الموضوع: فتنة التكفير
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-04-2013, 07:49 PM   #2
أبو جبريل نوفل

الصورة الرمزية almojahed
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 3

almojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond reputealmojahed has a reputation beyond repute

افتراضي

      

وجاء في الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب في كشف الأوهام والالتباس ما نصه " فإن كانت الأحكام التي لا ينبغي لي أن أتكلم فيها أن هؤلاء الملاحدة أعداء الله ورسوله المعطلين للصانع عن عرشه وعلوه على خلقه الجاحدين لأسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله قد اختلف العلماء في تكفيرهم وإذا اختلف العلماء فيهم كان الواجب السكوت عن بيان كفرهم وضلالهم وأنهم زنادقة وعن بيان إلحادهم وتكفيرهم وتكفير من لا يكفرهم أو شك في كفرهم لأنهم عند من لا يكفرهم ممن لا يؤبه لقوله مسلمون ومن كفر مسلما فقد كفر ولأنه يلزم من تكفيرهم أو تكفير من لم يكفرهم أو شك في كفرهم تكفير طوائف من العلماء لا يحصى عددهم أو تكفير من سكت عن تكفيرهم من عوام المسلمين وكذلك عباد القبور لأنه ربما لم تبلغهم الدعوة ولم تقم عليهم الحجة لأنهم جهال مقلدون الرسالة العاشرة ص ( 59 )
وقال رحمه الله في كتاب أصول الايمان 1_26 بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما نبين له الحجة على بطلان الشرك وكذلك نكفر من حسنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته-- والله المستعان والسلام

ثانيا : إقامة الحجة وشروط تكفير المعين
فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين:
الأمر الأول : دلالة الكتاب والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب.
الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه، وتنتفي الموانع.
ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى : ) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ( [ سورة النساء، الآية: 115 ] . فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له.
ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها؟
الجواب: الثاني، أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة ، ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالماً ما زنى.
ومن الموانع من التكفير أن يكره على المكفر لقوله تعالى : ) من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ( [ سورة النحل، الآية: 106 ] .
ومن الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو غضب، أو خوف ونحو ذلك . لقوله تعالى: ) وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً ( [ سورة الأحزاب، الآية: 5]. وفي صحيح مسلم 2104 عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح".
ومن الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في الكفر بحيث يظن أنه على حق، لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله تعالى : ) وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ( [ سورة الأحزاب، الآية: 5 ]. ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله تعالى: ) لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ( [ سورة البقرة، الآية: 286 ]
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
الكفر حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله فما دل الكتاب والسنة على أنه كفر فهو كفر ، وما دل الكتاب والسنة على أنه ليس بكفر فليس بكفر ، فليس على أحد بل ولا له أن يكفر أحداً حتى يقوم الدليل من الكتاب والسنة على كفره.
وإذا كان من المعلوم أنه لا يملك أحد أن يحلل ما حرم الله، أو يحرم ما أحل الله، أو يوجب ما لم يوجبه الله تعالى إما في الكتاب أو السنة ، فلا يملك أحد أن يكفر من لم يكفره الله إما في الكتاب وإما في السنة
ولا بد في التكفير من شروط أربعة : الأول : ثبوت أن هذا القول ، أو الفعل ، أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب أو السنة .
الثاني : ثبوت قيامه بالمكلف.
الثالث : بلوغ الحجة.
الرابع : انتفاء مانع التكفير في حقه.
فإذا لم يثبت أن هذا القول، أو الفعل، أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، فإنه لا يحل لأحد أن يحكم بأنه كفر، لأن ذلك من القول على الله بلا علم وقد قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33)
وقال: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء :36)
وإذا لم يثبت قيامه بالمكلف فإنه لا يحل أن يرمى به بمجرد الظن لقوله تعالى : (ولا تقف ما ليس لك به علم(. الآية ولأنه يؤدي إلى استحلال دم المعصوم بلا حق .
وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "أيما امرئ قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما ؛ إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه" ، هذا لفظ مسلم. وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول : "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه ، إن لم يكن صاحبه كذلك". أخرجه البخاري ولمسلم معناه.
وإذا لم تبلغه الحجة فإنه لا يحكم بكفره لقوله تعالى: ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )(الأنعام: من الآية19). وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص:59) وقوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ـ إلى قوله ـ : رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:164 ،165)
( . وقوله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الاسراء: من الآية15) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ـ يعني أمة الدعوة ـ يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
لكن إن كان مَن لم تبلغه الحجة لا يدين بدين الإسلام، فإنه لا يعامل في الدنيا معاملة المسلم، وأما في الآخرة فأصح الأقوال فيه أن أمره إلى الله تعالى.
وإذا تمت هذه الشروط الثلاثة أعني ثبوت أن هذا القول، أو الفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، وأنه قام بالمكلف، وأن المكلف قد بلغته الحجة ولكن وجد مانع التكفير في حقه فإنه لا يكفر لوجود المانع.أ ـ هـ(41)
ومما سبق من كلام العلماء نخلص إلى المسلم الذي قال قول الكفر أو عمل عمل الكفر أنه لا يقع الكفر عليه إلا بعد إقامة الحجة (وهو وصول الحكم الشرعي لمن وقع في الكفر ) بشروط منها :
1 ـ أن ينشرح صدره للكفر ويطمئن قلبه به وتسكن نفسه إليه
قال تعالى : ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً )(النحل: من الآية106)
2 ـ أن يكون النص قد بلغه ؛ لأنه لا تكليف إلا بعد وصول الخطاب كما قال تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الإسراء: من الآية15) فلا تكليف بمجهول
3 ـ أن يكون قد فهم النص وإلا اعتبر أن الخطاب لم يصل إليه .
مداخلة : سؤال وجه للعلامة الألباني رحمه الله جاء فيه :
س: هل هناك فرق في الشريعة في مسألة الإنذار أو قيام الحجة ،وبين قيام الحجة وفهمها ،حتى تكون سبب من أسباب قيام حجة الله على عباده ؟ سلسلة الهدى والنور رقم 616
الجواب : قال الألباني جوابي على سؤالك هذا ، يذكرني بمناقشة جرت في مجلس لأول مرة حينما كنت جئت للتدريس في الجامعة الإسلامية ، وقبل أن تفتح أبواب الدراسة اجتمعنا في مجلس في سهرة مع بعض أهل العلم والفضل ، فؤثير هذا الموضوع فقال بعضهم بأن دعوة الإسلام الآن بلغت كل بلاد الدنيا ، وأتبع كلامه بقوله : القرآن والحمد لله يذاع من كل البلاد الإسلامية ، إلى كل أقطار الدنيا ، وأنا أجبت بما خلاصته ، يا أستاذ أنت تقول القرآن و أنا أقول معك كما قلت ، لكن العرب كشعب أو كأمة ، فيهم الآن من لا يفهم القرآن ، فكيف تريد من الأعجام ، الألمان والبريطان و الأمريكان ، أن يفهموا القرآن بلغة القرآن، وغير مترجم إلى لغتهم على الأقل كيف تقوم الحجة على هؤلاء . بأن يسمعوا القرآن يتلى بلغة القرآن ، هذا لا يعني أنه قد أقيمت الحجة عليهم، ولذلك فأنا أقول : لا بد من أن يفهم الذي بلغته الحجة، أن يفهمها ، وأنا أضيف شيئا آخر . ليس كل من ينقل الحجة يحسن نقلها ولذلك فقيام الحجة على شخص ما ، ليس من السهل
ولذلك أنا كثيرا ما أعترض على بعض إخواننا المبتدئين في طلب العلم والسالكين معنا في هذا الدرب، من الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح والمتحمسين ، فيقول أحدهم : أنا البارحة اجتمعت مع الشيخ فلان أو الدكتور الفلاني ، وناقشته في مسألة الاستغاثة بغير الله أو التوسل أو ما شابه ذلك وقلت : هذا لا يجوز و هذا حرام وهذا شرك وإلى آخره ، وهو يصلي بنا إماما، فأنا أقمت الحجة عليه ، فهل تجوز صلاتي خلفه ؟ أنا أقول أنت كيف تتصور أنك أقمت الحجة عليه ، وأنت بعد لا تزال في التعبير السوري في الرقراق، يعني
في الضحضاح يعني في أول العلم ، ما ينبغي أن نتصور أن كل طالب علم يستطيع أن يقيم الحجة على المسلم الضال ، فضلا عن الكافر المشرك ، لكن كل إنسان مكلف أن يبلغ ما يستطيع ، أما هل قامت الحجة عليه أو لم تقم ، هذا علمه عند ربي ، ولذلك أنا ما أتصور أن كل شخص أفهم الحجة ، وبالتالي قامت عليه الحجة ، لكن أنا أقول من علم الله عز وجل منه أنه قامت الحجة عليه ، و تبينت له وجحدها ، فهو الذي يحكم عليه بالنار يوم القيامة ، ولذلك كما تعلمون جميعا ، أن الكفر مشتق من معنى التغطية فيعني حينما نقول فلان كافر ،يعني تبين له الحق ثم حاد عنه ، ولذلك قال تعالى ( وجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ) فأي كافر بلغته حجة الله عز و جل وفهمها جيدا ثم جحد ، فهذا الذي يعذب ، ولذلك ربنا عز وجل وصف بعض أهل الكتاب بقولهى: ( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) فهم يعرفون أن محمدا عليه السلام رسول وصادق ومبعوث إلى الناس كافة ، وليس إلى العرب فقط ، لكن مع ذلك تعصبوا لمن كانوا ينتظرونه أن يبعث منهم وفيهم، هذا هو الذي أعتقده بالنسبة لسؤالك المذكور آنفا .
سلسلة الهدى والنور رقم 616
أي ملخص قول الألباني إن لإقامة الحجة شرطين
1- وجود العالم الذي يقيم الحجة
2- فهم الحجة من قبل من أقيمت عليه الحجة

4 ـ أن لا يكون هناك شبهات عرضت عليه ، مثل حال أهل التأويل والاجتهاد . 5 ـ من يقيم الحجة يكون أهلا لها ، ولا يكن هناك عداء بين صاحب القول أو الفعل وبين من يقيم الحجة
6 ـ أن لا يكون هناك عارض مثل الجهل أو الإكراه ونحوهما

المطلب الثالث
الأعذار التي تمنع تكفير المعين
هناك أعذار تمنع تكفير معين وقع في الكفر نختار منها عذرين للكلام عليهما
الأول : العذر بالجهل
1ـ كلام الناس في العذر بالجهل
وهذا العارض وضعه بعض أهل العلم من العوارض المكتسبة وهذا من الخطأ البين ؛ لأنه يبين أن الإنسان ولد عالما وهذا معارض للقرآن ، قال تعالى : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)
فالأصل في الإنسان الجهل والعلم شئ مكتسب
فكل من يجهل شئ لا يلزم بحكمه . قال تعالى : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)
قال ابن القيم :
فهو في أصل الخلقة خلق خاليا ساذجا لا علم له بشيء من المعقولات ولا المحسوسات البتة . أ ـ هـ(43)
وقال أيضا :
فهذه الحال التي أخرجنا عليها هي حالنا الأصلية ، والعلم والعقل والمعرفة والقوة طارىء علينا حادث فينا بعد أن لم يكن ولم نكن نعلم قبل ذلك شيئا البتة إذ لم يكن لنا وجود نعلم ونعقل به .أ ـ هـ(44)
فإذا كان الجهل أصل في الإنسان خلقه الله عليه ؛ فكيف يحاسبه على شئ لا دخل له فيه ؟!!
الوجه الثاني : أنه إذا كان الجهل هو الأصل الذي خلق عليه الإنسان ؛ فهو عذر قائم به ، فمن ادعى عدم العذر فعليه بالدليل من الكتاب والسنة ودونه خرط القتاد .
الوجه الثالث : أن الحكم الشرعي لا يثبت في حق المكلف إلا بعد الخطاب
أي بعد أن يعلمه المكلف ، وإلا فلا تكليف بمجهول قال تعالى : (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء:15)
فبعد أن ذكر الله الهداية والضلال أخبر أنه سبحانه لا يعذب أحدًا من عباده إلا بعد وصول الرسول إليه ؛ ومعناه : وصول رسالة الرسول إليه على وجه يفهمه ويفهم ما ينص عليه من تكليف شرعي .
فلا يثبت الخطاب في حق المكلف إلا بعد وصول الحكم الشرعي إليه .
قال الإمام ابن جرير في تفسيره :
وقوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )
يقول تعالى ذكره : وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله : (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) إن الله تبارك وتعالى ليس يعذب أحدا حتى يسبق إليه من الله خبرا ويأتيه من الله بينة وليس معذبا أحدا إلا بذنبه . أ ـ هـ(45)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
اختلف العلماء فيمن أسلم بدار الحرب ولم يعلم أن الصلاة واجبة ، ثم علم هل يجب عليه قضاء ما تركه في حال الجهل ؟
على قولين في مذهب الإمام أحمد وغيره :
أحدهما : لا يجب عليه القضاء ، وهو مذهب أبي حنيفة
والثاني : يجب عليه القضاء ، وهو المشهور عند أصحاب الشافعي ، بل النزاع بين العلماء : في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الحجة ، مثل ترك الصلاة عند عدم الماء يحسب أن الصلاة لا تصح بتيمم ، أو من أكل حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، ويحسب أن ذلك هو المراد بالآية كما جرى ذلك لبعض الصحابة ، أو أكل لحم الإبل ولم يتوضأ ثم تبين له وجوب ذلك .
وأمثال هذه المسائل . هل يجب عليه القضاء ؟
على قولين في مذهب احمد وغيره
ثم قال شيخ الاسلام " فان القضاء لا يجب عليه في الصور المذكورة ونظائرها مع اتفاقهم على انتفاء الإثم ؛ لأن الله عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان ، فإذا كان هذا في التأثيم فكيف في التكفير !!
وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات ، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة ، فلا يعلم كثيرا مما يبعث الله به رسوله ، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك .
ومثل هذا لا يكفر ، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان ، وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة ؛ فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول
الوجه الرابع : أن كل الأدلة التي وردت في هذا الباب تدل دلالة صريحة في العذر بالجهل :
منها :1 ـ روى أحمد (2139) والترمذي (2180) بسند صحيح عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ : أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ قَالَ : وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، قَالَ : فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ قَالَ : فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : ( اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون)(الأعراف: من الآية138) ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّةً . )
فترى هنا أن النبي ( أخبرهم أن هذا العمل هو عمل الكفار ، وأن هذه المقولة قد سبقهم إليها بنوا إسرائيل ، فأخبرهم موسى بجهلهم لحقيقة التوحيد . فلم يكفرهم موسى بالمقولة ؛ وإنما وصفهم بالجهل ، والنبي ( لم يكفر من قال ذلك من الصحابة لعلمه أنهم يجهلون أن هذا شرك بالله .
2 ـ روى البخاري (7506) ومسلم (2756) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ : فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ ؛ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ.
فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ : لِمَ فَعَلْتَ ؟!
قَالَ : مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ . فَغَفَرَ لَهُ ) وفي رواية مسلم (لم يعمل حسنة قط)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم بعد ما أحرق وذرى ، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك وهذان أصلان عظيمان :
أحدهما : متعلق بالله تعالى وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير والثاني : متعلق باليوم الآخر ؛ وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت ويجزيه على أعماله . ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت ، وقد عمل عملا صالحا وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح .
قال ابن القيم رحمه الله : وكفر الجحود نوعان :
كفر مطلق عام . وكفر مقيد خاص .
فالمطلق : أن يجحد جملة ما أنزله الله وإرساله الرسول .
والخاص المقيد : أن يجحد فرضا من فروض الإسلام ، أو تحريم محرم من محرماته ، أو صفة وصف الله بها نفسه ، أو خبرا أخبر الله به عمدا ،
فإذا جحد ذلك جهلا ، أو تأويلا يعذر فيه صاحبه فلا يكفر صاحبه به كحديث الذي جحد قدرة الله عليه وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح ، ومع هذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله ؛ إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه ولم يجحد قدرة الله على إعادته عنادا أو تكذيبا .
4 ـ روى أحمد عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ ، فَأَمَّا الأَصَمُّ فَيَقُولُ : رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا .
وَأَمَّا الأَحْمَقُ فَيَقُولُ : رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ : رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا . وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ : رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ . فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ .
قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلامًا ) وفي رواية أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا .
والشاهد من هذا الحديث إذا كان الله تبارك وتعالى لم يحكم على هؤلاء ـ وهم لم يدخلوا في الإسلام ـ بالدخول في النار إلا بعد إقامة حجته عليهم ؛ لأنهم لم يعرفوا الإسلام ؛ فكيف بمن شهد شهادة الحق ولكنه جهل بعض الأحكام فوقع في ما ينقض إيمانه !!
فلا شك أن هذا أولى من ذلك ، وكلمة التوحيد لها شأن عند الله تعالى
ـ ولكن هنا أمر يتفطن إليه : وهو أن هؤلاء الذين لم تبلغهم دعوة الإسلام أو بلغتهم بطريق مشوش لا يفهم به حقيقة الإسلام وكانوا على دين كفر كالنصرانية أو اليهودية أو الوثنية فهؤلاء لهم حكمان :
الأول : حكمهم في الدنيا الظاهر لنا أنهم كفار ، فيعاملوا معاملة الكفار .
والثاني : حكمهم في الآخرة : فهم يمتحنون كما أخبر النبي ( عن ذلك .
وهؤلاء منهم من يدخل النار لعلم الله فيه ، ومنهم من يدخل الجنة لعلم الله فيه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
فلابد من عبادة الله وحده ، وهذا واجب على كل أحد فلا يسقط عن أحد البتة ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره ؛ ولكن لا يعذب الله أحدا حتى يبعث إليه رسولا ، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة ، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه .
فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة ، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان ، فمن لا ذنب له لا يدخل النار ، ولا يعذب الله بالنار أحدا إلا بعد أن يبعث إليه رسولا ، فمن لم تبلغه دعوة رسول إليه كالصغير والمجنون والميت في الفترة المحضة فهذا يمتحن في الآخرة كما جاءت بذلك الآثار .
العذر الثاني : العذر بالخطأ
وهو الخطأ في إصابة الحق عن غير قصد
من ذلك الخطأ في المسائل العملية : وصاحبه له أجر على اجتهاده
روى البخاري (7352) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ )
قال صاحب تحفة الأحوزي : قال الخطابي : إنما يؤجر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة ، ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم ، وهذا فيمن كان جامعا لآلة الاجتهاد , عارفا بالأصول , عالما بوجوه القياس . فأما من لم يكن محلا للاجتهاد فهو متكلف ولا يعذر بالخطأ بل يخاف عليه الوزر . ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار " وهذا إنما هو في الفروع المحتملة للوجوه . أ
ومن ذلك الخطأ في المسائل العلمية (الاعتقادية)
وهذا صاحبه إن كان مجتهدا في طلب الحق وأخفق فإنه معذور مغفور له خطأه ، ولا يكون كافرا بخطأه وإن كان القول قول كفر
قال تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(الأحزاب: من الآية5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وعلى هذا فالمتأول الذي أخطأ في تأويله في المسائل الخبرية ، والأمرية ، وإن كان في قوله بدعة يخالف بها نصا ، أو إجماعا قديما ، وهو لا يعلم أنه يخالف ذلك ؛ بل قد أخطأ فيه كما يخطئ المفتي والقاضي في كثير من مسائل الفتيا والقضاء باجتهاده يكون أيضا مثابا من جهة اجتهاده الموافق لطاعة الله تعالى ، غير مثاب من جهة ما أخطأ فيه ، وإن كان معفوا عنه ،
وقد تقوم عليه الحجة التي بعث الله عز وجل بهما رسله ويعاندها مشاقا للرسول من بعد ما تبين له الهدى ، متبعا غير سبيل المؤمنين ، فيكون مرتدا منافقا ، أو مرتدا ردة ظاهرة . فالكلام في الأشخاص لا بد فيه من هذا التفصيل
وقال أيضا :
وأما أهل العلم والإيمان فهم يجعلون كلام الله وكلام رسوله هو الأصل الذي يعتمد عليه ، وإليه يرد ما تنازع الناس فيه ، فما وافقه كان حقا ، وما خالفه كان باطلا ،
وليس كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه كل الناس ويفهمونه ؛ بل كثير منهم لم يسمع كثيرا منه ، وكثير منهم قد يشتبه عليه ما أراده وإن كان كلامه في نفسه محكما مقرونا بما يبين مراده .
التوقيع:

من مواضيعي في الملتقى

* العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
* حقوق المرأة في الإسلام
* ما معنى ‏{‏وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏}‏‏؟‏
* تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل
* تلاوة القرآن بالمقامات الموسيقية
* من فضائل الأعمال
* النصيحة و الموعظة اليوم لمعشر الشباب

almojahed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس