهي: الحرص على بر الوالدين، وأهمية التهيؤ والحذر لمن بلغ سن الأربعين، وأهمية صلاح الـوالدين، والتوبة والإنابة إلى الله من المعاصي والذنوب، والدعاء بصلاح الأولاد، وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:


أولًا: الحرص على بر الوالدين:
الأخذ بوصية الله تعالى بالحرص الشديد على بر الوالدين بكل وسيلة من وسائل البر: بتأمين حوائجهم، والتلطف معهم في الحديث؛ نظير ما عانوه من مشقة في تربية الأولاد.
وهذا الموضوع مما اهتمت به الشريعة الإسلامية اهتمامًا كبيرًا في الكثير من التوجيهات: في القرآن الكريم، والسنة المطهرة، قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].
يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: "أمر جل وعلا في هذه الآية الكريمة بإخلاص العبادة له وحده، وقرن بذلك الأمـر بالإحسان إلى الوالدين، وجعل بر الوالدين مقرونًا بعبادته وحده جل وعــلا، والمذكور هنا ذَكَره في آيات أُخَرَ، وهي: قوله تعالى في: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [البقرة: 83]، وقوله تعـالى: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، ويضيف الشيخ الشنقيطي القول: "إن الله تعالى بيَّن في موضع آخر أن برَّهما لازمٌ، ولو كانا مشركين داعيين إلى شركهما؛ كقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]، وقوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ [العنكبوت: 8]، ثم يختم ذلك بقوله: "وذِكرُ الله تعالى في هذه الآيات بر الوالدين مقرونًا بتوحيده جل وعلا في عبادته - يدل على شدة تأكد وجوب بر الوالدين".
ومن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم بالوالدين ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحُسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك))[1].
وهذا الموضوع المهم للغاية لا يكاد يخلو منه كتاب من كتب الحديث، أو كتب الأدب والتربية قديمًا وحديثًا، بل إنهم يضعونه في أول الموضوعات؛ لمكانته وأهميته، ما يدل على أنه تجب العناية بهذا الموضوع من قِبل المؤسسات التربوية المختلفة، وغرسه في نفوس الناشئة والشباب، وبيان خطورة عقوق الوالدين، وأنها من كبائر الذنوب التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك باللـه، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس، فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فمـا زال يقولهـا حتـى قلت: لا يسكت))[2].


ثانيًا: أهمية التهيؤ والحذر لمن بلغ سن الأربعين:
تمضي بالإنسان السنون، وهو لا يشعر بها في كثير من الأحيان، وهو يُسوِّف بالاستقامة والعمل الصـالح، وهذا التسويف لا يجدي ألبتة؛ لأن الإنسان لا يعلـم متى يحين أجله؛ فالأجـل يأتي بغتة، وقد يكون في العمر متسع للتوبة النصوح وقد لا يكون، أما إذا أكرمه الله وبقي حتى سن الأربعين - وهي أشد المراحل العمرية أهمية؛ لبلوغ الإنسان فيها مرحلة النضج العقلي، الذي به يستطيع التمييز بين مـا يصلح له وما لا يصلح - فمن أعظم المصائب أن يبلغ الإنسان هذه السن دون أن يصحو من سكرته، ويفيق من غفوته، ويتوب إلى ربه قبل نزول الموت به.
فإذا بلغ الإنسان الموفَّق الأربعين من عمره، طلب من الله أن يوفقه لشكر النعم عليه وعلى والديه، ونعم الإله جل وعلا على العباد كثيرة ووفيرة لا تعد ولا تحصى، فالمراد من الآية موضوع البحث الحث على شكر النعم، والإقرار للمنعم بها، والقيام بحق شكر الله سبحانه فيها، كما قال تعالى عن نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19].
ثالثًا: أهمية صلاح الوالدين:
إن صلاح الوالدين له بركاته في الدنيا والآخرة على نفس الإنسان بالدرجة الأولى، فأما في الدنيا، فبالزوجة الصالحة، والرزق الواسع، والذرية المباركة، والمنزل الواسع، والثناء الحسن، والذكر الجميل.
وهذا يؤكده ما جاء في قصة الخضر مع نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، قال الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 80، 81].
يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "وكان ذلك الغلام قد قُدِّر عليه أنه لو بلغ لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا؛ أي: لحملهمـا على الطغيان والكفـر، إما لأجل محبتهما إياه، أو للحاجة إليه يحملهما على ذلك؛ أي: فقتلته؛ لاطلاعي على ذلك؛ سلامة لدين أبويـه المؤمنين، وأي فائـدة أعظم مـن هـذه الفائـدة الجليلـة؟ وهـو وإن كـان فيـه إساءة إليهمـا وقطع لذريتهما، فإن الله تعالى سـيعطيهما مـن الذرية ما هو خـير منـه؛ ولهـذا قال: ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 81]؛ أي: ولدًا صالحًـا، زكيًّا، واصلًا لرَحِمه، فإن الغلام الذي قُتل لو بلغ، لعقَّهما أشد العقوق؛ بحملهما على الكفر والطغيان".
وإن الإنسان المسلم كلما ترقى في صلاحه وتقواه وورعه، نال من الله الدرجات العلا في الدنيا، وما أعده الله تعالى للصالحين من عباده في الآخرة أعلى وأعظم؛ فحينئذ يجب على المسلم الحرص الشديد على طاعة ربه والتزام أوامره واجتناب نواهيه.



رابعًا: التوبة والإنابة إلى الله تعالى من المعاصي والذنوب:
لا يوجد إنسان لا يخطئ ويذنب - ما عدا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؛ فقد عصمهم الله من الخطأ والزلل - وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقـال: ((كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون))؛ سنن الترمذي، حديث رقم: 2499، كتاب: صفة القيامة، باب: في استعظام المؤمن ذنوبه.
والمضامين الشرعية من القرآن الكريم والسنة المطهرة في هذا الموضوع كثيرة جدًّا، وليس هذا مجال بسطها، ولكن هدفنا هنا التذكير بأهمية التوبة والاستغفار في حياة المسلم، فالله تعالى تواب رحيم يقبل توبة عباده، ويفرح بها سبحانه وتعالى مهما بلغت درجة ذنوبهم وعصيانهم، ولعل ذكر شيء من المضامين الشرعية التي تحض على التوبة يذكرنا والقارئ الكريم بأهميتها، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8]، وفي الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأَيِسَ منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخِطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))؛ صحيح مسلم، حديث رقم: 6960، كتاب: التوبـة، باب: في الحض على التوبة والفرح بها.
وإنني أؤكد هنا تأكيدًا جازمًا أن مَن كان بالله أعرف،كان منه أخوف؛ فمن عرف الله حق المعرفة بأنه الخالق، المدبر، القادر، الغفور الرحيم، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، بيده ملكوت السماوات والأرض، إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، فلن يجرؤ إنسان - كائنًا من كان - على عصيانه، بل يكون شديد الحرص على كسب مرضاته وطاعته، وإن عرض له عارض من زلة أو معصية، تذكَّر الله تعالى فعاد إليه فورًا تائبًا نادمًـا، قـال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].


خامسًا: الدعاء بصلاح الأولاد:
إن الدعاء عبادة عظيمة يتجلى فيها الافتقار والخضوع والحاجة لله جل وعلا، وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم قولـه: ((الدعاء هو العبادة))؛ سنن أبي داود، حديث رقم 1479، كتاب: الوتر، باب: الدعاء - ثم إن الدعاء بحـول الله تعالى يرد الشر، ويستعجل الخير، قـال رسول الله صلى الله عليـه وسلم: ((لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليُحرم الرزق بخطيئة يعملها))؛ سنن ابن ماجـة، حديث رقم: 90، كتاب: السنة، باب: في القدر.
وإن الله تعالى لا يرد من دعاه وتوجـه إليه بصدق؛ فهو الكريم الجواد اللطيف بعباده، وقد تأكد ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
فالأهم أن ندعو الله تعالى، ونصدق في دعائه، فالإجابة مضمونة؛ لأنه سبحانه وعد بهـا، ومَن أصدق من الله تعالى وعدًا ووفاءً؟

وأفضل ما يسأله المسلم من ربه جل وعلا أن يجعله من الموحدين له تعالى قولًا وسلوكًا، وأن يسأل ربه جل وعلا صلاح ذريته؛ لأن صلاحهم مطلب كل والدين ينشدان الخير، والاستقامة لأولادهم وأولاد أولادهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولقد سمعت أذناي أكثر من مرة آباء يدعون لأولادهم بالهداية والصلاح بعد أن تلقفتهم الشهوات، وأصدقاء السوء والعياذ بالله؛ فانحرفوا عن جادة الطريق، وبعد مناجاة وإلحاح وقرب من الله تعالى، رأيت هؤلاء الأولاد قد عادوا إلى الطريق المستقيم؛ فحافظوا على الصلوات، وبروا والديهم، ووصلوا أرحامهم، وأكملوا مشوارهم العلمي والعملي.
فاحرص أيها الأب وأيتها الأم على هذا التوجيه المبارك؛ فله من الخير والبركة ما لا يخطر في بالكما.
ونضيف إلى ما سبق قصة أوردها الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره تُبيِّن أهمية الدعاء بعامة، والدعاء بهذه الآية بخـاصة، فقال: "قال مالك بن مغول[3]: اشتكى أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مُصرف[4]، فقال: استعنْ عليه بهذه الآية وتلا: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 15]".
[1] صحيح مسلم، حديث رقم: 6500، كتاب: البر والصلة والأدب، باب: بر الوالدين وأيهما أحق.

[2] صحيح البخاري، حديث رقم: 5976، كتاب: الأدب، باب: عقوق الوالدين من الكبائر.

[3] محـدث، ثقة، ثبت، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي.

[4] تابعي، يسمى: سيد القراء، انظر: طبقات القراء لابن الجزري.

امانى يسرى محمد متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى محمد ; 10-09-2025 الساعة 08:06 PM.

رد مع اقتباس