استخدم محرك جوجل للبحث في الملتقى

 

الرئيسية التسجيل البحث الرسائل طلب كود التفعيل تفعيل العضوية استعادة كلمة المرور
facebook facebook twetter twetter twetter twetter

المناسبات


   
العودة   ملتقى أحبة القرآن > ۩ ملتقى العلـــم الشرعـــي ۩ > ملتقى الخطب والدروس المقروءة > قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله
قسم فضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله يهتم هذا القسم بطرح جميع المحاضرات والدروس والخطب المكتوبة لفضيلة الشيخ فؤاد ابو سعيد حفظه الله..
 

   
الملاحظات
 

إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 01-12-2013, 05:19 PM   #1

 
الملف الشخصي:





 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 85

أسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهر

افتراضي من آيات الله ومخلوقاته الليل والنهار والشمس والقمر والرياح والبرق والرعد والأمطار

      

من آيات الله ومخلوقاته
الليل والنهار والشمس والقمر
والرياح والبرق والرعد والأمطار
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسلَه بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة.
من يطِعِ اللهَ ورسولَه فقد رشد، ومن يعصِ اللهَ ورسولَه فإنه لا يضرُّ إلا نفسه، ولا يضرُّ اللهَ شيئا.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. (النساء: 1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. (آل عمران: 102)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. (الأحزاب: 70- 71)
إن الله سبحانه وتعالى خلق المخلوقاتِ والإنسَ والجانَّ ليعبدوه، وجعل لهم الآياتِ البيناتِ ليوحِّدوه، فـ{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. (البقرة: 21- 22)
أيُّها الناس! ما الغايةُ التي من أجلِها وُجِدْنا؟ وما الهدفُ الذي من أجلِه خُلِقْنا؟ هل وجدنا لنأكلَ ونشرب؟ ونستمتعَ ونلهوَ ونلعب؟ قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}. (الذاريات: 56– 58)
سبحانه! دلَّنا على نفسه بنفسِه، فأرسل إلينا الرسل، وأنزل إلينا الكتب، {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}. (آل عمران: 28)، يأمرنا بتوحيدِه وعبادتِه، ويحثُّنا على التدبُّر والتفكر في آياته ومخلوقاته، {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}. (المدثر: 31)
فهو سبحانه [{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} كما يخرج النباتَ من الأرضِ الميتة، والسنبلةَ من الحبة، والشجرةَ من النواة، والفرخَ من البيضة، والمؤمنَ =الحيَّ بإيمانه= من الكافر =الميت بكفره=، ونحو ذلك.
{وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} بعكس المذكور؛ =فيخرج الحبةَ من السنبلة، والبيضةَ من الدجاجة ونحو ذلك=، {وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}؛ فينزِّلُ عليها المطرَ وهي مَيتةٌ هامدة، ... =قال سبحانه: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}. (الحج: 5)=، {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}. (الروم: 19) من قبوركم. فهذا دليلٌ قاطعٌ، وبرهانٌ ساطعٌ؛ أنَّ الذي أحيا الأرضَ بعد موتِها فإنَّه يحيي الأموات...
...=ثم شرع سبحانه= في تَعدادِ آياتِه الدالةِ على انفرادِه بالإلهية وكمالِ عظمتِه، ونفوذِ مشيئتِه، وقوةِ اقتدارهِ، وجميلِ صُنعهِ، وسَعةِ رحمتِه وإحسانهِ، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}، وذلك بخلْقِ ... آدمَ عليه السلام {ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}. (الروم: 20)، أي: الذي خلقكم من أصلٍ واحدٍ، ومادَّةٍ واحدةٍ، وبثَّكم في أقطارِ الأرض وأرجائها، ففي ذلك آياتٌ على أنَّ الذي أنشأكم من هذا الأصلِ وبثَّكم في أقطارِ الأرض، هو الربُّ المعبود، الملكُ المحمود، والرحيمُ الودود، الذي سيعيدُكم بالبعث بعد الموت.
{وَمِنْ آيَاتِهِ} الدالةِ على رحمتِه وعنايتِه بعبادِه، وحكمتِه العظيمةِ، وعلمِه المحيط، {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} تناسبكُم وتناسبونهنّ، وتشاكِلُكُم وتشاكِلونَهُنَّ، {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} بما رتَّبَ على الزواجِ من الأسبابِ الجالبةِ للمودةِ والرحمة.
فحصلَ بالزوجةِ الاستمتاعُ واللذةُ، والمنفَعةُ بوجودِ الأولادِ وتربيتِهم، والسكونِ إليها، فلا تجدُ بين أحدٍ في الغالب مثلَ ما بين الزوجين من المودَّةِ والرحمة، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الروم: 21) يُعمِلون أفكارهم، ويتدبرون آياتِ اللهِ، وينتقلون من شيء إلى شيء، =من آية إلى آية=.
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}. (الروم: 22)، والعَالِمُون هم أهل العلم؛ الذين يفهمون العِبَرَ ويتدبَّرون الآيات.
والآياتُ في ذلك كثيرة: فمن آياتِ خلْقِ السماواتِ والأرضِ وما فيهما؛ أنَّ ذلك دالٌّ على عظمةِ سلطانِ الله، وكمالِ اقتدارِه، الذي أوجدَ هذه المخلوقاتِ العظيمةَ، وكمالِ حكمتِه، لما فيها من الإتقانِ وسَعةِ علمه؛ لأنَّ الخالقَ لا بدَّ أن يعلمَ ما خَلقَه {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}؟! =بلى يعلم! وفي خلق السموات والأرض من= عمومِ رحمتهِ وفضلِه؛ لما في ذلك من المنافعِ الجليلة، وأنه المريدُ الذي يختارُ ما يشاء؛ لما فيها من التخصيصات والمزايا، وأنه وحده الذي يستحقُّ أن يُعبدَ ويُوحَّدَ؛ لأنَّه المنفردُ بالخلقِ، فيجب أن يفردَ بالعبادة، فكلُّ هذه أدلَّةٌ عقليَّةٌ نبَّه اللهُ العقولَ إليها، وأمرَها بالتفكُّرِ واستخراج العبرة منها.
{و} كذلك في {اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} على كثرتكم، وتباينِكُم مع أن الأصلَ واحد، ومخارجَ الحروفِ واحدةً، ومع ذلك لا تجدُ صوتين متفقين من كلِّ وجهٍ، ولا لونين متشابهين من كلِّ وجهٍ؛ إلاَّ وتجدُ من الفرقِ بينَ ذلك ما به يحصلُ التمييزُ، وهذا دالٌّ على كمالِ قدرتِه، ونفوذِ مشيئتِه.
ومن عنايتِه بعبادهِ، ورحمتِه بهم؛ أنْ قدَّر ذلكَ الاختلافَ لئلاَّ يقعَ التشابهُ فيحصلُ الاضطرابُ، ويفوتُ كثيرٌ من المقاصدِ والمطالبِ.
{وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}. (الروم: 23) أي: سماعَ تدبَّرٍ وتعَقُّلٍ للمعاني والآياتِ في ذلك.
إنَّ ذلك دليلٌ على رحمة الله تعالى كما قال: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. (القصص: 74)، وعلى تمامِ حكمتِه؛ إذْ حكمتُه اقتضت سكونَ الخلقِ في وقتٍ ليستريحوا به ويستجمُّوا، وانتشارَهم في وقت؛ لمصالحِهم الدينيَّةِ والدنيويَّةِ، ولا يتمُّ ذلك إلاَّ بتعاقُبِ الليلِ والنهارِ عليهم، والمنفردُ بذلك هو المستحقُّ للعبادة.
{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا..}، أي: ومن آياته أن ينزِّلَ عليكم المطرَ الذي تحيا به البلادُ والعبادُ، ويريكُم قَبْلَ نزولِه مقدماتِه من الرَّعدِ والبرقِ الذي يُخَاف ويُطْمَع فيه. =فالرعد والبرق من آيات الله سبحانه= {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} دالَّةٍ على عمومِ إحسانِه، وسَعةِ علمهِ وكمالِ إتقانه، وعظيمِ حكمته، وأنه يحيي الموتى كما أحيا الأرض بعد موتها، {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. (الروم: 24) أي: لهم عقول تعقلُ بها ما تسمعُه وتراه وتحفظُه، وتستدلُّ به على ما جُعِلَ دليلاً عليه.
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}. (الروم: 25)
ومن آياتِه العظيمةِ؛ أنْ قامتِ السماواتُ والأرضُ واستقرتَا وثَبَتَتَا بأمره، فلم تَتزلْزلا، ولم تسقطْ السماءُ على الأرض، فقدرتُه العظيمةُ التي بها أمسكَ السماواتِ والأرضَ أنْ تزولا؛ يقدِرُ بها أنَّه إذا دعا الخلقَ دعوةً من الأرضِ إذا هم يخرجون، {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}. (غافر: 58)، {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} الكلُّ خلقُه، =وعَبيدُهُ= ومماليكُه، المتصرفُ فيهم من غيرِ منازعٍ، ولا معاونٍ ولا معارضٍ، فـ{كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}. (الروم: 26)، ..كلُّهم قانتون لجلالِه، خاضعون لكمالِه.
{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ} أي: الإعادة للخلق بعد موتهم {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} من ابتداء خلقهم، وهذا بالنسبة إلى الأذهانِ والعقول، فإذا كان قادرًا على الابتداء الذي تُقِرُّون به؛ كانت قدرتُه على الإعادة التي أهونُ أولى وأولى.
ولما ذكرَ من الآياتِ العظيمةِ ما به يعتبرُ المعتبرون، ويتذكَّرُ المؤمنون، ويتبصَّرُ المهتدون؛ ذكرَ الأمرَ العظيمَ، والمطلبَ الكبير، فقال: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} وهو كلُّ صفةِ كمالٍ، والكمالُ من تلك الصفةِ، والمحبَّةُ والإنابةُ التامةُ الكاملةُ في قلوبِ عبادِه المخلصين، والذكرُ الجليلُ والعبادةُ منهم. فالمثَلُ الأعلى هو وصْفُه الأعلى وما ترتَّبَ عليه.
ولهذا كان أهلُ العلمِ يستعملون في حقِّ الباري قياسَ الأَوْلَى، فيقولون: (كلُّ صفةِ كمالٍ في المخلوقاتِ فخالقُها أحقُّ بالاتصافِ بها، على وجهٍ لا يشاركه فيها أحدٌ، وكلُّ نقصٍ في المخلوقِ يُنَزَّهُ عنه؛ فتنزيهُ الخالقِ عنهُ من بابِ أولى وأحرى). {وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم}. (الروم: 27)، أي: له العِزَّةُ الكاملةُ، والحكمةُ الواسعة، فعزَّتُه أوجدَ بها المخلوقات، وأظهرَ المأمورات، وحكمتُه أتقنَ بها ما صَنَعَه، وأحسنَ فيها ما شَرعَه]. تفسير السعدي (ص: 638- 640)
و[يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} أي: يُخاف منه الصواعقُ والهدمُ وأنواعُ الضرر، على بعض الثمار ونحوها ويُطمع في خيرِه ونفعِه، {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}. (الرعد: 12) بالمطرِ الغزيرِ الذي به نفعُ العبادِ والبلاد.
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} وهو الصوتُ الذي يُسمعُ من السحابِ المزعجِ للعباد، فهو خاضعٌ لربِّه، مُسَبِّحٌ بحمده، {و} تسبِّح {الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} أي: خشعا لربهم خائفين من سطوته، {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} وهي هذه النارُ التي تخرجُ من السَّحاب، {فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} من عبادِه بحسْب ما شاءَه وأرادَه {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}. (الرعد: 13) أي: شديد الحولِ والقوةِ فلا يريدُ شيئًا إلا فعَلَه، ولا يتعاصَى عليه شيءُ ولا يفوته هارب.
=[فللمسلم أن يذكرَ ربَّه فيُسبِّحَه عند سماعِه صوتَ الرَّعد، لما ثبت عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: (أنَّهُ كَانَ إِذا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الحَدِيثَ، وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي {يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}). صحيح الأدب المفرد (556) والموطأ (1822)، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّه كان إذا سمع صوت الرعد قال: (سبحان الذي سبَّحْتَ له). صحيح الأدب المفرد (555)
وفي التسبيح في هذا المقام تعظيم للربِّ سبحانه الذي الرَّعدُ أثرٌ من آثار كمال قوَّته وقدرته، وفيه تجاوب مع الرَّعد الذي يسبح بحمد الله، ولكن لا نفقه تسبيحه..]. من فقه الأدعية والأذكار بتصرف لعبد الرزاق العباد (3/ 244، 247)=
فإذا كان هو وحدَه الذي يسوقُ للعبادِ الأمطارَ والسُّحُبَ التي فيها مادَّةُ أرزاقِهم، وهو الذي يدبِّر الأمورَ، وتخضعُ له المخلوقاتُ العظامُ التي يخافُ منها، وتُزْعِجُ العبادَ وهو شديدُ القوَّةِ -فهو الذي يستحقُّ أنْ يُعبدَ وحدَه لا شريكَ له. ولهذا قال: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ..} ... وهي: عبادتُه وحدَه لا شريكَ له، وإخلاصُ دعاءِ العبادةِ ودعاءِ المسألةِ له تعالى، أي: هو الذي ينبغي أن يُصرَفَ له الدُّعاءُ والخوفُ والرجاءُ، والحبُّ والرغبةُ والرهبةُ والإنابةُ؛ لأنَّ أُلوهيَّتَه هي الحقُّ، وألوهيةُ غيرِه باطلةٌ، {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} من الأوثانِ والأندادِ التي جعلوها شركاء لله؛ {لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ} =لا يستجيبون= لمن يدعوها ويعبدُها بشيء قليلٍ ولا كثير، لا من أمورِ الدنيا ولا من أمور الآخرة؛ {إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} الذي لا تنالُه كَفَّاهُ لبُعْدِه، {لِيَبْلُغَ} ببسْطِ كفَّيه إلى الماء {فَاهُ} فإنه عطشانُ، ومن شدَّةِ عطشِه يتناولُ بيده، ويبسطُها إلى الماء الممتنعِ وصولُها إليه، ={وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ}= فلا يصلُ إليه.
كذلك الكفار الذين يدعون معه آلهةً لا يستجيبون لهم بشيء، ولا ينفعونهم في أشدِّ الأوقات إليهم حاجة؛ لأنّهم فقراءُ، كما أنَّ مُن دعوهم فقراء، لا يملكون مثقالَ ذرَّةٍ في الأرض ولا في السماء، ... =كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}. [سبأ: 22]=، {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ}. (الرعد: 14)؛ لبطلان ما يدعون من دون الله، فبطلت عباداتُهم ودعاؤُهم؛ لأنَّ الوسيلةَ تَبطلُ ببطلان غايتِها، ولمَّا كانَ اللهُ تعالى هو الملكُ الحقُّ المبين، كانت عبادتُه حقًّا متَّصلةَ النفعِ لصاحبِها في الدنيا والآخرة.
وتشبيهُ دعاءِ الكافرين لغيرِ اللهِ بالذي يبسطُ كفَّيه إلى الماءِ ليبلغَ فاهُ من أحسن الأمثلة... والتعليقُ على المحال من أبلغ ما يكون في نفي الشيء كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}. (الأعراف: 40)]. من تفسير السعدي (ص:414- 415) بتصرف.
وهذه الآياتُ وتلك المخلوقاتُ من جُندِ اللهِ سبحانه، يسلطُها على مَن يشاءُ مِن عبادِه فينتقمُ منه، فهو وحدَه سبحانَه إن شاءَ جعلها رحمةً ونعمةً، وإن شاءَ جعلَها عذابًا ونِقمةً، {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}. (الإسراء: 59)
فالليلُ للسكونِ والراحةِ، والنهارُ للمعاش والحياة، {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ}. (يونس: 6)
فلا الليل يستمرُّ فيتعطَّلُ السعيُ والكَسب، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ}. (القصص: 71)، ولا النهارُ يستمرُّ في سريانِه فتعيشُ المخلوقاتُ في رَهَقٍ وإزعاج، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}. (القصص: 72)
ومن آيات الله ومخلوقاته الشمسُ والقمر، فـ{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. (يونس: 5)
والشمسُ ما أحلاها وأجمَلَها في الشتاء، وما أشدَّ حرِّها في الصيف، فإذا ازدادت حرارتُها أحرقت، والشتاء إذا زادت البرودةُ فيه أهلَكَت، عن أبي مَسْعُودٍ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَقُومُوا، فَصَلُّوا». البخاري (1041)
والرياحُ قد تكونُ لواقحَ للسُّحُبِ والأزهار، فتعمُّ الخيرات والبركات، وقد يرسلها الله على بعض خلقه المجرمين عواصفَ وأعاصيرَ، {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}. (الأحقاف: 25)، {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا}. (الإسراء: 69)
ويجعلها سبحانه من جندِه نصرة لأوليائه، كما قال جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}. (الأحزاب: 9)
[ومن السنَّة أن يقول المسلم عند اشتداد هبوب الرِّيح: "اللهمَّ إنِّي أسألك خيرها وخيرَ ما فيها وخيرَ ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرِّها وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أُرسلت به". رواه مسلم (899)
ولا يجوزُ للمسلمِ أنْ يَسُبَّ الريحَ؛ فإنَّها مسخَّرةٌ بأمرِ اللهِ مدبَّرَةٌ مأمورةٌ، ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالعَذَابِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلاَ تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذوا بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا". سنن أبو داود (5097) صحيح الأدب المفرد (696)... " الرِّيحُ من رَوحِ الله" أي من الأرواح التي خلقها الله ..
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يقول إذا اشتدَّت الرِّيح: "اللهمَّ لاقحاً لا عقيماً". صحيح الأدب المفرد (رقم:553)، ومعنى لاقحاً؛ أي: ملقِّحةً للسحاب، ومنه قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}. (سورة الحجر: 22)، أي: وسخَّرنا الرِّياح رياح الرحمة تلقح السحاب كما يلقح الذَّكر الأنثى فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله، فيسقيه الله العباد والمواشي والزروع، ويبقى في الأرض مدَّخراً لحاجتهم وضروراتهم، فله الحمد والنعمة لا شريك له...]. من فقه الأدعية والأذكار بتصرف لعبد الرزاق العباد (3/ 244، 247)
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
***الخطبة الآخرة***
الحمد لله حمْدَ الشاكرين الصابرين، ولا عُدوانَ إلاَّ على الظالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ النبيين والمرسلين؛ محمَّدِ بنِ عبدِ الله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد؛
ومن آيات الله التي خلقها عبرة لعباده، الرعد الذي يرافق نزول الغيث والبركات، وهو مَلَكٌ من الملائكة، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: (يَا أَبَا القَاسِمِ! أَخْبِرْنَا عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟) قَالَ: «مَلَكٌ مِنَ المَلَائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ، مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ؛ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ» فَقَالُوا: (فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟!) قَالَ: «زَجْرَهُ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ». قَالُوا: (صَدَقْتَ). سنن الترمذي (3117) وقال: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)، الصحيحة (1872)
وثبت أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَبَّحْتَ لَهُ)، قَالَ: (إِنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ يَنْعِقُ بِالْغَيْثِ، كَمَا يَنْعِقُ الرَّاعِي بِغَنَمِهِ). الأدب المفرد (722)
والأمطار رحمةٌ وبركة، فإذا جاءت صيفًا كانت غيظًا، وربَّما أدَّت زيادتُها إلى سيولٍ وفيضاناتٍ مخرِّبةٍ ومُهلِكة، وبهذا دمر الله قوم نوح عليه السلام، {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}. (القمر: 11- 12)
إن المسلمَ المتمسكَ بهدي النبيِّ صلى الله عليه وسلمَ لا يفرحُ إذا رأى الغيومَ تجمعت، والسُّحُبَ تراكمت، وحَجبَت الشمسُ ضياءَها، وتابعت الرياحُ هبوبها، لأنّ هذه الآيات لا يُدرى ما فيها؛ هل هي محمَّلة بالخير والبركة والرحمة؟ وهذا ما يتمناه المؤمنون.
أو هي محمَّلةٌ بدمارٍ وتدمير، وإغراقٍ ونارٍ وأعاصيرَ؟
عن عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي»، وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: «رَحْمَةٌ». البخاري (4829)، مسلم (899)
فـ[إذا نزلَ الغيثُ فإنَّ من السنَّة أن يقولَ المسلمُ عند نزولِه: "اللهمَّ صيِّباً نافعاً"... البخاري (1032) =أي مطرا= .."نافعاً" غير ضارِّ.
وفي هذا دلالةٌ على أنَّ المطرَ قد يكون نزولُه رحمةً ونعمةً، وهو النافعُ، وقد يكونُ نزولُه عقوبةً ونقمةً وهو الضارّ... والدعاء المذكور يُستحبُّ بعد نزول المطرٍ، للازديادِ من الخيرِ والبركة.
ومن الواجبِ على العبدِ في هذا المقامِ الكريمِ أنْ يعرفَ نعمةً الله عليه، وينسبَ الفضلَ إليه، فهو سبحانه مُولِي النِّعمِ ومُسْدِيها، بيدِه العطاءُ والمنع، والخفضُ والرفع، لا ربَّ سواه ولا إله غيره... =فالأمطارُ والغيثُ من اللهِ لا من الرياحِ ولا الأنواء، فقد قال اللهُ تعالى في الحديث القدسي:= "... أَصْبَحَ من عبَادِي مؤمنٌ بِي وكافِرٌ، فأمَّا مَن قال: مُطرنا بفضل الله ورَحْمَتِه، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأمَّا مَن قال: مُطِرْنا بنَوْءِ كذا وكذا، فذَلكَ كافرٌ بِي مُؤْمنُ بالكَوْكَب". البخاري (1038)، ومسلم (71)
فالقائل عند نزول المطر: (مُطرنا بفضل الله ورحمته)، قد نَسبَ النعمةَ لمُعطيها، وأضافَ المنَّةَ لموليها، واعتقدَ أنَّ نزولَ هذا الفضلِ والخيرِ والرحمةِ إنَّما هو محضُ نعمةِ الله، وآثارُ رحمتِه سبحانَه.
وأمَّا القائل عند نزول المطر: (مُطرنا بنوء كذا وكذا) فلا يخلو من أمرين: إمَّا أن يعتقد أنَّ المُنْزِّلَ للمطرِ هو النجمُ، وهذا كفرٌ ظاهرٌ ناقلٌ من ملَّة الإسلام، أو يعتقدَ أنَّ المُنْزِّلَ للمطرِ هو الله، والنوءَ سببٌ، فيضيفُ النعمةَ إلى ما يراه سبباً في نزولها، وهذا من كُفرِ النّعمةِ وهو من الشركِ الخفيِّ.
=أتعرفون ما هي الأسباب الحقيقية لنزول الغيث والبركات؟ فالرياحُ ليست من الأسباب، و= الأنواءُ ليست من الأسبابِ لنُزولِ المطر، وإنَّما سببُ نزولِ المطرِ؛ =فضلُ الله ورحمتُه و= حاجةُ العبادِ وافتقارُهم إلى ربِّهم، وسؤالُهم إيَّاه، واستغفارُهم وتوبتُهم إليه، ودعاؤهم إيَّاه بلسانِ الحال ولسانِ المقال، فيُنزِّلُ عليهم الغيثَ بحكمتِه ورحمتِه، في الوقتِ المناسبِ لحاجتِهم وضرورتِهم، ولا يتمُّ توحيدُ العبدِ حتى يعترفَ بنِعَمِ اللهِ الظاهرةِ والباطنةِ عليه وعلى جميعِ الخلق، ويُضيفُها إليه، ويستعينُ بها على عبادتِه وذِكْره وشكره. انظر: القول السديد لابن سعدي (ص: 108- 109)]. من فقه الأدعية والأذكار بتصرف لعبد الرزاق العباد (3/ 244- 247)
والمسلم المحبُّ للسنةِ النبويةِ يعرِّضَ بعضَ أعضائه للمطرِ النازل، قَالَ أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ =أي كشفَ= رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟!) قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى». مسلم (898)
ومعناه؛ [... أي بتكوينِ ربِّه إياه، ومعناه أَنَّ الْمَطَرَ رَحْمَةٌ، وَهِيَ قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا فَيُتَبَرَّكُ بِهَا ... ويُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَوَّلِ الْمَطَرِ أَنْ يَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيَنَالَهُ الْمَطَرُ...]. شرح النووي على مسلم (6/ 195)
والبَرْدُ يُحوِجُ الناسَ إلى المسحِ على الخفَّين في هذه الأيام، فيجوزُ المسحُ على الخفَّين إذا أدخلَ قدمَيه طاهرتين يومًا وليلة، من أوَّلِ مَسْحةٍ مسَحَها بعدَ الحدَثِ إلى مثلِ وقتها، فينتهي توقيتُ المسح، وهذا للمقيم، ويبقَى الوضوءُ بأحكامِه لا ينتقضُ بانتهاء مدةِ المسح.
ويحوِجُهم أيضا إلى التيمُّم إذا كانت هناك برودةٌ شديدةٌ في الماءِ أو الجوّ، وذلك بضرْبِ الأرض بكفَّيه، ثم نفخِهما، ومسحِ الوجه واليدين إلى الرسغين، ويُنتقض التيمُّمُ بنواقضِ الوضوء، ويُزاد عليها وجودُ الماءِ والقُدرةُ على استخدامه.
لكن لا تعني شدةُ البرْدِ أنْ يتلثَّمَ أثناءَ صلاته؛ رجلاً كانَ أو امرأةً، وكذلك الإسدالُ، أي يضعُ ثوبًا على عاتقِه دونَ أنْ يُدخلَ يديه في أكمامِه، هذا هو الإسدال، فهذا كلُّه مكروه، وأما الإسبال فهو أن يسبلَ الرجلُ ثوبَه تحت الكعبين، والمرأةُ تجعلُ ثوبَها يزيد عن ذراعٍ تحت الكعبين، والإسبال مكروه أيضا كراهةً شديدة.
والناس يحتاجون إلى الجمع بين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء عند وجود المطرِ أو البردِ الشديدِ، أو الرياح الشديدة، أو الظلمة الشديدة، أو الوحل والطين.
ويحتاجون إلى قولِ المؤذنِ عند الحيعلتين معهما أو بدونهما، أو بعد الأذان كاملا: «أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ»؛ فقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ المُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ، يَقُولُ: «أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ». البخاري(666) ومسلم (697)، أو «صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ». البخاري (901)، ومسلم (699)، أو يقول: «وَمَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ»، فعَنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: (نُودِيَ بِالصُّبْحِ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ وَأَنَا فِي مِرْطِ امْرَأَتِي، فَقُلْتُ: (لَيْتَ الْمُنَادِيَ قَالَ: مَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ)، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ أَذَانِهِ: «وَمَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ». مسند أحمد (29/ 454، رقم 17934)، الصحيحة (2605)، ونحو ذلك أثناء نزول الأمطار أو أحد الأسباب السابقة. كلُّ ذلك ونحوُه من أحكامِ المطرِ والرياحِ وغيرها مما يحتاجه المسلم، وبينته الشريعة.
وفي الختام؛ هل هناك رياح في الجنة؟
والجواب: أن الجنة {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا}. (الإنسان: 13)
أمَّا الريحُ فموجودةٌ في الجنة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا". صحيح مسلم (2833)
«اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِيشَةً تَقِيَّةً، وَمِيتَةً سَوِيَّةً، وَمَرَدًّا غَيْرَ مُخْزٍ وَلا فاضِحٍ، اللَّهُمَّ لا تُهْلِكْنَا فَجْأَةً، وَلا تَأْخُذْنَا بَغْتَةً، وَلا تُعْجِلْنَا عَنْ حَقٍّ وَلا وَصِيَّةٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفَافَ وَالْغِنَى، وَالتُّقَى وَالْهُدَى، وَحُسنَ عَاقِبَةِ الآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّكِّ وَالشِّقَاقِ، وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ فِي دِينِكَ، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ».
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}. [العنكبوت: 45]
كتب وخطب وألف بين الكلمات والجمل: أبو المنذر فؤاد.
الزعفران المغازي الوسطى غزة
29 صفر 1433 هـ،
وفق: 11/ 1/ 2012م.
للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكتروني: zafran57@yahoo.com
أو قوموا بزيارة الموقع الإلكتروني الرسمي للشيخ: www.alzafran.com

اثبت وجودك .. تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع

أسامة خضر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-13-2013, 12:21 AM   #2
مشرفة ملتقى الأسرة المسلمة


الصورة الرمزية آمال
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 286

آمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond repute

افتراضي

      

بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم اخونا الفاضل اسامة خضر على النقل الطيب لمحاضرة رائعة جداا
وبارك الله في الشيخ فؤاد على الجهد الطيب
فعلا محاضرة ممتعة جدا
ولي ملاحظة أرجو تقبلها
الخطاب في القرآن للناس عامة وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
وبعدها ذكر : فحصلَ بالزوجةِ الاستمتاعُ واللذةُ، والمنفَعةُ بوجودِ الأولادِ وتربيتِهم، والسكونِ إليها!
وكأن الزوجة خصصت لغاية اخرى غير العبادة؟! ,هل يمكن توضيح الامر أكثر؟
وبارك الله فيكم , وجعلنا جميعا من أهل الجنة
التوقيع:




بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اغفر لأختي الغالية آمال خطاياها وجهلها واسرافها في أمرها
وما أنتَ أعلمُ به منها وارحمها وادخلها جنتك برحمتك يا رحيم

من مواضيعي في الملتقى

* الامام البخاري
* فوائد الكستناء
* الحوار في القرآن..
* وليالٍ عشر!
* مُتَّخِذي أَخْدان!
* الناس في القرآن!
* الخمسة ابتلاءات!

آمال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-14-2013, 10:51 PM   #3
مشرفة ملتقى الأسرة المسلمة


الصورة الرمزية ام هُمام
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 539

ام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond reputeام هُمام has a reputation beyond repute

افتراضي

      

للَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِيشَةً تَقِيَّةً، وَمِيتَةً سَوِيَّةً، وَمَرَدًّا غَيْرَ مُخْزٍ وَلا فاضِحٍ، اللَّهُمَّ لا تُهْلِكْنَا فَجْأَةً، وَلا تَأْخُذْنَا بَغْتَةً، وَلا تُعْجِلْنَا عَنْ حَقٍّ وَلا وَصِيَّةٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفَافَ وَالْغِنَى، وَالتُّقَى وَالْهُدَى، وَحُسنَ عَاقِبَةِ الآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّكِّ وَالشِّقَاقِ، وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ فِي دِينِكَ، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»
جزاكم الله كل خير
التوقيع:
بسم الله الرحمن الرحيم
  1. وَالْعَصْرِ
  2. إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
  3. إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )

من مواضيعي في الملتقى

* فضل صلاة التراويح
* هل ينكر على من رآه يأكل ناسيا في رمضان
* أعلام من السلف
* إبن القيم رحمه الله
* أبوالدرداء - أيّ حكيم كان
* سلمان الفارسي -الباحث عن الحقيقة
* قوت القلوب

ام هُمام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-15-2013, 10:52 AM   #4

 
الملف الشخصي:





 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 85

أسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهرأسامة خضر لديه مستقبل باهر

افتراضي

      

إلى أختنا الفاضلة آمال أنقل لكم جواب الشيخ::::

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين وبعد؛
العجب في الإشكال واللبس! فليس هناك لبس ولا إشكال!!
والأمر ليس كما ورد من صاحب اللبس والإشكال، وليس بعد الآية المذكورة التي تتضمن العبرة من خلق الجن والإنس، ليس بعدها الكلام عن الزوجة والمراد من خلقها، بل الوارد في الخطبة هو كما يلي: [[قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}. (الذاريات: 56– 58)
سبحانه! دلَّنا على نفسه بنفسِه، فأرسل إلينا الرسل، وأنزل إلينا الكتب، {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}. (آل عمران: 28)، يأمرنا بتوحيدِه وعبادتِه، ويحثُّنا على التدبُّر والتفكر في آياته ومخلوقاته، {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}. (المدثر: 31)
فهو سبحانه [{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} كما يخرج النباتَ من الأرضِ الميتة، والسنبلةَ من الحبة، والشجرةَ من النواة، والفرخَ من البيضة، والمؤمنَ =الحيَّ بإيمانه= من الكافر =الميت بكفره=، ونحو ذلك.
{وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} بعكس المذكور؛ =فيخرج الحبةَ من السنبلة، والبيضةَ من الدجاجة ونحو ذلك=، {وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}؛ فينزِّلُ عليها المطرَ وهي مَيتةٌ هامدة، ...
=قال سبحانه: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}. (الحج: 5)=، {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}. (الروم: 19) من قبوركم.
فهذا دليلٌ قاطعٌ، وبرهانٌ ساطعٌ؛ أنَّ الذي أحيا الأرضَ بعد موتِها فإنَّه يحيي الأموات...
...=ثم شرع سبحانه= في تَعدادِ آياتِه الدالةِ على انفرادِه بالإلهية وكمالِ عظمتِه، ونفوذِ مشيئتِه، وقوةِ اقتدارهِ، وجميلِ صُنعهِ، وسَعةِ رحمتِه وإحسانهِ، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} وذلك بخلْقِ ... آدمَ عليه السلام {ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}. (الروم: 20)، أي: الذي خلقكم من أصلٍ واحدٍ، ومادَّةٍ واحدةٍ، وبثَّكم في أقطارِ الأرض وأرجائها، ففي ذلك آياتٌ على أنَّ الذي أنشأكم من هذا الأصلِ وبثَّكم في أقطارِ الأرض، هو الربُّ المعبود، الملكُ المحمود، والرحيمُ الودود، الذي سيعيدُكم بالبعث بعد الموت.
{وَمِنْ آيَاتِهِ} الدالةِ على رحمتِه وعنايتِه بعبادِه، وحكمتِه العظيمةِ، وعلمِه المحيط، {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} تناسبكُم وتناسبونهنّ، وتشاكِلُكُم وتشاكِلونَهُنَّ، {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} بما رتَّبَ على الزواجِ من الأسبابِ الجالبةِ للمودةِ والرحمة.
فحصلَ بالزوجةِ الاستمتاعُ واللذةُ، والمنفَعةُ بوجودِ الأولادِ وتربيتِهم، والسكونِ إليها، فلا تجدُ بين أحدٍ في الغالب مثلَ ما بين الزوجين من المودَّةِ والرحمة، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الروم: 21) يُعمِلون أفكارهم، ويتدبرون آياتِ اللهِ، وينتقلون من شيء إلى شيء، =من آية إلى آية=...]].
فراجع تجد الأمر على ما ذكرته.
هذا بالنسبة لظاهر الإشكال.
أما إن كان اللبس والإشكال في خلق المرأة ((وكأنها خصصت لغاية أخرى غير العبادة؟! ..؟)).
فأقول وبالله التوفيق: إن خَلْقَ المرأةِ والمتعةِ بها ووجود الأولاد منها سيق في مجال ذكر تعدد الآيات والنعم على الإنسان، وآية خلق الجن والإنس للعبادة، ففي سياق قوله تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ} في سورة الروم قال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ(22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)} (من سورة الروم). فمن الأزاج كان البنون والحفدة:
{واللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}. (النحل: 72)
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}. (فاطر: 11)، وهذا مما امتنه الله على عباده من الآيات التي فيها المتع والاستمتاع، فـــ{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}. (يس: 36)، وسبحانه جل جلاله {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. (الشورى: 11)
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ». صحيح مسلم (1467)
كلُّ ذلك للإنسان حتى يعبدَه وحده ولا يشركَ به أحدا، وهذه الآياتُ والمخلوقاتُ التي ننتفع ونستمتع بها أيضا هي تعبدُ الله سبحانه، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}. (الحج: 18) فهي تسجد لخالقها، وتسبح وتصلي:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}. (النور: 41)، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}. (الإسراء: 44)، فالكون كله في عبادة مستمرة للخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى عما يشركون.
فالمرأة خلقت لعبادة ربها، ومتعة زوجها، والرياح والشمس والقمر والأمطار، خلقت لعبادة الله جل جلاله، ومتعة الإنسان.
والله تعالى أعلم
أسامة خضر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-16-2013, 01:42 AM   #5
مشرفة ملتقى الأسرة المسلمة


الصورة الرمزية آمال
 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 286

آمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond reputeآمال has a reputation beyond repute

افتراضي

      

بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم اخونا الفاضل اسامة خضر على النقل الطيب
وبارك الله في الشيخ فؤاد على التوضيح القيم
وجعله في ميزان حسناتكم
ونسأل الله ان يجعلنا جميعا من اهل الجنة
التوقيع:




بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اغفر لأختي الغالية آمال خطاياها وجهلها واسرافها في أمرها
وما أنتَ أعلمُ به منها وارحمها وادخلها جنتك برحمتك يا رحيم

من مواضيعي في الملتقى

* الامام البخاري
* فوائد الكستناء
* الحوار في القرآن..
* وليالٍ عشر!
* مُتَّخِذي أَخْدان!
* الناس في القرآن!
* الخمسة ابتلاءات!

آمال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-2013, 11:59 AM   #6

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 58

حافظة القرآن has a spectacular aura aboutحافظة القرآن has a spectacular aura about

افتراضي

      

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بوركت اخي بالله وبالشيخ فؤاد بن يوسف على التوضيح المفصل لنعم
التوقيع:
اللهم انا امتك ابنة عبدك ابنة امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك
اسألك بكل اسم هولك سميت به نفسك او انزلته في كتابك او علمته احد من خلقك او استأثرت به في علم الغيب
ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء احزاني وذهاب همومي
اللهم ات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولها
اللهم اني اعوذ بك من علم لاينفع ومن قلب لايخشع ومن نفس لاتشبع ومن دعوة لايستجاب لها
اللهم اني اعوذ بك من نفحة الكبرياءِ
اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات
type="text/"> new TypingText(document.getElementById("930869")); TypingText.runAll();

من مواضيعي في الملتقى

* حياة ابي بكر الصديق
* من أبطال الهجرة.. أبو بكر الصديق
* قصة الصحابي سراقه مع الرسول سيد ولد ادم
* الألماس في الفضاء
* عالج نفسك بالتمر
* لمــاذا لعن الله النامصة ؟؟
* البناء الكوني" كلمات قرآنية يردّدها علماء الغرب"

حافظة القرآن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد
   
الكلمات الدلالية (Tags)
آداب, من, الليل, الله, ومخلوقاته, والأمطار, والبرق, والرياح, والرعد, والشمس, والنهار, والقمر
 

   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تعاقب الليل والنهار البكر قسم الإعجاز العلمي في القرآن والسنة 9 03-23-2019 03:18 PM
بين الظل والشمس! آمال ملتقى الأحاديث القدسية والنبوية 12 10-04-2012 01:50 AM
نعمة من الله اسمها قيام الليل احبك نقابي ملتقى عقيدة أهل السنة و الجماعة 5 06-06-2012 12:03 PM
ساعات الليل والنهار أبو ريم ورحمة ملتقى اللغة العربية 1 04-02-2012 10:09 AM
جهنم لها شرر ضخم والشمس مثال مصغر لها أبو ريم ورحمة قسم الإعجاز العلمي في القرآن والسنة 3 03-10-2012 10:58 PM


   
 

vBulletin® v3.8.7, Copyright ©, TranZ by Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009