( سورة الفلق )
قيل : إنه لما صرح تعالى بخالص التوحيد في سورة الإخلاص ، وهي معركة الإيمان والشرك ، ومثار الخلاف والخصومة بين النَّبي صلى الله عليه وسلم وأعدائه، أمر صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من شرور الخلق فلا يضروه.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ
قال أبو حيان وغيره : الفلق فعل بمعنى مفعول أي مفلوق ، واختلف في المراد بذلك .
فقيل : إنه الصبح يتفلق عنه الليل .
وقيل : الحس والنوى .
وقال ابن جرير : إن الله أطلق ولم يقيد ، فتطلق كذلك كما أطلق .
والذي يظهر أن كل الأقوال أنها كلها محتملة ، قال ابن جرير على الإطلاق .
والذي يشهد له القرآن هو الأول ، كما جاء النص الصريح في الصبح والحب والنوى ، كقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ).
وكلها آيات دالة على قدرة اللَّه ، وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي " وأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يرى رؤيا ، إلا جاءت كفلق الصبح " .
وعليه قول الشاعر :
يـــــا ليلـــــــــة لم أنمها بت مرتقبــــــــــــــــا **** أرعى النجوم إلى أن قدر الفلق
قوله تعالى : مِن شَرِّ مَا خَلَقَ
وهذا عام وهو على عمومه ، حتى قال الحسن : إن إبليس وجهنم مما خلق .
قوله تعالى : وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ
الغاسق : قيل الليل ، لقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الّلَيْلِ ).
ووقب : أي دخل .
وعليه قول الشاعر :
إن هذا الليل قد غسقا ***** واشتكيت الهم والأرقـــــــا
وقول الآخر :
يا طيف هند قد أبقيت لي أرقا ***** إذ جئتنا طارقاً والليل قد غسقا
قال القرطبي : وهذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم .
وقيل : الغاسق : القمر إذا كان في آخر الشهر ، لحديث عائشة عند الترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها : " تعوذي من هذا فإنه الغاسق إذا وقب " . أي القمر .
وقائل هذا القول يقول : إنه أنسب لما يجيء بعده من السحر ، لأنه أكثر ما يكون عندهم في آخر الشهر .
والصحيح الأول : الذي هو الليل بشهادة القرآن .
والثاني : تابع له ، لأن القمر في ظهوره واختفائه مرتبط بالليل ، فهو بعض ما يكون في الليل ، وفي الليل تنتشر الشياطين وأهل الفساد ، من الإنسان والحيوان ويقل فيه المغيث إلا اللَّه .
وفي الحديث : ( أطفؤوا السرج فإن الفويسقة تضرم على الناس بيوتهم ليلاً ) . أي الفأرة .
قوله تعالى : وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ
المراد به السحرة قطعًا ، سواء كان النفث من النساء كما هو ظاهر اللفظ ، أو من الرجال على معنى الجماعات ، أو النفوس الشريرة فتشمل النوعين .
وأجمع المفسرون : أنها نزلت في لبيد بن الأعصم ، لما سحر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم أتاه جبريل عليه السلام وأخبره .
قوله تعالى : وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
اقتران الحسد بالسحر هنا ، يشير إلى وجود علاقة بين كل من السحر والحسد ، وأقل ما يكون هو التأثير الخفي الذي يكون من الساحر بالسحر ، ومن الحاسد بالحسد مع الاشتراك في عموم الضرر ، فكلاهما إيقاع ضرر في خفاء ، وكلاهما منهى عنه .