انتقل من الحاضر إلى الغيبة أو من الغيبة إلى الحاضر فكأنه بهذا الأسلوب التفت من جهة إلى جهة فيسمونه الالتفات فالله سبحانه وتعالى استخدم أسلوب الالتفات في مخاطبته النبي صلى الله عليه وسلم على اعراضه عن هذا الضعيف الذي جاء مقبلاً. (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى) يعني كان في غنى عن دعوتك ومُعرض عنها (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) تحرص أن تتصدى لدعوته وتجلس معه. (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ﴿٨﴾ وَهُوَ يَخْشَى ﴿٩﴾) وهذا الضعيف (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) هذا غير مقبول. ولاحظ من أول نزول القرآن الله سبحانه وتعالى يربي النبي صلى الله عليه وسلم ويربينا معه، هذه القصة ليست للنبي فقط وهذا التوجيه وإنما هي لكل داعية لله سبحانه وتعالى أنه لا يصرف وجهه عن الضعفاء والمساكين بمثل هذه الأعذار وإنما من جاءك مقبلاً فأنت ملزم بأن تتصدى لتعليمه ودعوته والتلطف معه وقد يكون ردك هذا سبب في إعراضه وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عوتب في هذا الإعراض فمن دونه أولى. وهذه فائدة دعوية حتى المجاملة نحن نتكلم عن الرفق في الدعوة إلى الله والرفق في التعامل مع الناس وفي نفس الوقت هنا في هذه السورة ليس هناك مجاملات، كيف توازن بين أن تكون رفيقاً وأن تجامل الناس؟ موازنة ليست سهلة! قد يقول قائل لماذا لم يترفق الله سبحانه وتعالى مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك؟! يقول (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ﴿٥﴾ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ﴿٦﴾ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ﴿٨﴾ وَهُوَ يَخْشَى ﴿٩﴾ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ﴿١٠﴾ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴿١١﴾ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ﴿١٢﴾) إشارة أنها تذكرة لك يا محمد ولكل الدعاة بعدك لا تُعرض عن الضعفاء والمساكين بحجة دعوة هؤلاء المكذبين ولذلك جاء في سورة الكهف في قوله سبحانه وتعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)). وهؤلاء الكبار مثل أبو جهل في كل مكان وليس فقط في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى في عهد نوح وقوم صالح كلهم يقولون أعطنا مجلساً خاصاً لا يمكن أن نأتي نحن مع الفقراء والضعفاء ونجلس مجلساً عاماً، نريد مجلساً خاصاً لأنهم يرون أنهم أكبر من هؤلاء الضعفاء والمساكين.
|