نعلم, ولله الحمد, أن الإدارة وحسن التدبير بدأ حتى قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب, فإن الله تعالى الذي أتقن كل شيء صنعه, قد أوجد وأوكل إلى ملائكته الكرام أكمل وأرقى نظام إداري يديرون به ما أوكل إليهم من أعمال, عظام جسام, من إدارة أعقد الأمور, في نفخ الروح عندما يبلغ الجنين أربعين يوما, لا يزيد ثانية ولا ينقص أخرى, ثم توسعت هذه المهام لكل ما يتصوره المسلم من أمور حسية ومعنوية, فملك للمطر وآخر للجبال, وملائكة للقتال مع المؤمنين, وملك لقبض الأرواح, وآخر خازن للجنة, ومالك عليه السلام خازن النار, وملائكة كرام يتعاقبون علينا بالليل والنهار, في نظام مناوبات غاية في الإتقان, وآخرون يستغفرون للمؤمنين, وهكذا يبرعون في أداء أعمالهم عليهم السلام بدون كلل ولا ملل, ولو تتبعنا أعمالهم الكثيرة عليهم السلام لخرجنا بدروس وفوائد إدارية عظيمة، وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم لمثل هذا في قوله " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم"
ثم رسل الله عليهم الصلاة والسلام, الذين علموا أتباعهم حتى الخراءة, أفنظن أنهم غفلوا عن تعليمهم حسن إدارة أوقاتهم, بلا والله فقد نجحوا في تعليمهم أعظم من ذلك, علموهم تربية الأفراد, وعلموهم الأعمال المؤسسية, حتى أقام خاتمهم صلوات الله وسلامه عليه المجتمع المثالي الذي كان ولا يزال وسيظل النموذج الحق لمجتمع السعادة الحقيقية على أرضنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وحينما يقول صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه), من دون أن يشرح العملية الإدارية وأُسُسِها, إنما يدل هذا على أن نظام حياتهم في تلك الفترة قد تشرب حسن الإدارة, وقام على احترام للعمل والوقت والإنجاز المتميز, فخرجت منه صلى الله عليه وسلم تلك الكلمات لتضع اللمسات الجميلة والتحفيز الخارق لأعمال الصحابة القائمة الجليلة
ولذلك نقول وبكل ثقة أن منهج الإسلام جاء بأصول الإدارة, وجاء بكثير من تفصيلاتها, كما سيتضح ذلك في مقالات قادمة, ولكن ضعف الأمة بعد القرون المفضلة وتقهقرها في ميادين كثيرة, أوقف عطائها في طرح وكتابة تجارب جديدة في علم الإدارة, ثم جاء الغرب وبنى على ما تعلمه من الشرق المسلم, من أصول في الإدارة, فتفتق ذهنهم في هذا العصر بتفاصيل إدارية جميلة, نحن أولى بها.