تعريف السورة لغة واصطلاحا ، وآراء العلماء في ترتيبها .
أ - تعريف السورة :
في اللغة : اختلف العلماء في تحديد المعنى الذي اخذت منه السورة بمعناها القرآني، وأقرب الآراء إلى الصواب ، ( أن تكون السورة مأخوذة من سورة البناء ، أي القطعة منه ، فكما أن البناء يقوم سورة بعد سورة ، كذلك القرآن ، فالله عز وجل نزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، مفرقا في ثلاثة وعشرين عاما ، حتى اكتمل بناؤه )
في الاصطلاح : ( طائفة من القرآن مستقلة ، تشمل على آي ذي فاتحة وخاتمة ، وأقلها ثلاث آيات . أو هي : الطائفة من القرآن المسماة باسم خاص ، بتوقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - )
ب : - ترتيب السور القرآنية ، وآراء العلماء في ذلك :
إذا كان الإجماع قد تحقق حول ترتيب الآيات ، فهو لم يتحقق حول ترتيب سور القرآن على ما هي عليه في المصحف الآن ، واختلفت أقوال العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال هي :-
القول الأول :- إن ترتيب السور على ما هو عليه الآن في المصحف ،كان باجتهاد من الصحابة . وهو قول جمهور العلماء ، ومنهم الإمام مالك ، والقاضي أبو بكر بن الطيب في أحد قوليه ، ، ويستدلون على مذهبهم هذا بترتيب مصاحف بعض الصحابة ، على خلاف ترتيب مصحف عثمان - رضي الله عنه وأرضاه - ، كمصحف الإمام علي ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ،- رضي الله عنهم أجمعين -
القول الثاني : - إن ترتيب السور كان بعضه بالتوقيف ، وبعضه الآخر باجتهاد من الصحابة . قال أبو الحسين أحمد بن فارس: ( جمع القرآن على ضربين : أحدهما : تأليف السور ، كتقديم السبع الطوال ، وتعقيبها بالمئين ،فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة - رضوان الله عليهم - ، وأما الجمع الآخر : فضم الآي بعضها إلى بعض ، وتعقيب القصة بالقصة ، فذلك شيء تولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،كما أخبر به جبريل عن أمر ربه - عز وجل- ) . ومال ابن عطية إلى هذا الرأي .
وذهب البيهقي في المدخل ، إلى أن القرآن كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - توقيفي إلا الأنفال ، وبراءة ، فإن ترتيبهما باجتهاد من عثمان - رضي الله عنه - ، ووافقه عليه الصحابة ، وقد استدل على استثناء هاتين السورتين بما أخرجه أحمد ، وغيره ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ( قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ، وإلىبراءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر - بسم الله الرحمن الرحيم - ووضعتموها في السبع الطوال ..؟
ما حملكم على ذلك ..؟
قال عثمان : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مما يأتي عليه من الزمان ، ينزل عليه من السور ذوات العدد ، وكان إذا أنزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده ويقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وتنزل عليه الآية فيقول : ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة ، وبراءة من آخر القرآن ، فكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين لنا أنها منها ، وظننت أنها منها ، فمن أجل قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر- بسم الله الرحمن الرحيم - ووضعتهما في السبع الطوال .) وتابعه السيوطي على ذلك فقال : ( والذي ينشرح إليه الصدر ، ما ذهب إليه البيهقي ، وهو : أن كل السور توقيفية سوى الأنفال وبراءة ..)
القول الثالث : - وذهب إليه غير الجمهور : وهو أن ترتيب السور توقيفي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن الصحابة حينما خافوا ذهاب بعض القرآن باستشهاد حفظته ، جمعوه ، وكتبوه ، كما سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يقدموا أو يؤخروا شيئا ، واقتصر عملهم على جمع القرآن في موضع واحد ، دون التعرض لترتيب سوره ، إلا وفق ما سمعوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، على هذا النسق والترتيب
وروى الإمام القرطبي ، عن ابن وهب ، قال : ( سمعت سليمان بن بلال ،يقول : سمعت ربيعة يسأل : لم قدمت البقرة وآل عمران ، وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة ،وإنما نزلتا بالمدينة ..؟ فقال ربيعة : قد قدمتا ، وألف القرآن على علم مما ألفه .) وبمثل ذلك قال أبو جعفر النحاس ، ومحمد بن حمزة بن نصر الكرماني .
والمختار من هذه الأقوال : أن تأليف السور على هذا الترتيب الذي عليه المصحف توقيفي ، لا مجال للاجتهاد فيه ،
فالقرآن الكريم كله آية آية ، وسورة سورة ، مرتب من الله تعالى ، وقد بلغه عنه رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم - ، لصحابته الكرام ، فرتبوه كما سمعوه .
وقد جعل ابن الزبير الغرناطي هذا الخلاف بين العلماء لفظيا ، فقال : ( إن كان بتوقيف منه- صلى الله عليه وسلم - فلا مجال للخصم ، وإن كان مما فوض فيه الأمر إلى الأمة بعده ، فقد أعمل الكل من الصحابة جهده ، وهم الأعلياء بعلمه ، والمسلم لهم في وعيه وفهمه .) إذا كانت العلماء قد تباينت آراؤهم ظاهريا ، فإن الرأي الراجح أن ترتيبها كان توقيفيا ، وذلك لتظافر النصوص على أن الأغلب من سور القرآن معلومة الترتيب وقت نزول الوحي ، وأن جبريل - عليه السلام - كان يعرضه على النبي - صلى الله عليه وسلم - في العام مرة ، وعرضه عليه في العام الذي قبض فيه مرتين .
كما ( أن هذا الترتيب يقوي الوحدة المعنوية بين سور الكتاب المبين ، ويقطع الطريق أمام المشككين والطاعنين . أضف إلى ذلك : إجماع الأمة بدءا من عصر الصحابة على هذا الترتيب ، فصار الإلتزام به أمر لا بد منه ).
وقد زعم بعض المستشرقين أن القرآن لم يكن مرتبا ، وأنه كان مختلطا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقد رتبه أبو بكر - رضي الله عنه - ، لذا استحلوا لأنفسهم أن يجعلوا له ترتيبا خاصا ، يختلف عن ترتيب المصحف الحالي في كثير من السور ، معتمدين على الأسلوب ، ومحتويات السورة . والذي ينظر فيما حاوله المستشرقون بترتيبهم غير المسبوق ، يجده عبثا لا يليق بقدسية القرآن الكريم .وقد ظهرت أصوات متأثرة بالدراسات الإستشراقية ، تنادي بإعادة ترتيب سور القرآن حسب نزولها ، ثم أخفت الله هذه الأصوات ، واطمأن المسلمون على ما أجمع عليه الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - .