الموقف الخامس:موقفه مع صاحبي السجن ودعوتهما
الدرس الثاني: شهود نعمة الله بالقلب
الدرس الثاني الذي نتعمله من قصة يوسف عليه السلام: شهود نعمة الله بالقلب. سيدنا يوسف عليه السلام نموذج لهذه القيمة، قيمة الإحساس بنعمة الله دائماً. لم يُبتلى أحد كما ابتلي سيدنا يوسف، قصة ابتلاءات شديدة ورغم هذا نجد كمية شكر متكرر في هذه القصة غريبة جداً وهو في السجن وصاحبي السجن يكلموه قال لهم (ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (38)). في السجن في الابتلاء في الأسر في العبودية في المراودة فيظلم الإخوة وجحودهم ورغم هذا كله رأى النصف الممتلئ من الكوب ولم ير إلا نعمة الله عز وجل (ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ) أنني أوحد الله عز وجل (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ (38)) هذا التوحيد وهذه العقيدة وهذه القيمة التي يحمد يوسف ربه عليها (ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ) نحن لا نُشرك (ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) لكن أنت يا يوسف لست من هؤلاء، أنت تشكر حتى وأنت في قعر السجن. حتى في آخر السورة سيدنا يوسف يشكر، كان ممكناً في آخر السورة أن يقول سيدنا يوسف كلمة مثلاً (وقد ابتلاني) فقد حصل له ابتلاءات شديدة جداً لكنه رغم هذا يقول (وَقَدْ أَحْسَنَ بَي) مع أن لو قال “وقد ابتلاني” فقد صدق لكنه لم يقل هذا وقال (وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)) كلام جميل. المعنى الذي نركّز عليه هو شهود نعمة الله في القلب ما دام الدين سليماً لا يوجد ما أحزن عليه. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما تحصل مصيبة أو ابتلاء فيقول: وتذكرت مصيبتي في رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمدت الله لأنها أهون وتذكرت أنها ممكن أن تكون أكبر فحمدت الله وتذكرت أنها لم تكن في ديني. ما دام الدين سليماً لا يهمّ ما سواه “اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا” لندعو الله بهذا الدعاء. مع كل الذي حصل لسيدنا يوسف قال (ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ) لأنه موحّد لله، لأنه يعرف الله عز وجل لأنه كل ما حصل له في ناحية وأن يخدش توحيده في ناحية ولذلك قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (33)) أدخل السجن لكن لا يُصاب ديني وما دام ديني سليماً (ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ). ويتذكر يوسف دائماً نعمة الله سبحانه وتعالى عليه فيقول (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)) نتعلم من تواضع يوسف عليه السلام فلم يكن يزكّي نفسه، سيدنا يوسف رغم كل هذا يقول (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا) وبعض الناس في يومنا هذا غافل ومع هذا ضامن لنفسه الجنة! عنده إحساس دائم أنه بعيد عن الفتنة! أما يوسف عليه السلام فيدعو الله عز وجل أن يبقه مسلماً ويدعوه أن يُلحقه بالصالحين. يريد أن يلتحق بالصالحين فمن تواضعه لا يعتبر نفسه منهم. نتعلم من سيدنا يوسف هذا التواضع الجمّ وهذا الأدب الشديد.
نتعلم من سيدنا يوسف الحرص على الدعوة إلى الله. فهو في السجن لم يترخص بل دعى صاحبي السجن (أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)) هم جاؤوا إليه يسألوه عن رؤيا ولكنه عليه السلام استغل الفرصة ليدعو إلى ربه لأن مهمته ليست تفسير رؤى للناس ولكن مهمته أن يدعو إلى الله عز وجل..