عرض مشاركة واحدة
قديم 10-22-2012, 08:25 PM   #2
مشرفه ملتقى فيض القلم


الصورة الرمزية المؤمنة بالله
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 105

المؤمنة بالله is a glorious beacon of lightالمؤمنة بالله is a glorious beacon of lightالمؤمنة بالله is a glorious beacon of lightالمؤمنة بالله is a glorious beacon of lightالمؤمنة بالله is a glorious beacon of lightالمؤمنة بالله is a glorious beacon of light

افتراضي

      

الفصل الثاني

العذاب الضيق
الأماني العراض التي افترسها الفشل
كل ذلك انحرف بمسيرتهوأهلك القناعة بداخله ، وأوقد في نفسه رغبة مسعورة لتحقيق ما يريد!!
تأمل حاله المزريةبطالة طاغية فقرٌ مقدع أبوه الصياد كهلٌ متعبٌ حطمته الأيام ، ونهشه الفقر والحاجة المستديمة للمال ، فأصبح يذكر الموت أكثر من ذكره ملذات الحياة لكنه مع ذلك زاهدٌ عفيفٌ ، لم يسأل أحداً يوماً فلساً واحداً وعمل مع والده في صباه كثيراً أصبح حواتاً ماهراً يصيد السمك بحربة الصيد مع أي جزء يشاء ، ثم عمل حمَّالاً ثم مزارعاً ثم حرفياً
لكنه ولد بنفس طموحه إلى المجد و الجاه إلى الصيت الذائع ، وتراكم في نفسه اعتقاد راسخ بأن مشكلته و سعادته في المال فسعى للبحث عن الثراء بوحشية!
مارس التجارة ففشل،ونفد كل مامعه من نقود جرَّب القمار فلازمته الخسارة الدائمة ثم عمد إلى موهبته الأصلية الشعر استعار جبة وعمامة عريضة ودخل على الولاة وكبار القادة ، ونظم القصائد في المديح والتملق،فلم يظفر إلا بالقليل،فترك الشعر وعاد إلى القمار فخسرمن جديد وأرهقته الديون وتراكم عليه البؤس وقادته الأحزان إلى الخمرة و أقداح النبيذ ومع الأيام القاسية انحرف تفكيره فظن أنه خُلق حقوداً شرير فصار لصاً يسطو على المنازل وشُكي إلى والده ، فأمسكه الكهل وربطه إلى جذع نخلة في صحن الدار وجلده حتى بال على نفسه وخر مغشياً عليه
وعاد إلى السرقة من جديد فقبض عليه وسجن وجلد في سجن الوالي ببغداد ، وكادت يده أن تقطع ذات مرة!
وهدده والده بالبراءة منه ثم طرده أخيراً
بات يمشي حتى منتصف الليل وأدركه التعب فجلس متكئاً على صرة ثيابه، ثم استلقى على رمل ناعم وبقي يهذي بكلام غير مفهوم،ثم غط في نوم عميق
نام طويلاً في مكانه ذاك حتى أيقظته شمس الضحى الساخنة،فقام وتمطى ونفض ثيابه والعرق يغطي جسمه المتين ، وغمس وجهه في مياه دجلة ، وأروى عطشه ، ثم استلقى من جديد تحت ظل شجرة ، وعاود النوم حتى انحسر عنه الظل فتحول إلى موضع الظل ، ونام ولم يستيقظ إلا منتصف العصر!
استيقظ والجوع والعطش يستبدان به فقام و واصل مسيره بعدما شرب من دجلة الكثير
وصل إلى إحدى القرى الواقعة على النهر ، وتجول في بعض طرقها وطلب من بعض أصحاب الحوانيت إقراضه شيئاً من الطعام،فلم يعطه أحدٌ شيئا ً، فمنظره الكئيب ، وشعره المشعث ونظراته القاسية لم تكن تبعث على الطمأنينة ، وألح في المسألة على أحدهم فنهره وطرده فخرج غاضباً وتمنى لو يحرق القرية على من فيها
ومضى مبتعداً عن القرية متوكئاً على غصن عريض
صادف أحد الصيادين راكباَحماره، ومعه سلة فيها سمك فسأله عن بغداد فأخبره أنها على مسيرة نهار كامل من هنا تأمل غياث بن عبد المغيث الرجل وحماره بنظرات شرسة أثارت ريبة الصياد، وقبل أن ينخس حماره ليبتعد أهوى غياث بهراوته على مؤخرة رأسه فسقط عن ظهر الحمار مغشياً عليه !
وبهدوء بحث غياث في ثيابه وسلب ما معه من المال وركب الحمار ومضى
عندما حل المساء توقف على الشاطئ كانت الغيوم قد حجبت ضوء القمر،فعم الظلام الدامي أرجاء المكان وأشعل نارا و شوى بعض ما في السلة من السمك وجلس يأكل بشهية مفتوحة حتى شبع وعاد إلى نشاطه ، وتمنى في هذه اللحظة قدحاً من النبيذ يذهب به عن الدنيا
كان قد بقي على بغداد مسافة ليست بالقصيرة، ومع أنه كان نشطاً إلا أنه آثر أن يكمل مسيرته في الصباح لم يذهب إلى بغداد إلا مرتين في حياته
الأولى وهو صبي في صحبة والده والثانية عندما حُمل مكبلاً وجلد هناك لقيامه بالسرقة
كم هالته المدينة الكبيرة العامرة التي تعج بمئات الآلاف من البشر من جميع الأنحاء في بغداد يسهل التخفي،وتكثر الأوكار الآمنة،والأرزاق والجواري وأطيب الخمور وهناك سيجد من يعاضده في أعمال الليل وغزوات المنازل!
ظل مستسلماً لخواطره حتى اجتذب سمعه أنين خافت!!
تلفت حوله فلم يرَ شيئاً فعزى ذلك إلى توهمه لكن الصوت عاد ثانية، وتتبعه غياث كان أنيناً لرجل موجوع أو مصاب
أرخى سمعه مرة ثالثة ليجدالصوت منبعث من خلف كثيب صغير قريب منه
فقام وذهب إلى الكثيب ليجد رجلاً في نحو الخامسة والأربعين ملطخاً بالدماء، وفي كتفه جرح بدم يابس ، كان واضحاً أنه تعرض لعراك شديد فثيابه ممزقة ورأسه حاسر مشعث الشعر وكان يمسك بطنه بإحدى يديه
ولإنقاذه حمله غياث بين يديه وأنزله إلى جانب النهر ورش وجهه بالماء وجعل يضرب خديه بخشونة حتى استفاق وفتح الرجل عينيه وأدارهما في غياث ثم في الليل برعب وريبة وسأل بوجل:
- أين أنا؟وأين الجمل؟!
فأجاب غياث:
- أنت هنا على شاطئ النهر
- والجمل؟!
- لم أرَ جملاً هنا!
ثم قال يطمئنه:
-لا بأس عليك، جرحك بسيط وسيندمل سريعاً ولم يعلق الرجل بغير الأنين فظهرت خشونة غياث وقال في ضجر:
- أنت تئن كالثكالى كأنك ولم يكمل عبارته لأن الرجل أبعد يده عن بطنه فبان تحتها جرح غائر طويل بطول الكف!! فصاح غياث:
- ويحك يا رجل أنت تحتاج إلى طبيب!!
فقال الرجل يائساً:
- أنا أحتاج إلى كفن وسأله غياث بما يشبه الزعيق:
-من أنت؟ ومن أين جئت؟!
فقال بيأسه الأول:
-سأخبرك بماتريد لكن أرفعني قليلاً عن الأرض واستجاب له غياث رافعاً ظهره عن الأرض فأدار الرجل عينيه المرعوبتين،ومسح بهما أرجاء المكان، وقال وهو يشير بيده التي ليست على الجرح إلى جهة من البر:
-هناك ستجد الجمل هناك لقد رأيته يذهب من هذه الناحية عندما سقطت من على ظهره وذهب غياث إلى حيث أشار الرجلُ الجريحُ ليبحث عن جمله تجول قليلاً في الفلاة المظُلمة وهم بالرجوع وهو يشتم الرجل:
-قتله الله لم تنته مصيبتي حتى أبلى به!!
لكنه وجد الجمل ملتفاً بالظلام باركاً على الأرض يجتر ما أكله في النهار هدر الجمل عندما رآه، فاقتاده غياث إلى الرجل الذي أخذه الإعياء فنام
قذف غياث إلى النار ببعض الحطب فارتفع اللهب متراقصاً مضيئاً المكان تأمل غياث الرجل وبدا له أنه يعرفه وحاول أن يتذكر كان دقيق الملامح مهزولاً على جانب صدغه الأيسر أثر جرح قديم،منعه بعض شعر اللحية من الظهور وعندما تذكره هزًّ رأسه!
و بهدوء وحذر تحسس ثيابه وجيوبه، فلم يجد غير بضعة دراهم، فسلبها و وضعها في جيبه و راعه أن جسد الرجل كان يفوربالحرارة!
وأحس الرجل به فاستيقظ وتكلم وهو يلهث:
-هل جئت؟
-نعم وقد وجدت جملك
-إذاً انظر هناك ستجد قارباً كبيراً انزل به أحمال الجمل ولنصعد إليه ونعبر إلى الضفة الأخرى من النهر، فهناك بقايا نخل وبيت صغير مهجور هيا بسرعة !
-لماذا لا نبيت الليلة هنا، ونمضي إلى البيت في الصباح؟!
-لا لابد أن نكون هناك حال
-تبدو مستعجلاً هل هناك شيء؟!
-ستعرف فيما بعد هيا بسرعة بسهولة وجد غياث القارب ووجده قديماً متهالكاً فحمل الرجل إليه وأبقاه مستلقياً على ظهره في قاع القارب، ويده لا تفارق بطنه،وقد عاد إليه الأنين
وعمد إلى أحمال الجمل فوجدها خرجين متوسطين معلقين على جانبي الجمل وكانا ثقيلين محكمي الإغلاق والربط حملهما إلى القارب ولم ينسَ صرة ثيابه وحل قيود الجمل والحمار وترك لهما الحرية وبدأ يجدف مجتازاً النهر الهادر لكي يصل إلي الجهة الغربية ظل يجدف حتى صاح الرجل فجأة:
- الماء!! الماء سيغمر القارب؟!
كانا في منتصف النهر، وبحث غياث في القارب فلم يجد مصدر الماء بسبب الظلام فجعل يتحسس بطن القارب بيديه حتى وجده فصاح بغضب:
-إنه مثقوب! كيف لم تخبرني أنه مثقوب؟!
-لم أكن أعلم وإلا لما تركتك تبحر به ربماحطمه الجمل!
لم يفهم غياث شيئاً وظل يجدف بانفعال في سباق مع المياه المتدفقة التي أبطئت بسرعة القارب، فترك غياث المجاديف، وجعل ينزح المياه من القارب بدلو وجده ومع الوقت عجز عن السيطرة على الماء فجلس يستريح ويدلك زنديه القويين فهتف به الرجل ملهوفاً:
-لاتتوقف أنا لا أستطيع النهوض وستغرقني المياه و أنا مستلقٍ قبل أن يغوص القارب!
فقال غياث في برم:
-قبحك الله وماذا أصنع بك؟ كل ما أستطيع فعله أن أخفف من حمل القارب حتى يسهل التجديف وقذف بالصناديق والشباك والحبال إلى جوف النهر
وتناول احد الخرجين بسرعة وقذف به إلى الماء ومد يده إلى الثاني فصاح به الرجل الجريح:
-لا إنه الذهب !!؟كانت صيحته منكرة جعلت شعر غياث يقف!
وضم الرجل الخرج الثاني إلى صدره كأنما يريد حمايت هو ،خاطب غياث بغضب وأسى:
-لماذا قذفت به يا أحمق؟!فقال غياث بدهشة:
-أنت لم تخبرني أنه ذهب لقد ظننته من سائر المتاع!
وعاد ينزح المياه من القارب بالدلو في صراع مع النهر ثم يجدف وهو ينقل بصره مابين قعر القارب، وصفحة النهرالداكنة المخيفة
ثم حانت منه التفاتة إلى الرجل فوجده يذرف دموعاً غزاراً كان الشعور بالعجز والخسارة قد غلبه ثم سمعه غياث يهذي:
-طعنت وقاتلت من أجله وهاأنذا أخسر نصفه عذبك الله يا عدي كما عذبتني!
بصعوبة وصلوا إلى الضفة الأخرى من النهر، وحمل غياث الرجل إلى حيث يوجد النخيل والبيت وكان النخيل قليلاً متقارباً و خاوياً وبداخله قامت حجرتان متداعيتان من الطين وأمامهما عريش صغير من جريد النخل
وضع غياث الرجل على الأرض لكنه صاح:
-بالداخل بداخل الغرفة فلا طاقة لي بالبرد!
كان الجو معتدلاً لكن الحمى كانت تفترس الرجل فحمله غياث إلى الداخل وهو متشبث بالخرج المتبقي وأنزله في الحجرة المظلمة وهويئن ويهتف لاهثاً:
-نار أوقد ناراً الجليد يكاد يقتلني أنا محموم!
ثم غاب عن رشده، وعاد إلى الهذيان وإلى شتيمة عدي وأشخاص أخرين حنظلة بكرة بن مرة زليط
وسقط الخرج من يده محدثاً صوتاً أثار فضول غياث الذي قام وجمع بعض الحطب وأشعل ناراً أضاءت أركان الحجرة ثم عمد إلى الخرج فتناوله وفتحه ليطلق صيحة مكتومة عندما وجده يكاد يفيض بالذهب الخالص...!



يتبع
التوقيع:




من مواضيعي في الملتقى

* من اقوال الحكماء!
* ما فائدة قراءة القرآن إذا كنت أنساه ؟!
* تفسير الاحلام. ليس تنجيماً او دجلاً ..
* أنواع الأنفس
* لا يَحطِمَنَّكُم
* صفه العفه في القران
* أختبر معلوماتك في القرآن

المؤمنة بالله غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة المؤمنة بالله ; 10-23-2012 الساعة 05:25 PM.

رد مع اقتباس