ّ نفسهُ عالمًا ، وهذا العلم قد لا ينفعه يوم القيامة ، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال : اللهمّ إنّي أعوذ بك من علمٍ لا ينفع ، ودخل النبي عليه الصلاة والسلام على بعض أصحابه فرآهم متحلّقين حول رجلٍ فقال لهم : من هذا ؟ فقالوا : نسّابة ؟ فقال : وما نسّابة ؟ قالوا : يعرفُ أنساب العرب ، فقال عليه الصلاة والسلام : ذلك علمٌ لا ينفع من تعلّمه ، ولا يضرّ من جهل به .
تروي الكتب أنّ نحْوِيًّا جلس في مجلس عالمٍ ، فلحنَ هذا العالم ، أي حرَّف حركةً خطأً ، رفع ما حقّه النصّب أو العكس ، فقال هذا النحويّ : أخطأْتَ في هذه الكلمة ! فقال له الواعظ : أيُّها المعرضُ في أقواله ، اللاحِنُ في أفعاله ، أكُلُّ هذا لأنِّي رفعْتُ ، ونصبتُ ، وخفضْتُ ، وجزَمْتُ ؟!! هلاّ رفعْتَ إلى الله يديك بالدّعاء ، هلاّ نصَبْتَ بين يديك ذِكْر الممات ، هلاّ خفضْت نفسك عن الشّهوات ، هلاّ جزمتها على فعل المحرّمات ، أفلا تعلم أنّه لا يُقال للمسيء يوم القيامة : لمَ لمْ تكن فصيحًا ؟ ولكن يُقال له : لِمَ كنتَ عاصيًا مذنبًا ؟ ولو كان الأمر بالفصاحة لجعل الله تعالى الرّسالة في هارون ، ولم يجعلها في موسى ، قال تعالى :
﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾
[ سورة القصص الآية : 34 ]
أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
|