الموضوع: فتنة التكفير
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-04-2013, 07:54 PM   #6
أبو جبريل نوفل

الصورة الرمزية almojahed
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 3

almojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond repute

افتراضي

      

الشبه السابعة قوله تعالى { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ }
وجه الدلالة : أن أهل الكتاب لما أطاعوا علماءهم وعبَّادهم وصفهم الله بأنهم اتخذوهم أرباباً من دون الله .
*الرد على الشبهة : أن طاعة هؤلاء لا تخرج عن حالتين:
الأولى : طاعتهم في معصية الله بدون تحليل ولا تحريم وهذا ليس كفراً قطعاً وإلا للزم منه تكفير أهل الذنوب والمعاصي لأنهم أطاعوا هواهم في معصية الله سبحانه وتعالى .
الثانية : طاعتهم في التحليل والتحريم ، وهذا فيه تفصيل وهو أنه من أطاع إنسانا عالما، أو عابدا، أو غيره، في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، واعتقد ذلك بقلبه، فقد اتخذه ربا، كالذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وهذا كفر ، ودليله ، حيث جاء في حديث عدي بن حاتم رواه أحمد والترمذي وغيرهما وكان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو نصراني فسمعه يقرأ الآية.{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ التوبة : 31 ] . ، قال : فقلت له : إنا لسنا نعبدهم . قال : " أليس يحرمون ما أحل اللّه فتحرمونه، ويحلون ما حرم اللّه فتحلونه ؟ ! " قال : فقلت : بلى . قال : " فتلك عبادتهم " . قال أبو البختري : أما إنهم لم يصلوا لهم، ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون اللّه ما أطاعوهم، ولكن أمروهم، فجعلوا حلال اللّه حرامه، وحرامه حلاله، فأطاعوهم، فكانت تلك الربوبية
.
أما إذا لم يعتقد جواز هذا، بل يعتقد أن التحليل والتحريم حقٌّ لله سبحانه وتعالى، ولكنه فعله من باب الهوى، أو من باب تحصيل بعض المصالح، فهذه معصية عظيمة، لكنها لا تصل إلى حد الشرك الأكبر فطاعة المخلوقين في تحليل الحرام وتحريم الحلال، لا تجوز أبداً، لكن فيها تفصيل من حيث الكفر والشرك وعدم ذلك.هذا ملخص ما قرره أبو العباس ابن تيمية في المجموع
*- الشبهة الثامنة قوله تعالى { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }
وجه الدلالة: أن هؤلاء تحاكموا لغير الله سبحانه وتعالى فخالفوا ما أمر الله جل وعلا به .
الرد على الشبهة : لا نختلف مع من يقول أن هؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله آثمون وواقعون في ذنبٍ عظيمٍ وأنهم من أسباب هزيمة أمتنا وضعفها لكن ليس لي أن أحكم عليهم بكفرٍ إلا بدليلٍ ؛ لأن التكفير حقٌ لله سبحانه - كما هو متقرِّرٌ - وغاية ما في هذا الدليل أنه يجب عليهم الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيه الحكم بكفرهم مطلقاً عند ترك ذلك .
*- الشبهة التاسعة : سبب نزول قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } قال الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة وقال المنافق نتحاكم إلى اليهود لعلمه أنهم يأخذون الرشوة ، فاتفقا أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه فنزلت الآية { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ… } (أخرجه الطبري ).
الرد على الشبهة : إن هذا الأثر لا يصح الاستدلال به لا من جهة الإسناد ولا المتن لأن الحديث ضعف السند وهو واضحٌ فإن الشعبي تابعي فعمن روى تلك القصة وبهذا يكون الأثر منقطعاً وهو من أنواع الضعيف .
قالوا أي التكفيريون : أن هناك سبب نزول آخر وهو أن رجلين اختصما فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر إلى كعب بن الأشرف ثم ترافعا إلى عمر فذكر له أحدهما القصة فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلَّم أكذلك قال نعم فضربه بالسيف فقتله "
فالرد أيضا : إن هذا الأثر لا يصح أيضاً بل هو أشد ضعفاً من الذي قبله إذ هو من طريق الكلبي عن أبي صالح باذام عن ابن عباس به فقد جمع هذا السند بين كذاب ومتروك وانقطاع .
*- الشبهة العاشرة: ما رواه الخمسة وغيرهم عن البراء بن عازب ولفظه عند أبي داود والنسائي قال:" لقيت - وعند النسائي أصبت - عمي ومعه راية ، فقلت له أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله " وعند الترمذي وابن ماجه ورواية للنسائي أنه " خاله " ، وأخرجه النسائي والطحاوي من حديث معاوية بن قرة عن أبيه وفيه " وأصفى ماله " ففي هذا الحديث ما يفيد صراحة بأن الرجل قتل كافراً لأنه أخذ ماله وهذا بمجرد عمل عمله، فكيف بمن يحكم بغير ما أنزل الله ، ويضع له محاكم ، ويلزم الناس بالرجوع إليها ؟ أو بمن يضع الربا ويحميه ؟ وهكذا...
*- الرد على الشبهة : إن هذا الحديث من رواية معاوية بن قرة عن أبيه عن جده صحيح ، صححه الإمام يحيى بن معين لكن ثبوت الحديث لا يكفي لثبوت الدعوى بل لابد من ثبوت الدلالة -أيضاً- والدعوى التي ادعاها التكفيريون لا يدل عليها الحديث ألبته ، وذلك أن الحديث في حق من استحل محرماً ، فإن هذا الرجل المتزوج بامرأة أبيه قد استحل فرجها بعقد الزواج ، وفرق بين الزنى بامرأة الأب وتزوجها، فإن الزنى بها حرام وليس كفراً أما التزوج بها فهو كفر من جهة استحلال فرج محرم ؛ لأن الزواج معناه جعل فرجها حلالاً وهذا بخلاف الزنى.
قال أبو جعفر الطحاوي: وهو أن ذلك المتزوج ، فعل ما فعل ذلك ، على الاستحلال، كما كانوا يفعلون في الجاهلية ، فصار بذلك مرتداً ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل به ما يفعل بالمرتد ا.هـ(شرح معاني الآثار)
*- الشبهة الحادية عشر: هو إجماع العلماء على كفر من حكم بغير ما أنزل الله وجعله قانوناً
وقد حكى الإجماع الحافظ ابن كثير فقال: وفي ذلك كله مخالفةٌ لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ا. هـ( كتاب البداية والنهاية)
الرد على الشبهة : إن معرفتنا بحال التتر وواقع الياسق معين على فهم هذا الإجماع المحكي وذلك أنهم وقعوا في التبديل الذي هو التحليل والتحريم
قال ابن تيمية : إنهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين ثم منهم من يرجح دين اليهود أو دين النصارى ومنهم من يرجح دين المسلمين
وقد بين ابن تيمية كيف أنهم يعظمون جنكز خان ويقرنوه بالرسول صلى الله عليه وسلم - ثم قال - :" ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام باتفاق جميع المسلمين أن من سوغ (أي جوز ) اتباع غير دين الإسلام فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب ا.هـ مجموع الفتاوى
ومما يدل على أن الإجماع الذي حكاه ابن كثير راجعٌ إلى التحليل والتحريم ما قاله ابن كثير نفسه : ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكِهِمْ جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارةٌ عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيه كثير من الأحكام أخذه من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير . ا .هـ(تفسير)
وقال أحمد بن علي الفزاري القلقشندي " من أعيان القرن الثامن " : ثم الذي كان عليه جنكيز خان في التدين وجرى عليه أعقابه بعد ه الجري على منهاج ياسة التي قررها ، وهي قوانين ضمنها من عقله وقررها من ذهنه ، رتب فيها أحكاماً وحدد فيها حدوداً ربما وافق القليل منها الشريعة المحمدية وأكثره مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى ….ا.هـ .
فمن كلام ابن كثير وشيخه أبي العباس ابن تيمية وغيرهما يتضح أن الإجماع المحكيَّ فيمن وقع في التحليل والتحريم أي تجويز حكم غير حكم الله إذ جعلوا الياسق كدين الإسلام موصلاً إلى الله ومسألتنا المطروحة فيمن حكم بغير ما أنزل الله مع الاعتراف بالعصيان لا مع القول بأنه جائز لا محظور فيه أو بأنه طريق للرضوان .
*- شبهة أخرى يحتج بها التكفيريون وهي من كتاب الله وهو قوله تعالى { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } .
الرد على الشبهة : إن إضافةَ الشيء إلى الجاهلية أو وصفه به لا يدل على الكفر فمن ثم لا يكون كفراً إلا بدليلٍ خارجي دالٍ على الكفر ويوضح ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لأبي ذر " إنك امرؤٌ فيك جاهلية " متفق عليه وقال في حديث أبي مالك الأشعري عند مسلم " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب " رواه مسلم
قال أبو عبيد القاسم بن سلام " ألا تسمع قوله { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } تأويله عند أهل التفسير أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية ، وإنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون ا . هـ(الايمان) .
*- ومن الشبهات عند التكفيريين قولهم : بحكم العقل هذا الرجل الذي ينحِّي الشرع ويحكم بأحكام الإفرنج أن يكون كافراً لكونه وقع في كفر الإعراض وفعله هذا يدل على استحلاله؟ وإلا لماذا يترك أحكام رب الأرباب ؟
*- الرد على هذا هو : إن التكفيريين يريدون تكفير هذا المسلم لكونهم يصفون فعله بأنه كفرُ إعراض . متجاهلين - هذا إذا علموا - أن الضابط في كفر الإعراض هو الإعراض بالكلية عن أصل الدين ، وهذا ما أشار إليه شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في مدارج السالكين .
وعلى هذا من ترك الحكم بما أنزل الله لم يقع في كفر الإعراض لأنه لم يترك جنس العمل استحلالا ، أما إلزامهم لمن ترك الحكم بما أنزل الله بأنه مستحلٌ لذلك فهذا إلزامٌ غير صحيح وإن كان محتملاً ولا يدفع الدين اليقيني بالكفر المحتمل لأن من دخل الدين بيقين لم يخرج إلا بيقينٍ مثله ، ثم هذا يفتح باباً في تكفير أهل المعاصي . فكل من يستعظم معصية يحكم على صاحبها بأنه كافر وهذا ما ابتلت به الأمة في هذه الأيام والله المستعان
*- شبهة أخرى يقول التكفيريون : ألا ترون أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا العرب الذين امتنعوا عن الزكاة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلوهم مرتدين وذلك لكونهم جماعة امتنعوا عن شريعة من شرائع الدين ومثل هذا يقال في الجماعة التاركين للحكم بشريعة الله سبحانه .
الرد على الشبهة هو : قد اختلف العلماء في حكم هؤلاء هل هم كفار أم غير كفار على قولين هما روايتان عن أحمد -رحمه الله - ، وهم على القول الراجح أنهم كفار ، وهذا ترجيح ابن تيمية لكن ليس كفرهم لأجل كونهم جماعة إذ القتال جماعة وقع من الخوارج ولم يكفروا باتفاق الصحابة، ووقع من خيار الأمة في الفتن ولم يكفروا والله يقول { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } فأثبت الإيمان مع وجود القتال جماعة . وليس الكفر أيضاً من أجل الترك المجرد لأنه قد يترك الإنسان زكاة المال بخلا ، وإنما الكفر لأجل عدم التزام هذا الحكم الذي سببه عدم الإقرار بوجوبه، إذ من الممتنع أن يقر أحد بوجوب حكم ثم يتركه ويصر على تركه حتى تحت التهديد بالقتل فمثل هذا لا يكون إلا من غير مقر بوجوبها ، فبهذا يكون القتل دليلاً على عدم إقراره بهذا الحكم لا أنه السبب في تكفيره فتأمل .
وتنبيه أن هذا مطرد في كل حكم شرعي . قال ابن تيمية : ولا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه ، مقراً بأن الله أوجب عليه الصلاة، ملتزماً لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، يأمره ولي الأمر بالصلاة فيمتنع ، حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمناً في الباطن قط لا يكون إلا كافراً، ولو قال أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه ا.هـ (مجموع الفتاوى)
وقال - رحمه الله - : فإن كان مقراً بالصلاة في الباطن، معتقداً لوجوبها يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل ولا يصلي، هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام ، ولا يعرف أن أحداً يعتقد وجوبها ويقال له : إن لم تصل وإلا قتلناك وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب ، فهذا لم يقع قط في الإسلام . ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل: إن لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها ، ولا ملتزماً بفعلها، فهذا كافر باتفاق المسلمين ا.هـ (مجموع الفتاوى .وانظر كتاب الصلاة لابن القيم .).
فإذا تبين أن تهديد المصر على ترك الطاعة بالقتل وإصراره بعد ذلك على عدم فعل الطاعة دليل على عدم إقراره ، فيقال: لو أن أحداً قوتل على فعل طاعة ولم يفعلها لا لأجل ذات الطاعة وإنما من أجل خوفه ممن هو أقوى منه فهذا لا يكفر لأن القتال هنا ليس دليلاً على عدم إقراره بوجوبها إذ هو مقر لكنه خائف من غيره الذي هو أقوى منه وهذا مغاير لمن ترك لذات الطاعة نفسها وليس هناك سبب آخر إذ هذا الصنف كافر لأنه دليل على عدم إقراره بوجوبها . ومثل هذا يقال فيمن ترك الحكم بما أنزل الله وقوتل على ذلك فهم صنفان:
الأول/ تارك لذات الحكم وهو مصر على الترك مع مقاتلته على الحكم بما أنزل الله فهذا كافر -ولا كرامة - لأنه دليل على عدم إقراره بوجوبها .
الثاني / تارك الحكم بما أنزل الله خوفاً من غيره إذ هو وإن كان حاكماً إلا أنه محكوم من جهة من هو أقوى منه فمثل هذا لا يدل قتاله على أنه غير مقر بالوجوب . والله أعلم.
*******
ومن نوع هذا الشرك: تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله، واعتقاد ذلك، فقد قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [ سورة التوبة آية : 31]، وقال عدي بن حاتم، " يا رسول الله، ما عبدوهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم؟ وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم؟ قال: بلى; قال: فتلك عبادتهم " وأحبارهم ورهبانهم: علماؤهم وعبادهم; وذلك أنهم اتخذوهم أربابا، وهم لا يعتقدون ربوبيتهم، بل يقولون: ربنا وربهم الله، ولكنهم أطاعوهم في تحليل ما حرم
الله، وتحريم ما أحل الله، وجعل الله ذلك عبادة. فمن أطاع إنسانا عالما، أو عابدا، أو غيره، في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، واعتقد ذلك بقلبه، فقد اتخذه ربا، كالذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.
أما إذا لم يعتقد جواز هذا، بل يعتقد أن التحليل والتحريم حقٌّ لله سبحانه وتعالى، ولكنه فعله من باب الهوى، أو من باب تحصيل بعض المصالح، فهذه معصية عظيمة، لكنها لا تصل إلى حد الشرك الأكبر فطاعة المخلوقين في تحليل الحرام وتحريم الحلال، لا تجوز أبداً، لكن فيها تفصيل من حيث الكفر والشرك وعدم ذلك.
والحاصل من هذا كله: أن الآية الكريمة دلّت على أن من تفسير التّوحيد وشهادة أن لا إلاَّ الله أن لا يُطاع إلاَّ الله سبحانه وتعالى في الحلال والحرام، وأن من أطاع مخلوقاً في التحليل والتحريم فقد اتخذه ربًّا من دون الله عزّ وجلّ.
ويشهد لهذه آيات أخر كما ذكر الله في سورة الأنعام لما ذكر أن المشركين يستبيحون الميتة، مع أن الله حرّمها ونهى عباده عنها، وأخبر أن المشركين سيجادلون المؤمنين في ذلك، ثم قال: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} إن أطعتم المشركين في استباحة الميتة {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .
ويقول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ} يعني: من الحلال والحرام والعبادة ما لم يأذن به الله، فالتشريع حق لله سبحانه وتعالى، لا يجوز أن يُطاع فيه أحد من المخلوقين غير الرسل، فمن أطاع أحداً من المخلوقين في التشريع؛ فإنه قد اتخذه شريكاً لله عزّ وجلّ، وهذا من معنى لا إله إلاَّ الله وهو إفراد الله تعالى بالطاعة في تحريم ما حرّمه وتحليل ما أحلّه.
***
*- قال عليه الصلاة والسلام: ( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له )، وفي هذا الحديث نفى الرسول عليه الصلاة والسلام الإيمان عمن لا أمانة له، الذي لا يؤدي الأمانات إلى أهلها، وهو يعني: الإيمان الكامل الذي إذا تحقق به صاحبه كان ذلك بشيراً له أنه من أهل الجنة، أما إن نقص عن ذلك فهو يستحق دخول النار، أما هل يدخلها أو لا؟ فهذا أمره إلى الله وحسابه عند الله
****
متى يحكم على المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله - وقد يكون يصلي - بأنه ارتد عن دينه ؟
أيكفي مرة واحدة ؟
أو أنه يجب أن يعلن أنه مرتد عن الدين ؟
إنهم لن يعرفوا جوابا ولن يهتدوا صوابا فنضطر إلى أن نضرب لهم المثل التالي فنقول :
قاض يحكم بالشرع هكذا عادته ونظامه لكنه في حكومة واحدة زلت به القدم فحكم بخلاف الشرع أي : أعطى الحق للظالم وحرمه المظلوم فهذا - قطعا - حكم بغير ما أنزل الله ؟ فهل تقولون بأنه : كفر كفر ردة ؟
سيقولون : لا لأن هذا صدر منه مرة واحدة
فنقول : إن صدر نفس الحكم مرة ثانية أو حكم آخر وخالف الشرع أيضا فهل يكفر ؟
ثم نكرر عليهم : ثلاث مرات أربع مرات متى تقولون : أنه كفر ؟ لن يستطيعوا وضع حد بتعداد أحكامه التي خالف فيها الشرع ثم لا يكفرونه بها
في حين يستطيعون عكس ذلك تماما إذا علم منه أنه في الحكم الأول استحسن الحكم بغير ما أنزل الله - مستحلا له - واستقبح الحكم الشرعي فساعتئذ يكون الحكم عليه بالردة صحيحا ومن المرة الأولى
وعلى العكس من ذلك : لو رأينا منه عشرات الحكومات في قضايا متعددة خالف فيها الشرع وإذا سألناه : لماذا حكمت بغير ما أنزل الله عز وجل ؟ فرد قائلا : خفت وخشيت على نفسي أو ارتشيت مثلا فهذا أسوأ من الأول بكثير ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نقول بكفره حتى يعرب عما في قلبه بأنه لا يرى الحكم بما أنزل الله عز وجل فحينئذ فقط نستطيع أن نقول : إنه كافر كفر ردة
وخلاصة الكلام : لا بد من معرفة أن الكفر - كالفسق والظلم - ينقسم إلى قسمين :
كفر وفسق وظلم يخرج من الملة وكل ذلك يعود إلى الاستحلال القلبي
وآخر لا يخرج من الملة يعود إلى الاستحلال العملي
فكل المعاصي - وبخاصة ما فشا في هذا الزمان من استحلال عملي للربا والزنى وشرب الخمر وغيرها - هي من الكفر العملي فلا يجوز أن نكفر العصاة المتلبسين بشيء من المعاصي لمجرد ارتكابهم لها واستحلالهم إياها عمليا إلا إذا ظهر - يقينا - لنا منهم - يقينا - ما يكشف لنا عما في قرارة نفوسهم أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله اعتقادا فإذا عرفنا أنهم وقعوا في هذه المخالفة القلبية حكمنا حينئذ بأنهم كفروا كفر ردة
أما إذا لم نعلم ذلك فلا سبيل لنا إلى الحكم بكفرهم لأننا نخشى أن نقع تحت وعيد قوله عليه الصلاة والسلام : ] إذا قال الرجل لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما [
والأحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة جدا أذكر منها حديثا ذا دلالة كبيرة وهو في قصة ذلك الصحابي الذي قاتل أحد المشركين فلما رأى هذا المشرك أنه صار تحت ضربة سيف المسلم الصحابي قال : أشهد أن لا إله إلا الله فما بالاها الصحابي فقتله فلما بلغ خبره النبي صلى الله عليه و سلم أنكر عليه ذلك أشد الإنكار فاعتذر الصحابي بأن المشرك ما قالها إلا خوفا من القتل وكان جوابه صلى الله عليه و سلم : ] هلا شققت عن قلبه ؟ [ . أخرجه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه
إذا الكفر الاعتقادي ليس له علاقة أساسية بمجرد العملإنما علاقته الكبرى بالقلب
ونحن لا نستطيع أن نعلم ما في قلب الفاسق والفاجر والسارق والزاني والمرابي . . . ومن شابههم إلا إذا عبر عما في قلبه بلسانه أما عمله فيبنئ أنه خالف الشرع مخالفة عملية
فنحن نقول : إنك خالفت وإنك فسقت وإنك فجرت لكن لا نقول : إنك كفرت وارتدت عن دينك حتى يظهر منه شئ يكون لنا عذر عند الله عز وجل في الحكم بردته ثم يأتي الحكم المعروف في الإسلام عليه ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ] من بدل دينه فاقتلوه [
جاء في كتاء شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي " حدثنا أبو الحسين محمد بن عمران بن موسى الجرجاني قال : سمعت أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن البخاري بالشاش يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يقول : « » لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرنا بعد قرن ، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة ، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد بالحجاز ستة أعوام ، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان ، منهم المكي بن إبراهيم ، ويحيى بن يحيى ، وعلي بن الحسن بن شقيق ، وقتيبة بن سعيد ، وشهاب بن معمر ، وبالشام محمد بن يوسف الفريابي ، وأبا مسهر عبد الأعلى بن مسهر ، وأبا المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، وأبا اليمان الحكم بن نافع ، ومن بعدهم عدة كثيرة ، وبمصر : يحيى بن كثير ، وأبا صالح كاتب الليث بن سعد ، وسعيد بن أبي مريم ، وأصبغ بن الفرج ، ونعيم بن حماد ، وبمكة عبد الله بن يزيد المقرئ ، والحميدي ، وسليمان بن حرب قاضي مكة ، وأحمد بن محمد الأزرقي ، وبالمدينة إسماعيل بن أبي أويس ، ومطرف بن عبد الله ، وعبد الله بن نافع الزبيري ، وأحمد بن أبي بكر أبا مصعب الزهري ، وإبراهيم بن حمزة الزبيري ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، وبالبصرة أبا عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني ، وأبا الوليد هشام بن عبد الملك ، والحجاج بن المنهال ، وعلي بن عبد الله بن جعفر المديني . وبالكوفة أبا نعيم الفضل بن دكين ، وعبيد الله بن موسى ، وأحمد بن يونس ، وقبيصة بن عقبة ، وابن نمير ، وعبد الله وعثمان ابنا أبي شيبة . وببغداد أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبا معمر ، وأبا خيثمة ، وأبا عبيد القاسم بن سلام ، ومن أهل الجزيرة : عمرو بن خالد الحراني ، وبواسط عمرو بن عون ، وعاصم بن علي بن عاصم ، وبمرو صدقة بن الفضل ، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي . واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصرا وأن لا يطول ذلك ، فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأشياء : أن الدين قول وعمل ؛ وذلك لقول الله : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة (1) . وأن القرآن كلام الله غير مخلوق لقوله : إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره (2) . قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل : قال ابن عيينة : فبين الله الخلق من الأمر لقوله : ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين . وأن الخير والشر بقدر لقوله : قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق (3) ولقوله : والله خلقكم وما تعملون (4) ولقوله : إنا كل شيء خلقناه بقدر (5) . ولم يكونوا يكفرون أحدا من أهل القبلة بالذنب لقوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (6) . وما رأيت فيهم أحدا يتناول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، قالت عائشة : « » أمروا أن يستغفروا لهم « » وذلك قوله : ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم . وكانوا ينهون عن البدع ما لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ لقوله : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا (7) ولقوله : وإن تطيعوه تهتدوا (8) . ويحثون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه لقوله : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (9) . وأن لا ننازع الأمر أهله لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « » ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، وطاعة ولاة الأمر ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم « » ، ثم أكد في قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (10) . وأن لا يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال الفضيل : « » لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام ؛ لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد . قال ابن المبارك : « » يا معلم الخير ، من يجترئ على هذا غيرك « »
نسأل الله ـ جل وعلا ـ الثبات على الدين, وأن يهدي ضال المسلمين, والحمد لله رب العالمين).
كتبه أبو محمود – أحمد بن محمد بن رزوق
تم بحمد الله ومنه وكرمه في شعبان 1432هـ
التوقيع:

من مواضيعي في الملتقى

* العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
* حقوق المرأة في الإسلام
* ما معنى ‏{‏وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏}‏‏؟‏
* تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل
* تلاوة القرآن بالمقامات الموسيقية
* من فضائل الأعمال
* النصيحة و الموعظة اليوم لمعشر الشباب

almojahed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس