تدبر سورة الأنفال

الآيات 1-21
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 1] وصية جامعة ومنهج عملي للمجتمع وطريق لتحقيق الإيمان وكان بعض الصالحين إذا حضرته الوفاة أوصى أبناءه بها.
(وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال: 1] إصلاح ذات البين والألفة وترك التنازع من سمات أهل الإيمان، وهو الطريق لقوة المجتمع وتماسكه ونصره.
(وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) [الأنفال: 5] لا تتحسر عند عدم تحقق مرادك وأرض بما كتب الله لك وقدر؛ فقد يكون خيراً ساقه الله إليك تسعد به في الدارين.
في غزوة بدر أبلى المؤمنون بلاء حسناً، فنالوا النصر والعز والغلبة، ومع ذلك تتابعت الآيات لتربيهم على أن هذا الإنجاز العظيم ليس منهم وأنه من الله وحده (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) [الأنفال: 10] (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ) [الأنفال: 17] (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) [الأنفال: 17]
(لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [الأنفال: 4] يتنافس أهل الدنيا في نيل الدرجات، والرتب الوظيفية العالية، ويتسابقون إليها وهذا لاحرج فيه إن كان بحق ولكن المؤمنون حقاً وعدهم الله بالدرجات العالية عنده.. فشتان بينهما اللهم ارزقنا الدرجات العلى عندك
طالبو الإيمان الكامل يتعاهدون ويتفقدون إيمانهم، ويسعون لزيادته، ومن أسباب زيادته (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) [الأنفال: 2] فتحضر قلوبهم وتنصت وتتدبر حال سماعهم آيات القرآن.
(فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا) [الأنفال: 12] السعي في نشر ما يثبت المؤمنين مطلب، فلنكن عوناً لبعضنا ، ونبتعد عن ما يفت في العضد، ويرجف المجتمع.
(سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)[الأنفال: 12] الرعب جندٌ من جند الله يلقيه الله في قلوب الكافرين فيضطربوا ويخافوا مع مالديهم من عتاد وسلاح.. والمومنون الصادقون يثبت الله قلوبهم ويؤيدهم بنصره
(وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ، ويريد الله أن يحق الحق .. ) الأنفال 7 أرادوا غير ذات الشوكة ، وأراد الله ذات الشوكة ، ليكسر شوكة الكفر . و كان ما أراد الله .
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) المتراشقون بالاتهامات على صفحات وسائل التواصل والسّاعون لشقّ صفوف الأمة الواحدة أما آن لهم الامتثال لهذا الأمر الإلهي العظيم؟!
أفعال قلبية لزيادة الإيمان: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناوعلى ربهم يتوكلون}
(إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم .. ) الأنفال 9 حاشا لربنا الكريم أن يخيّب من لجأ إليه ، واستغاث به . اللهم غوثاً و نصراً لأمة حبيبك محمد صلى الله عليه و سلم .
مهما تسلحنا به من عتاد وعدة وبذلنا من الأموال والأنفس فلن ننتصر إلا بإذن الله وقدرته..! “وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ “
( زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ) كلما ازداد إيمانك… عظم توكلك ويقينك بالله .
( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) مهما بلغت من المهارة والدقة فإن لم يسددك الله فلن تبلغ الهدف فلا تغتر بنفسك .
( و ليربط على قلوبكم ) الأنفال 11 ( سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) الأنفال 12 القلوب بيد خالقها ؛ يمنح ما شاء منها الطمأنينة ، و يزلزل ما شاء . اللهم قلوباً مطمئنة بذكرك ، راضية بقضائك .
{يجادلونك في الحق بعد ما تبين} إذا بان لك الحق فاستجب واترك الجدال
(.. ويريد الله أن يحق الحق .. ) الأنفال 7 أرادوا عرضاً دنيوياً ، وأراد الله لهم نصراً فيه عزهم في الدنيا ، ورفعة درجتهم في الآخرة
(أولئك هم المؤمنون حقا) جمعوا بين اعمال القلوب وأعمال الجوارح
مهما ملكت من أسباب القوة فإنك لن تعدو قدرك مالم ينصرك الله،فاختصر الطريق والتمسه ممن هو بيده(وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم).
{إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم} عددهم:٥٠٠٠ ملك بقيادة جبريل لكن النصر إنما يستمد من العظيم {وما النصر إلا من عند الله}
” سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ” لم يكن مجرد ” رعب ” بل ألقاه إلقاءًا ليكون أشد على القلوب ..!
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) رغم اشتداد القتال إلا أنّ النعاس كان أمانا! في تدبير الله للأمور حِكمٌ تخفى على النفس البشرية (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) رغم اشتداد القتال إلا أنّ النعاس كان أمانا! في تدبير الله للأمور حِكمٌ تخفى على النفس البشرية
( وأن الله موهن كيد الكافرين ) الأنفال 18 ومن دلائل وهن الكافرين أن عتاة الكفر وقادته قُتلوا يوم بدر ، مع كثرة عتادهم ، وقلة عتاد وعدد الفئة المؤمنة . ( وما النصر إلا من عند الله )
{ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون } السماع الحقيقي : هو سماع الاستجابة والإذعان
لا تغتر بنفسك؛فلست في غنى عن توفيق الله لك،فإنك ربما فعلت الشيء وأتقنته لكن لا يكتب لك التوفيق فيه، فهذا سيد الخلق ﷺ يقول الله له(وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). والملائكة في بدر يقاتلون بشرا يقول الله لهم “إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم” اللهم كن معنا.
لفت نظري التركيز على الإيمان تأمل: ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ ﴿إنما المؤمنون﴾ ﴿زادتهم إيمانا﴾ ﴿أولئك هم المؤمنون﴾ ﴿وإن فريقا من المؤمنين﴾ ﴿فثبتوا الذين آمنوا﴾ ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ ﴿وليبلي المؤمنين﴾ ﴿وأن الله مع المؤمنين﴾ ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾
“قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ” سمعت حواسهم لكن قلوبهم في أكنة ..!
ما أروعها وما أعظمها من سورة ، تنقل لنا أحداث غزوة بدر بتفاصيلها .. حتى المشاعر وما تخفيه النفوس ..غزوة بدر كأننا نراها رأي العين .
(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) الأنفال 2-3 يا أمّتنا ، يا من تنشدين النصر .. تلك هي صفات من تنزّل عليهم نصر الله يوم بدر .
تقوى الله وأصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله من اسباب التوفيق والنجاة في الدنيا والاخرة
يوم بدر : يوم الفرقان … بحق ؛ حيث الفئة القليلة المؤمنة تغلب الفئة الكافرة وإن كثرت . حيث الإيمان يكسر شوكة الكفر . وحيث التعلق بمسبب القوة والنصر – سبحانه – يغلب الكفر المتترس بالقوة المجردة من عقيدة الإيمان الحق .
( ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ) الأنفال 8 قولوا لمن يحارب دين الله ، ونور كتابه المبين : ما أنتم إلا كمن ينفخ في ضوء الشمس يريد إطفاءه .. هيهات يحقق مبتغاه .
( وما النصر إلا من عند الله .. ) الأنفال 10 تاهت الأمة عندما راحت يميناً وشمالاً تبحث عن مراكز القوة ، ونسيت أن القوة بيد الله وحده ، و أن النصر فقط من عند الله .
الآيات 22-40
سورة الانفال أحد الشواهد العظيمة على شمولية هذه الشريعة، وتنظيمها أمور الحرب والقتال كما نظّمت أمر العبادات والمعاملات، فويلٌ للمفترين على الله الكذب، الذين يجعلون سلطان الشريعة مهيمنا على جانب العبادات فحسب دون بقية الأمور.
الدواب على الأرض كثيرة، لكن شرّها من أعرض عن هذا الوحي مع سماعه له، لكنه لا يعقله ولا يلقي لخطابه بالاً: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴿٢٢﴾ الأنفال) وبقدر ما يقع الإعراض يزداد شر الإنسان.
أرأيت ما أحدثته الأمطار في الأرض من حياة؟ هكذا الاستجابة لله ورسوله، هي حياة القلب، وعمارته بعد خرابه، ونعيمه بعد شقائه! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال: 24]
تذكر النعم يوجب مزيد الشكر : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٢٦﴾ الأنفال)
مكر الكفار وأعداء الدعوة ببسيد ولد آدم قديم، فمن ظنّ أنه ينجو من الأذى حينما يسلك طريق الدعوة فهو واهم، ولم يعرف حقيقة الطريق: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال: 30]
الاستغفار أمانٌ من العذاب: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [الأنفال: 33]
لا تستغرب من إنفاق الكفار للصد عن سبيل الله، ولكن تعجّب من تقصير بعض ذوي المال من المسلمين في نصرة دينهم الحق: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنفال: 36]
من سنن الله في الابتلاء: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [الأنفال: 37]
انظر إلى سعة رحمة الله، كيف وعد الكفار الصادين عن سبيله بالمغفرة والعفو عما سلف إن هم تابوا! (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) [الأنفال: 38] فكيف يقنط قانط بعد هذا وهو مسلم مقصّر؟
كل من أنفق ماله في الحرام فله نصيب من الحسرة يوم القيامة: (فسينفقونها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) [الأنفال: 38] فاعجب لمن يتعب في جمع مالٍ ثم ينفقه في سبيل يكون عليه حسرة!
يبلغ الطغيان والكفر والسخرية ببعض الناس أن يستمطر الحجارة والعذاب من السماء بدلا من استمطار الهداية والمغفرة! (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣٢﴾ الأنفال)
من أكثر الآيات التي تخيف المؤمن: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال: 24] فتفقد قلبك يا عبدالله وفتش في دواخله، ونقّه من دسائس السوء، أو حُسيْكات التردد وعدم التسليم لأمر الله ورسوله.ومن أخلص قلبه لله حال الله بينه وبين الكفر. اللهم أعذنا من زيغ القلب، وثبتنا على الحق.
تأمل: ﴿واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه﴾، أنت لا تملك قلبك، فلا تركن إلى نفسك، ولا تغتر ببعض عملك، ابرأ من حولك وقوتك، وأكثر من دعاء ربك: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك.
﴿وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾ إذا كان الاستغفار مانع من موانع العذاب، فكيف بما دون ذلك! رسالة إلى كل مهموم ومكروب ومغموم ومحزون أكثر من الاستغفار، وسترى العجب!.
﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ ما أرحم الله سبحانه وأحلمه، هذا نداء الله للكافرين المعاندين، فكيف بالموحدين التائبين؟، فلا تيأس من قبول ربك لتوبتك، عد لله صادقًا تائبًا، مستوفيًا لشروط التوبة الصادقة وأبشر؛ فإن التوبة تجب ما قبلها.
﴿ ولَو عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ..﴾ إذا علم أن فيك خيرا وحبا للخير وفقك وفتح قلبك وارشدك لما يحب
{يا أيها الذين آمنوا (استجيبوا) لله وللرسول إذا دعاكم لما (يحييكم )… } في الاستجابة لله حياة للقلوب
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الحياة الحقيقة ، هى الاستجابة لأمر الله ورسوله، ومن لم يستحب.. فهو ميت، وإن كان حيا.
( إِنْ تتقوا الله يجعل لكم فُرقاناً ) من لزم التقوى هداه الله ويسر أمره ورزقه الفطنة وارشده
{ إن كان هذا هو الحق من عندك} بدل أن يقولوا: اهدنا إليه كان طلبهم:{ فأمطر علينا حجارة من السماء..} قمة الاستكبار والعناد
قال تعالى ﴿وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثبِتوكَ أَو يَقتُلوكَ أَو يُخرِجوكَ وَيَمكُرونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الماكِرينَ﴾ إذا گان الله معگ فلا تخشى مكر وخطط وعدوات الأعداء …
إن علم الله منك حبًا للطاعة يسر لك سبل الوصول إليها .. (ولَو عَلِمَ اللَّهُ فِيهِم خَيْرًا لأسمعهم﴾
(واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه ) لاتامن على نفسك الفتنة مهما كان إيمانك ادع الله دائماً يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ” فرقٌ بين أن تحيّ وأن تعيش .. فالحياة الحقيقية هي ماكانت لله وفي الله تلك هي السعادة ..
{ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} لا يزيدهم سماعهم إلا اعراضا نعوذ بالله من الخذلان
(وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) إن الهمك الله الإستغفار فاعلم أنك قد وجدت الأمان ..!
تذكّر الماضي بمآسيه ، وشدّته، وتغير الحال إلى الأفضل مدعاة لاستحضار عظيم نعمة الله تعالى ثم شكره. “واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكـم وأيدكـم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون”
{ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم(23) البداية جهد بشري (بنية صالحة) والخِتام فتح رباني سماوي.
(واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه(24)) مسألة قلوب يملكها علام الغيوب، أبو لهب وأبو طالب، على قدر قرابتهم، على قدر بعدهم، وصهيب الرومي وبلال الحبشي على بعد قرابتهم على قدر قربهم واستجابتهم
كم استشعر رحمة ربي وعظيم فضله عند سماع هذه الآية ” إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ” فهل بعد هذا قنوط وسوء ظن ..!
يامن عدا ثم اعتدى ثم اقترف ثم انتهى ثم استحى ثم اعترف أبشر بقول الله في آياته ” إن ينتهوا يغفر لهم ماقد سلف”.
لما كانت التقوى من أعظم المطالب كانت ولاية الله لهم من أعظم المكاسب .. ﴿إن أولياؤه إلا المتقون ﴾
(واعلموا أنما أولادكم وأموالكم فتنة) الأولاد والأموال ملازمان للإنسان غالب عمره واحتمال تعرّضه للفتنة فيهما كبير جدا فقد ينجو يوما ويزلّ آخر وما يزال العبد يجاهد نفسه كي لا يقع في الفتنة طوال عمره وعلى قدر مجاهدته يعظم أجره عند ربه (وأن الله عنده أجر عظيم)
(واذكروا) تذكير بالنعم: إذ أنتم قليل – فآواكم مستضعفون – وأيدكم بنصره تخافون أن يتخطفكم الناس – ورزقكم من الطيبات نعم عظيمة تستوجب الحث على شكرها (لعلكم تشكرون)
بطاقة تأمين في أمور الدنيا تجعلك تنام وأنت مرتاح البال مطمئنا فكيف بمن لديه بطاقتي تأمين على الحياة أبدية؟! بطاقة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم (وما كان ليعذبهم وأنت فيهم) وبطاقة المداومة على الاستغفار (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)
(واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه ) لاتامن على نفسك الفتنة مهما كان إيمانك ادع الله دائماً يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
(يا أَيها الذينَ آمنوا إِن تتقوا اللَّهَ ..) ٢٩ ذكر السعدي أربع آثار عظيمة للتقوى: الأول: الفرقان الذي يفرق به بين الهدى والضلال الثاني والثالث:تكفير السيئات، ومغفرة الذنوبتكفير السيئات بالذنوب الصغائر، ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر. الرابع: الأجر العظيم
{وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} ٣٥ (إلا مكاء وتصدية) أي:صفيرا وتصفيقا،فعل الجهلة الأغبياء، الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم، ولا معرفة بحقوقه، ولااحترام لأفضل البقاع وأشرفها،فإذا كانت هذه صلاتهم فيه،فكيف ببقية العبادات!
﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾ مداومة ذكر الله معين الثبات.
{ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون} ٣٧ الحياة الدنيا ابتلاء وتمحيص فليعمل العاملون من خير أو شر وهنالك عند مالك الملك سوف تجتمع الخصوم وكل يلقى جزاء ماقدم
﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ..﴾ كلما ازداد تمسك العبد وخضوعه للكتاب والسنة تحكيماً وإذعاناً، وقبولاً وتسليماً، ارتقى في درجات الحياة الطيبة وذاق طعمها..*
هذه السوره الوحيدة التي قال الله تعالى فيها عن الخمس وهو عز وجل من تولى تقسيم الغنائم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) – 24- لا حياة إلا في كنف الله عز وجل ورسوله وما سواهما سُبات.
نحن في امتحان يومي لتمحيص إيماننا وليميز الله الخبيث من الطيب فلنسأل أنفسنا عند كل إنفاق: أفيه شيء من الصد عن سبيل الله فنتمتنع عنه كيلا نحشر مع الكافرين ونكون من الخاسرين أم هو في سبيل الله ونصرة دينه فنسارع فيه؟ (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله)
الآيات 41 – 59
(وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً ) إذا أراد اللهُ بعده خيراً عقد له أسبابه، وهداه إليه، وحقَّقه له من حيث لا يحتسب.
(ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد). الله جلَّ وعلا منزَّهٌ عن الظلم قليله وكثيره (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة)، فإن عاقب عبدَه فبعدله، وبسبب ظلم العبد لنفسه ومعصيته لربِّه، نسأل الله عفوه وغفرانه.
(وإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنين). هنا يأمر الله تعالى بالوفاء بالعهود حتى مع الأعداء، وعند الحاجة لنقضها يوجب إخبارهم بذلك، ولا يجيز الغدرَ بهم. وهذا من محاسن الدين الإسلامي الحنيف.
﴿إن الله مع الصابرين﴾ لو لم يكن للصابرين إلا شرف معية الله سبحانه وإعانته لهم، لكفى بهذا زادًا ومغنمًا.
﴿وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم﴾ تزيين الشيطان عمل السوء للإنسان مصيبة عظمى وخطب جلل، حيث يرى المرء السوء حسنًا، والحسن سوءًا.
(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) التنازع بداية الفشل وسبب لخسارة معية الله التي تكون للصابرين .
(وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ..) ٤٨ فليحذر المؤمن من وسوسة الشيطان وتزيين المعصية له .. لأنه بعدما يقع في منزلق الخطيئة سيبوء بالإثم ولن ينفعه إبليس سوى آهات ودموع الندم
( ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ )الأنفال 56 حفظ العهد من التقوى
{إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا} حتى في أشد المواقف واعنفها كن من الذاكرين لله كثيرا فكيف بحال الآمان
﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلوبكمْ خَيرا يُؤْتِكُم خَيْرا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُم﴾: البداية إصلاح القلب، والخِتام كرمٌ من الرَّب.
(وﻻ تنازعوا فتفشلوا) ولم يقل ﻻ تختلفوا؛ﻷن بعض الاختلاف مقبول وﻻ يفسد اجتماعا ما دام اختلاف تنوع. وما تنازع قوم وقل صبرهم إلا حل بهم الفشل. لم يحذر الله في كتابه عباده المجاهدين من قوة عدوهم وبطشه؛ﻷنهم أقوى منه بربهم،ولكن حذرهم من أنفسهم أن يتنازعوا.
في الآيتين ٤٥و٤٦ أسباب النصر ومنها : -الثبات في وجه العدو والصمود في القتال -ذكر الله تعالى تهليلاً وتكبيرًا وتسبيحًا ودعاءً وضراعة -طاعة الله ورسوله في أمرهما ونهيهما -الصبر على مواصلة القتال والإعداد له -الإخلاص -عدم التنازع والخلاف عند التدبير للمعركة وعند دخولِها وأثناء خوضها
(وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا) لا تضخّم صورة عدوك فتعطيه حجما أكبر من حجمه فيدبّ الوهن فيك قبل أن تلقاه!! أعداؤك ضعفاء إذا وقر الإيمان في قلبك لأنك تستعين عليهم بالقوي سبحانه أما إذا ضعف الإيمان في قلبك وقلّ التجاؤك إلى القوى فإن أصغر عدو سيقدر عليك!
(وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) – (نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم) استحضر تخلي الشيطان عنك قبل أن تستسلم لتزيينه فمن السفه أن تعرف مآل طاعتك له ثم تتبع خطواته راغبا غير مُكره فإنه لا سلطان له عليك!!
{وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} آية ٤٦ التنازع والخلاف هو اللبنة الأولى للفشل
( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ) الأنفال (59) كل ممالك الكفر و الظلم والطغيان في هذا العالم في قبضة الله ، لن تعجزه -سبحانه- ..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( ذكر الله تعالى )سبب الثبات و الفلاح ، وهذا يعطيك تفسيرا لما تمر به الأمة من أزمات بعضها فوق بعض ألا و هو البعد عن الله عز وجل
*من قواعد النصر * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا-الأنفال 46 طُبقت يوم بدر فكان النصر ، و يوم استزل الشيطان قسماً من المؤمنين في أُحد،أصابهم ما أصابهم. (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ،حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد . آل عمران
( وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ألا يكفيك يا من ابتليت فصبرت أن تكون في معية الله تعالى
أمر الله ب( وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ،وحذر من (ولاتنازعوا فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) و لكن عصوا الله و رسوله و تنازعوا فكان الفشل حليفهم الوحيد
الفرقان نور في القلب يفرق به المؤمن بين الأمور المتشابهات، ووسيلة الحصول عليه تقوى الله تعالى ومخالفة هوى النفس، ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ﴾
( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) ما أحوجنا والله إلى طلب الثبات من الله.. “اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبوبنا على دينك.”
(ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) التنازع والشقاق يؤدي الى الفرقة ومن ثم الضعف والهزيمة
(وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ ) إنتشار الفقر سببه عدم تطبيق تقسيم الله تعالى للأموال
(إِذ يقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَض غَرَّ هَؤُلَاء دينُهُم وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(49) يا لجهل هؤلاء المنافقين ، لا يرون إلا المادة … وما علموا أن من يتوكل على الله يكفيه ، ولو كان قلة .
( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ) الأنفال 48 لننتبه ؛ فقد يكون هذا الشيطان من ” إخواننا ” الإنس .
واصبروا … وصية نحتاجها في جهاد الأعداء ، كما نحتاجها في جهاد النفس .
وإذ يريكموهم إذ التقيتم إذ يريكهم الله في منامك قليلا يدبر الأمر سبحانه، يسوق الفريقين ،يقلل كلاً منهما في عين خصمه، يتولى وحده تحديد الموعد وأمر الله نافذ، يلتقي الفريقان،ليكون يوم بدر يوم فرقان بين حق منتصر رغم قلته،وباطل زاهق ما نفعه كثرة عدده وعتاده
(والله بما تعملون محيط) (والله شديد العقاب) (فإن الله عزيز حكيم) (وأن الله ليس بظلام للعبيد) (إن الله قوي شديد العقاب) (وأن الله سميع عليم) تعرّف على الله عزوجل لتخشاه وتتقيه وتطمئن لعدله وتراقبه في كل حركاتك وسكناتك وتحذر عقابه وتستحي من اطّلاعه عليك وعلمه بحالك
(ذلك بما قدمت أيديكم) (فأخذهم الله بذنوبهم) (فأهلكناهم بذنوبهم) تأملها جيدا تعرف من أين تؤتى أيها الغافل!
(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا) كل أسباب النصر المادية لن تنفعك إن لم تلتمس أسباب النصر المعنوية: الإيمان الثبات ذكر الله طاعة الله ورسوله الصبر
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ما أحرانا أن نتدبر هذه الآية ونحن نرى تغيير النعم علينا فنحاسب أنفسنا فنتوب عسى الله أن يعيد علينا نعما سُلبناها بسيء أعمالنا!
(فأهلكناهم بذنوبهم) لا يظلم ربك أحدا، كلٌ مجازى بما اقترفت يداه فلا تلومن إلا نفسك
(إن الله لا يحب الخائنين) ليست مجرد إخبار بل تهديد شديد! من ذا الذي لا ترتعد فرائصه أن يكون قد تلوث بشيء من الخيانة فيدخل في زمرة من لا يحبهم القوي العزيز؟! رب جنّبنا الخيانة والخائنين
الله تعالى يحب للمؤمن معالي الأمور ويكره له سفاسفها ولذلك تأخرت الإجابة على السؤال عن الأنفال 40آية ليقر في قلب المؤمن أن الغاية العظمى هي الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق أما الغنائم فإنما هي من متاع الدنيا الزائل الفاني مهما عظم وأما جزاء الجهاد فباقٍ لا يزول

الآيات 60 إلى آخر السورة
من عظمة هذا الكتاب أن جمع أحكام كل ما يحتاجه المسلم، فبعد أمور الحرب، وحكم العهد، وأحوال أهله وفاء وغدرا، انتقل إلى بيان حكم الكف حال رغبة العدو في السلم، رغبة صادقة، فقال: (وَإِنْ جَنَحُوا)؛ أي: مالوا، (لِلسَّلْمِ) فعبر باللام المفيدة إرادته لا الميل إليه مناورة واضطرارا.
من لطائف البلاغة أن السَلَم بالفتح -وهو السِلم بالكسر وقرئ به- يؤنث، ولهذا قال: (فَاجْنَحْ لَهَا)، ولم يقل: له! قيل: حملًا له على ضده (الحرب)؛ أي: رعاية كما أسندوا المكروه إلى المؤنث أسندوا المحبوب، وليس كذلك؛ بل رعاية للمعنى: محاربة ومسالمة لأنهما لا يكونان إلا مفاعلة، وهي مؤنثة.
قوله: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ) [الأنفال: 62] الآية أصل في أخذ الناس بالظاهر، وأن من أدى ما عليه في ذلك فإن الله يكفيه ما يحاذر وراء ذلك، وقد حقق أنه كافيه بإن وأسند الكفاية إلى الاسم الشريف ثم أتبعه بفعله ثم بسبب من أسبابه فقال: (بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِ ينَ)، فيا ويل من خان وخادع.
(وَإِنْ يُرِيدُوا..) في تعليق الكفاية على إرادتهم لا حصول خديعتهم، زجر بالتنبيه على أن إضمار السوء وإظهار خلافه قبيح حقيق صاحبه بالعقوبة، ومن عقوبته ألا ينجح مقصوده، وإن أتم غدرته وباشر خدعته فإن الله يجعلها وبالاً عليه في العاجل والآجل.
(بِنَصْرِهِ) أيد الله نبيه عليه السلام بالنصر فهو منصور بأسباب ظاهرة معهودة وأيضاً هو منصور بأسباب غير ظاهرة ولا معهودة، وكذلك نصر الله لأتباعه، كثيرًا ما يتوقف على الأخذ بأسبابه المفروضة، وقد يوفقهم له إن بذلوا وسعهم ولم تبلغ حيلتهم ما بلغه أعداؤهم، ومصداق هذه الآية حال الصدر الأول.
شأن المؤمن تأييد الحق ومواساة أهله ونصرتهم، ولا يتأتى ذلك مع التباغض والفرقة، ولا سبيل إلى الائتلاف والجماعة إلا السبيل الأول الذي ألّف الله به بين القلوب، وجمع به الشمل المؤمن، وهو الدين الحق، ومن حاول أن يؤلف بغير ذلك فقد كلف نفسه شططاً وإن أنفق ملء الأرض ذهباً!
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٦٤﴾ الأنفال)، هذه الآية تنزل السكينة والطمأنينة في قلوب أتباعه صلى الله عليه وسلم حتى تمتلئ وتفيض! قرنهم في كفايته بالمتبوع! فأيّ عناية وأيّ شرف بلّغهم الاتِباع! وهذا وعد لأتباعه بالأمس ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين.
(وَمَنِ اتَّبَعَكَ) [الأنفال: 64]اتبع النبي صلى الله عليه وسلم والله يكفيك، واعلم أن كفايته لك سبحانه وتعالى تكمل بكمال اتباعك نبيه صلى الله عليه وسلم، وأخطأ من ظن أن اتباعه كافيةً للنبي عليه السلام وحمل الآية على ذلك! بل هو كافية لنفسه تكفّل بها ربّ العزّة لنبيه ولمن اتبعه من المؤمنين.
الذنوب موجبة لعقوبات، والتأويل قد يدفع الإثم وقد لا يقوى على رفع العقوبة، لكن الله قد يدفعها بأسباب، ومن ذلك أن سابقة الخير قد تقيل العثرة، ولهذا قال: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٦٨﴾ الأنفال)
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴿٧٣﴾ الأنفال) هذه سنة ماضية فلا تعويل على بعض أهل الكفر في دفع الفساد والفتنة النازلة بسبب بعض أهل الكفر فهم أولياء بعض! وإنما السبيل التعاضد مع من يجب معهم الولاء لا من يجب منهم البراء!
﴿فإن حسبك الله﴾ إذا كان الله كافيك، فممَّ تخاف، وعلى ماذا تقلق، وكيف لك أن تبتئس!.
﴿وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم﴾ الجمع بين القلوب منحة ونعمة، لا تملكها أنت، بل الله وحده.
(ولكن الله ألّف بينهم ) الأنفال 63 تعود الألفة بين المسلمين عندما يعودون لشرع الله . لا رابطة يمكن أن تجمع بين أبناء الأمة كما يجمعهم دين الله .
{إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم} إذا صلحت القلوب فأبشر ببركة وكثرة الخيرات
{و إن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم } و لم يقل فخانهم لأن الخيانة مذمومة مطلقا بخلاف الخداع و المكر فالخيانة هي الخداع في موضع الائتمان .
(إلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ .. ) الأنفال 72 شأن الفئة المسلمة أنها تحفظ العهود .. و فئةٌ تحفظ العهود .. لن يضيّعها الله .
﴿تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة﴾ [الأنفال: ٦٧] عند كل عمل تنوي أن تتقرب به إلى الله تذكر هذه الآية وعالج إخلاصك ونيتك. قال الفضيل بن عياض: إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ .. في بدايات سورة الأنفال ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ .. ) في نهايات سورة الأنفال دلالة على عظم شأن التأليف بين المسلمين ، وإصلاح ذات بينهم .
( حسبك الله .. ) الأنفال 64 من كان الله حسبه … كفاه .
( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) الأنفال 65 العبرة بـ ” النوع ” وليس بالعدد .
( وآخرين من دونهم ) الأنفال 60 لا يشغلنكم – أيها المسلمون – العدو الظاهر عن العدو الذي بين أظهركم .. المنافقين .
(ترهبون به عدو الله وعدوكم ) الأنفال 60 سلاحنا .. جنودنا .. وسائل قوتنا ، مكانها -جميعاً- ساحات القتال ، أو ساحات الإعداد والتدريب ….. وليس المخازن .
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) الأنفال 60 لو قامت أمتنا بهذا الواجب حقاً لما رأيناها في هذا الهوان .. ما قامت أمتنا بالإعداد كما يجب ، فهانت على الأمم ، وما بقي لها رهبة في صدور أعدائها .
مهما كان العبد فإنه يحتاج لرحمة الله لأنه ضعيف لايملك من الأمرشيئاً. (الئن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً )
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة …. ترهبون … ) الأنفال 60 القلة المؤمنة متى ما أعدت وأخذت بالأسباب قذف الله في قلوب أعدائها الرعب …. و لنا في بدر خير مثال
(ترهبون به عدو الله وعدوكم ) الأنفال 60 لا بد للحق من قوة تحميه .
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل …. ) الأنفال 60
الأخذ بالأسباب لا يغني عن التوكل على مسبب النصر … الله سبحانه . والتوكل لا يعني أن نترك الأخذ بأسباب النصر ومن بينها إعداد القوة .
(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) كن حازما في مواقف الحزم و لا تتهاون حتى لا يتكرر الخطأ
(وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) لا تتباهى بطعامك و شرابك و إخوانك المسلمين يموتون جوعا و اجعل لهم مما فضلك الله به عليهم نصيب
ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفرلكم) اللهم ارزقني قلباسليما وجميع من معنا في جلستنا هذه وجميع المسلمين والمسلمات
(ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ) أيها العاقل تأمل في قصص الأمم السالفة، وخذ العبرة – هل تحسب أنك في النعيم والرخاء مخلد ؟ وأنت في شكر الله مقصر ولبعض آلائه أو سائرها جاحد ؟
(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ) إن لم يكن لديك القدرة التي تؤيد الحق فالزم الصمت حتى لا ينتصر الباطل
على قدر النوايا تأتي العطايا {إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم}
موقع اسلاميات

اثبت وجودك
..
تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع
|