عرض مشاركة واحدة
قديم 10-23-2025, 01:13 PM   #2

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي

      

أخطاء جسيمة في مستهل التحقيق الجديد لتاريخ الطبري لعمر ماجد السنوي


https://alsabaah.iq/120974-.html


ليس من نافلة القول التذكيرُ بأنّ العربية هي أمُّ العلومِ كلِّها، ومفتاحُ خزائِنِها وأسرارِها، وسبيلُ استبانةِ معانِيها ومقاصِدِها. فكُلُّ عِلمٍ من علوم الأُمّة: مِن فقهٍ وحديثٍ وتفسيرٍ، أو مِن تاريخٍ وفكرٍ وأدبٍ، إنما يعتمد ابتداءً على إِحكام اللغة العربية عِلمًا وتذوُّقًا؛ إذ هي الوعاء الحافظ للمعنى، والمرشد إلى المراد والمغزى.

ولا جرَم أن أول ما يُبتلى به الباحث في النصوص هو «الإعراب»؛ إذ به يتمايزُ الفهم الصحيح من الفهم السقيم، وبفساده يختلّ المبنى والمعنى جميعًا.




ولذلك فإن محققي التراث أَولى الناس بإجادة العربية، إذ صناعتهم قائمة على إخراج النصّ بصورته الصحيحة المأمونة، وإزالة ما ران عليه من تحريف أو اضطراب. لكن كيف يزعم المحقّقُ أنه يُخرِج النصَّ ناصِعًا وهو لا يحسن ضبط كلمةٍ في عنوانه؟ وكيف يوثَق بعَمَله إنْ كان أوّل ما يقدّمه إلينا مختلًّا في بابه؟!



قضية التحقيق ومثالها:

ومن أظهر الأمثلة على هذا الخلل ما وقع في عمل أستاذنا الكبير العلامة بشار عواد معروف وفريقه -سددهم الله- في تحقيق »تاريخ الطبري«، الذي أعلنوا عن صدوره أخيرًا في عشرين مجلّدًا، بعنوان: »تاريخ الملوك وأخبارهم وموالد الرسل وأنباؤهم«.

فإنْ سلّمنا أنّ هذا العنوان هو الذي وضعَه المؤلّف؛ فإنّه قد وقع ضحية أخطاء نحويّةٍ جسيمة، ذلك أنهم جرّوا جميع مفرداته بالإضافة إلى كلمة “تاريخ” المرفوعة، فجعلوه: (تاريخُ الملوكِ وأخبارِهم وموالدِ الرسلِ وأنبائِهم)!

وهذا لا يستقيم إعرابًا ولا معنى. إذ كيف تكون “الأخبار” و”الموالد” و”الأنباء” جميعُها مضافةً إلى “التاريخ”؟ فهل يُتصوّر أنه “تاريخ الأخبار”؟ أو “تاريخ الأنباء”؟

إن هذا التركيب يضعف الدلالة ويشوّه المعنى.



الإعراب فرع عن المعنى:

إنّ مَن فهِمَ مراد المؤلِّف سيُدركُ أنّ الإعراب الصحيح للعنوان هو:

• تاريخُ: خبر مرفوع، لمبتدأ محذوف تقديره (هذا).

• الملوكِ: مضاف إليه مجرور.

• وأخبارُهم: الواو عاطفة، و”أخبارُ” معطوف على “تاريخُ” مرفوع مثله.

• وموالدُ الرسلِ: الواو عاطفة، و”موالدُ” معطوف على “تاريخُ”، مرفوع مثله أيضًا.

• وأنباءُهم: الواو عاطفة، و”أنباءُ” معطوفة على “تاريخُ”، مرفوعة كذلك.

فيكون العنوان الصحيح: (تاريخُ الملوكِ وأخبارُهم، وموالدُ الرسُلِ وأنباؤُهم). وهذا هو الذي يستقيم إعرابًا ومعنى؛ إذْ يبيّن أن الكتاب جامعٌ بين أربعة أبواب: تاريخ الملوك، وأخبار الممالك، ومواليد الرسُل، وأنباء الأنبياء.

ويمكِنُ أن يكون الجرُّ صوابًا لو أنّهم ضبطوا “تاريخ” بالجرّ، مضافًا إلى “كتاب” المقدّرة، فيكون المعنى: (هذا كتابُ تاريخِ...)، ويؤيّد ذلك ما جاء في بعض نسخه المخطوطة.



حتى كنية المؤلِّف لمْ تَسلَم:

ومما زاد العجب أن المحققين ضبطوا كنية المؤلف بالفتح: (لأبي جعفرَ)، فلم يَصرفوه، وهو خطأ ظاهر، لأنّها مصروفة قولًا واحدًا، وليس ثَمّة وجه لترك تنوين “جعفر” أو لفتح آخره على الإطلاق، إذ لا مانع من الصرف في هذه الصورة، يؤيد ذلك ما جاء في نُسَخهِ المخطوطة.



مَوضِع الدهشة:

والمؤلِمُ أنّ هذا الخلل صدرَ عن مركز أكاديمي كبير هو (دارة الملك عبد العزيز) الذي نشرَ الكتاب، ويفترَض أن تكون المراكز العلمية حارسًا للعلم وضابطًا لموازينه. فإذا كان المحققون قد فاتهم هذا، فكيف غاب عن لجان المراجعة والتدقيق والطباعة في المركز؟!

إن الخطأ هنا لا يقف عند حدود النحو والإعراب، بل يتجاوز إلى إضعاف الثقة بالتحقيق كلِّه؛ إذْ مَن يَعجز عن ضبط العنوان وكنية المؤلف، كيف يُؤمَن على ضبط دقائق النصوص وفَهم مراميها؟



أخيرًا:

إنّ الدعوة إلى إِحكام العربية قبل كلّ فنون العِلم ليست ترفًا علميًّا ولا دعوةً شكلية، بل هي صيانةٌ لمناهج التحقيق من الانحراف، وضمانٌ لبقاء النصوص على حقيقتها دون تحريفٍ أو تشويه. وما مثال “تاريخ الطبري” إلا جرس إنذار ينبّه الباحثين والمحققين إلى ضرورة أن يُقدّموا العربية على كلّ علمٍ آخر، فهي الأصل الذي ينبني عليه كلّ تحقيق، والأساس الذي تتفرع عنه جميع العلوم.

وإنه لا عذر اليوم لمحققٍ يقع في مثل هذه الأغلاط؛ فقد سُبقت الأمة بأئمةٍ رسخوا في العربية رسوخ الجبال، فحفظوا لنا النصوص وأدّوها إلينا كما هي. فلْيتّقِ الله المحققون في أعمالهم، وليعلموا أنّ خطأً مِن مثل هذه الأخطاء قد يهدّ ثقةَ الناس بعملٍ كامل.
التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* وقفة مع الدكتور بشار عواد وتحقيقاته ...
* فوائد من شرح الطحاوية... للشيخ الدكتور يوسف الغفيص وفقه الله
* فوائد من شرح رسالة العبودية لابن تيمية ... من شرح الشيخ الغفيص
* مزالق في التحقيق ... د.عبد الله الشمراني
* شموع ...
* القواعد الحسان لتفسير القرآن ...الشيخ السعدي
* كتاب شناعة الكذب وأنواعه ... فضل إلهي

السليماني غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة السليماني ; 10-23-2025 الساعة 01:21 PM.

رد مع اقتباس