المناسبات | |
|
|
07-06-2012, 11:56 PM | #1 | |
|
أيهما أفضل للأنسان السمع أم البصر ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أيهما أفضل للأنسان السمع أم البصر ؟ . ولما كان للسمع والبصر من الإدراك ما ليس لغيرهما من الأعضاء كانا في أشرف جزء من الإنسان وهو وجهه . واختلف [ ص: 77 ] في الأفضل منهما ، فقالت طائفة منهم أبو المعالي وغيره : السمع أفضل من البصر . قالوا لأنه به تنال سعادة الدنيا والآخرة ، فإنها إنما تحصل بمتابعة الرسل وقبول رسالاتهم ، وبالسمع عرف ذلك ، فإن من لا سمع له لا يعلم ما جاءوا به . وأيضا فإن السمع يدرك به أجل شيء وأفضله وهو كلام الله الذي فضله على الكلام كفضل الله على خلقه . وأيضا إنما تنال العلوم بالتفاهم والتخاطب ولا يحصل ذلك إلا بالسمع ، ومدرك السمع أعم من مدرك البصر ، فإنه يدرك الكليات والجزئيات ، والشاهد والغائب ، والموجود والمعدوم ، بخلاف البصر فإنه إنما يدرك بعض المشاهدات ، والسمع يسمع كل علم ، فأين أحدهما من الآخر . ولو فرضنا شخصين أحدهما يسمع كلام الرسول ولا يرى شخصه ، والآخر بصير يراه ولا يسمع كلامه لصممه هل كانا سواء ؟ وأيضا ففاقد البصر إنما يفقد إدراك بعض الأمور الجزئية المشاهدة ويمكنه معرفتها بالصفة ولو تقريبا بخلاف فاقد السمع ، فإن الذي فاته من العلم لا يمكن حصوله بحاسة البصر ولا قريبا منه . وقد ذم الله سبحانه الكفار بعدم السمع في القرآن أكثر من ذمه لهم بعدم البصر ، بل إنما يذمهم بعدم البصر تبعا لعدم العقل والسمع . وأيضا الذي يورده السمع على القلب من العلوم لا يلحقه فيه كلال ولا سآمة ولا تعب مع كثرته وعظمه ، بخلاف الذي يورده البصر عليه فإنه يلحقه فيه الكلال والضعف والنقص ، وربما خشي صاحبه على ذهابه مع قلته بالنسبة إلى السمع . وقالت طائفة منهم ابن قتيبة : بل البصر أفضل ، فإن أعلى النعيم لذة وأفضله منزلة النظر إلى الله تعالى في دار الآخرة ، وهذا إنما ينال بالبصر ، وهذه وحدها كافية في تفضيله . قالوا وهو مقدمة القلب وطليعته ورائده ، فمنزلته عنده أقرب من منزلة السمع ، ولهذا كثيرا ما يقرن بينهما في الذكر كقوله { فاعتبروا يا أولي الأبصار } فالاعتبار بالقلب والبصر بالعين . وقوله { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة } ولم يقل وأسماعهم . وقال تعالى { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } [ ص: 78 ] وقال { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } وهذا وأمثاله يدل على شدة الوصلة والارتباط بين القلب والبصر . ولما كان القلب أشرف الأعضاء كان أشدها ارتباطا به أشرف من غيره ، ولهذا يأمنه القلب على ما لا يأمن السمع عليه ، بل إذا ارتاب من جهة عرض ما يأتيه به على البصر ليزكيه أو يرده ، فالبصر حاكم مؤتمن عليه . قالوا : ومن هذا الحديث المشهور الذي رواه الإمام أحمد في مسنده مرفوعا { ليس المخبر كالمعاين } ولذا أخبر الله سبحانه موسى بأن قومه افتتنوا من بعده وعبدوا العجل فلم يلحقه في ذلك ما لحقه عند رؤية ذلك ومعاينته من إلقاء الألواح وكسرها لقوة المعاينة على الخبر . وهذا إبراهيم خليل الله سأل ربه يريه كيف يحيي الموتى ، وقد علم ذلك بخبر الله له ، ولكن طلب أفضل المنازل وهي طمأنينة القلب . قالوا : ولليقين ثلاث مراتب ، أولها السمع ، وثانيها العين وهي المسماة بعين اليقين وهي أفضل من المرتبة الأولى وأكمل وتقدم بيانها . قالوا : وأيضا فالبصر يؤدي إلى القلب ويؤدي عنه ، فإن العين مرآة القلب يظهر فيها ما يحبه من البغض والمحبة ، والموالاة والمعاداة ، والسرور والحزن ، وأما الأذن فلا تؤدي عن القلب شيئا ألبتة ، وإنما مرتبتها الإيصال إليه حسب ، فالعين أشد تعلقا به . قال : والصواب أن كلا منهما له خاصية فضل بها الآخر ، فالمدرك بالسمع أعم وأشمل ، والمدرك بالبصر أتم وأكمل . فالسمع له العموم والشمول ، والبصر له الظهور والتمام وكمال الإدراك . وأما نعيم الجنة فشيئان : أحدهما النظر إلى الله . والثاني : سماع خطابه وكلامه كما رواه الإمام بن الإمام عبد الله بن الإمام أحمد في السنة وغيره : كأن الناس يوم القيامة لم يسمعوا القرآن إذا سمعوه من الرحمن عز وجل . قال ومعلوم أن سلامه عليهم وخطابه لهم ومحاضرته إياهم كما في الترمذي وغيره لا يشبهها شيء قط ، ولا يكون أطيب عندهم منها . ولهذا يذكر سبحانه في وعيد أعدائه أنه لا يكلمهم كما يذكر أصحابه عنهم ولا يرونه ، فكلامه ورؤيته أعلى نعيم أهل الجنة . [ ص: 79 ] وقال في موضع آخر من كتاب مفتاح دار السعادة : واختلف النظار في الضرير والأطرش أيهما أقرب إلى الكمال وأقل اختلالا لأموره ، وهذا مبني على أصل وهو أي الصفتين أكمل ، صفة السمع أو صفة البصر ، ثم أشار إلى ما قدمنا وأنه أي الصفتين كان أكمل فالضرر بعدمها أقوى . ثم قال : والذي يليق بهذا الموضع أن يقال : عادم البصر أشدهما ضررا ، وأسلمهما دينا وأحمدهما عاقبة . وعادم السمع أقلهما ضررا في دنياه ، وأجهلهما بدينه ، وأسوأ عاقبة ، فإنه إذا عدم السمع عدم المواعظ والنصائح ، وانسدت عليه أبواب العلوم النافعة ، وانفتح له طرق الشهوات التي يدركها البصر ، ولا يناله من العلم ما يكفه عنها . فضرره في دينه أكثر ، وضرر الأعمى في دنياه أكثر . ولهذا لم يكن في الصحابة رضي الله عنهم أطرش ، وكان فيهم جماعة أضراء ، وقل أن يبتلي الله أولياءه بالطرش ، ويبتلي كثيرا منهم بالعمى . فهذا فصل الخطاب في هذه المسألة ، فمضرة الطرش في الدين ، ومضرة العمى في الدنيا ، والمعافى من عافاه الله منهما ومتعه بسمعه وبصره ، وجعله الوارث منه . انتهى . والحاصل أن القلب أفضل الجوارح ، إذ هو الملك ، ثم اللسان ، ثم السمع لسعة إدراكه ، ثم البصر على اختلاف في الأخيرين كما ذكرنا . وأما الأولان فلا خلاف فيهما فيما علمنا . ولذا يلحق من عدم البيانين بيان اللسان وبيان الجنان بالحيوانات البهيمية ، بل هي أحسن حالا منه ، وإن عدم بيان اللسان وحده عدم خاصية الإنسان وهي النطق واشتدت المؤنة به وعليه ، وعظمت حسرته فطال تأسفه على رد الجواب ورجع الخطاب ، فهو كالمقعد الذي يرى ما هو محتاج إليه ولا تمتد يده إليه . فجل شأن الله كم له من نعمة على عباده سابغة في هذه الأعضاء والقوى والمنافع ، فحكمته سبحانه بالغة . من كتاب غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب محمد بن أحمد بن سالم السفاريني اثبت وجودك .. تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع |
|
من مواضيعي في الملتقى
|
||
|
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الزوجة ومشاكل السمع في الاتجاه المعاكس | ابو احمد قنديل | ملتقى الحوار الإسلامي العام | 9 | 06-11-2020 12:44 PM |
غض البصر ..... | الفارس | ملتقى الحوار الإسلامي العام | 4 | 12-13-2018 06:52 AM |
أيهما أولى بالزواج؛ شاب سلفي أم شاب عامي؟ | أسامة خضر | قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله | 6 | 02-02-2013 04:35 PM |
قدم المسلم ووجه الكافر .. أيهما أنظف ؟ | المؤمنة بالله | ملتقى فيض القلم | 4 | 10-30-2012 01:53 PM |
أيهما الرابح | AL FAJR | ملتقى فيض القلم | 20 | 10-22-2012 05:33 AM |
|