استخدم محرك جوجل للبحث في الملتقى

 

الرئيسية التسجيل البحث الرسائل طلب كود التفعيل تفعيل العضوية استعادة كلمة المرور
facebook facebook twetter twetter twetter twetter

المناسبات


   
العودة   ملتقى أحبة القرآن > ۩ ملتقى العلـــم الشرعـــي ۩ > ملتقى عقيدة أهل السنة و الجماعة > قسم الفرق والنحل
قسم الفرق والنحل القضايا الفكرية والعقائدية في الاسلام والرد على الشبهات.
 

   
الملاحظات
 

 
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 03-04-2025, 02:59 PM   #1

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 0

السليماني غير متواجد حاليا

افتراضي فرقة الرفاعية الصوفية ... عقائد وأبرز الشخصيات

      

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

فالحمد لله على نعمة السنة ونسأل الله الهداية لجميع المسلمين وخاصة من اغتر بهذه الفرق ولم يعرف حقيقتها .

ترجَمةُ أحمَدَ الرِّفاعيِّ في بَعضِ كُتُبِ المُؤَرِّخينَ :

ال الذَّهَبيُّ في تَرجَمةِ الرِّفاعيِّ: (الإمامُ القُدوةُ العابدُ الزَّاهِدُ شَيخُ العارِفينَ: أبو العَبَّاسِ أحمَدُ بنُ أبي الحَسَنِ عَلي بنِ أحمَدَ بنِ يَحيى بنِ حازِمِ بنِ عَليِّ بنِ رِفاعةَ الرِّفاعيُّ المَغرِبيُّ ثمَّ البطائحيُّ، وكان قدِمَ أبَوه من بلادِ المَغرِب وسَكَنَ البَطائِحَ في قَريةِ أمِّ عُبَيدةَ، وهي قَريةٌ من قُرى واسِطٍ بالعِراقِ. ثمَّ توفِّيَ وأمُّ أحمَدَ حَملٌ به) .
ونَشَأ في كَنَفِ خاله الشَّيخِ مَنصورٍ الزَّاهدِ الذي اعتَنى به، وكان شافِعيًّا تَفقَّه قليلًا على مَذهَبِ الشَّافِعيِّ .


قال ابنُ كَثيرٍ في البدايةِ والنِّهايةِ: (ويُقالُ: إنَّه حَفِظَ التَّنبيهَ في الفِقهِ على مَذهَبِ الشَّافِعيِّ) .


وقال الذَّهَبيُّ: (كان كَثيرَ الاستِغفارِ عاليَ المِقدارِ، رَقيقَ القَلبِ، غَزيرَ الإخلاصِ، وكان مُتَواضِعًا يَجمَعُ الحَطَبَ ويَجيءُ به إلى بُيوتِ الأرامِلِ.

وكان يَقولُ: أقرَبُ الطَّريقِ الانكِسارُ والذُّلُّ والافتِقارُ، تُعظِّمُ أمرَ اللهِ، وتُشفِقُ على خَلقِ اللهِ وتَقتَدي بسُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وكان لا يَجمَعُ بَينَ لُبسِ قَميصَينِ، ولا يَأكُلُ إلَّا بَعدَ يَومَينِ أو ثَلاثةٍ أكلًا، وإذا غَسَل ثَوبَه يَنزِلُ في الشَّطِّ كَما هو قائِمٌ يَفرُكُه، ثمَّ يَقِفُ في الشَّمسِ حتَّى يَنشفَ، وإذا ورَدَ ضَيفٌ يَدورُ على بَيتِ أصحابِه يَجمَعُ الطَّعامَ في مِئزَرٍ.


وقيل: أُحضِرَ بَينَ يَدَيه طَبَقُ تَمرٍ، فبَقيَ يُنَقِّي لنَفسِه الحَشَفَ يَأكُلُه، ويَقولُ: أنا أحَقُّ بالدُّونِ؛ فإنِّي مِثلُه دونٌ!


وكان لا يَقومُ للرُّؤَساءِ، ويَقولُ: النَّظَرُ إلى وُجوهِهم يُقسِّي القَلبَ. توفِّي سنةَ ثَمانٍ وسَبعينَ وخَمسِمِائةٍ في جُمادى الأولى، رَحِمَه اللهُ)


ثمَّ إنَّ الذَّهَبيَّ قال أيضًا: (كان إليه المُنتَهى في التَّواضُعِ والقَناعةِ ولِينِ الكَلِمةِ والذُّلِّ والانكِسارِ والإزراءِ على نَفسِه وسَلامةِ الباطِنِ،


ولكِنَّ أصحابَه فيهمُ الجَيِّدُ والرَّديءُ، وقد كَثُرَ الزَّغلُ فيهم، وتَجَدَّدَت لهم أحوالٌ شَيطانيَّةٌ مُنذُ أخَذَتِ التَّتارُ العِراقَ؛

من دُخول النِّيرانِ ورُكوبِ السِّباعِ واللَّعِبِ بالحَيَّاتِ،

وهذا ما عَرفه الشَّيخُ ولا صُلَحاءُ أصحابِه، فنعوذُ باللهِ منَ الشَّيطانِ)


مؤَلَّفاتُ أحمَدَ الرِّفاعيِّ ( مانسب إليه )

نُسِبَت إلى الرِّفاعيِّ كُتُبٌ ورَسائِلُ عَديدةٌ، منها كِتابُ (البُرهانُ المُؤَيِّدُ) وكِتابُ (حالةُ أهلِ الحَقيقةِ مَعَ اللهِ)، وهذان الكِتابانِ يُعتَبَرانِ عِندَ الرِّفاعيَّةِ من أوثَقِ ما نُسِبَ إلى الشَّيخِ؛ فإنَّهم يَقولونَ عن (البُرهان المُؤَيِّد): (هذا الكِتابُ الذي عَزَّ شَأنُ سَبكِه عنِ المَثيلِ، الذي جَمَعَه من مَجالِسِ وَعظِه شَرَفُ الدِّينِ بنُ عَبدِ السَّميعِ الهاشِميُّ الواسِطيُّ، وقال شَيخُنا القوصيُّ: ما قُرِئَ هذا الكِتابُ على أهلِ مَجلِسٍ إلَّا وظَهَرَت لهم نَفحاتُ العِرفانِ والإخلاصِ والتَّمَكُّنِ) .

أمَّا كِتابُ (حالةُ أهلِ الحَقيقةِ مَعَ اللهِ) فإنَّه ليس له مُستَنَدٌ يُصَحِّحُ نِسبَتَه إلى أحمَدَ الرِّفاعيِّ، وإنَّما أكَّدَ أتباعُه صِحَّةَ نِسبَتِه إليه، كَما قال المزيديُّ: (وهو أربَعونَ حديثًا بالإسنادِ المُتَّصِلِ ألقاها السَّيِّدُ أحمَدُ الرِّفاعيُّ في أربَعينَ مجلِسًا، جَمَعَها الفقيهُ الشَّافِعيُّ أبو شُجاعٍ الشَّافِعيُّ) .

وهذا الكِتابُ عِبارةٌ عن تَعليقاتٍ على الأحاديثِ التي يَأتي لها بأسانيدَ خاصَّةٍ بأهلِ البَيتِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لم تُذكَرْ في كُتُبِ الحَديثِ، كالبُخاريِّ ومُسلمٍ.
ويَظهَرُ منه عَدَمُ التَّضَلُّعِ في عِلمِ الحَديثِ؛ ففيه ذِكرُ كَثيرٍ منَ الأحاديثِ التي لم تَصِحَّ، مِثلُ حَديثِ ((مَن وُلِد له وَلَدٌ فسَمَّاه مُحَمَّدًا، كان هو ومَولودُه في الجَنَّةِ)) ، وحَديثُ: ((نَظَرُ الولدِ إلى والدَيه عِبادةٌ)) ، بل ويَكثُرُ فيه قَولُ: (قال اللهُ في بَعضِ كُتُبِه) ، ثمَّ يُعَوِّلُ على غَرائِبِ الإسرائيليَّاتِ.

وفي هَذَين الكِتابَينِ مَيلٌ إلى نَقلِ حِكَمِ الصُّوفيَّةِ وأقوالِهم، ومنها أمورٌ لا يَليقُ بالمُسلمِ اعتِقادُها، مِثلُ دَعوةِ المُحِبِّينَ إلى الرِّضا بالنَّارِ، وحَمدِ اللهِ على الدُّخولِ فيها يَومَ القيامةِ؛ لأنَّها من قَضاءِ اللَّهِ! مِثلُ قَولِه: (إنَّ اللهَ أمر جِبريلَ أن يُخبرَ أحَدَ العابدينَ أنَّه من أهلِ النَّارِ، فلمَّا أخبَرَه خَرَّ ساجدًا يَشكُرُ اللَّهَ ويَقولُ: لك الحَمدُ يا مَولايَ على قَضائِك وقدَرِك حَمدًا يَعلو حَمدَ الحامِدينَ) .


وكَذلك يَنقُلُ عنهمُ الاستِهانةَ بها، مِثلُ قَولِ أحَدِهم: (إلهي لا تُدخِلْني في النَّارِ؛ فإنَّها تَصيرُ عَليَّ بَردًا من حُبِّي لك) !


غَيرَ أنَّه ليس ثَمَّةَ ما يُؤَكِّدُ صِحَّةَ نِسبةِ الكِتابَينِ السَّابقَينِ إلى الرِّفاعيِّ، واللهُ تعالى أعلَمُ.


وهناكَ كُتُبٌ أخرى جَمَعَها المُنتَسِبونَ إليه من بَعدِه، ككتابِ (المَجالسُ الرِّفاعيَّةُ)، وكِتاب (رَحيقُ الكَوثَرِ) وكِتابُ (حِكَمُ الرِّفاعيِّ).


وذَكَرَ الزِّرِكليُّ بَعضًا من أبياتِ الشِّعرِ التي نُسِبَت إليه، وقال: إنَّ الصَّحيحَ أنَّها ليست له .


ومَهما يَكُنْ من أمرٍ فإنَّ هذه الكُتُبَ إن ثَبَتَت صِحَّتُها فإنَّ فيها ما يُضادُّ كَثيرًا منِ اعتِقاداتِ مَنِ انتَسَبوا إليه من بَعدِه مِمَّن يَستَغيثونَ بغَيرِ اللهِ،

فإنَّنا نَجِدُ في كِتابِه (حالةُ أهلِ الحَقيقةِ مَعَ اللهِ) النَّهيَ عنِ الاستِغاثةِ بغَيرِ اللهِ مَرَّاتٍ عَديدةً، فيَذكُرُ فيه مَثَلًا أنَّ اللهَ غَضِبَ من أحَدِ الزُّهَّادِ لمَّا أرادَ أن يَستَغيثَ بغَيرِه، وقال له: (أتَستَغيثُ بغَيري وأنا غِياثُ المُستَغيثينَ؟) .


وكذلك كان مَوقِفُه منَ البدَعِ أشَدَّ بكَثيرٍ ممَّا هو حالُ المُنتَسِبينَ إليه اليَومَ، وكان يَقولُ:

(مَن لم يَزِنْ أقوالَه وأفعالَه وأحوالَه في كُلِّ وقتٍ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، ولم يَتَّهِمْ خَواطِرَه لم يَثبُتْ في ديوانِ الرِّجالِ) .


فهل يَتَّفِقُ حالُه هذا مَعَ ما عليه المُنتَسِبونَ إليه من بَعدِه؟!


نَسَبُ الرِّفاعيِّ إلى آلِ البَيتِ

نَسَبَ بَعضُهمُ الرِّفاعيَّ إلى آلِ بَيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وألَّف الرِّفاعيُّون العَديدَ منَ الرَّسائِلِ والكُتُبِ لإثباتِ نِسبَتِه إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد تَزَعَّمَ هذه الحَملةَ مُحَمَّد أبو الهدى الصَّيَّاديُّ الذي أخَذَ يَذكُرُ هذه النِّسبةَ في رَسائِله التي كَتَبَها عنِ الرِّفاعيِّ، وخَصَّصَ لهذا المَوضوعِ مُؤَلَّفاتٍ منها:
1- كِتابُ (التَّاريخُ الأوحَدُ للغَوثِ الرِّفاعيِّ الأمجَدِ).
2- كِتابُ (سَلاسِلُ القَومِ).

وكان يَقولُ: (الشَّيخُ الإمامُ أحمَدُ بنُ عَليِّ بنِ يَحيَى بنِ ثابتِ بنِ حازِمِ بنِ أحمَدَ بنِ عَليِّ بنِ الحَسَنِ، المُلقَّبُ برِفاعةَ بنِ المَهديِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ الحُسَينِ أحمَدَ بنِ موسى بنِ إبراهيمَ المُرتَضى بنِ موسى الكاظِمِ بنِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدٍ الباقِرِ بنِ عَليٍّ زَينِ العابدينَ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه) .


ومَعَ القَناعةِ التَّامَّةِ بأنَّ النَّسَبَ لا يُقدِّمُ ولا يُؤَخِّرُ في صَلاحِ المَرءِ أو فسادِه، فلا يُجعَلُ الرَّفيُع وضيعًا ولا الوضيعُ رَفيعًا، فإنَّ مَدارَ النَّجاةِ على الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالحِ، غَيرَ أنَّه منَ الضَّروريِّ مُتابَعةُ هذه النِّسبةِ للقَناعةِ التَّامَّةِ بأنَّ الصُّوفيَّةَ دَأَبوا على رَبطِ مَن يُعَظِّمونَ من مَشايِخِهم بآلِ البَيتِ، وعلى وضعِ أنسابٍ مَكذوبةٍ عليهم مِثلَما فعَلوا في عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ؛ حَيثُ نَسَبوه إلى أهلِ البَيتِ مَعَ أنَّه من قَبيلةِ (جنكي دوست) الفارِسيَّةِ ! وهذا الاسمُ كَما تَرى أعجَميٌّ؛ فعَبدُ القادِرِ فارِسيُّ الأصلِ (بُشْتَبْريُّ) النَّسَبِ ، وقِسْ على ذلك!


وقد أنكَرَ المُحَقِّقونَ نِسبةَ الرِّفاعيِّ إلى أهلِ البَيتِ؛ منهم بَعضُ أهلِ الطَّريقةِ القادِريَّةِ الذين كَتَبوا مُصَنَّفاتٍ ورَسائِلَ تُبطِلُ ما يَدَّعيه الرِّفاعيَّةُ من وُجودِ أيِّ صِلةِ نَسَبٍ بَينَه وبَينَهم.


ومن ذلك كِتابُ (الفَتحُ المُبينُ فيما يَتَعَلَّقُ بتِرياقِ المُحِبِّينَ) لظَهيرِ الدِّينِ القادِريِّ الذي نَقَل فيه عن شَمسِ الدِّينِ ناصِرٍ الدِّمَشقيِّ أنَّه قال: (لم أعلَمْ للرِّفاعيِّ نسبًا صحيحًا إلى عَليِّ بنِ أبي طالبٍ، ولا إلى أحَدٍ من ذُرِّيَّتِه الأطايِبِ، وإنَّما الذي وصَل إلينا وساقَه الحُفَّاظُ وصَحَّ لدَينا أنَّه: أبو العَبَّاسِ أحمَدُ بنُالشَّيخِ أبي الحَسَنِ عَليِّ بنِ يَحيى بنِ حازِمِبنِ عَليِّ بنِ رِفاعةَ، المَغرِبيُّ الأصلِ البطائحيُّ الرِّفاعيُّ، نَسَبُه إلى جَدِّه الأعلى رِفاعةَ، قدِمَ والدُه أبو الحَسَنِ رَحمةُ اللهِ عليه من بلادِ المَغرِبِ فسَكَنَ البَطائِحَ) .


وكذلك نَفى عالمُ الأنسابِ (ابن طباطَبا) هو وتِلميذُه ابنُ معيةَ أن تَكونَ للرِّفاعيِّ أيَّةُ صِلةٍ بأهلِ البَيتِ مُنكِرًا أن يَكونَ هنالكَ أبو القاسِمِ مُحَمَّدُ بنُالحَسَنِ بنِ الحُسَينِ بنِ أحمَدَ بنِ موسى. ونَقَل أبو الهدى الصَّيَّاديُّ عنهما قَولَهما: (وما رَأينا مِمَّن يُملي النَّسَبَ للحُسَينِ ذَكَرَ ولدًا اسمُه مُحَمَّدٌ أبو القاسِمِ). ثمَّ قالا: (ولم يَذكُرْ أحَدٌ من عُلماءِ النَّسَبِ للحُسَينِ بنِ أحمَدَ ولدًا اسمُه مُحَمَّدٌ، ولم يَدَّعِ السَّيِّدُ الرِّفاعيُّ هذا النَّسَبَ، وإنَّما ادَّعاه أولادُ أولادِه) .


وكذلك تَعقَّب مَحمود شُكري الألوسيُّ دَعوى النَّسَبِ التي نافحَ عنها الصَّيَّاديُّ، مُؤَكِّدًا أنَّ دَعوى الانتِساب إلى إبراهيمَ المُرتَضى من موسى الكاظِمِ لا أصلَ لها. قال: (فقد نُقِل عن صاحِبِ «مُختَصَر عُمدةِ الطَّالِبِ» أنَّ الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ لم يَدَّعِ هذا النَّسَبَ، وإنَّما ادَّعاه البَطنُ الثَّالِثُ من ولدِه، ويَقولونَ: أحمَدُ بنُعَليِّ بنِ الحُسَينِ المَهديِّ بنِ أبي القاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ أحمَدَ بنِ موسى بنِ إبراهيمَ المَذكورُ. قال أبو نَصرٍ البُخاريُّ: لا يَصحُّ لإبراهيمَ المُرتَضى عَقِبٌ إلَّا من موسى وجَعفَرٍ، ومَنِ انتَسَبَ إلى غَيرِهما فهو كاذِبٌ) .


وحتَّى عَبدُ الوهَّابِ الشَّعرانيُّ الصُّوفيُّ الذي كان يَذكُرُ الرِّفاعيَّ ومَناقِبَه وأحوالَه، لم يَذكُرْ هذا النَّسَبَ، وإنَّما أورَدَ عِبارةً توحي بالشَّكِّ في صِحَّةِ النِّسبةِ إلى أهلِ البَيتِ؛ فإنَّه قال: (أحمَدُ بنُأبي الحُسَينِ الرِّفاعيُّ مَنسوبٌ إلى رِفاعةَ: قَبيلةٍ منَ العَرَبِ) .


ولم تُرضِ هذه العِبارةُ الرِّفاعيَّةَ، فأبدى الصَّيَّاديُّ تَأسُّفَه على كَلمةِ: (مَنسوبٌ) التي ورَدَت في كَلامِ الشَّعرانيِّ، حتَّى قال: (وقد عاتَبَه بذلك الشَّيخُ أحمَدُ القَليوبيُّ في تُحفةِ الرَّاغِبِ على ذلك، فقال: فما أدري من أينَ أتى الشَّيخُ رَحِمَه اللهُ بهذه النِّسبةِ؟) .


ثمَّ إنَّ عامَّةَ المُؤَرِّخينَ أصحابِ الطَّبَقاتِ تَرجَموا للرِّفاعيِّ ولم يَتَطَرَّقْ واحِدٌ منهم إلى ذِكرِ نِسبَتِه إلى أهلِ البَيتِ.


فالسُّبكيُّ تَرجَمَ للرِّفاعيِّ في طَبَقاتِه ولم يَذكُرْ هذه النِّسبةَ. فإنَّه قال: (الشَّيخُ الزَّاهدُ الكَبيرُ أحَدُ أولياءِ اللهِ العارِفينَ، والسَّاداتِ المُشَمِّرينَ، أهلِ الكَراماتِ الباهرةِ: أبو العَبَّاسِ بنُأبي الحَسَنِ الرِّفاعيُّ المَغرِبيُّ، قدِمَ أبوه إلى العِراقِ...) .


وكذلك الأمرُ بالنِّسبةِ لعامَّةِ المُؤَرِّخينَ كالذَّهَبيِّ وابنِ كَثيرٍ وابنِ العِمادِ وابنِ الأثيرِ وابنِ خَلِّكان، فإنَّهم تَرجَموا للرِّفاعيِّ ولم يَذكُروا له نِسبةً إلى أهلِ البَيتِ.


مَعَ أنَّ من عادَتِهم أنَّهم إذا تَرجَموا لرَجُلٍ من أهلِ البَيتِ ولم يُفصِّلوا ذِكرَ نَسَبِه، أن يُضيفوا على الأقَلِّ ما يَدُلُّ على نِسبَتِه إليهم، مِثلُ أن يَستَعمِلوا عِبارةَ: (الحُسَينيّ) أو (الحَسَنيِّ) أو (العَلَويِّ) مَعَ اسمِه.


وقد عَلَّل أبو الهدى الصَّيَّاديُّ غَفلةَ المُؤَرِّخينَ عن ذِكرِ نِسبةِ الرِّفاعيِّ إلى أهلِ البَيتِ بأنَّ عامَّتَهم يُعنَونَ بالوقائِعِ التَّاريخيَّةِ لا على أنسابِ الرِّجالِ وفضائِلِهم .
وما قاله غَيرُ صَحيحٍ؛ فإنَّ عامَّةَ المُؤَرِّخينَ ذَكَروا نَسَبَ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ كابنِ الأثيرِ وابنِ خَلِّكانَ وابنِ الوَرديِّ والذَّهَبيِّ وابنِ كَثيرٍ والصَّفديِّ وابنِ العِمادِ .
وليس الاختِلافُ حَولَ نِسبةِ الرِّفاعيِّ إلى أهلِ البَيتِ فحَسبُ، وإنَّما الاختِلافُ أيضًا حَولَ حُصولِ العَقِبِ منه!


قال شَمسُ الدِّينِ ناصِرٌ الدِّمَشقيُّ: (إنَّ الرِّفاعيَّ لم يَبلُغْنا أنَّه أعقَبَ كَما جَزَمَ غَيرُ واحِدٍ منَ الأئِمَّةِ المَرضيَّةِ) .


وعامَّةُ المُؤَرِّخينَ قد ذَكَروا بأنَّ الرِّفاعيَّ لم يُعقِبْ، وإنَّما العَقِبُ من أخيه .


غَيرُ أنَّ صاحِبَ كِتابِ (النُّجومُ الزَّواهِرُ) يَذكُرُ أنَّ الرِّفاعيَّ تَزَوَّجَ أختَ زَوجَتِه الأولى، وأعقَبَها السَّيِّدَ قُطبَ الدِّينِ، وأنَّ هذا الأخيرَ تَزَوَّجَ في حَياةِ أبيه وأنجَبَ ولدًا سَمَّاه (منصورًا) .


وعلى العَكسِ من ذلك فأبو الهدى الصَّيَّاديُّ ذَكَرَ أنَّ قُطبَ الدِّينِ توُفِّيَ في حَياةِ أبيه ولم يَكُنْ قد تَزَوَّجَ حينَئِذٍ، ودُفِنَ في قُبَّةِ جِدِّه يَحيى النَّجَّارِ، وأنَّ مَن تَؤولُ نِسبَتُهم إلى الرِّفاعيِّ إنَّما هم من بنتَيه زَينَبَ وفاطِمةَ .


وبما أنَّ الدَّليلَ الذي قدَّمَه الصَّيَّاديُّ وغَيرُه لإثباتِ نِسبةِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ إلى آلِ البَيتِ لم يَكُنْ كافيًا، راحوا يَستَعيضونَ عن ذلك بالرُّؤى والحِكاياتِ المناميَّةِ وغَيرِها!
أمَّا الدَّليلُ الأوَّلُ: فقد ذَكَرَ الصَّيَّاديُّ في كِتابِه (المَعارِفُ المُحَمَّديَّةُ) أنَّ الشَّيخَ أبا الفَضلِ الواسِطيَّ كان يُنكِرُ نِسبةَ الرِّفاعيِّ إلى السُّلالةِ النَّبَويَّةِ، وأنَّه رَجَعَ عن ذلك بسَبَبِ رُؤيا مناميَّةٍ لا تَميلُ النَّفسُ إلى تَصديقِها، وفيها أنَّه رَأى أنَّ القيامةَ قد قامَت، واللِّواءُ على رَأسِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفاطِمةُ بَينَ يَدَيه، والرِّفاعيُّ عن يَمينِها!
قال الواسِطيُّ: (وأنا على خَوفٍ عَظيمٍ، فدَنَوتُ منَ السَّيِّدةِ فاطِمةَ واستَنجَدتُها فأعرَضَت عنِّي وقالت للشَّيخِ الرِّفاعيِّ: يا ولدي أحمَدُ، ما أعجَبَ حالَ هذا الرَّجُلِ، يُنكِرُ نَسَبَك إليَّ ويَستَنجِدُني؟! واللهِ لا نَجدةَ له عِندي إلَّا بواسِطَتِك. فقال لي الرِّفاعيُّ: أمِّي هذه أدرى بأولادِها منك. فقالتِ السَّيِّدةُ فاطِمةُ: الأدَبَ الأدَبَ مَعَ السَّيِّدِ أحمَدَ؛ فإنَّه قِطعةٌ مِن كَبدي!) .


الدَّليلُ الثَّاني عندهم على ثُبوتِ النَّسَبِ: أنَّ الرِّفاعيَّ والجِيلانيَّ قالا ذلك، والتَّأدُّبُ مَعَهما يوجِبُ تَصديقَهما من غَيرِ تَرَدُّدٍ ولا تَثبُّتٍ؛ فإنَّ عَدَمَ تَصديقِ ما قالوه من أنَّهم يَنتَسِبونَ إلى أهلِ البَيتِ قِلَّةُ أدَبٍ في حَقِّهم. والصَّحيحُ أنَّهما لم يُثبْتْ عنهما قَولُ ذلك.


قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (وقال رَجُلٌ مَوصِليٌّ لشَيخِنا الشَّيخِ عَبدِ الرَّحمَنِ جَمالِ الدِّين الحَدَّاديِّ: يا سَيِّدي، إنِّي رَأيتُ بعضًا من كُتُبِ التَّاريخِ سَكَتَ عن نِسبةِ الشَّيخِ عَبد القادِرِ الجيلانيِّ، وسَكَتَ عن نِسبةِ السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ مَعَ أنَّه عَرَبيُّ الأصلِ وأشهَرُ منه بالسِّيادةِ! وقد قال بَعضُ عُلماءِ فارِسَ:إنَّ الشَّيخَ عَبدَ القادِرِ «بُشْتَبْريُّ» النَّسَبِ، وهَكَذا يَقولُ بَعضُ أهلِ بَيتِه. فقال شَيخُنا قدَّسَ اللهُ سِرَّه: اكفُفْ يا ولدي عنِ الخَوضِ، واعلَمْ أنَّ من كتَبَ التَّاريخَ سَكت عن نِسبةِ الاثنَينِ، إلَّا أنَّ بَعضَ الصُّوفيَّةِ ذَكَرَ نِسبةَ الشَّيخِ عَبدِ القادِرِ حِرصًا عليه لكَيلا يَطعنَ في نَسَبِه مَن لا عِلمَ له؛ لِما اشتَهرَ أنَّه منَ العَجَمِ، ولِما قيل فيه من أنَّه «بُشْتَبْريُّ» النَّسَبِ، والأصلُ الصَّحيحُ أنَّما هو رَجُلٌ فاطِميٌّ لا رَيبَ في نِسبَتِه إلى الجَدِّ الأعظَمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، سَكَنَ أجدادُه فارِسَ إلى زَمانِه. وهذا ما يَجِبُ عَلينا اعتِقادُه؛ فإنَّ الأولياءَ أعلمُ منَّا بالأدَبِ الدِّينيِّ والواجِبِ الشَّرعيِّ، ولو لم تَكُنْ نِسبَتُه ثابتةَ الوُصولِ إلى الرَّسولِ لَما ادَّعاها قَطُّ. وأمَّا ما ذَكَرتَه من شُهرةِ السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ بالسِّيادةِ وكَونِه عَرَبيَّ الأصلِ والمَنشَأِ، فهو السَّبَبُ الذي اعتَمَدَ عليه الصُّوفيَّةُ وسَكَتَ عن ذِكرِ سِلسِلةِ نَسَبِه) .



وممَّا يَستَدِلُّ به الرِّفاعيَّةُ على صِحَّةِ نَسَبِ الرِّفاعيِّ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِصَّةُ مَدِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه إلى الرِّفاعيِّ!
وتفصيلُها: أنَّ اللهَ ناداه: قُمْ يا أحمَدُ وزُرْ بَيتَ اللهِ الحَرامِ وزُرِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال الرِّفاعيُّ لرَبِّه: سَمعًا وطاعةً. فسافرَ ومَعَه جَمٌّ غَفيرٌ إلى مَكَّةَ ثمَّ المَدينةِ، ووقَف عِندَ القَبرِ وقال: السَّلامُ عَليك يا جَدِّي، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وعليك السَّلامُ يا ولدي. فتَواجَدَ الرِّفاعيُّ وقال:
في حالةِ البُعدِ رُوحي كُنتُ أُرسِلُها
تُقَبِّلُ الأرضَ عنِّي وهي نائِبَتي
وهذه دَولةُ الأشباحِ قد حَضَرَت
فامدُدْ يَمينَك كَي تَحظى بها شَفَتي
فانشَقَّ التَّابوتُ، ومَدَّ النَّبيُّ يَدَه إلى الرِّفاعيِّ ليُقَبِّلَها أمامَ جَمعٍ كَبيرٍ منَ النَّاسِ يَزيدونَ على التِّسعينَ ألفًا، وكان من بَينِهم عَبدُ القادِرِ الجيلانيُّ، وعَديُّ بنُمُسافِرٍ، وحَيوةُ بنُقَيسٍ الحَرَّانيُّ !
واعتَبَروها حادِثةً مُتَواتِرةً يُضَلَّلُ مُنكِرُها كما صَرَّحَ الصَّيَّاديُّ بذلك قائِلًا: (فخُروجُ يَدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لسَيِّدي أحمَدَ بنِ الرِّفاعيِّ مُمكِنٌ، ولا يَشُكُّ فيه إلَّا ذو زَيغٍ وضَلالةٍ، أو مُنافِقٌ طَبَعَ اللهُ على قَلبِه، وإنكارُها يُؤَدِّي إلى سوءِ الخاتِمةِ) .


تعقيبٌ على هذه القِصَّةِ:


إنَّ مُجَرَّدَ تَهديدِ مُنكِرِ هذه القِصَّةِ بسوءِ خاتِمَتِه إنَّما كان بسَبَبِ ضَعفِ الدَّليلِ الذي يُمكِنُ أن يُقدِّمَه الرِّفاعيَّةُ لإثباتِها، وإلَّا فالقِصَّةُ من أساسِها لا تَثبُتُ، والأدِلَّةُ على عَدَمِ ثُبوتِها كالآتي:
أوَّلًا: أنَّ أصحابَ كُتُبِ وتَراجِم الصُّوفيَّةِ الأوائِلِ كالسُّبكيِّ والشَّعرانيِّ وابنِ المُلقِّنِ والمُناويِّ لم يَتَعَرَّضوا لذِكرِ هذه الحادِثةِ، مَعَ أنَّهم كانوا أقرَبَ إلى عَصرِ الرِّفاعيِّ منَ المُتَأخِّرينَ، كالصَّيَّاديِّ، وليس منَ المَعقولِ أن يَحرِصوا على جَمعِ كَلِّ ما رويَ عنه، فيَرووا قِصَّةَ الجَرادةِ والبَعوضةِ، ويُهمِلوا هذه الحادِثةَ التي اهتَزَّت لها بقاعُ الأرضِ، على حَدِّ تَعبيرِ الصَّيَّاديِّ!



ثانيًا: أنَّ المُؤَرِّخينَ من غَيرِ المُتَصَوِّفةِ كالذَّهَبيِّ وابنِ كَثيرٍ وابنِ خَلِّكانَ لم يَتَعَرَّضوا لذِكرِ هذه الحادِثةِ إطلاقًا، ولو أنَّها وقَعَت حَقيقةً لتَسابقوا إلى كِتابَتِها. وقد ذَكَروا ما اشتَهرَ به الرِّفاعيُّونَ من دُخولِ النِّيرانِ واللَّعِبِ بالحَيَّاتِ ورُكوبِ السِّباعِ غَيرَ أنَّهم لم يَتَطَرَّقوا إلى ذِكرِ هذه الحادِثةِ، الأمرُ الذي يَبعَثُ على الجَزمِ بأنَّ حَبكَها كان مُتَأخِّرًا عنهم.



ثالثًا: أنَّ رواةَ هذه الحادِثةِ همُ الصُّوفيَّةُ الذينَ شَهدَ الرِّفاعيُّ نَفسُه بأنَّهم يَكذِبونَ على مَشايِخِهم وأئِمَّتِهم؛ حَيثُ قال: (واحذَرِ الفِرقةَ التي دَأبُها التَّفكُّهُ بحِكاياتِ الأكابرِ وما يُنسَبُ إليهم؛ فإنَّ أكثَرَ ذلك مَكذوبٌ عليهم، وقال: يا بُنَيَّ إذا نَظَرتَ في القَومِ الذينَ ادَّعَوا التَّصَوُّفَ وجَدتَ أنَّ أكثَرَهم منَ الزَّنادِقةِ الحَروريَّةِ والمُبتَدِعةِ) .
وقد ورَدَ عنِ الصُّوفيَّةِ في بَعضِ كُتُبِهم ما يُؤَيِّدُ كَلامَ الرِّفاعيِّ السَّابِقَ، ومن ذلك:


1- ذَكَروا أنَّ إبراهيمَ الأعزَبَ أنشَدَ شِعرًا عِندَ قَبرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (بارَك اللَّهُ بك، أنتَ مَنظورٌ بعَينِ الرِّضا) .
2- أنَّ الشَّيخَ بَهاءَ الدِّينِ الرَّوَّاسَ الرِّفاعيَّ وقَف عِندَ أحَدِ القُبورِ، فخَرَجَ له إبراهيمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَ القَبرِ وأعطاه ورَقةً مَكتوبٌ عليها هكذا (محمد1111).
ويَتَضَمَّنُ هذا الرَّمزُ-بزَعمِهم- مِئاتِ الأسرارِ من كِتابِ (الجَفْرِ) .


3- أنَّ الشَّيخَ عليًّا أبا الحَسَنِ الشَّاذِليَّ استَأذَنَ في الدُّخولِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَمِعَ النِّداءَ من داخِلِ الرَّوضةِ الشَّريفةِ يَقولُ له: (يا عَليُّ، ادخُلْ) !
4- أنَّ عَبدَ القادِرِ الجَزائِريَّ وقَف تُجاهَ القَبرِ وقال: (يا رَسولَ اللهِ: عَبدُك ببابِك، كَلبُك بأعتابِك، نَظرةٌ منك تُغنيني يا رَسولَ اللهِ، عَطفةٌ منك تَكفيني، فقال له الرَّسولُ: أنت ولدي، ومَقبولٌ عِندي بهذه السَّجعةِ المُبارَكةِ) .


5- أنَّ الشَّعَرانيَّ قال: (وممَّا مَنَّ اللهُ عَليَّ: شِدَّةُ قُربي من رَسولِ اللهِ، وهي المَسافةُ بَيني وبَينَ قَبرِه الشَّريفِ في أكثَرِ الأوقاتِ، حتَّى رُبَّما أضَعُ يَدَي على مَقصورَتِه وأنا جالسٌ بمِصرَ، وأكَلِّمُه كما يُكَلِّمُ الإنسانُ جَليسَه) !


وبهذا الزَّعمِ يَصيرُ الأمرُ مُشاهَدةً عِيانيَّةً لا مَناميَّةً! وأيُّ قيمةٍ بَعدَ ذلك لكُتُبِ السُّنَّةِ والحَديثِ ما دامَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَيٌّ حاضِرٌ مَعَ هؤلاء، وهل يَصيرُ اجتِهادُ المُجتَهدينَ في استِخراجِ الأحكامِ إلَّا هَدرًا للوقتِ؟ هلَّا طَلبوا منَ الصُّوفيَّةِ استِفتاءَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنها تَوفيرًا للوقتِ؟ وكَيف يَتَّفِقُ أن يَشتَهرَ الصُّوفيَّةُ بعَدَمِ الإلمامِ بالشَّريعةِ وبالحَديثِ، ويَخلِطونَ بَينَ الصَّحيحِ والمَوضوعِ منَ الحَديثِ، وبَينَهم رَسولُ اللهِ يَحضُرُهم كُلَّما شاؤوا؟!

6- أنَّ الصَّيَّاديَّ ذَكَرَ أنَّ إبراهيمَ المَتبوليَّ كان يَرى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَتَلقَّى أوامِرَه المُحَمَّديَّةَ، وأنَّ أبا العَبَّاس المُرسي كان يَراه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَرى الانحِجابَ عن رُؤيَتِه نَقصًا في مَقامِ وِلايَتِه، وأنَّ الشَّاذِليَّ لم يَكُنْ طيلةَ حَياتِه يُفارِقُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَيثُ يُقسِمُ على ذلك قائِلًا: (واللَّهِ لو غابَ عنِّي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَرفةَ عَينٍ ما عَدَدتُ نَفسي منَ المُسلِمينَ) !

7- أنَّ الصَّيَّاديَّ ذَكَرَ أنَّ أحَدَ أعيانِ الصُّوفيَّةِ -واسمُه الشَّيخُ جَلالُ الدِّين- كان يَجتَمِعُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقَظةً لا في المَنامِ، فقيل له: كَم مَرَّةً رَأيتَه يَقَظةً؟ قال: (بضعًا وسَبعينَ مَرَّةً)!
فأيُّهما أعظَمُ: مَن يَستَلمُ يَدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّةً واحِدةً أم مَن يَجلسُ بجانِبِه يَقَظةً ويُحادِثُه أكثَرَ من سَبعينَ مَرَّةً؟! .


رابعًا: أنَّهم زَعَموا أيضًا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رُئِيَ في المَنامِ أنَّه شَدَّ الرِّحالَ إلى قَريةِ الرِّفاعيِّ والكَعبةُ تَسيرُ مَعَه، وقد قال: (ها أنا والكَعبةُ زائِرونَ، وجَلسَ يُنادي أهلَ القُرى في طَريقِه أن يَزوروا مَعَه الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ) .


ثمَّ تَبَيَّنَ للرَّاوي أنَّ الرُّؤيا حَقيقيَّةٌ، فقامَ وذَهَبَ إلى قَريةِ الرِّفاعيِّ مُشارِكًا مَوكِبَ النَّبيَّعليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والكَعبةُ.


خامسًا: أنَّهم رَووا عنِ الرِّفاعيِّ أيضًا أنَّه في العامِ الثَّاني زارَ القَبرَ مَرَّةً أخرى. قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (ولمَّا حَجَّ الرِّفاعيُّ عامَ وفاتِه وزارَ قَبرَ النَّبيِّ الذي هو أفضَلُ منَ الجَنَّةِ، بل منَ العَرشِ والكُرسيِّ، أنشَدَ قائِلًا:


إن قيل زُرتُم بما رَجَعتُم
يا أشرَفَ الرُّسُلِ ما نَقولُ
فخَرَجَ صَوتٌ منَ القَبرِ سَمِعَه كُلُّ من حَضَر وهو يَقولُ:
قولوا رَجَعْنا بكُلِّ خَيرٍ
واجتَمَعَ الفرعُ والأصولُ) .


فالرِّفاعيُّ في كُلِّ مَرَّةٍ من هذه القِصَصِ لا يُخاطِبُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا بالشِّعرِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُجيبُه إلَّا بالشِّعرِ! لماذا لا يُخاطِبُه بلُغةِ القُرآنِ من غَيرِ شِعرٍ ولا نَثرٍ ولا سَجعٍ؟ وهل نَسيَ القَومُ قَولَ اللهِ تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ [يس: 69] ، ألم يَعلموا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُبغِضُ الشِّعرَ؟ فقد جاءَ عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ الشِّعرَ كان أبغَضَ الحَديثِ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .


سادِسًا: أنَّه يَلزَمُ من تَكليمِ الرِّفاعيِّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإمساكِ يَدِه عيانًا أن يَصيرَ صَحابيًّا، فيَنالَ شَرَف الصُّحبةِ. ولو قالوا بأنَّها كانت رُؤيا لما لزِمَ ذلك، لكِنَّهم يُصِرُّونَ على أنَّ الحادِثةَ كانت يَقَظةً لا مَنامًا.


سابعًا: ادَّعى الصَّيَّاديُّ أنَّ الشَّيخَ عَبدَ القادِرِ الجيلانيَّ كان مَوجودًا وقتَ الحادِثةِ. وقد أرادَ الصَّيَّاديُّ من ذِكرِ الجيلانيِّ أن يَجعَل منه شاهدًا على ما حَدَثَ، ولكِن أينَ شَهادةُ الجيلانيِّ نَفسِه بذلك، وهو لم يَذكُرْ في مُصَنَّفاتِه كـ(المُغني) و(الفتحِ الرَّبَّانيِّ) شيئًا من ذلك، ولا رَوى عنه أصحابُه ولا مُتَرجِموه أنَّه شَهدَ على ذلك؟ بل لم يُعرَفْ عنه أبَدًا أنَّه رافقَ الرِّفاعيَّ إلى الحَجِّ؛ فالصَّيَّاديُّ يَأتي لنا بشُهودٍ لم يَشهَدوا؛ إذ لن يَستَطيعَ الجيلانيُّ بَعدَ مَوتِه أن يُكذِّبَ هذه الدَّعوى المَنسوبةَ إليه.


ثامنًا: أنَّ هذين البَيتَينِ اللَّذَينِ أنشَدَهما الرِّفاعيُّ عِندَ القَبرِ مَنسوبانِ إلى غَيرِه.


قال الألوسيُّ: (إنَّ كثيرًا من أهلِ العِلمِ والأدَبِ نسَبَ البَيتَينِ إلى غَيرِ الرِّفاعيِّ؛ قال الشَّيخُ صَلاحُ الدِّينِ الصَّفويُّ في تَذكِرَتِه: حُكيَ أنَّ ابنَ الفارِضِ لمَّا اجتَمَعَ بالشِّهابِ السَّهرَورديِّ في مَكَّةَ أنشَدَه:
في حالةِ البُعدِ رُوحي كُنتُ أُرسِلُها
تُقَبِّلُ الأرضَ عنِّي وهي نائِبَتي
وهذه دَولةُ الأشباحِ قد حَضَرَت
فامدُدْ يَمينَك كَي تَحظى بها شَفَتي
.... ومِمَّن نَقلَ ذلك الشِّهابُ الخَفاجيُّ في كِتابه «طِرازُ المَجالِسِ») . وأورَدَها كذلك شِهابُ الدِّينِ العُمَريُّ ، وكبريت في (رِحلةِ الشِّتاءِ والصَّيفِ) .


وقد تَرَتَّبَ على نِسبةِ الرِّفاعيِّ لآلِ البَيتِ غُلوٌّ آخَرُ لدى الرِّفاعيَّةِ؛ فذَكَرَ أبو الهدى الصَّيَّاديُّ أنَّ الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ قال: (وحَقِّ العَزيزِ سُبحانَه وتعالى: قَبَضَ العَزيزُ جَلَّ جَلالُه من نورِ وجهِه قَبضةً فخَلقَ منها سَيِّدَنا المُصطَفى مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرَشَحَت فخَلقَني منها) !


وجاءَ في كِتابِ (الرَّوضِ النَّضيرِ) أنَّ اللهَ أمَر كُلَّ نَبيٍّ أن يُعطيَ شيئًا من روحِه إلى الشَّيخِ الرِّفاعيِّ، فأجابَ الأنبياءُ رَبَّهم إلى ذلك، وأعطى كُلٌّ منهم شيئًا من روحِه إلى الشَّيخِ الرِّفاعيِّ، فتَكَوَّنَت روحُه من أرواحِهم ومن رُوحِ جَدِّه المُصطَفى .


عَقيدَتُهم في صِفاتِ اللهِ تعالى

تَبَنَّتِ الطَّريقةُ الرِّفاعيَّةُ مَذهَبَ التَّفويضِ في الأسماءِ والصِّفاتِ زاعِمةً أنَّه مَذهَبُ السَّلفِ، فجاءَ في كِتابِ (البُرهانُ المُؤَيِّدُ) المَنسوبِ للشَّيخِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ: (فسَبيلُ المُتَّقينَ منَ السَّلفِ تَنزيهُ اللهِ تعالى عَمَّا دَلَّ عليه ظاهِرُه يعني ظاهِرَ القُرآنِ الكَريمِ وتَفويضُ مَعناه المُرادِ منه إلى الحَقِّ تعالى وتَقدَّسَ، وبهذا سَلامةُ الدِّينِ. نَزِّهوا اللهَ عن سِماتِ المُحدَثينَ وصِفاتِ المَخلوقينَ، وطَهِّروا عَقائِدَكم من تَفسيرِ مَعنى الاستِواءِ في حَقِّه تعالى بالاستِقرارِ، كاستِواءِ الأجسامِ على الأجسامِ، المُستَلزِمِ للحُلولِ، تعالى اللهُ عن ذلك، وإيَّاكم والقَولَ بالفوقيَّةِ والسُّفليَّةِ والمَكانِ واليَدِ والعَينِ بالجارِحةِ، والنُّزولِ بالإتيانِ والانتِقال؛ فإنَّ كُلَّ ما جاءَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ ممَّا يَدُلُّ ظاهرُه على ما ذُكرَ فقد جاءَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِثُله ممَّا يُؤَيِّدُ المَقصودَ، فما بَقيَ إلَّا ما قاله صُلَحاءُ السَّلَفِ، وهو الإيمانُ بظاهِرِ كُلِّ ذلك ورَدُّ عِلمِ المُرادِ إلى اللهِ ورَسولِه مَعَ تَنزيهِ الباري تعالى عنِ الكَيفِ وسِماتِ الحُدوثِ، وعلى ذلك دَرَجَ الأئِمَّةُ) .


ولا شَكَّ أنَّ هذا الكَلامَ باطِلٌ، سَواءٌ ثَبَتَت نِسبةُ الكِتابِ إلى الرِّفاعيِّ أم لم تُثبُتْ؛ فكُلُّ أحَدٍ يُؤخَذُ من قَولِه ويُترَكُ، فما وافقَ الحَقَّ قُبِل وما لا فلا. والسَّلفُ بَريئونَ من منهَجِ التَّفويضِ الذي نُسِبَ إليهم، فليست تلك طَريقَتُهم أبَدًا في إثباتِ الأسماءِ والصِّفاتِ الإلهيَّةِ .


وقال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (قد سُئِل الإمامُ الأكبَرُ مَولانا السَّيِّدُ أحمَدُ الرِّفاعيُّ الحُسَينيُّ رَضِيَ اللهُ عنه عنِ التَّوحيدِ، فقال: «وِجدانُ تَعظيمٍ في القَلبِ يَمنَعُ عنِ التَّعطيلِ والتَّشبيهِ. ومن هذا المَقامِ تَقديسُ صِفاتِه سُبحانَه عنِ التَّرتيبِ؛ فإنَّ ذلك يَقتَضي التَّعاقُبَ. وفي ذلك مَزلَقةُ القَولِ ببدايةٍ للصِّفاتِ. وما طَرَأ عليه البدايةُ لا بُدَّ وأن تَطرَأ عليه النِّهايةُ. وكُلُّ ذلك من سِماتِ الحُدوثِ، واللهُ سُبحانَه مُنَزَّهٌ عن كُلِّ ذلك في ذاتِه وصِفاتِه، بل هو القديمُ الأزَليُّ الأبَديُّ السَّرمَديُّ. قامَت به صِفاتُه، فلا هي عَينُه ولا هي غَيرُه، وكُلُّ بارِزٍ عن سُلطانِ صِفةٍ من صِفاتِه فهو حادِثٌ، والتَّرتيبُ يَجري عليه. والصِّفةُ المُقدَّسةُ في مَرتَبةِ القِدَمِ ومنَصَّةِ التَّقديسِ») .


عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وسلم

استغاثـتُـهم بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغُلوُّهم فيه بلا حَدٍّ:

قال الواسِطيُّ:
وأنتَ أرحَمُ مَن لاذَ المُسيءُ به
وخَيرُ مَن يُرتَجى إن جَلَّتِ الكُرَبُ .


فالواسطيُّ جَعَل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرحَمَ مَن يَلوذُ به المُسيءُ وخَيرَ مُرتَجًى عِندَ حُصولِ الكَربِ والشِّدَّةِ، مُتَناسيًا بذلك أرحَمَ الرَّاحِمينَ سُبحانَه، مَعرِضًا عن قَولِ النَّبيِّ نَفسِه ((تَعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْك في الشِّدَّةِ)) .


وعن قَولِ اللهِ تعالى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 67] ، وقولِه: قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام: 64] .


جاعِلينَ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نِدًّا له؛ ولذلك يَجعَلونَ اللَّهَ تعالى في أحَدِ أبياتهمُ الشِّعريَّةِ ثالِثَ ثَلاثةٍ، فيَقولونَ:
حَسبُنا اللهُ والنَّبيُّ وهذا الـ
غَوثُ حِصنًا عنِ الجِبالِ الرَّواسي
نادِه لن تُراعَ وأبشِرْ إذا ما
قُلتَ غَوثاه يا أبا العَبَّاسِ .


الاعتِقادُ بحَياةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَبرِه

قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (وأمَّا بشَأنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإنَّه حَيٌّ في قَبرِه، مُنعِمٌ مُتَصَرِّفٌ كتَصَرُّفِه حالَ حَياتِه، مُتَصَرِّفٌ وهو فيه بالعالمِ العُلويِّ والسُّفليِّ) .
وقال أيضًا: (وهو حَيٌّ سَميعٌ يَأكُلُ ويَشرَبُ ويَتَنَعَّمُ. وأنَّ أهلَ الكَشفِ من خَواصِّ هذه الأمَّةِ انكَشَف لهم ذلك في العالمِ الرُّوحانيِّ لا الجُسمانيِّ) .


وأكَّدَ على أنَّ كُلَّ الأولياءِ منَ المُتَصَوِّفةِ: (يَرَونَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَسمَعونَ خِطابَه الكَريمَ، وأنَّ الفرقَ بَينَ الوليِّ وبَينَ غَيرِه هو سَماعُ خِطابِه المُبارَكِ وعَدَمُه) .
وبَنى على هذا أنَّ الاستِمدادَ منَ الأمواتِ أَولى وأحرى بالإجابةِ منَ الاستِمدادِ بالأحياءِ، وذلك لتَصَرُّفِهم في قُبورِهم.


قال: (وعلى هذا فالاستِمدادُ منَ الأمواتِ أسرَعُ عِندي لقَضاءِ الحاجةِ) .


والصَّيَّاديُّ في أشعارِه يَطلُبُ الرَّحمةَ والعَونَ والغَوثَ منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نافيًا أن يَجِدَ العَونَ والنُّصرةَ من غَيرِه، قائلًا:


رَسولَ الرِّضا أدرِكْ عُبَيدَك بالبُشرى
تَكرَّمْ تَحنَّنْ جُدْ تَعطَّفْ أبا الزَّهرَا
عَلِمتُك يا مَولايَ ذُخري وناصِري
وعَوني في الدُّنيا وذُخري في الاخْرى
وأنتَ عياذي والنَّصيرُ ومَوئِلي
كَفى بك يا سَيفَ القَضا ذُخْرَا
غَوثاه يا سَيِّدَ السَّاداتِ خُذْ بيَدي
فلن أرى لي أعوانًا وأنصارَا .
وقال:
غَوثاه يا مُصطَفاه انظُرْ بمَرحَمةٍ
عِصابةً قد أضَرَّتْها خَطاياها
ويا أبا القاسِمِ الغَوثَ الغياثَ فقد
ضاقَت بنا الأرضُ أقصاها وأدناها .
ويُلِحُّ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَسألُه مَزيدًا منَ الرَّحمةِ والعَونِ والحِمايةِ والنُّصرةِ، فيَقولُ:
يا غَوثَ كُلِّ العالَمينَ وهَيكَلَ الـ
ـمدَدِ المَتينِ إذا ألمَّ مُهيلُ
ها أنتَ نُصرةُ عاجِزٍ مِثلي أتاك
له ببُكاءٍ تَلهُّفٌ وعَويلُ
وارحَمْ عُبيدًا حينَ يُحشَرُ في غَدٍ
من غَيرِ حُبِّك ما لدَيه فَتيلُ
وحِماك الغياثُ؛ فإنَّني
ما لي وحَقِّك عن حِماك عُدولُ
فأغِثْ بفَضلِك واكفِني همَّ الزَّمانِ
ففيك فيه على بَنيه أصولُ
وارحَمْ إذا داعي الحِسابِ دَعا فأنتَ
المُرتَجى والسَّيِّدُ المَأمولُ
واشمَلْ بعَطفِك والدي وإخوتي
وبَنيَّ إذ بك للمُرادِ حُصولُ
واعطِفْ على أهلي وكُلِّ عَشيرَتي
عَطفًا به عِندَ الرَّجاءِ قَبولُ
ها أنتَ كالئًا إذا الباغي بَغى
ولحِفظِنا يَومَ الكُروبِ كَفيلُ .
وقال:
أدعوك دَعوةَ مُستَجيرٍ لائِذٍ
بعَريضِ جاهِك مِن جَفًا وصُدودِ
فلأنتَ غَوثُ العاجِزينَ وذُخرُهم
ومُجيرُهم مِن وَهدةِ التَّنفيذِ
يا خَيرَ مَن قَصَدَ العُفاةُ رِحابَه
وأتاه صاحِبُ مَقصِدٍ بقَصيدِ
ضاقَت عَليَّ مَذاهبي فامنُنْ عَليَّ
ضَعفي بإحسانٍ يَغيظُ حُسودي
وانظُرْ بعَينِ الرِّفقِ كَسري واكفِني
همَّ الزَّمانِ ووَصمةَ التَّنكيدِ .


الاستِغاثةُ بالرِّفاعيِّ ومَوقِفُ الرِّفاعيِّه من ذلك


قالوا عنِ الرِّفاعيِّ: إنَّه: (كَعبةُ القاصِدينَ وقِبلةُ أهلِ الحالِ) . وإنَّه: (كما أنَّ الكَعبةَ قِبلةُ المُصَلِّينَ، وكما أنَّ العَرشَ قِبلةُ أصحابِ الهمَمِ، فكذلك الشَّيخُ قِبلةُ المُريدينَ ، فالعَرشُ قِبلةُ الهمَمِ، والكَعبةُ قِبلةُ الجِباهِ، وأحمَدُ قِبلةُ القُلوبِ) .


وقالوا عنه: إنَّه (غَوثُ الثَّقَلينِ)، أي: الذي تَستَغيثُ به الجِنُّ والإنسُ ، بل إنَّ النَّعجةَ تَستَغيثُ به إذا هاجَمَها الذِّئبُ، وتَقولُ بلسانٍ فصيحٍ: (أدرِكْني يا سَيِّدي أحمَدُ) . وأنَّ اللهَ صَرَّفه في الكَونِ .


وأنَّه مجيبُ الدَّواعي ، وأمانُ الخائِفينَ، والمُتَحَكِّمُ في ذَرَّاتِ الكَونِ .


وأنَّه مَلجَأُنا ومَلاذُنا ومَفزَعُنا ووليُّ نِعمَتِنا ، وأنَّه كَشَّافُ المُدلَهِمَّاتِ والكُروبِ ، وأنَّ التَّمَسُّكَ بأذيالِه من أسبابِ النَّجاةِ .


وأنَّ اللهَ جَعَله ظِلًّا ظَليلًا وأمانًا لأهلِ الأرضِ، وأنَّ مَقامَه وخِلافتَه تَشهَدُ بها السَّمَواتُ والأرضُ، وأنَّ كُلَّ النَّاسِ أجابوا وِلايَتَه، حتَّى الذَّرُّ الذينَ لم يَزالوا في أصلابِ الآباءِ قد شَهِدوا بوِلايَتِه . فبه يَدفعُ اللهُ البلاءَ، وبه يُمطِرُ السَّماءَ، وبه يُرحَمُ الخَلْقُ، وبه تَخضَرُّ الأرضُ، وبه يَدِرُّ الضَّرعُ، وبه تَنزِلُ البَرَكاتُ، وبه تُرفَعُ الدَّرَجاتُ .


وقالوا بأنَّه لو قُدِّرَ أن يَكونَ الرِّفاعيُّ حَيًّا في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لنَزَلت فيه آياتٌ تُتلى! نَقلَ ذلك أبو الهدى الصَّيَّاديُّ عن صَدرِ الدِّينِ السُّبكيِّ الذي رَثى الرِّفاعيَّ ببَيتَينِ منَ الشِّعرِ، قال فيهما:
يا ابنَ الرِّفاعيِّ يا مَن شَمسُ دَولتِه
لها بكُلِّ فِجاجِ الكـونِ عُنوانُ
لو كُنتَ في زَمَنِ المُختارِ شافِعِنا
لجاءَ في خَلْقِك المَمدوحِ قُرآنُ .


إنَّ الرِّفاعيَّةَ قد جَعَلوا لشَيخِهم رُتبةَ (الغَوثيَّةِ) حتَّى إنَّ النَّعجةَ تَستَغيثُ به إذا انقَضَّ عليها الذِّئبُ وتُناديه بلُغَتِها: (يا سَيِّدي أحمَدُ) . وذَكَروا أنَّ الرِّفاعيَّ ما زال يَرتَقي من مَقامٍ إلى آخَرَ حتَّى ارتَفعَت رُتبَتُه عن مَقامِ (الغَوثيَّةِ) حتَّى صارَ هذا المَقامُ ناقِصًا وقاصِرًا عنِ المَقاماتِ الأخرى التي تَلته . بمَعنى أنَّه صارَ مُنَزَّهًا عن رُتبةِ (غَوثِ الثَّقَلينِ) تلك الرُّتبةِ التي اعتادوا أن يَصِفوه بها من قَبلُ، حتَّى قالوا بأنَّه ارتَفعَ عنها إلى مَرتَبةِ النِّيابةِ عنِ النُّبوَّةِ، وأنَّ مَرتَبةَ النِّيابةِ عنِ النُّبوَّةِ أرفَعُ وأجَلُّ من مَرتَبةِ الغَوثيَّةِ . قالوا: (ولهذا لما قال له أحَدُ تَلامِذَته: أنتَ القُطبُ، قال له الرِّفاعيُّ: نَزِّهْ شَيخَك عنِ القُطبيَّةِ. فقال له حينَئِذٍ: أنتَ الغَوثُ. قال له الرِّفاعيِّ: نَزِّهْ شَيخَك عنِ الغَوثيَّةِ) .
فهذا التَّنزيه عِندَهم إنَّما أرادَ به الرِّفاعيُّ تَرفُّعَه عن هَذَينِ المَقامَينِ القاصِرَينِ النَّاقِصينِ إلى ما هو أعلى منهما .


وهذا التَّأويلُ لا يُفيدُه كَلامُ الرِّفاعيِّ من قَريبٍ ولا من بَعيدٍ، وإنَّما يُقالُ بأنَّ سَبَبَ إنكارِه على تِلميذِه لعَلَّه كائِنٌ في أنَّه يَعتَقِدُ أنَّ ذلك من خَصائِصِ الألوهيَّةِ وأنَّ وَصفَ المَخلوقِ بمِثلِ هذه الصِّفةِ شِركٌ. ويُؤَكِّدُ ذلك قَولُ الرِّفاعيِّ: (إذا استَعنتُم بعِبادِ اللهِ وأوليائِه فلا تَشهَدوا المَعونةَ والإغاثةَ منهم؛ فإنَّ ذلك شِركٌ) .


فهذا النَّصُّ يُفيدُ بوُضوحٍ أنَّ الاستِغاثةَ بالأولياءِ يُعِدُّها الرِّفاعيُّ منَ الشِّركِ المُنافي للتَّوحيدِ؛ ولذلك اعتَرَضَ على تِلميذِه حينَ وصَفه بها.


وزيادةً على ذلك فقد كان الرِّفاعيُّ يَرى العُكوفَ على قُبورِ المَشايِخِ والتَّبَرُّكَ بها منَ الوثَنيَّةِ، وسَمَّى القَبرَ في مِثلِ هذه الحالةِ (صَنَمًا) فقال: (يا سادةُ: لا تَجعَلوا رُواقي حَرَمًا، ولا قَبري بَعدَ مَوتي صَنَمًا، عَليكم به سُبحانَه، لا يَضُرُّ ويَنفعُ ويَصِلُ ويَقطَعُ ويُفرِّقُ ويَجمَعُ ويُعطي ويَمنَعُ إلَّا هو) .


وهذا الكَلامُ مَوجودٌ في الكُتُبِ التي يُشَدِّدُ الرِّفاعيَّةُ على صِحَّةِ نِسبَتِها إلى شَيخِهم، والتي يَذكُرُ فيها أنَّ اللهَ تعالى يَقولُ: (ما من عَبدٍ نَزَلت به بليَّةٌ فاعتَصَمَ بمَخلوقٍ دوني إلَّا قَطَعتُ أسبابَ السَّماءِ من يَدَيه، ووكَلْتُه إلى نَفسِه، وما من عَبدٍ نَزَلت به بليَّةٌ فاعتَصَمَ بي دونَ خَلقي إلَّا أعطَيتُه قَبل أن يَسألَني) .
وأنَّ عيسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (طوبى لعَبدٍ سَأل اللهَ ولم يَسألْ إلَّا اللهَ) .


ورَوى أنَّ بَعضَ الصَّالحينَ وقَعَ في بئرٍ ومَرَّت بجانِبِ البئرِ قافِلةٌ، فأرادَ أن يَستَغيثَ فهَتَف به هاتِفٌ: (أتَستَغيثُ بغَيري وأنا غِياثُ المُستَغيثينَ؟!) .
ورَوى أنَّ اللهَ تعالى قال لعَبدٍ من عِبادِه: (لا تَسألْ غَيري فأمقُتَك) .


هذا مَوقِفُ الرِّفاعيِّ منَ الاستِغاثةِ بالمَشايِخِ ومُلازَمةِ قُبورِهم، وهذا هو مَوقِفُ كِبارِ أئِمَّةِ الصُّوفيَّةِ وعُقَلائِها أمثالِ عَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ الذي كان يُشَنِّعُ على المُستَغيثينَ المُستَعينينَ بغَيرِ اللهِ، فقال في كِتابِه (الفَتحُ الرَّبَّانيُّ): (يا مَن يَشكو الخَلْقَ مَصائِبَه، أيشٍ يَنفعُك شَكواك إلى الخَلْقِ؟ لا يَنفعونَك ولا يَضُرُّونَك، وإذا اعتَمَدتَ عليهم وأشرَكتَ في بابِ الحَقِّ عَزَّ وجَلَّ يُبعِدونَك، وفي سَخَطِه يوقِعونَك... أنتَ يا جاهلُ تَدَّعي العَلمَ، تَطلُبُ الخَلاصَ منَ الشَّدائِدِ بشَكواك الخَلقَ... ويلَك! أما تَستَحيي أن تَطلُبَ من غَيرِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ وهو أقربُ إليك من غَيرِه؟!) .


وقال لولدِه عِند مَرَضِ مَوتَه: (لا تَخَفْ أحَدًا ولا تَرجُه، وأوكِلِ الحَوائِجَ كُلَّها إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ واطلُبْها منه، ولا تَثِقْ بأحَدٍ سِوى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ولا تَعتَمِدْ إلَّا عليه سُبحانَه، التَّوحيدَ التَّوحيدَ، وجِماعُ الكُلِّ التَّوحيدُ) .


فمَذهَبُ الرِّفاعيِّ منَ الاستِغاثةِ بغَيرِ اللهِ تعالى أنَّها شِركٌ باللهِ تعالى، وأمَّا أتباعُه فعَدَدٌ منهم قد ضَلَّ في هذا البابِ ضَلالًا مُبينًا، ومنهم مُحَمَّد أبو الهدى الصَّيَّاديُّ الذي كتَبَ في الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ ما يَزيدُ على الخَمسينَ مُصَنَّفًا.
وقدِ ادَّعى عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه قال:
مَن لاذَ فينا اكتَفى عن غَيرِنا أبَدًا
وجاءَ في رَكبنا بالأمنِ من نَدَمِ
فالجَأْ بأعتابِ عِزَّتي والتَمِسْ مَدَدي
وطُفْ ببابي وقِفْ مُستَمطِرًا نِعَمي
ولازِمِ الذُّلَّ في شَطحاءِ مَنزِلِنا
تَنجو بهمَّتِنا من حالةِ العَدَمِ .


وليس يُعقَلُ أن يَقولَ الرِّفاعيُّ مِثلَ هذا القَولِ، ولا يَتَّفِقُ هذا مَعَ ما حَكَوه عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه كان كُلَّما طَلبَ أحَدُهمُ الدُّعاءَ منه يَقولُ له: (مَن أنا حتَّى أدعو لك؟! ما مِثلي إلَّا كمِثلِ ناموسةٍ على الحائِطِ لا قدرَ لها، وكَيف تَدعوه نَفسُه إلى ذلك من هو لا شَيءَ) .


قال الآلوسيُّ: (وقد تَكَلَّمتُ يَومًا مَعَ أحَدِ غُلاةِ الرِّفاعيَّةِ إذِ استَغاثَ بالرِّفاعيِّ، فقُلتُ له: هل يَسمَعُ الآنَ الرِّفاعيُّ نِداءَك وهو في قَبرِه في قَريةِ «أم عُبَيدةَ» ويَمُدُّك بالمَدَدِ؟
فقال: نَعَم.
قُلتُ: فإذا اتَّفقَ مِثلَك في بلادٍ كَثيرةٍ ومَواضِعَ مُتَعَدِّدةٍ ألوفٌ مُؤَلَّفةٌ في أقطارٍ شاسِعةٍ، هل يَسمَعُهم أحمَدُ الرِّفاعيُّ ويَمُدُّهم ويُغيثُهم؟
قال: نَعَم.


قُلتُ له: أرَأيتَ إن كان كَثيرونَ مِثلُك في بلادٍ أخرى مُتَعَدِّدةٍ يَستَغيثونَه في نَفسِ الوقتِ الذي تَستَغيثُ أنتَ فيه، هل يَسمَعُ نِداءَهم جَميعِهم في آنٍ واحِدٍ ويُغيثُهم؟
قال: نَعَم) !


فانظُرْ كَيف صارَ اعتِقادُهم في الرِّفاعيِّ: أنَّه لا يَشغَلُه سَمعٌ عن سَمعٍ، ولا يَغفُلُ عن أدعيةِ الدَّاعينَ واستِغاثةِ المُستَغيثينَ ولو تعَدَّدوا واختَلفَت أمكِنَتُهم في الوقتِ الواحِدِ، فهذا بلا رَيبٍ من بابِ إضافةِ صِفاتِ الخالقِ إلى المَخلوقينَ! تعالى اللهُ عن ذلك عُلوًّا كَبيرًا.


وهذه مَجموعةٌ من أبياتِ الشِّعرِ التي قالها الصَّيَّاديُّ ، وهي تَحوي في ثَناياها أصنافًا منَ الشِّركِ والاستِغاثةِ بالرِّفاعيِّ، وارتِجائِه وطَلَبِ المَدَدِ منه.
ومنها قَولُه:
يا رِفاعيُّ وقَعتُ في أعِتابِك
فتَدارَكْ عَبدًا يَلوذُ ببابِك
يا رِفاعيُّ يا غَوثَ كُلِّ البَرايا
لا تُضَيِّعْ طِفلًا جَميلَ الرَّجا بك
أنتَ غَوثُ الوُجودِ مِفتاحُ كَنزِ الـ
ـوجودِ والخَيرُ سَحٌّ من ميزابِك
أنتَ حِصنُ المَلهوفِ والباذِلُ الـ
ـمعروفِ والعاجِزونَ من أحزابِك
أنتَ بابُ الرَّسولِ من غَيرِ شَكٍّ
وأتَينا نَرجو العَطا من بابِك
وأنا عَبدُك الذي باعتِقادٍ
عَلقَت راحَتاه في أثوابِك
فتَحَرَّكْ بهمَّةٍ وأغِثْني
وتَذكَّرْ تَشَرُّفي بانتِسابِك
رَضِيَ اللهُ عنك أدرِكْ فإنِّي
يا رِفاعيُّ وقَعتُ في أعِتابِك .
وقال أيضًا:
لك يا غَوثاه تَصريفُ الزَّمانِ
حَيثُ أنتَ المُرتَجى في كُلِّ آنِ
أنتَ في بابِك مِحرابُ الأمانِ
فتَدارَكْني وأصلِحْ سَبَبي
وأغِثْ إنَّني في تَعَبِ .
وقال:
يا ابنَ الرِّفاعيِّ تَدارَكْ
لمَن أتى واستَجارَك
شَيخَ العُريجا أغِثْني
أصبَحتُ في الحَيِّ جارَك
لا تَلْوِ طَرْفَك عنِّي
إنِّي أرومُ انتِصارَك
يا أحمَدَ الأصفياءِ
يا وارِثَ الأنبياءِ
يا شَيخَ كُلِّ الوُجودِ
يا بَحرَ فَضلِ وُجودِ
يا ابنَ الرَّسولِ أغِثْني
فقد تَعاظَمَ حُزني
فإن تَغاضَيتَ عنِّي
يُصبحُ عاريَ عارَك .
وقال أيضًا:
لُذْ ببابِ الجليلِ الرِّفاعي
لُذْ ببابِ الجَليلِ الرِّفاعي
ولك الأمنُ من مُلِمِّ الدَّواعي
وتَمَلمَلْ برَحبِه فحِماه
حَرَمُ الوَصلِ قاطِعُ الانقِطاعِ
فهو في العارِفينَ كَعبةُ بَيتِ الـ
وصلِ مِحرابُ جامِعِ الانتِفاعِ
ومَلاذي ومَلجَئي ونَصيري
ومُغيثي ومُنقِذي من ضَياعِ
فعليه الرِّضا منَ اللهِ ما صَلَّى مُصَلٍّ
وطافَ بالبَيتِ ساعي .
وقال:
به أحتَمي إن سامَني غَدرُ غادِرٍ
ودَومًا إليه في الصِّعابِ التِجائِيَهْ
ومِن كُلِّ كَربٍ أستَغيثُ باسمِه
فذا مَأمَني من كُلِّ عادٍ وعادِيهْ
وما لي سِواه في الأنامِ وسيلةً
ولا مُنجِدًا أيَّامَ تَسطو أعادِيَه
وما لي له إذا جِئتُ خائِفًا
وقُمتُ أؤَدِّي في القيامِ حِسابَيْه .
وقال:
غَوثاه بالمُصطَفى وبالمُرسَلينَ وفي
كُلِّ الصَّحابةِ أهلِالمجدِ والهمَمِ
أسرِعْ وقُمْ واكفِني شَرَّ الزَّمانِ وجُدْ
عَطفًا بنَظرةِ لُطفٍ تُحْيِ لي عَدَمي
وانهَضْ بهمَّتِك العُليا وقُلْ حَصَل الـ
ـمقصودُ صِدقًا وأسعِفْ وارعَ لي همَمي
غَوثاه يا ابنَ رَسولِ اللهِ خُذْ بيَدي
يا سَيِّدَ الأوليا يا ثابِتَ القدَمِ
ما لي لبابِ رَسولِ اللهِ واسِطةٌ إلَّاك
فاسمَحْ وقُلْ لا تَخشَ من نَدَمِ .
ونَقَل عن مُحَمَّد نور أفنديقَولَه:
يا ابنَ الرِّفاعيِّ الرَّفيعَ مَقامُه
يا سَيِّدَ الأقطابِ والسَّاداتِ
شَرُفَت قيعانُ العِراقِ جَميعُها
فغَدَت بقَبرِك مَهبِطُ البَرَكاتِ
كَم نَظرةٍوجَّهتَها لـمُضَيَّعٍ
فجَمَعتَ الأمرَ منه بَعدَ شَتاتِ
ولكَم صَرَفتَ القَلبَ نَحوَ عُوَيجزٍ
فرَفعتَ رُتبَتَه إلى الغاياتِ
يا مَن يُؤَمِّلُ يَومَ كُلِّ مُلمَّةٍ
يا مَن يَؤُمُّ حِماه للفَضحاتِ
يا صاحِبَ العَلمَينِ يا بَحرَ النَّدى
يا عُمدَتي أبَدًا وحِصنَ نَجاتي
أدعوك غَوثًا يا ابنَ بنتِ مُحَمَّدٍ
يا سَيِّدي يا عاليَ الدَّرَجاتِ
لا تَقطَعَنْ رَحِمي لذَنبٍ مَسَّني
وأقِلْ دائِمًا بفَضلِك عَثَراتي .


الرِّفاعيُّ وعَقيدةُ خَتمِ الوِلايةِ

إنَّ عَقيدةَ خَتمِ الوِلايةِ فِكرةٌ صوفيَّةٌ أوَّلُ مَن تَكَلَّمَ بها الحَكيمُ التِّرمِذيُّ، وابنُ عَرَبيٍّ وغَيرُهما، فأخَذَها المُتَصَوِّفةُ عنهم ونَسَبَها كُلٌّ منهم لشَيخِه، فنُسِبَت بَعدَ ذلك لعَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ والتِّيجانيِّ وغَيرِهما.


وقد ذَكَرَ أبو الهدى الصَّيَّاديُّ في عَدَدٍ من كُتُبِه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ظَهَرَ على مَنصورٍ البطائحيِّ -خالِ الرِّفاعيِّ- وبَشَّرَه أنَّ اللهَ سيَرزُقُ أختَه بولدٍ يَأتي من بَعدِه اسمُه أحمَدُ الرِّفاعيُّ، يَكونُ رَأسًا في الأولياءِ، كما أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأسٌ في الأنبياءِ .


وقالوا: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ عَليًّا الواسِطيَّ أن يَعتَنيَ بالرِّفاعيِّ، وأكَّدَ له بأنَّه كما هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأسٌ في الأنبياءِ فكذلك يَكونُ الرِّفاعيُّ رَأسًا في الأولياءِ، وحَذَّرَه من مَغَبَّةِ إهمالِ وصيَّتِه في الرِّفاعيِّ؛ لأنَّ شَأنَه عِندَ اللهِ عَزيزٌ .


وقد ضرَبَ الصَّيَّاديُّ مَثَلًا لتَفضيلِ الرِّفاعيِّ على الأولياءِ، فقال: إذا ذُكِرَ الأنبياءُ فحَدِّثوا عنهم، وإذا ذُكِرَ مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاسكُتوا، وإذا ذُكِرَ الأولياءُ فحَدِّثوا عنهم، وإذا ذُكِرَ السَّيِّدُ أحمَدُ الرِّفاعيُّ فاسكُتوا .


ثمَّ بلغَ بهمُ الغُلوُّ في إطراءِ الرِّفاعيِّ أن جَعَلوه خاتَمَ الأولياءِ كما أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمٌ في الأنبياءِ، وذلك جريًا على المُشابَهةِ التي جَعَلوها بَينَهما، فذَكَرَ القُرَشيُّ أنَّ اللهَ قد خَتَمَ بالرِّفاعيِّ الوِلايةَ كما خَتَمَ بمُحَمَّدٍ النُّبوَّةَ .


ومن خِلالِ استِعراضِ سيرةِ الرِّفاعيِّ يَتَبَدَّى للنَّاظِرِ من خِلالِ ما كَتَبَه عنه الرِّفاعيُّونَ أنَّهم يُحاكونَه بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وببَعضِ ما جَرى له، مِثلُ حادِثةِ شَقِّ المَلائِكةِ لصَدرِ الرِّفاعيِّ، ومِثلُ التَّلميحِ من وقتٍ لآخَرَ بعِصمَتِه، بل إنَّهم يَدفعونَ أولياءَهم دَفعًا إلى مَرتَبةِ النُّبوَّةِ، حتَّى إنَّهم ليَعتَقِدونَ فيهم أنَّهمُ الأولياءُ الكُمَّلُ الذين هم في غالِبِ أمورِهم لا يَعمَلونَ عَمَلًا إلَّا عن إذنٍ سَماويٍّ . ولا يَختَلفُ الإذنُ السَّماويُّ عنِ الوحيِ السَّماويِّ إلَّا في العِبارةِ.


ذَكَر الرِّفاعيُّونَ عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه قال لإبراهيمَ الأعزَبِ: (اعلَمْ أنِّي لمَّا دُعيتُ إلى هذا الأمرِ حُمِلتُ إلى قِبلةِ هذا البَلدِ، وشَقَّ صَدري مَلَكٌ منَ المَلائِكةِ المُقَرَّبينَ، فأخرَجَ منه شيئًا مُظلِمًا وغَسَله بماءِ الحَيَوانِ منَ الرِّياءِ وسوءِ الخُلُقِ وكُلِّ ما للشَّيطانِ فيه نصيبٌ، كُلُّ ذلك وأنا أنظُرُ بعَيني كما فُعِل برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .


وثَمَّةَ عِبارةٌ أخرى بَينَ كُتُبِ الرِّفاعيَّةِ قد تُحَدِّدُ ما هو هذا الأمرُ الذي دُعيَ إليه الرِّفاعيُّ؛ فقد جاءَ في كِتابِ (سَوادُ العَينَينِ) أنَّ اللهَ قد رَفعَ الرِّفاعيَّ إلى مَقامِ القُطبيَّةِ والغَوثيَّةِ، وإنَّه من أجلِ ذلك ذَهَبَ إلى قَبرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَمَلمَلَ على عَتَبَتِه وصارَ يَقولُ: (العَفوَ العَفوَ) إلى أن أحاطَ به النِّداءُ من كُلِّ جانِبٍ (فاستَقِمْ كما أُمِرتَ) .


ولقد أثنى الصَّيَّاديُّ على الشَّيخِ الرِّفاعيِّ بأبياتٍ قال فيها:
برْقَعَتْك العِنايةُ الإلهيَّة
يا رِفاعيُّ بالبُرودِ السَّنيَّة
لم نَقُلْ أنتَ في مَقامِك مَعصو
مٌ ولكِنْ حِفظًا هَجَرتَ الخَطيَّة
أنتَ زيتـونةٌ كَريمةُ أصلٍ
لا شَرقيَّةٌ ولا غَربيَّة
أنتَ فردُ الأغواثِ يا نَبَويَّ الـ
خَلْقِ والخَلْقُ يُثبتُ الفَرديَّة .
ثمَّ زَعَمَ أنَّ الرِّفاعيَّ مُنَزَّهٌ عن مرتبة الغوثية؛ لأنَّه نال ما هو أعلى وأجَلُّ منها، وهي رُتبةُ النِّيابةِ عنِ النُّبوَّةِ .







اثبت وجودك .. تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع


أكتب تعليق على الموضوع مستخدماً حساب الفيس بوك

التوقيع:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ) مجموع الفتاوى ( 52/18)
قال ابن الجوزي رحمه الله ( من أحب أن لاينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم ) التذكرة .


مدونة شرعية

https://albdranyzxc.blogspot.com/

من مواضيعي في الملتقى

* فوائد من شرح الطحاوية... للشيخ الدكتور يوسف الغفيص وفقه الله
* شرح أسماء الله الحسنى ... العلامة السعدي رحمه الله
* حركة تحرير المرأة ...أهدافها وأنصارها
* يهود الدونمة ...عقائدهم ومكائدهم
* اليزيدية ...
* القواعد الحسان لتفسير القرآن ...الشيخ السعدي
* تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ ...

السليماني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 
   
الكلمات الدلالية (Tags)
..., الرفاعية, الشخصيات, الصوفية, عقائد, فرقة, وأبرز
 

   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اليهودية ...عقائد وضلالات السليماني قسم الفرق والنحل 6 09-10-2025 01:15 PM
البوذية ...عقائدها وأبرز شخصياتها السليماني قسم الفرق والنحل 2 11-02-2024 11:39 PM
البريلوية ... عقائد وتاريخ السليماني قسم الفرق والنحل 2 10-08-2024 09:46 PM
المعتزلة.. التأسيس .. ابرز الشخصيات .. المبادئ والأفكار ابو عبد الرحمن قسم الفرق والنحل 7 10-05-2024 01:41 PM
كيفية الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت وأبرز وسائلهاااااااااااااا الشيخ عبده ملتقى الحوار الإسلامي العام 4 01-06-2019 06:00 PM


   
 

vBulletin® v3.8.7, Copyright ©, TranZ by Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009