![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#13 |
مشرفة قسم القرآن
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() ماذا فعل اليهود يوم السبت يوم العبادة ؟ تعريف بسيط للقردة والخنازير وعبدة الطاغوت :﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) ﴾ أنشؤوا أحواضاً وفتحوها يوم السبت حتى إذا أتت الحيتان يوم سبتهم أغلقوها مساءً، واصطادوها يوم الأحد !!! حيلة شرعيَّة، وهذا يشبه الحيل الشرعية التي يفعلها بعض المسلمين، لعلَّها الآن تقلَّصت لضعف الدين أساساً، كان يضع زكاة ماله برغيف خبز، يهبها لفقير، والفقير لا يدري أن الرغيف فيه خمسة آلاف ليرة، ثم يقول له: هل تهبني هذا الرغيف الذي هو بخمس ليرات ؟! يقول له: أتمنَّى، يقول لك: أنا دفعت زكاة مالي للفقير، هذا شيء مضحك، وعلى هذا تقاس أشياء كثيرة جداً، نغير الأسماء فتصير المحرَّمات مباحات، نقوم بتعليلات، اجتهادات، نقول: هذا القرض ليس القصد منه الاستغلال بل هو قرض استثماري وليس فيه تحريم، من قال لك ذلك ؟!! هناك من يجتهد ليحل كل شيء إلى أن أصبح الدين شكلاً بلا مضمون، شكلاً بلا منهج، كل شيء مباح، توجد الآن فتاوى لكل شيء، كل شيء مباح ؛ التمثيل، والغناء، والاختلاط، لم يبق في الدين شيء محرَّم، تحت إطار التطور، المرونة، أين الدين ؟ الدين توقيفي، الدين دين الله عزَّ وجل، الدين ما جاء به الكتاب والسنة، أما أن نفلسف، وأن نكون مرنين، وأن نطوِّر إلى أن نبيح كل شيء، فهذا الشيء ليس من الدين في شيء . قال العلماء عن هؤلاء الذين احتالوا حيلاً شرعيَّة: لو أنك لا سمح الله ولا قدَّر فعلت المعصية ولم تقولبها بحيلةٍ شرعيَّة لكان أفضل، إنك حينما قولبتها بحيلةٍ شرعيَّة لا تتوب منها، تظن أنك على حق، أما حينما تفعلها مجرَّدةً من حيلةٍ شرعيَّة تتوب من هذا الذنب، فأخطر شيء أن يكون عندك مجموعة فتاوى غير صحيحة لمعاصٍ كبيرة وأنت مرتاح على أن هناك فتاوى فيها، هذه الفتاوى لا تُقْبَل عند الله عزَّ وجل، لذلك أنا أقول لكم دائماً: لكل معصية فتوى، أنت ماذا تريد فتوى أم تقوى ؟ الفتوى موجودة إذا أردت، تجد فتوى لكل معصيةٍ مهما تكن كبيرة، هناك من يفتي بها، والذي يفتي بها جعل من نفسه جسراً إلى النار. ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) ﴾ قال بعض المفسِّرين: جعلهم الله قردةً، وهذا المَسخ لا يتناسل وانقرضوا، فإذا قلت: هل مازال هناك يهود ؟ ليسوا جميعاً كانوا عصاةً فَمُسِخَ الذي عصى، هذا رأي. الرأي الثاني مُسِخوا قردةً وخنازير وعبدة الطاغوت، ما معنى ذلك ؟ عورة القرد ظاهرة، ولها لون فاقع خاص، عورته ظاهرة وشكله قبيح، وهمُّه شهوته، إذا رأيت إنساناً عورته ظاهرة، ولا يبالي بسمعته، وهمُّه فرجه وبطنه فهو قرد بالمفهوم السلوكي والقيَمي، قال بعض العلماء: مسخوا قردة أي بأخلاق القردة، ووقاحة القردة، ودمامة القردة، وعدم حياء القردة، فإذا مشى إنسان مع زوجته بثيابٍ فاضحة لا تخفي منها شيئاً أليس قرداً ؟ بل إن الذين يرفضون نظرية دارون بعضهم آمن بها مجدَّداً لكنَّها معكوسة، كان إنساناً فصار قرداً لا يستحي، ولا يخجل، ولا ينصاع لأمر، ولا لقيمة، ولا لخُلُق، فالذين قالوا: مسخوا قردةً حقيقيين لهم أدلَّتهم، والذين قالوا: مسخوا بأخلاقهم وقيمهم قردةً لهم أدلَّتهم أيضاً، القرآن حمَّال أوجه لك أن تفهمه هكذا أو هكذا ضمن قواعد وأصول. على كلٍ إذا كانت عورة الإنسان مكشوفة ولا يستحي بها وهمُّه بطنه وفرجه هذا قرد بالمعنى السلوكي، وهناك من مسخ خنزيراً لا يغار على عرضه، أو يرضى الفاحشة في أهله، والله قال لي إنسان رأى بأم عينه: دخل إلى بيت إنسان وقال له: هذه زوجتي، وهذه أختي، وهذه أخت زوجتي، وأعطى الأسعار، أسعار دقيقة، هذا خنزير، هذا الذي لا يغار على عرضه أو يرضى الفاحشة في أهله هذا خنزير. عبدة الطاغوت هم الذين ما عبدوا ربهم، أي أنهم خافوا من دون مبرِّر، عصوا ربَّهم وأرضوا مخلوقاً، من أرضى الناس بسخط الله سخط عليه الله وأسخط عليه الناس، فالناس مُسِخوا إما قردة عورتهم ظاهرة وهمُّهم بطنهم وفرجهم، وإما خنازير لا يغارون على أعراضهم الله عزَّ وجل يعطينا درساً بليغاً في تعنت بني إسرائيل: الأكمل بالمؤمن والأولى أن يأتمر بما أمره الله به، وأن ينتهي عما نهاه عنه، والذي سكت عنه هو مباح، لا تُضَيِّق عليك الخناق، لا تضيق عليك الوثاق، استفد من بحبوحة الله، فالله عزَّ وجل يعطينا درساً بليغاً، درساً بليغاً في التعُنُّت، تعنت بني إسرائيل، درساً بليغاً في انغماسهم بالجزئيات والتفاصيل التي سكت عنها الشرع، قال الله عزَّ وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67)سورة البقرة ﴾ بقرة نكرة، أية بقرة، أيَّة بقرةٍ صالحةٍ لتنفيذ هذا الأمر: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67) ﴾ لكن لماذا ؟ أنت حينما تتلقى أمر من مساوٍ لك تسأله لماذا ؟ قال لك زميلك في الدائرة: افعل كذا، تقول له: لماذا ؟ دائماً وأبداً حينما تتلقى أمراً من مساوٍ لك، من ندٍ لك تسأله عن الحِكمة، وعن العِلَّة، وما السبب، ولماذا ؟ أما حينما تتلقى أمراً ممن فوقك ممنوعٌ أن تسأله لماذا ؟ أنت مريض لا تعلم في الطب شيئاً، دخلت إلى طبيب وأعطاك أمراً، يجب أن تأتمر بهذا الأمر، أنت جندي في معركة حاسمة والقائد العام أصدر أمراً عليك أن تأتمر، فكيف إذا كنت عبداً لله عزَّ وجل وخالق السماوات أعطى أمراً، قال علماء العقيدة: علَّةُ أي أمرٍ في الكتاب والسنة أنه أمر. ذهب رجل من أهل العلم إلى أمريكا، والتقى بعالمٍ أسلم حديثاً، ودار الحديث حول لحم الخنزير، أفاض هذا العالم المَشْرِقِي في الحديث عن علة التحريم، وعن أضرار لحم الخنزير، وعن الدودة الشريطية، وعن الآثار النفسية التي يتركها هذا اللحم في نفس الآكل، ومضى يتحدَّث لساعاتٍ طويلة عن حكمة تحريم لحم الخنزير، فما كان من هذا العالم الغَرْبِي المُسْلِم حديثاً إلا أن قال: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرمه. الأمر يُقَيَّم بالآمر: ذات مرة في برنامج سألوا دكتورة في جامعة من جامعات البلاد العربية عن رأيها في التعَدُّد، فقالت: كيف يكون لي رأي في التعدد وقد أباحه الله عزَّ وجل ؟!! الأمر الإلهي هو من خالق السماوات والأرض، الأمر يُقَيَّم بالآمر، من هو الآمر ؟ هو الله، الحكمة المُطلقة، والعلم المطلق، والخبرة المطلقة، والرحمة المطلقة، والعدل المطلق، فحينما يقول الله:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾( سورة التحريم: الآية " 8 " ) المؤمن الصادق لمجرَّد أن يتلقى أمراً من الله عزَّ وجل ينصاع إلى تنفيذه من دون أن يسأل عن الحكمة والعِلَّة، إذا سأل بعد التنفيذ ليعلِّم الناس فلا مانع، إذا سأل عن الحكمة والعلة ليكون داعيةً ليقنع الناس لا يوجد مانع، أما أن يعلِّق تنفيذ الأمر على معرفة الحكمة، الكلمة الخطيرة الآن إنه عندئذٍ لا يعبد الله يعبد نفسه. إنسان يصوم لكي ينزل وزنه، يصوم ليصون أجهزته، هذا لم يصم عند الله، ولا يمكن أن يقبل صومه عند الله، هو يصوم في صحَّتِهِ، وأناسٌ كثيرون ملحدون يصومون لصحتهم، العبادة انصياع لله عزَّ وجل، أما أنا حينما أُصلي من أجل تليين عضلاتي، أصلي من أجل تليين مفاصلي، أنا أصلي من أجل أن أحافظ على رشاقتي هذه ليست صلاة، اذهب إلى نادٍ رياضي وليِّن عضلاتك، لا تدخل أمراً بأمر، اجعل الدين خالصاً لله عزَّ وجل، الصلاة صلاة، الحج حج، الصيام صيام. الذي ينفذ أمر الله طاعة له وامتثالاً لأمره يصل لأعلى درجة وهي العبودية لله: يكافئك الله عزَّ وجل بعد أن أقبلت على أمره ونفَّذته بحذافيره، طاعةً له وانصياعاً وتقرُّباً، يكشف لك عن حكمة هذا الأمر، فتجمع بين العِلم والعبادة معاً، يعطيك مرتبة العُبَّاد الصادقين، ويعطيك مرتبة العُلماء المتفهمين، لذلك المقولة الأولى: عِلَّةُ أية أمرٍ أنه أمرٌ من الله عزَّ وجل، هذا الكلام سُقْتُهُ من أجل فكرةً واحدة، وهي أن الله عزَّ وجل يقول: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67) ﴾ أين التعليل ؟ لا يوجد تعليل، وليس هناك تعليل، ولا ينبغي أن تبحث عن التعليل، لأنه من عند الله، استعمل عقله حتى وصل إلى طبيب من أعلى مستوى علماً وفهماً وإخلاصاً وتديناً وصلاحاً وقدرةً وسمعةً وخبرةً، هداك عقلك إلى هذا الطبيب، دخلت العيادة لا يمكن أن تسأله، انتهى دور العقل، جاء دور النَقل، جاء دور التَلَقِّي قصة البقرة قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67) ﴾ السبب الذي جاء في آخر القصة هو أن رجلاً ثرياً من بني إسرائيل قتله ابن أخيه وحمل الجثة وألقاها في قريةٍ ثانية ليوهم أن أهل هذه القرية هم الذي قتلوا هذا الثري، والقصة طويلة جداً، نشبت اتهامات باطلة، ونشبت اختلافات، وحدثت صراعات، وكادت أن تقع فتنةٌ كبيرةٌ جداً، لأن هذه التهمة كُلَّما وجِّهت إلى جهةٍ تُرَدُّ إلى الجهة الثانية، فقالوا: أنقتتل وفينا نبي ؟ فلما سألوا سيدنا موسى عن هذا الأمر، جاء الأمر الإلهي: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67) ﴾ اذبحوها، وما أضل الله قوماً بعد إذ هداهم إلا أتاهم الجَدَل، قال: بقرة، تُجْزِئُكُم أية بقرة، أي بقرة على الإطلاق، مهما يكن سنها، أو لونها، أو عمرها، أو خصائصها، أو وزنها، أو حجمها، أو وظيفتها، بقرة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً (67) ﴾ أيعقل من نبيٍ يأتيه الوحي من الله، من نبيٍ معه معجزات، من نبيٍ يُعَدُّ رسولاً لله عزَّ وجل، أيعقل أن يستهزئ ؟ أيعقل أن يلهو ؟ كلام الأنبياء بالمثاقيل، ما من كلمةٍ قالها النبي عليه الصلاة والسلام إلا لحكمة بالغةٍ بَالغةٍ بالغة، الله عزَّ وجل قال: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾ قال تعالى: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ (68) ﴾ ليست مسنة: ﴿ وَلَا بِكْرٌ (68) ﴾ ولا صغيرةً: ﴿ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ (68) ﴾ أي عمرها معتدل: ﴿ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) ﴾ أي اذبحوها وانتهوا: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا (69) ﴾ نريد اللون: ﴿ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) ﴾ وقال: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ (70) ﴾ نريد أن تعيِّنها لنا بالذات: ﴿ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ (71) ﴾ أي لا تحرث، الذلول هي البقرة التي عوِّدت على الحراثة: ﴿ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ (71) ﴾ أي ليست للحراثة: ﴿ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ (71) ﴾ ليست لإخراج المياه: ﴿ مُسَلَّمَةٌ (71) ﴾ خالية من كل عيب: ﴿ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) ﴾ أي فعلوا هذا متباطئين، متكاسلين. هذه البقرة لرجل صالح جداً من بني إسرائيل، ترك هذه البقرة واستودعها عند الله أمانةً لابنه، وتركها طليقةً في البراري، فلما كبر ابنه جاءته طواعيةً، فلما انطبقت صفات هذا الأمر الإلهي عليها قيل: أنه طلب ملء جلدها ذهباً ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا (72) ﴾ كل واحد اتهم الآخر أنه قتل، وكادت تقع فتنة كبيرة: ﴿ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا (73) ﴾ خذوا قطعة من هذه البقرة المذبوحة، واضربوا بها الميت، يقف ويقول: قتلني فلان، هذه دليل على يوم البعث، وأن الله عزَّ وجل يبعث من في القبور، جعلها الله آية من آياته، إنهم حينما أنكروا البعث، وأنكروا يوم القيامة، أراهم الله آيةً ناطقة: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ﴾ أراد الله عزَّ وجل أن تكون آيةً صارخةً، جامعةً، مانعةً على يوم البعث ويوم القيامة. ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) ﴾ لأن الله عزَّ وجل يعلم أن هؤلاء اليهود سيكون لهم مواقف مع المسلمين متعبة ومزعجة في مستقبل الأيام، الله سبحانه وتعالى يعزِّي ويسلِّي ويسري عن رسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول له: يا محمد لا تطمع بإيمانهم، لأنهم أنزل عليهم التوراة، وقرؤوه، وعقلوه، وحرَّفوه وهم يعلمون ما يترتب على من يحرف كلام الله، فهؤلاء شاردون، هؤلاء بعيدون، لأن الإنسان إذا دعا إلى الله وقابله المدعو بالتكذيب والسخرية والإعراض يتألَّمُ أشد الألم، فلئلا يتسرَّب إلى نفس النبي عليه الصلاة والسلام شيءٌ من الضيق أو من الإحباط الله عزَّ وجل يخفف عن نبيِّه، ويسري عنه، ويجعله يطمئن إلى أن المدعو إذا لم يؤمن، وإذا لم يستجب، وإذا لم يلتزم فهذا لا يعبِّر عن عدم صدق الداعية، لأن الله عزَّ وجل ما كلَّفه أن يحملهم على الإيمان. الله تعالى ما كلَّف نبيه الكريم أن يحمل الناس على الإيمان بل أن يبلغهم فقط: قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (272) ﴾ (سورة البقرة: من آية " 272 " ) لست عليهم بحفيظ: ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) ﴾ ( سورة هود) لست عليهم بوكيل: ﴿ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) ﴾ (سورة الأنعام) وقال: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) ﴾ (سورة الغاشية) وقال: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (56) ﴾ (سورة القصص: من آية " 56 " ) النبي عليه الصلاة والسلام عليه البلاغ أما هذا الإنسان يستجيب أو لا يستجيب، لا يستجيب لجهله، أو لا يستجيب لخبثه، أو لاحتياله هذا شيءٌ آخر. |
![]() |
![]() |
![]() |
#14 |
مشرفة قسم القرآن
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() ![]() رأس الدين الورع ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) سورة البقرة ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ (75) ﴾ إلى أن تصل إلى درجة أن لكل معصيةٍ فتوى ؛ الغناء، والرقص، والتمثيل، كل معصية لها فتوى، ما هذا الدين المرن ؟ صار كالغاز، الدين غاز، في أي مكان يدخل، ينبغي أن تقول: أنا مسلم فقط، افعل ما تشاء، لك أن تكسب المال الحرام، ولك أن تضع المال في المصارف الربوية، ولك أن تلتقي مع من تشاء، فإذا وصل الدين إلى هذا المستوى انتهى الدين، الدين منهج، الدين صُلب لا يسيخ ولا يتبخَّر، فلذلك النقطة الدقيقة أنه حينما يريد أناسٌ من أعداء الدين أن يضعضعوا قيمة الدين، والذين معهم كتاب قطعي الثبوت ماذا يفعلون ؟ يبدلون في التأويلات، أي أنهم يأتون بتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان، فحينما يواجهون نصاً قطعي الثبوت، قرآناً قطعي الثبوت، ماذا يفعلون ؟ يلوون أعناق النصوص، يحرِّفون، يبدِّلون، يزورون. الحقيقة هناك من يُفتي بجهل، هذا إنسان جاهل، ولكن الذي يفتي بخلاف ما يعلم هذا إنسان يرتكب في الدين جريمةً كبيرة، يفتي بخلاف ما يعلم، يعلم الحكم الشرعي ولكنه يغير ويبدل ويلوي أعناق النصوص كي يصل إلى فتوى ما أنزل الله بها من سلطان، لذلك الفتوى جِسْرٌ إلى النار، والإنسان إذا كان جباناً في الفتوى فهو بسبب ورعه وخوفه من الله عزَّ وجل. ما الفرق بين الورع والتشدد بالدين ؟. الورع يكون ضمن الضوابط الشرعية والنصوص، والتشدد مجاوزة لذلك رأس الدين الورع, فإن لم تكن ورعاً قطع رأس الدين. فلو شبهنا الدين بإنسان وقطعت رأسه ماذا بقي منه؟ هناك من يفتي بجهل وهو محاسب عند الله أشد الحساب ، لكن هناك إنسان يفتي بخلاف ما يعلم ، يعلم الفتوى لكن إرضاءً للقوي أفتى بها ، فإذا أرضيت قوياً ، أو غنياً بفتوى هذا الذي قلت يأخذ عليها أجراً كبيراً . تجد في كل بلد أحياناً إنسان يغطي أشياء لم تكن عند الله مرضية ، يغطيها بفتوى ، هذه مشكلة كبيرة جداً . مرة سُئلت في الإذاعة على الهواء مباشرة عن رأيي بفتوى عن أن يجوز إيداع الأموال ببنوك ربوية ، فكان جوابي ، لا تجد عالماً في العالم الإسلامي بأجمعه من القطاع الخاص يفتي بالربا . ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ (78) سورة البقرة﴾ ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ (78) ﴾ أي أنهم غير متعلمين، يخلطون الحق بالباطل، والخير بالشر، والسُنَّة بالبدعة، ويتَّبعون الأهواء يقول لك: سحروني، يصحب السحرة، يصحب الدجَّالين، يصحب المخرِّفين، يدخل في ضلالات، في تُرّهات، هذا شأن الجاهل يعزو الأمور إلى غير الله عزَّ وجل، يقيم للناس مقاماً كبيراً وهم ليسوا كذلك لأنه جاهل. الأميَّة في حقِّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كمال لأن الله هو الذي تولَّى تعليمه: قال: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48)﴾ (سورة العنكبوت) إذاً الأمية كمال عند النبيُّ وحده، لأن الله هو الذي تولَّى تعليمه، هو الذي أوحى إليه، هو الذي ألقى عليه القرآن الكريم عن طريق جِبْريل، لأن الله عزَّ وجل أراد من هذا النبي أن يكون مشرِّعاً، وأن يكون قلبه مهبطاً لتجليَّات الله، وأن يكون قلبه وعاءً لعلم الله الذي جاءه عن طريق القرآن الكريم، فاقتضت حكمة الله جلَّ جلاله أن يكون نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلَّم أُمِّياً، الأميَّة في حقِّه كمال، لأن الله هو الذي تولَّى تعليمه، هو الذي علَّمه، لئلا يختلط وحي السماء بثقافات الأرض، لئلا يُسأل كل مرَّةٍ: يا رسول الله أهذا من عندك أم من عند الله ؟ أهذا من ثقافتك ؟ أهذا من دراستك ؟ أهذا من تحصيلك ؟ أهذا من اطلاعك على ثقافات الأرض أم من وحي السماء ؟ لئلا يكون هذا جعل الله نبيَّه أميَّاً. أما نحن فليس هناك وحيٌ يعلِّمنا، فإذا كنَّا أميين أي جاهلين فالأميَّة فينا نقصٌ، والأميَّة في حقِّ النبي كمال، فلنستثنِ النبي عليه الصلاة والسلام لأن أميَّته تعني أن كل الذي ينطق به إن هو إلا وحيٌ يوحى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾ ( سورة النجم ) فضل العالِم على العابد: حينما يطلب الإنسان العلم تُلَبِّى الحاجة العُليا فيه، الإنسان له حاجات دُنيا ؛ يأكل ويتزوج ويثبت ذاته، هذه حاجاته الدنيا ؛ لكنَّ حاجته العُليا أن يطلب العلم ولا تؤكِّد أنك إنسان إلا بطلبك العلم. (( فَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ )) [الترمذي عن ابن عبَّاس ] العابد مقاومته هشَّة، امرأةٌ تفتنه، دِرْهَمٌ يفتنه، تهديدٌ يفتنه، أما العالِم فهو لا يتأثَّر لا بسبائك الذهب اللامعة، ولا بسياط الجلاَّدين اللاذعة: " أحدٌ أحد "، فالعلم أساس. لا نستحق أن نكون من بني البشر إلا إذا طلبنا العلم: قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ (78) ﴾ أي يقول لك: نحن عبيد إحسان ولسنا عبيد امتحان، لا يسعنا إلا عفوه وكرمه، وكلما شاهد معاصيَ كبيرة يقول لك: كله ترتيب سيدك، كأن الله يأمر بهذه المعاصي، كلام ليس له معنى، وإذا رأى إنساناً وسع الله عليه يقول لك: الله يعطي الحلاوة لمن لا أسنان له، معنى هذا أن الله ليس بحكيم، كل كلامه فيه تجاوز، أحياناً كلامه فيه كفر وهو لا يشعر، فمشكلة الجاهل مشكلة كبيرة جداً. والله لا نستحق أن نكون من بني البشر إلا إذا طلبنا العلم، و طالب العلم إنسان كبير جداً عند الله، أنت حينما تأتي إلى بيتٍ من بيوت الله تطلب العلم، تسلك طريقاً ينتهي بك إلى الجنَّة: (( مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ بِهِ عِلْماً سَهَّلَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضاً لِطَالِبِ الْعِلْمِ )) [الدارمي عن أبي الدرداء رضي الله عنه ] العلم خيرٌ من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق. هناك قيم مرجِّحة بين الناس ولكن الله في القرآن الكريم جعل قيمة العِلم وحدها المرجِّحة: هناك قيم مرجِّحة بين الناس، المال له قيمة كبيرة جداً عند الناس، والغني محترم، والقوي محترم، والوسيم محترم، والفصيح محترم، من له قدرة على إقناع الناس محترم، هذه كلها قيم مرجَّحة بين الناس، ولكن الله في القرآن الكريم جعل قيمة العِلم وحدها المرجِّحة، قال : ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ( سورة الزمر ) أين الثرى من الثُرَيَّا ؟ وجعل قيمة العمل قيمةً مرجِّحة، قال: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾ (سورة الأنعام: الآية " 132 " ) وقال: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ ( سورة المجادلة ) هؤلاء الأنبياء العِظام الذين هم قِمَمُ البشريَّة، بِمَ نالوا هذا المقام ؟ بالعلم: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً (14) ﴾ ( سورة القصص ) قد يعطي الله عزَّ وجل المُلك لمن لا يحب ويعطيه لمن يحب، أعطاه لسليمان الحكيم وأعطاه لفرعون، ولكن العلم والحكمة لا يعطيهما إلا لمن يحب: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً (14) ﴾ ( سورة القصص ) يعطي المال لمن يحب أعطاه لسيدنا عثمان بن عفَّان، ولسيدنا عبد الرحمن بن عوف، ويعطي المال لمن لا يحب أعطاه لقارون، ولكن العلم والحكمة لا يعطيهما إلا لمن يحب. للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى قصَّةٌ مثيرة، هي أن الذي جعله يطلب العلم أنه قرأ نصَّاً في الأحاديث، أنه: (( من طلب العلم تكفل الله له برزقه )) [الجامع الصغير عن زياد بن الحرث الصدائي ] أي يسَّر الله له سُبُلَ الدنيا، إنسان يطلب العلم، يطلب أن يعرف الله، يطلب أن يسعد في الدنيا والآخرة، ييسِّر الله جلَّ جلاله له سبل العلم في الدنيا وسبل السلامة والسعادة، أما الآية الكريمة :﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ (78) ﴾ أي أن بعضهم الآخر ليسوا أميُّين، بعضهم الآخر يعلمون الحقيقة ويعرفون النبيَّ كما يعرفون أبناءهم، الآن دخلنا في موضوع ثانٍ، أنت حينما تعلم قد يكون هذا العلم حُجَّةً عليك، العلم حُجَةٌ لك أو عليك، حينما تعلم ولا تعمل أصبح العلم حجَّةً عليك، وحينما تعلم وتعمل أصبح العلم حجَّةً لك الابتعاد عن المتاجرة بالدين ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) سورة البقرة ﴾ أحياناً تقوم مصلحة الإنسان على أن يبتدع في الدين ابتداعاً ما أنزل الله به من سلطان، يبتدع في الدين ليُحصّل المكاسب الدنيويَّة، هؤلاء الذين يبتدعون مذاهب ليس لها أصل في الدين، يبتدعون فتاوى ليس لها أصل في الدين، يُحِلُّون بعض ما حرَّمه الله عزَّ وجل، مثلاً هذه ليست فوائد إنها عوائد، فتوى تصدرها جهة معتمدة في الفتوى تبيِّن أن أكل مال الربا حلال، هؤلاء الذين يعلمون الحقيقة ويفتون بخلاف ما يعلمون، طبعاً موجودون عند اليهود، وموجودون عند كل دينٍ: ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً (79) ﴾ أي نحاول أن نُسَهِّل للناس أمور حياتهم لمكاسب دنيوية فنصدر فتوى، هذه مسموح بها، وهذه مسموح بها، وهذه مسموح بها، لم يبق شيء من الدين. هذا الكيان المتماسك، هذه القلعة الصامدة أصبحت رملاً، تلاً من الرمل، فانتهى الدين، فأخطر شيء هذا الذي يفتي بغير علم، أو الذي يفتي بخلاف ما يعلم من أجل الدنيا، من أجل مكاسب دنيويَّة، هذا الإنسان الذي يبيعُ دينه بدُنياه، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، بعرضٍ لا يقدِّم ولا يؤخَّر. العلماء الصادقون أمناءٌ على الفتوى ولا يفتون إلا بما يُرضي الله ورسوله: كلمة ينبغي أن نعلمها جميعاً وهي: أن الإنسان لا يليق به أن يكون لغير الله، لا يليق به ولا يُفْلِحُ إذا كان لغير الله، أي أن وقتك، وعلمك، ولسانك، وعضلاتك، وإمكاناتك، وحبَّك، وولاءك لله وحده، أما لغير الله ؟! هذا الذي تعبده من دون الله لا يملك لك نفعاً ولا ضراً ؛ بل لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضَرَّاً، لا يملك، أخطر شيء في الحياة الدينيَّة الشرك، طبعاً: ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْساً وَلا قَمَراً وَلا وَثَناً وَلَكِنْ أَعْمَالاً لِغَيْرِ اللَّهِ وَشَهْوَةً خَفِيَّةً )) [ابن ماجة عن شِداد بن أوس رضي الله عنه ] قال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ (79) ﴾ الله عزَّ وجل يتوعَّد، من هو المؤمن ؟ هو الأمين على فتوى النبي عليه الصلاة والسلام. الإمام أبو حنيفة أفتى فتوى فدخل السجن من أجلها ومات في السجن كما يروى، العلماء الصادقون هؤلاء أمناءٌ على الفتوى، لا يفتون إلا بما يُرضي الله عزَّ وجل ورسوله، فالآية تشير إلى إنسان استخدم الدين مَطِيَّةً للدنيا، جعل الدين في الوَحْل، جعله مطيَّةً لدنياه. فأنت اطلب الدنيا من مظانها، تريد الدنيا ابحث عن مظانها ؛ في التجارة وفي الكسب المشروع وفي أي شيء آخر، أما أن تبحث عن الدنيا من خلال الدين فهذا والله عملٌ شنيع: ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً (79) ﴾ الشيء المُلاحظ هو أنه كلَّما اشتدَّ ضغط الناس على بعض العلماء، هؤلاء العلماء بدل أن يرفعوا الناس إلى مستوى الشرع يهبطون بالدين إلى مستوى الناس صار الغناء، والموسيقى، والتمثيل، كل هذا مسموح، والاختلاط، وأكل المال الحرام، والربا، والفوائد، لم يبق شيء ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً (79) ﴾ كل إنسانٍ يلعب بدين الله يتوَعَّده الله عزَّ وجل بالهلاك، فإيَّاك أن تقترب من دين الله، دعه في السماء، دعه في عليائه، دعه في صفائه، دعه في نقائه، لا تستخدمه وسيلةً لمكاسب دنيويَّة، لا تشترِ به ثمناً قليلاً، لا تتاجر بالدين، لا تتخذ الدين مَطِيَّةً للدنيا، هذا فساد كبير جداً عند الله عزَّ وجل، لماذا تكتفي في أمر الدين بفتوى واحدة؟ أنت حينما تخرج من بيتك تريد أن تبيع بيتك لو رأيت أمامك دلالاً وقال لك: ثمنه ثلاثة ملايين، هل تبيعه على الفور ؟ تسأل دلالاً ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً، أما إذا كانت فتوى وراقت لك لا تسأل أحداً آخر، يوجد معي فتوى قرأتها في مجلَّة !! لماذا في أمور الدين تكتفي بفتوى واحدة، بعالِم واحد، بمقالة في مجلة وانتهى الأمر ؟ معك فتوى ومرتاح ولكنك لا تنجو من عذاب الله، أنت في أمر دنياك تعذِّب الخبراء، تسأل فلاناً وفلاناً، لماذا في أمر دينك لا تسأل ؟ لماذا تكتفي بفتوى واحدة ؟ إن كنت حريصاً على دينك ينبغي أن تسأل عِدَّة مصادر. ثم إن الإنسان حينما يسأل ويأتيه الجواب إذا كان جاهلاً، إذا كان أمياً قال: مقبول منه، لأن الأمي مذهبه مذهب من يسأله، تروى كلمة عن الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى ـ وقد كان من أكبر علماء الشام، طبعاً من باب التواضع ـ سألوه: يا سيدي ما مذهبك ؟ قال: " العوام ليس لهم مذهب "، العامَّي مذهبه مذهب شيخه، أما طالب العلم فعليه أن يقرأ الأدلَّة، هذا دليل، وهذا دليل، حينما تطلب العلم لا تُعفى من البحث عن الدليل، وحينما تأتي بالدليل والتعليل تكون طالب علمٍ شرعي، فلماذا تسأل في أمور الدنيا، وتعدِّد، وتبحث، وتناقش كي تصل إلى الحقيقة ؟ ولماذا تكتفي في أمر الدين بفتوى واحدة ؟ لذلك هذه الآية مخيفة بمعنى أن الذي يَتَّجِرُ بالدين، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، أو الذي يُقَرِّب الدين من الأقوياء والأغنياء، يقربهم منه عن طريق فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، هذا ماذا يفعل ؟ يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، الباخرة أحياناً تبتلع من ماء البحر قليلاً فيبلعها كلَّها، إن اتَّجَرْتَ بالدين أهلكت نفسك كلَّها، إن ابتلعت شيئاً من ماء البحر أخذك البحر كلَّك، الآية دقيقة : ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)سورة البقرة ﴾ الافتراء، لَيّ عُنُق النصوص، المعاصي الشائعة، تجعلها من الدين ؟! تجعل الدين يغطي كل الانحرافات، هناك كتب أُلِفَت فيها افتراءٌ على الله عزَّ وجل، تجعل السلوك الإباحي مُغَطَّىً بالقرآن، قال: هذه قراءة معاصرة ، يكتبون الكتاب بأيديهم: ﴿ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) ﴾ ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#15 |
مشرفة قسم القرآن
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() إن لم نأمر بالمعروف وننهَ عن المُنكر ونؤمن بالله الإيمان المُنَجِّي نصبح أمَّة كبقيَّة الأمم:
الآن بعض المسلمين يرتكب الكبائر ويقول لك: أمِّة محمَّد مرحومة، من قال لك ذلك ؟ الله عزَّ وجل حينما قال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ علَّة هذه الخيريَّة: ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (سورة آل عمران: آية " 110 " ) فإن لم نأمر بالمعروف، ولم ننهَ عن المُنكر، ولم نؤمن بالله الإيمان المُنَجِّي، أين خيريَّتنا ؟ انتهت خيريَّتنا، نحن أمَّةٌ كبقيَّة الأمم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ (18) ﴾ ( سورة المائدة) دقِّقوا: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ (18) ﴾ ( سورة المائدة) إذا كنَّا جنوداً لله فلن نُغلَب أما إذا غُلِبْنَا فيجب أن نراجع أنفسنا وندقِّق في جنديَّتنا لله: عندما يقول المسلمون: نحن مسلمون، نحن أتباع النبي، نحن أتباع سيِّد الخَلق، الجواب: قل فلمَ يعذِّبنا الله بذنوبنا ؟ ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾ ( سورة مريم ) لذلك قال العلماء: أمَّة محمَّد أمَّتان ؛ أمَّة التبليغ، وأمَّة التشريف، حينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله الإيمان المُنَجِّي أصبحت أمَّة التشريف، الأمَّة الخَيِّرَة ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ حينما تفعلون كذا وكذا، أما إن لم نفعل فنحن كبقيَّة الأمم، لا شأن لنا عند الله عزَّ وجل، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لن تُغْلَب أمَّتي من اثني عشرَ ألفاً من قلة )) [ الجامع الصغير ] لن يُغْلبوا في الأرض، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ ( سورة الصافات ) إن زوال الكون أهون على الله من أن نُغْلَب إذا كنَّا جنوداً لله، أما إذا غُلِبْنَا فيجب أن نراجع أنفسنا وندقِّق في جنديَّتنا لله. أدلة من القرآن الكريم عن نصر الله تعالى لجنوده: قال تعالى : ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ (سورة غافر: آية " 51 " ) في الدنيا: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾ (سورة النساء) مستحيل: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) ﴾ ( سورة محمد ) وقال: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ(126) ﴾ (سورة آل عمران ) الأمر بيدِ الله، فلمَّا انحرفوا اختلَّ توازنهم، يحاولون الآن أن يستعيدوا هذا التوازن بعقيدة زائغة، كما هي الحال عند المسلمين، عندما انحرفوا قالوا لك: نحن أمة محمد مرحومة، نحن لنا الشفاعة عند رسول الله، هو مرتاح، تصوَّر طالباً كسولاً لم يدرس أبداً، طبعاً عندما لم يدرس أصبحت عنده مشكلة، فجاء طالب آخر وقال له: هذا الأستاذ يعطي أسئلة قبل الامتحان بأسبوع، فارتاح ارتياحاً تاماً وقضى العام الدراسي كله في اللعب، ذهب للأستاذ وطلب الأسئلة، فعاقبه الأستاذ و قال له: لا يوجد أسئلة، اذهب وادرس. إنسان له دعوى عند قاضٍ والحكم خطير جداً، قال له شخص: القاضي يقبل الرشوة، فهكذا ظن وتوهَّم وهماً فارتاح، فلمَّا جاء ليدفع للقاضي زجره وطرده وحكم عليه، فهذه مفاجأة كبيرة. أدلة أخرى من القرآن الكريم عن رحمة الله تعالى ومغفرته لمن تاب واستغفر: دقِّق في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ(5) ﴾ (سورة فاطر) يقول لك الشيطان: الله غفور رحيم، اسمع هذه الآية : ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ(50) ﴾ (سورة الحجر) وقال: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ ( سورة الزمر: الآية " 53 " ) يقول : ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ(54) ﴾ (سورة الزمر) ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(80) ﴾ لولا أن الله فطرك فطرةً عالية ما كنت تشعر بشيء حينما تعصيه، قد تقول لي: هناك من يعصيه ليلاً نهاراً، هذه حالة مرضيَّة نادرة، حينما تُطْمَسُ فطرة الإنسان، أما في الأصل الفطرة السليمة تحاسب ذاتها حساباً دقيقاً. هذا التقديم لفكرةٍ خطيرة هي: أن الإنسان حينما يعصي الله يختلُّ توازنه، يشعر بانهيار داخلي، يشعر أنه مكشوف، أنه خرج عن فطرته عن وعي أو عن غير وعي، قد يكون عن غير وعي، يقول لك: متضايق، لماذا أنت متضايق ؟ منقبض الدنيا لا تسعني، معي كآبة، حينما تخرج عن منهج الله لأن فطرتك متوافقةٌ مع منهج الله تشعر باضطراب، تقريباً إلى حدٍ كبير هذه السيارة مصمَّمة أن تمشي على الزفت، فإذا سرت بها في الطريق الوعر آلمتك الأصوات، وآلمتك العقبات، وقد تقف، وقد ينكسر شيء فيها، لأنها لم تُصمَّم لهذا الطريق.الإنسان حينما يعصي الله، حينما يرتكب إثماً، حينما يعتدي، حينما يخرج عن منهج الله لأن فطرته متوافقة مع منهج الله يختل توازنه. معنى ذلك أن عند الإنسان فطرة عالية، وربنا عزَّ وجل أقسم بهذه النفس فقال: ﴿ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ(1)وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2) ﴾( سورة القيامة) لاستعادة التوازن هناك ثلاث وسائل: الإنسان حينما يعصي الله، حينما يرتكب إثماً، حينما يعتدي، حينما يخرج عن منهج الله لأن فطرته متوافقة مع منهج الله يختل توازنه. الآن كيف نستعيد هذا التوازن ؟ هناك ثلاث وسائل كي تستعيد هذا التوازن؛ وسيلتان غير مشروعتين ووسيلة صحيحة. 1ـ الوسيلة الصحيحة كي تستعيد التوازن أن تصطلح مع الله: الوسيلة الصحيحة كي تستعيد هذا التوازن أن تصطلح مع الله، وأن تتوب إليه، وأن تأتيه تائباً مطيعاً، مباشرةً تشعر براحة، لذلك التائب يشعر براحة لو وزِّعَت على أهل بلدٍ لكفتهم، حينما يشعر الإنسان أن الله يحبٌّه، أن الله راضٍ عنه، أنه وفق منهج الله، أنه مطيعٌ لله، أنه عبدٌ لله، هذا الطريق السليم الصحيح كي تستعيد توازنك مع نفسك. 2ـ الطريق الآخر أن تتعلَّق بعقيدةٍ فاسدة تُغَطِّي انحرافك: الطريق الآخر تتعلَّق بعقيدةٍ فاسدة تُغَطِّي انحرافك، فاليهود ـ بنو إسرائيل ـ حينما كذَّبوا أنبياءهم، وحرصوا على دنياهم، وأكلوا أموالهم بالباطل، ونقضوا عهد الله الذي عاهدوه عليه، اختلَّ توازنهم، فبحثوا عن عقيدةٍ فاسدةٍ تُغَطِّي انحرافهم وقالوا: ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً (80) ﴾ نحن شعب الله المختار: ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً (80) ﴾ الله عزَّ وجل ردَّ عليهم : ﴿ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) ﴾ إذا سُرِقْ قلم في صف وصاحب القلم اشتكى إلى الأستاذ، والأستاذ أغلق الباب، وفتَّش الطلاَّب طالباً طَالباً، ثمَّ أخرج هذا القلم من جيب أحد الطلاب، قبل أن يعاقبه، قبل أن يضربه، قبل أن يطرده، قبل أن يوَبِّخه لماذا يمتقع لونه ؟ يقول لك الإنسان أحياناً: تمنيت أن تُشَقَّ الأرض وتبتلعني، ذبت من الخجل، لماذا ؟ لأن هذه الفطرة، فيه بقية فطرة، بقية حياء، فالإنسان هكذا فُطِر، فعندما يعصي الله، يرتكب إثماً، معصية، شهوة، أو حينما يعتدي على الآخرين يختل توازنه الداخلي، يجب أن يستعيده بالصلح مع الله، بالتوبة إليه، بطاعته، هناك من يستعيده بأن يتعلَّق بعقيدةٍ زائغة. 3ـ الأسلوب الثالث في أن تستعيد التوازن أن تطعن بالمؤمنين: الأسلوب الثالث في أن تستعيد التوازن أن تطعن بالمؤمنين، انتبه، المنحرف إما أن يطعن في المؤمنين، وإما أن يتعلَّق بعقيدة زائغة فاسدة كي يستعيد توازنه المنهار، وكل إنسان يعتدي أو يقع بالإثم يختل توازنه الداخلي، لأنه مفطور على الكمال. أخطر شيء في الدين أهل الرأي (...أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ (85)﴾ منهج الله عزَّ وجل كامل ينبغي أن نأخذه كلَّه لا أن نأخذ ما يعجبنا ونترك ما لا يعجبنا : الآن انظر إلى المشكلة، يصلون، فالصلاة لا تكلفهم شيئاً لكنهم لا يغضون أبصارهم، يتاجرون لكنهم لا يتورَّعون عن أكل المال الحرام، يأخذون من الدين ما يعجبهم قضية احتفال، عيد مولد، أداء صلوات، صيام، أحياناً يعمل عمرة، فيركب الطائرة، وينزل في فندق فخم، يأكل ويشرب، ويطوف حول الكعبة عدة مرَّات وانتهت العمليَّة، ويحضر معه الهدايا، فالشيء الخفيف اللطيف يفعله المسلمين، أما أن تعطي حقوق الآخرين، أن تضبط شهواتك، فهذا وضع ثاني. لذلك حينما نأخذ ما يعجبنا وندع ما لا يعجبنا، حينما نأخذ ما هو هينٌ علينا وندع ما ليس بهينٍ علينا، أخذنا بعض الكتاب وكفرنا ببعض، عملية انتقاء، هذه مهلكة، منهج الله عزَّ وجل كامل ينبغي أن نأخذه كلَّه، أما هناك أشياء لطيفة لا تقدِّم، يقول لك: الزواج سُنَّة يا أخي، طبعاً الزواج سنَّة، الزواج مريح، فالشيء الذي يتوافق مع رغبته يتمثَّل فيه، موضوع احتفال لو أننا مدحنا النبي عليه الصلاة والسلام، والله هو أعظم إنسان في الكون، لكن لو مدحناه ليلاً ونهاراً ونحن نخالف سُنَّته هل نستفيد شيئاً ؟ مستحيل. ، رأيهم مقدَّمٌ على عقيدتهم، يأخذون من الدين ما يوافق رأيهم، ويرفضون ما لا يوافق رأيهم، لهم دين خاص، يأخذ من النصوص ما يعجبه، ويرد ما لا يعجبه، أو يؤول ما لا يعجبه، يريد أن يوفِّق بين الدين وبين الدنيا، أن يجعل الدين مطيَّة لمصالحه، عملية الاختيار وأخذ ما يروق وترك ما لا يروق، أخذ السهل وترك الصعب، هذا انحراف خطير في الدين وقع فيه بنو إسرائيل فاستحقوا الهلاك. المسلمون الآن دينهم أصبح فلكلورياً، مساجد، يرتدي الثوب الأبيض في الصيف، يتعطَّر، مسبحة في يده، يأتي إلى المسجد، لكن أين يسهر ؟ علاقاته كيف ؟ كسب ماله كيف ؟ فالدين عندما اختصرناه إلى صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، ونسينا أنه مئة ألف أمر ونهي، منهج كامل، تركناه منهجاً وأخذناه عبادةً جوفاء، آمنا ببعض الكتاب، وكفرنا ببعض: ﴿ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)﴾ هذا الدين منهج كامل، فهذه المركبة من أجل أن تمشي، أن تسير، تحتاج إلى محرِّك، وإلى عجلات، وإلى وقود، وإلى مُقْلِع، وإلى مقود، وإلى بوق، وإلى كهرباء، وإلى فرش، وإلى إضاءة، قد يتطلب عملها أربعين شرطاً، أما إذا الإنسان اشترى رفراف فقط، هذا الرفراف ليس سيارةً، هذا جزء من السيارة، اشترى مصباح فقط، مقعد فقط، عجلة، هذه أشياء لا تفيد، لا تُسَمَّى المركبة سيارة إلا إذا استوفت كل الشروط، فمن أجل أن تطير إلى الله لا بد من أن تستكمل منهج الله عزَّ وجل. مضمون منهج الله عزَّ وجل ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) ﴾ لقد تضمّنت هذه الآية العديد من العبادات بالإضافة إلى العبادة الاعتقادية في مطلبها، عبادات شعائريَّة: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ (83) ُ﴾ عبادات قوليَّة: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (83) ﴾ عبادات تعامليَّة: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ (83) ُ﴾ عبادة اعتقاديَّة: ﴿ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ (83) ُ﴾ هذا مضمون منهج الله عزَّ وجل: عبادة اعتقاديَّة، وعبادة شعائريَّة، وعبادة تعامليَّة، وعبادة قوليَّة. الفرق بين الأمر التكليفي والأمر التكويني : قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ (83) ُ﴾ الذي حصل أن هناك تولِّي، هناك تقصير، هناك إعراض، أنت مخيَّر، كل الخَلق عدا الإنس والجن مسيَّرون، الشر لا وجود له إلا في عالَم الإنس والجن لأنه مخيَّر، الأمر التكليفي غير التكويني، هناك أمرٌ تكليفيٌّ وهناك أمرٌ تكويني، الأمر التكليفي طريق سالك ؛ لكن في أوله لوحةٌ كُتِبَ عليها ممنوع المرور، فأنت إما أن تسير وتخالف وتدفع الثمن الباهظ، وإما أن تأتمر فتسلم وتسعد، فالأمر تكليفي لك أن تطيع، ولك ألا تطيع، أما الأمر التكويني ليس لك خيار، الله عزَّ وجل له أمر تكليفي وله أمر تكويني، خلقك من فلان وفلانة هذا تكويني، خلقك بشكل معيَّن تكويني، خلقك بعصر معيَّن تكويني، بزمنٍ معيَّن، بمكان معيَّن، بقدراتٍ معيَّنة كلَّه تكويني، قال لك: صلِّ، هذا تكليفي، اصدق تكليفي، كن أميناً تكليفي، اعدل تكليفي، غضَّ البصر تكليفي، هناك أمر تكويني هو فعل الله، وهناك أمر تكليفي هو أمر الله، فهذا أمرٌ تكليفي: ﴿ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ (83) ُ﴾ أيمكن أن تعبد غير الله ؟ ممكن لأن الأمر تكليفي: لولا الاختيار ما كانت هناك جنّة في الأساس.﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) ُ﴾ أيمكن أن يكون الإنسان ابناً عاقاً ؟ ممكن: ﴿ وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ (83) ُ﴾ أيمكن أن يبني مجده على نهب أموال هؤلاء..؟ ممكن: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (83) ﴾ أيمكن أن تقول سوءاً للناس ؟ أمر تكليفي تفعل أو لا تفعل: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ (83) ُ﴾ يمكن أن لا تصلي، أ أنت مخيَّر، فالتخيير يثمِّن العمل، |
![]() |
![]() |
![]() |
#16 |
مشرفة قسم القرآن
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() الفرق بين النبي والرسول:
قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}.. [البقرة : 87]. ﴿ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ (87) ﴾ النبوَّة شيء والرسالة شيءٌ آخر، الرسول معه كتابٌ من عند الله، معه رسالة، معه رسالةٌ جديدة تنسخ الرسالة السابقة، أما النبي يرسله الله عزَّ وجل كما يرسل الرسول ؛ ولكن النبي يُرْسَل ليشرح رسالةً سابقة، فسيدنا لوط، وسيدنا زكريَّا، وسيدنا يحيى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (78) ﴾ ( سورة غافر: من آية " 78 " ) هؤلاء جاؤوا ليشرحوا لأقوامهم كتاب الله عزَّ وجل، ليشرحوا التوراة، فسيدنا موسى نبيُّهم الأول، أنزل الله عليه التوراة، والأنبياء الذين جاؤوا من بعده شرحوا لأقوامهم مضمون هذا الكتاب، فالرسول معه كتابٌ من السماء، أما النبي فقد أرسله الله للمؤمنين ليشرح لهم كتاباً سابقاً، كل رسولٍ نبي وليس كل نبيٍ رسول. لكن الشيء الذي ينبغي أن نقف عنده وقفةً متأنيَّة هو: أن كمال الله عزَّ وجل يقتضي إرسال الرسل، حينما يخلق الله خلقه دون أن يعلمهم بسرِّ خلقهم، دون أن يعلمهم بمنهجه الذي يؤدي إلى سلامتهم وسعادتهم فهذا يتناقض مع كماله، فحينما تُعَطِّلُ مفهوم الرسالة فقد وصفت الله بما لا يليق به، وأوضح مثل ؛ أب جالس في بيته وابنه الصغير اقترب من المدفأة، هل يبقى ساكتاً ؟ هل يبقى جالساً ؟ أم ينطلق لينصحه ويبعده ؟ وقد يقوم من مكانه ليأخذه، فمن مستلزمات كمال الله عزَّ وجل ألا يترك عباده معطَّلين عن الأمر والنهي. إرسال الأنبياء والرُسُل من لوازم كمال الله: النقطة الدقيقة أن هذا الكون المادي الذي هو تحت سمعنا وبصرنا ينطق بعظمة الله، ينطق بوجوده، وينطق بوحدانيَّته، وينطق بكماله، هذا الكون ينطق بكمال الله، ومن مستلزمات كمال الله ألا يدع عباده معطَّلين عن الأمر والنهي والمعرفة، لا بد من أن يبلِّغهم، خلقهم في الدنيا ليعملوا عملاً صالحاً هو ثمن سعادتهم الأبديَّة في الآخرة، خلقهم في الدنيا ليتعرَّفوا إلى الله، ليتعرَّفوا إلى منهجه، ليتعرَّفوا إلى سرِّ وجودهم وغاية وجودهم، ما من قومٍ إلا وأرسل الله لهم نبياً لقوله تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7) ﴾ ( سورة الرعد ) إرسال الأنبياء والرُسُل من لوازم كمال الله، كما أن من بديهيَّات الأبوَّة أن ينصح الأب ابنه، وأن يأمره، وأن ينهاه، فإذا بقي ساكتاً والأخطار محدقة بالابن هذا ليس أباً، المثل مُبَسَّط وواضح، فالله عزَّ وجل ما كان ليخلق الخلق ثمَّ يدعهم هكذا في جهالةٍ جهلاء: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ ( سورة البقرة: من آية " 213 " ) فاختلفوا: ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾ ( سورة البقرة: من آية " 213 " ) على كلٍ فالله عزَّ وجل قال: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12) ﴾ ( سورة الليل ) حيثما جاءت (على) مقترنةً بلفظ الجلالة تعني أن الله جلَّ جلاله ألزم ذاته إلزاماً، فالله عزَّ وجل عليه أن يهدي خلقه. الأمر كله بيد الله وحده ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ (87) سورة البقرة ﴾ أنت عندما يأتيك كتاب هذا الكتاب لكل المسلمين، فيه أمر، فما هو موقفك من الأمر ؟ فيه نهي، فيه وعد، فيه وعيد، فيه تشريع، فيه حلال، فيه حرام، فيه مواعظ، فيه قصص الأقوام السابقة، فيه المستقبل البعيد، ما موقفك من هذا القرآن ؟ الموقف العامِّي يقول لك: تباركنا ويقبِّله، وهذا غير كافٍ بل إن هذا القرآن منهج، هل أحللت حلاله ؟ هل حرَّمت حرامه ؟ هل صدَّقت وعده ووعيده ؟ والله الذي لا إله إلا هو إن صدَّقت إنساناً قوياً من بني جلدتك يفعل ما يقول فإنك لا يمكن أن تخالفه أبداً، فهل تصدِّق أن الله عزَّ وجل بيده كل شيء ؟ ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾ ( سورة هود: من آية " 123 " ) الله عزَّ وجل يمتحن المؤمنين، يمتحنهم امتحاناتٍ عديدة، قد يمتحنهم بأنه يقوي الكفَّار عليهم، هل ينسون ربَّهم؟ هل يؤلِّهون غيره ؟ آيات من الذكر الحكيم تطمئننا أن الأمر كله بيد الله وحده: نحن في هذه الأيَّام في أشدِّ الحاجة إلى القرآن ليطمئننا أن الأمر بيد الله وحده: ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ ( سورة هود: من آية " 123 " ) ليطمئننا أن: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل﴾ ( سورة الزمر ) ليطمئننا أن: ﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ ( سورة الأعراف: من آية " 54 " ) ليطمئننا أنه: ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾ ( سورة الكهف ) ليطمئننا أنه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾ ( سورة الزخرف: من آية " 84 " ) ليطمئننا أن: ﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ ( سورة الفتح: من آية " 10 ") ليطمئننا أن يدَ الله تعمل وحدها، وكل ما تقع العين عليه من قِوى الشر إنما هي عصيٌ بيد الله عزَّ وجل، يؤكِّد هذا المعنى قول الله عزَّ وجل: ﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾ ( سورة هود) آيات أخرى من الذكر الحكيم نحن في أمس الحاجة إليها لتطمئننا: نحن في أمسِّ الحاجة إلى هذه الآيات: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42) ﴾ ( سورة إبراهيم ) وقال: ﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ(196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَواْ رَبَّهُمْ ﴾ ( سورة آل عمران ) وقال: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) ﴾ ( سورة الأنعام: من آية " 44 " ) هذه حقائق مريحة، قد ترى قِوى الشر متمكِّنة، قِوى الشر تفعل ما تريد، قِوى الشر تُنْزِل أشدَّ العقاب في إنسانٍ يبدو لك بريئاً، لئلا يختلَّ التوازن ينبغي أن تعرف الحقيقة: وهي أن الأمر بيد الله. ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) ﴾ هناك مشكلة، المشكلة هي أن ثمن الجنَّة هو التناقض بين التكليف والطَبع، الإنسان يشتهي أن ينام، والتكليف يأمره أن يستيقظ، فإذا عاكس رغبته في النوم وصلَّى الفجر يرقى عند الله، طبع الإنسان يقتضي أن يملأ عينيه من محاسن النساء، والتكليف يأمره بغض البصر، فإذا عاكس شهوته وغضَّ بصره يرقى عند الله، يقتضي طَبع الإنسان أن يأخذ المال، والتكليف يأمره أن ينفق المال، فإذا عاكس شهوته وأنفق المال يرقى عند الله، أن تعاكس شهوتك هو ثمن جنَّة ربِّك، بدليل قول الله عزَّ وجل: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41) ﴾ ( سورة النازعات) أنواع المعاصي: قال تعالى: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) ﴾ طبعاً التكذيب جريمة، إنسان معه دليل، إنسان أرسله الله ليسعدك، لينقذك من الشقاء، ليجعلك معافىً سليماً سعيداً في الدنيا والآخرة فكذَّبته، وأشد من التكذيب القتل: ﴿ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) ﴾ المعاصي نوعان: معاصي استكبار، ومعاصي غَلَبَةَ: (( الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار)) [الجامع الصغير عن ابن عبَّاس رضي الله عنه ] إنسان جاءه ضيوف وعنده كيلو لبن، والضيوف كُثُر، يمكن أن يضيف لهذا الكيلو من اللبن خمسة كيلو من الماء، ويجعله شراباً طيباً مستساغاً بارداً في الصيف، لكن هذا الكيلو من اللبن لو أضفت له قطرة من زيت الكاز يفسد، يتحمَّل خمسة أضعافه ماء ولا يتحمَّل قطرة نفط أبداً، تلقيه في المُهملات، لذلك قد يخطئ الإنسان أما حينما يستكبر فهو قد قطع ما بينه وبين الله، حينما يستكبر سار في طريقٍ مسدود. العبد عبدٌ والرب رب، ليس من شأن العبد أن يستكبر، ليس من شأن العبد أن يُعَظَّم، فمن رأى نفسه عظيماً واستكبر أن يطيع الله عزَّ وجل فقد وقع في ضلال كبير، إنسان مثقَّف ثقافة عالية جداً، يحتل مركزاً علمياً مرموقاً، لا يصوم رمضان، هو أرقى من أن يصوم مثلاً، لا يصلي هذا منعه الكبر أن يصلي، كنَّا مرَّة في تشييع جنازة، وطبيب من ألمع أطبَّاء دمشق، وهو شخص يحتل منصباً رفيعاً في الجامعة لم يدخل ليصلي، هو أكبر من أن يصلي لله عزَّ وجل ؟! هكذا يرى نفسه !!! ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾ ( سورة الإنسان ) هل يذكر يوم كان طفلاً صغيراً في بطن أمِّه، يوم خرج لا يفقه شيئاً: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ (سورة النحل: الآية " 87 " ) بعد أن ارتقى، وحمل شهادة عالية أهو أكبر من أن يصلي في مسجد ؟! الانسان في اختياره للهداية مخير الله أمر عباده تخييراً كل إنسانٍ خلقه الله عنده استعدادٌ كامل أن يهتدي إلى الله وأن يسعد في الدنيا والآخرة: آية اليوم: ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88) ﴾ حينما تعتقد أو تتوهَّم أن الله خلق إنساناً وجعله لا يهتدي فهذا خطأٌ شنيعٌ في العقيدة، كل إنسانٍ خلقه الله، خلقه وعنده استعدادٌ كامل أن يهتدي إلى الله وأن يعرفه، وأن يسعد في الدنيا والآخرة، أما أن الله قد خلق الإنسان كافراً فهذا مستحيل، إذا خلق الله عزَّ وجل الإنسان كافراً فلمَ يعذِّبه ؟ ما ذنبه ؟ ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له: إياك إِياك أن تبتل بالماء *** إذا قدَّر عليه المعصية فلمَ يعذِّبه ؟ إذا خلقه مؤمناً فلمَ يدخله الجنَّة ؟ نحن في أنظمة حياتنا الدنيا هل من الممكن أن نعطي طالباً الأسئلة، قبل يومين، أو نعطيه أوراق الإجابة مكتوباً عليها الجواب الكامل بخط الأستاذ، ونقول له: اكتب اسمك ورقمك، فأخذ الدرجة الأولى على كل طلاَّب البلد، ثم أقمنا له حفلاً تكريميَّاً عظيماً لأنه نال الدرجة الأولى على كل الطُلاَّب، ليس لهذه الحفلة معنى إطلاقاً، هو لم يدرس إطلاقاً، قدَّم الأوراق مكتوبةً بخط الأستاذ، فنال الدرجة الأولى، فأُقيم له حفلٌ تكريمي، هذا الحفل لا معنى له إطلاقاً، شيء مضحك. طالب آخر مُنِع من أداء الامتحان فوبَّخناه أشدَّ التوبيخ، هذا التوبيخ لا معنى له، إنسان من بني البشر يترفَّع أن يفعل ذلك، مدير مدرسة جمع الطلاَّب في أول يوم من أيام العام الدراسي، وقرأ عليهم أسماء الناجحين في آخر العام سلفاً، وأسماء الراسبين، وقال: انطلقوا وادرسوا، فلن يدرس أحد، ولم يعد للدراسة معنىً عندئذٍ. حينما تؤمن أن الله خلق فيك الهدى من دون سببٍ منك، فأنت إذاً لا تعرف الله أبداً، أنت وصفت الله عزَّ وجل بما لا يليق به . خلل كبير أن تعتقد أن الله أجبرك على الطاعة أو على المعصية: إذاً: ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88) ﴾ غُلف، نحن لم نهتد، هذا ما يقوله معظم المسلمين: الله سبحانه لم يكتب لي الهدى، فلماذا ؟ يقول لك: سبحان الله، الله خلقنا ليعذبنا، وأيضاً يسبح الله عليها. ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88) ﴾ من قال لك كذلك ؟ لماذا شربت الخمر ؟ قال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدَّر عليَّ ذلك، ليس بيدي ـ طاسات معدودة بأماكن محدودة، ترتيب سيدنا ـ هكذا يقول لك. فقال سيدنا عمر: " أقيموا عليه الحد مرتين، قال له: مرةً لأنك شربت الخمر، ومرةً لأنك افتريت على الله، ويحك إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار ". الله لم يجبرك، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القُدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعصَ مغلوباً ولم يطع مكرهاً. الخلل الكبير لمجرد أن تعتقد أن الله أجبرك على الطاعة أو على المعصية، عفواً لا يقول الناس إن الله أجبرنا على الطاعة، بل يقول أحدهم: أنا أطعت الله، أما متى يعتقدون بالجبر ؟ حينما يعصون الله عزَّ وجل، فيقول: الله ما أراد لي الهدى، كلام شيطان، كلام يتناقض مع القرآن. آيات من القرآن الكريم تبين أن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً: قال تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) ﴾ (سورة الإنسان) وقال: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾ ( سورة البقرة ) وقال: ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) ﴾ ( سورة الأنعام ) الخَرَصُ أشد أنواع الكذب، هذا الذي يقول: إن الله لم يشأ لي الهداية، يكذب على الله: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ ( سورة النساء: الآية " 27 " ) وقال: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ ( سورة الليل ) وقال: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾ ( سورة النحل: الآية " 9 " ) أي على الله بيان سبيل القَصد. لو أراد الله تعالى أن يجبرنا على شيءٍ لأجبرنا على الهدى خلقنا الله عزَّ وجل مخيَّرين، لو أراد أن يجبرنا على شيءٍ ما لما أجبرنا إلا على الهدى، ولو شئنا أن نجبركم، وأن نلغي اختياركم لآتينا كل نفسٍ هداها، فعندما تريد الجامعة أن تنجِّح كل الطلاب فالقضية سهلة جداً، تعطيهم أوراقاً مطبوعاً عليها الجواب الكامل، فقط اكتب اسمك ورقمك، فالنتيجة: نجح كل الطلاب، الكل امتياز، هذا النجاح ليس له قيمة إطلاقاً، لا عند رئاسة الجامعة ولا عند الناس ولا عند الطلاب أنفسهم، هذا نجاح مضحك. ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ (13) ﴾ ( سورة السجدة) أنت مخيَّر، ولأنك مخير لك أن تفعل أو ألا تفعل، لك أن تصلي أو ألا تصلي، لك أن تكون صادقاً أو كاذباً، لك أن تؤمن أو تكفر، لك أن تستقيم أو تفسق، لك أن تُنفق أو أن تظلم، افعل ما تشاء، كل شيء بثمنه، العظمة في الجامعة لا أن ينجح كل الطلاَّب، لا أبداً، العظمة في الجامعة أن تأتي النتائج وفق المُقدمات، أن ينجح المتفوق وأن يحتل منصباً رفيعاً في الجامعة، وأن يطرد الكسول من الجامعة، روعة الجامعة تناسب النتائج مع المقدمات فقط، فالله عز وجل خلق الخلق ودعاهم إليه، وأمرهم أن يؤمنوا به، ورغَّبهم في الإيمان، وحذرهم من الكفر، وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، هم مخيَّرون. ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا (46) ﴾ ( سورة فصلت) الذين لا يهديهم الله وحق عليهم الضلالة إذا عزي الإضلال إلى الله عزَّ وجل فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلالٍ اختياري: الإنسان حينما يعزو ضلاله إلى الله عزَّ وجل فقد ضل سواء السبيل، فإذا وجدت في القرآن آيةً يُستَدلُ منها أن الله أضل الإنسان فهذا هو الإضلال الجزائي المبني على ضلالٍ اختياري، لا بد من توضيح المثل: طالب في الجامعة لم يداوم إطلاقاً، ولم يؤدِّ امتحاناً، ولم يلتقِ بالأستاذ، والجامعة قدَّمت له عشرات الكتب التي تدعوه فيها إلى أن يعود إلى الجامعة، لم يداوم، ولم يؤدِّ امتحاناً، ولم يشترِ كتاباً، ولم يستجب للإنذارات، فَرُقِّن قَيده، وبعد أن رُقِّنَ قيده قال: إن هذه الجامعة أرادت لي ألا أدرس، ترقين قيدك في الجامعة تجسيدٌ لرغبتك تنفيذٌ لإرادتك، هذا هو المعنى فقط. لذلك إذا عزي الإضلال إلى الله عزَّ وجل فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلالٍ اختياري . (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ (88)سورة البقرة ) ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88)سورة البقرة ﴾ أي نحن لا نهتدي، فرد عليهم: لا، ولكن قال تعالى: ﴿ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ (88) ﴾ هناك ثلاث آيات مهمات جداً، أساس هذه الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67) ﴾ ( سورة المائدة) وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51) ﴾ ( سورة المائدة) وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(6) ﴾ ( سورة المنافقون) من تلبَّسَ بالفسق لا يهديه الله عزَّ وجل، لأن فسقه حجابٌ بينه وبين الله، ومن تلبَّس بالظلم فالله عزَّ وجل لا يهديه لأن ظلمه حجابٌ بينه وبين الله، ومن تلبَّس بالكفر فالله عزَّ وجل لا يهديه لأن كفره حجابٌ بينه وبين الله. الإنسان مخيَّر ولو ألغي اختياره ما عاد إنساناً، فالله عزَّ وجل يقول الهدى موجود، ولكن شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن يقول لك: الهدى بيدي، لكن لا أمنحه لا لظالمٍ ولا لفاسقٍ ولا لكافر. يهدي من يشاء، يشاء من ؟ من لم يكن ظالماً يهديه الله عزَّ وجل، من لم يكن كافراً يهديه الله عز وجل، من لم يكن ظالماً يهديه الله عزَّ وجل. ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88) ﴾ يقول بعضهم: نحن لسنا مُهيَّئين للهدى، ما خلقنا الله مهتدين، هذا كلام الشيطان الرجيم، كلام الجهل، كلام الحُمق، كلام الغباء. ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ (88) ﴾ كفرهم سبب لعنهم، واللعن هو الإبعاد: ﴿ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ (88) ﴾ على الإنسان أن يكون معه حجة لله عز وجل يوم القيامة عن كل عمل يقوم به في الدنيا: تجري الآن مناقشة دقيقة جداً، خالق الكون الذي منحنا المنطق يقول لهؤلاء: أنتم تدَّعون أنه إذا جاء نبيٌ سوف تسبقون الناس إلى الإيمان به، فقد جاءكم هذا النبي وجاء بكتابٍ مصدقٍ لما في كتابكم التوراة، لمَ كفرتم به ؟ مصالح. لذلك الإنسان إما أن يستجيب للحق، وإما أن يستجيب للهوى، حقٌ أو هوى، خيرٌ أو شر، آخرةٌ أو دنيا، إحسانٌ أو إساءة، إن لم تكن على أحد الخَطّين فأنت على الثاني حتماً، إن لم تكن مع أهل الآخرة فأنت من أهل الدنيا، إن لم تكن مصدقاً بالحق فأنت قد قبلت الباطل، إن لم تكن مُنصفاً فأنت ظالم، إن لم تكن رحيماً فأنت قاسي. ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) ﴾ إن الذي يلفت نظري هو كيف يتوازن المسلم المعاصر ؟ كيف يعلم أن هذا حرام، وهذا حرام، وهذا حرام، وهذا حرام، وكيف يقترف هذه الحُرُمات ؟ كيف ينام متوازناً ؟ كيف يغمض له جفن ؟ كيف يبيت والله ليس راضياً عنه ؟ يقول سيدنا عمر رضي الله عنه:" عجبت لثلاث، عجبت لمؤملٍ والموت يطلبه، وعجبت لغافلٍ وليس بمغفول عنه، وعجبت لضاحك ملء فيه ولا يدري أساخطٌ عنه الله أو راضٍ ؟!! ". طبعاً هذا درسٌ لنا ، فهل معك حجة لله عزَّ وجل ؟ أحياناً يسألني أخ: ماذا أفعل ؟ دائماً جوابي إليه: هل معك حجة لله عزَّ وجل يوم القيامة ؟ أي أنك إذا منحت ابناً بيتاً استثناءً من دون إخوته، أمعك حجة ؟ يقول: هذا ابني عاجز، هذا كلام مقنع، هذه حجةٌ لك يوم القيامة، حينما تخص ابناً عاجزاً مشلولاً، عنده عاهة، ببيت يؤجره ليأكل من أجرته استثناءً، وفي حياتك، وهبةً، معك إلى الله حجة، أما لأنه ابن زوجتك الجديدة وقد ضغطت عليك، أما ابن القديمة لا تعبأ به، سوف تحاسب يوم القيامة حساباً شديداً . يقول لي موظف: أأكتب هذا الضبط ؟ أقول له: هل معك جواب إلى الله يوم القيامة ؟ دعك من رؤسائك، أمعك جواب إلى الله ؟ إن كنت ظالماً لهذا الإنسان سوق يقتص الله منك، واتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. على المؤمن أن يهيِّئ لله جواباً عن كل شيءٍ يفعله: هناك سؤال : فأنت في كل عمل، كل حركة، كل سكنة، كل نظرة، كل ابتسامة، كل عبوس، كل عطاء، لو قَبَّلت طفلاً وتركت الطفل الثاني، لو خصصت ابناً ولم تَخُصَّ الثاني، لو مِلت مع زوجةٍ وأغدقت عليها كلها شيء وأهملت الثانية، أخشن طعام للثانية، أسوأ بيت للثانية، أقسى معاملة للثانية، هل هيأت لله جواباً ؟ أمعك جوابٌ إلى الله عزَّ وجل ؟ هذا أهم شيء بالدرس، هيِّئ لله جواباً عن كل شيءٍ تفعله ؛ عن كل حركةٍ وسكنةٍ، ونظرة وابتسامةٍ، وإنفاقٍ وإقتارٍ، ومنعٍ وعطاءٍ، ووصلٍ وقطع، وودٍ وجفاءٍ، يجب أن تهيِّئ لله جواباً، قال لي أخ يعمل في التموين: هل يسمح لي أن أكتب ضبطاً ؟ قلت له: أكتب ما شئت، وأرسل إلى السجن ما شئت ومن شئت، لكنك إذا كنت بطلاً يجب أن تهيِّئ لله جواباً عن كل ضبط، لماذا كتبت هذا الضبط ؟ أكنت ظالماً له ؟ الله سيقتص منك. أنا الذي أراه أيها الأخوة، أن كل ذكائك، وكل عبقريتك، وكل تفوِّقك في أن تكون أديباً مع الله، وقّافاً عند كلامه، مؤدياً لحقوق العباد، ومطبقاً لمنهجه العظيم، فالله عزَّ وجل يقول: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) سورة البقرة﴾ فأنا أقول: يمكن أن يقبلك الله إذا كان معك عذر، أما الشيء واضح، الحلال بيِّن، الحرام بيِّن، وتجد معظم الناس يأخذون ما ليس لهم ظلماً، وعتواً، واستكباراً، ومكابرةً، يركبون رؤوسهم، لكن الله عزَّ وجل كبير، وسوف ينتقم منهم. |
![]() |
![]() |
![]() |
#17 |
مشرفة قسم القرآن
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() ( لو أن الله سألك ماذا تجيب)
أتمنى على كل أخٍ مؤمن دائماً وأبداً أن يهيِّئ لله جواباً، لو أنه سألك: لماذا طلَّقتها ؟ لماذا سلبتها مالها ؟ لماذا أخرجت هذا الشريك من الشركة ؟ لماذا لم تعطِ هذا الابن ما أعطيت أخوته ؟ لو أن الله سألك ماذا تجيب ؟ هل معك حُجَّة ؟ يروى أن سيدنا عمر بن عبد العزَّيز، كان يصلي في مصلاه ويبكي، دخلت عليه زوجته فاطمة، قالت له: " يا أمير المؤمنين ما الذي يبكيك ؟ قال: " دعيني وشأني "، قالت: " قل لي وربك ما الذي يبكيك ؟ " ، قال: "دعيني وشأني "، فلما ألحَّت عليه، قال: " بعد ما ولِّيت هذا الأمر فكرت في الفقير الجائع، والبائس الضائع، وذي العيال الكثير والدخل القليل، وفي ابن السبيل، وفي الشيخ الكبير، وفي المرأة الأرملة، وفي الطفل الصغير، وفي، وفي ـ عدد لها عشرات الحالات المؤلمة في مجتمعه ـ قال: فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً، وخفت ألا تثبت لي حجةٌ عند الله فلهذا أبكي ". أهم شيء أن يكون معك حجة لله عزَّ وجل، لمَ أهملت هذا الولد حتى خرج عن منهج الإسلام ؟ لمَ امتنعت عن تزويجه وأنت قادر أن تزوِّجه ؟ زنا، لعل هذا الزنا في صحيفتك، إذا كنت قادراً لمَ لم تزوجه ؟ لمَ لم تختر لابنتك إنساناً مؤمناً ؟ آثرت المال على الإيمان فضيَّع دينها وأخرجها عن استقامتها، أرضيت أن يأخذ ابنتك إنسان غني فيخرجها عن دينها ؟ إذا سألك الله بماذا تجيب ؟ لمَ لم ترب ابنتك ؟ هذه البنت التي تظهر كل مفاتنها في الطريق، سوف يسأل أبوها يوم القيامة: كيف سمحت لها أن تخرج هكذا ؟ هل نظرت إلى ثياب خروجها ؟ فأمامنا مليون سؤال. قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً (90) ﴾بغياً أي حسداً:﴿ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ (90) ﴾أي أنه اشترى الكفر، دفع ثمن الكفر الجنة، أسوأ صفقة في التاريخ، ما من إنسانٍ أشد حسرةٍ وندماً يوم القيامة كالذي باع آخرته بدنياه، فمصالحه مع الكفر، أحياناً مصالحه مع المعصية، مصالحه أن يكون مع إنسان كأن يكون شريك صاحب مطعم يبيع خمر مصلحته أن يبقى شريكاً في هذا المطعم، يقول لك: دخل كبير يدره علينا، والآخرة ؟ هذا مثل بسيط، واحد شريك بمطعم خمسة نجوم يبيع خمراً، والدخل كبير جداً والمكاسب بشكل عام صارت ضعيفة، فإذا كان له شركة بمطعم يبيع الخمر، فإذاً آثر هذا الدخل الكبير على الآخرة !!! الحق لا يتجزَّأ ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)سورة البقرة ﴾ أراد الله في هذه الآية الكريمة أن يبيِّن لنا حقيقةً خطيرة في العقيدة وهي : أن العداوة لا تتجزَّأ، وأن الولاء لا يتجزَّأ . أنت مع من ؟ إن كنت مع الله فينبغي أن تكون مع رسوله، وإن كنت مع رسوله فينبغي أن تكون مع أصحابه الكرام الذين أثنى عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، إن كنت مع أصحابه الكرام فأنت مع أهل الحق، هناك معركةٌ أزليَّةٌ أبديَّة بين الحق والباطل، فلا بد من أن تكون موالياً للحق متبرِّئاً من الباطل، أما أن تقول : أنا أحب النبي ولا أحب أصحابه، أو أنا أؤمن بالله وأكره جبريل، هذه التفرقة لا وجود لها، الحق لا يتجزَّأ والباطل لا يتجزَّأ . أنت مع من ؟ إن كنت مع الحق فأنت مع الكل، وإن كان هذا الإنسان الشارد مع الباطل، فهو مع أعداء الدين جميعاً، إما في خندق أهل الإيمان وإما في خندق أهل الكُفْران، إما مع الحق وإما مع الباطل، والدليل أن في الحياة اتجاهين، إن لم تكن على أحدهما فأنت على الآخر قطعاً، والدليل على ذلك قول الله عزَّ وجل :﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾( سورة القصص الآية : 50 ) المعركة بين الحق و الباطل أزليَّة أبديَّة ولا بدّ من الولاء والبراء : قال تعالى :﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ ﴾( سورة يونس الآية : 32 ) بعد الحق هناك ضلال، لأنه بين نقطتين لا يُرْسَم إلا مستقيمٌ واحد، فمهما وصلت بين النقطتين تأتي كل هذه المستقيمات فوق بعضها البعض، الحق لا يتجزَّأ أما الباطل فيتعدَّد، لأن الخطوط المُنحرفة والمنحنية والمنكسرة كثيرةٌ جداً، وقد أشار ربنا عزَّ وجل إلى هذه الحقيقة حين قال :﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ (257) ﴾( سورة البقرة )الظلمات جمع :﴿ إِلَى النُّورِ (257) ﴾( سورة البقرة )النور واحد :﴿ وَأَنَّ هَذَا صرا طي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾( سورة الأنعام الآية : 153 ) الحق لا يتعدَّد، الباطل كثير جداً ؛ هناك باطل اعتقادي، وباطل سلوكي، هناك باطل انحرافه خمس درجات، عشر درجات، مئة درجة، وهناك إلحاد، الباطل يتعدَّد، وهناك معركةٌ أزليَّةٌ أبديَّةٌ بين الحق والباطل، ولا بد من الولاء والبراء، إن واليت الله يجب أن توالي رسول الله، أعداء الدين ينفذون إلى التفرقة، فهو يقول : أنا أريد القرآن ولا أريد السُنَّة . من قال لك ذلك ؟ إذا كان القرآن الكريم يقول :﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾(سورة الحشر الآية : 7 ) أنت إن رفضت سُنَّة النبي رفضت القرآن، القرآن، وسنة النبي العدنان، وسيرة صحابته الكرام، وسيرة السلف الصالح من المؤمنين والعلماء العاملين، هذا هو الحق ؛ والباطل هو كل انحرافٍ عن منهج الله ورفضٍ لأوامره وهو كفرٌ، فهذه التفرقة تفرقةٌ لا وجود لها، مفتعلة خصائص الفرق الضّالة ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ (97) سورة البقرة﴾فهذه التفرقة في العداوة هذه ليست من الدين في شيء، فاليهود لا يحبون سيدنا جبريل، يعادونه سيدنا جبريل مَلَك عظيم، بل هو رئيس الملائكة، وأنزل هذا القرآن على قلب النبي بإذن الله، هو عبدٌ مأمور، مخلوقٌ مأمور، فكيف تعاديه أنت ؟ وما ذنبه ؟ حقيقةٌ ناصعة أضعها بين أيديكم : ما من فرقةٍ ضالَّةٍ في الإسلام على مدى الحِقَب، خلال التاريخ الإسلامي كله، ما من فرقةٍ ضالةٍ إلا وفيها أربع خصائص : أولاً تأليه الأشخاص، ثانياً اعتماد النصوص الموضوعة والضعيفة، ثالثاً تخفيف التكاليف، رابعاً النزعة العدوانيَّة، فإن وجدت فئةً تؤلِّه شخصاً، أو تعتمد نصَّاً ضعيفاً أو موضوعاً، أو تخفِّف التكاليف لدرجة أنها تجعل من الدين نمطاً يشبه النمط العصري الإباحي، أو ذات نزعةٍ عدوانيَّة فهي فرقة ضالَّة، والإسلام شامخٌ كالطود، وكل الانحرافات في الإسلام أصبحت في مزبلة التاريخ، وتلاشت كبيت العنكبوت، وبقي الإسلام بأصوله الصحيحة، ونصوصه الصحيحة، وقيمه الخالدة شامخاً كالجبل . نحن مأمورون أن نرجع إلى أصل الدين، فأنا أعادي جبريل ولا أعادي النبي !! جبريل ليس له علاقة، هو أنزل هذا الكتاب على قلب النبي بإذن الله، هو مخلوقٌ مأمور، فافتعال العداوات من شيَم أهل الضلالة، نحن عندنا طرفان الحق والباطل ؛ الله عزَّ وجل، ونبيُّه الكريم، وصحابته الكرام، والعلماء العاملون الصادقون، وأولياء الله الصالحون هؤلاء طرفٌ واحد، ومن أنكر شيئاً من كلام الله، أو من نبوَّة رسول الله، أو من حديث رسول الله، هذا الإنكار ينقله إلى الخندق الآخر . (( تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدهما :كتاب الله وسنتي )) [ أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ] الفسق والإيمان يتناقضان ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ (99) ﴾ آيات بيِّنات، واضحات، نيِّرات، مُقنعات، باهرات :﴿ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) ﴾ مثلاً يقول لك إنسان دخله ربوي : هذا الدين لا يتناسب مع العصر، يقول لك : هناك آيات غير معقولة، أمعقول أن يجمد الإنسان ماله ؟ لماذا بدأ يشكُّ في مصداقية كلام الله؟ لأنه انطلق من الربا، إنسان يعيش الاختلاط بكل بشاعته لا يقبل آيات الحجاب أبداً، يرفضها، يقول لك : هذا الحجاب بدعة جاءتنا في العهد العثماني، استمع إلى حجج الفَسَقَة كلهم يتناغمون، كلهم يرفضون الحق، لأنهم إذا رفضوا الحق دافعوا عن أنفسهم، توازنوا، لو قبل معك الحق وهو غير مستقيم انكشف واختل توازنه، صار عنده مشكلة، فلا بد أن يرفض الحق كي يعيد التوازن، فلذلك : ﴿ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ (100) ﴾ المؤمن الصادق يتوب توبة واحدة، أما ضعاف المؤمنين كلَّما عقد توبةً نقضها، تغلبه نفسه : ﴿ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾( سورة المؤمنون الآية : 106 ) الفسق والإيمان يتناقضان، الإيمان وجهة، والفسق عقبات أمام هذه الوجهة، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾[ سورة البقرة: 99 ] الفاسق يوجه الآيات توجيهاً يغطي انحرافاته : حدث عن آية قرآنية أمام عشرة، الذين يكذبون هذه الآية، أو تفسيرها، أو ما تعنيه، أو دلالتها، هم العصاة الفاسقون، المستقيم يقول لك: صدقت ورب الكعبة، هذا هو الحق، غير المستقيم يقول لك: لا أعتقد أن هذه الآية هذا معناها، يحب أن يوجه الآيات توجيهاً يغطي انحرافاته، فإذا قلت له: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾[ سورة آل عمران: 130 ] قال لك: الآية تنهى عن النِّسب المرتفعة في الربا، ولكن النسب المعتدلة لم ينه الله عنها في نص هذه الآية. النفاق و الكفر : من الذي يرفض الحق؟ الفاسق، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾[ سورة البقرة: 99 ] ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾[ سورة القصص: 50] والله سبحانه وتعالى يقول:﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾[ سورة المائدة: 49] أكثر الناس فاسقون، يصلون، ويصومون، ويزكون، وهم فاسقون، وفسقهم حجاب، وصلاتهم سراب، وصومهم جوع وعطش، وحجهم سياحة، وأعمالهم مرفوضة، والله سبحانه وتعالى يقول:﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾[ سورة التوبة: 67] لو كان مستقيماً لما نافق، ولأنه فاسق ينافق، فالفسق من علامات النفاق، والنفاق من لوازمه الكفر. الفاسق إنسان خرج عن أمر الله فنسي هدفه في الحياة : قال تعالى:﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾[ سورة الحشر: 19] نسوا الله فأنساهم أنفسهم، لماذا نسوا الله؟ ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾[ سورة الحشر: 19] لأنهم خرجوا عن أمر الله، خرجوا عن أمره فنسوا الله، فلما نسوا الله نسوا أنفسهم، أي نسوا المهمة التي خلقوا من أجلها، نسوا هدفهم في الحياة. الفاسق لا يهديه الله عز وجل و يتوعده بالعذاب الأليم : ثم قال تعالى:﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ([ سورة الصف: 5] الفاسق لا يهديه الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يتوعد الفاسقين ويقول:﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾ الحق صِرف والباطل متنوِّعٌ: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) سورة البقرة﴾ نبذوا واتبعوا، وأي إنسان لا بد من أن يدرك وأن يتَّبع، فالمؤمن ترك الباطل واتبع الحق، والكافر ترك الحق واتبع الباطل، والويل ثمَّ الويل ثم الويل لمن أعرض عن الحق واتجه إلى الباطل، لمن نبذ كتاب الله المُنَزَّلَ من عند الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ حبل الله المتين، صراطه المستقيم، طريق سعادة الإنسان، منهجه القويم ـ واتبع أهواء الناس . أنت لا بد من أن تدع شيئاً وأن تأخذ بشيء، فالمؤمن ـ كما قلت قبل قليل ـ نبذ أقوال البشر، وأهواء البشر، وخرافات البشر، واتبع ما أنزل إلى النبي عليه الصلاة والسلام من عند الله، هناك حقٌ صِرف، وباطلٌ متنوِّعٌ . ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾( سورة الأنعام الآية: 153 ) الحق لا يتعدَّد: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ ﴾( سورة يونس الآية: 32 ) لا يرسم بين نقطتين إلا مستقيمٌ واحد، وأي خطٍ مستقيم يأتي فوق الخط المستقيم، الحق لا يتعدَّد، وحينما تستقيم على أمر الله تلتقي مع أخيك حتماً، لقاء حتمي مادمت أنت على صراطٍ مستقيم وأخوك على صراط مستقيم فالخطان المستقيمان يتطابقان، أية تفرقةٍ بين مؤمنين هذا يعني أن أحدهما على حق والثاني على باطل . مثل بسيط: لو أن هناك طريقاً مستقيماً ينتهي بهدف وله بداية، وانطلق اثنان على هذا الطريق بسرعةٍ واحدة، وباتجاه هدفٍ واحد، لقاؤهما حتمي، إلا في حالةٍ واحدة هي أن يسلك الأول هذا الطريق باتجاه هذا الهدف، وأن يدَّعي الثاني أنه على هذا الطريق وهو ليس كذلك، إذاً لا يلتقيان . ![]() المعركة بين حقين لا تكون، مستحيل، لأن الحق لا يتعدَّد، وبين حقٍ وباطل لا تطول لأن الله مع الحق، وبين باطلين لا تنتهي لأن الله تخلَّى عنهما معاً، فالأقوى ينتصر، والأكثر حيلةً ينتصر، والأذكى ينتصر . لذلك: هم نبذوا واتبعوا، تركت ملَّة آبائي واتبعت الحق، فأنت لا بد من أن تسأل هذا السؤال: ما الذي تركته في سبيل الله ؟ وما الذي أقبلت عليه في سبيل الله ؟ الإنسان قد يدع حرفةً فيها معصيةٌ لله، هل تركت شيئاً في سبيل الله ؟ هل أعرضت عن نظريَّةٍ باطلة؟ عن تفسيرٍ سخيف ؟ عن اتجاهٍ استحوذ على الناس، هل أعرضت عن بلوى عامَّة عمَّت الناس جميعاً ولم تعبأ بها ؟ هل أنت مع المجموع ؟ قال عليه الصلاة والسلام:(( لا تكونوا إمَّعة ))[الترمذي عن حذيفة] من هو الإمعَة ؟ أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت . سؤال وجيه وخطير: ما الذي تركته في سبيل الله وما الذي اتبعت ؟ ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾( سورة الكهف) وقال: ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾( سورة لقمان الآية: 15 ) |
![]() |
![]() |
![]() |
#18 |
مشرفة قسم القرآن
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() الولاء والبراء من خصائص المؤمن:
﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) سورة البقرة﴾ المؤمن ينبذ طريقة أهل الكفر، قيَمَ أهل الكفر، مبادئ أهل الكفر، الأنماط المعيشيَّة لأهل الكفر، المؤمن لا يرضى أن يقلِّد أهل الكفر في بيته، هناك بيوتات المسلمين ـ مع الأسف الشديد ـ يقلّدون أهل الكفر في أكثر احتفالاتهم، ونشاطاتهم، وسفرهم، وإقامتهم، بل إن نصف كلماتهم ليست عربيَّة، المؤمن يعتزُّ بدينه ويعتزُّ بإسلامه، ويعتزُّ بسنة نبيِّه عليه الصلاة والسلام . هل عندك ما يسمَّى بالبراء والولاء ؟ هل توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً، ولو كانوا فقراء ؟ وهل تتبرَّأ من الكفار والمنحرفين ولو كانوا أقوياء وأغنياء ؟ الولاء والبراء من خصائص المؤمن، لا بد من أن تتبرَّأ وأن تتولَّى، ولا تكن كالذي يتولَّى أهل الكفر لما عندهم من دنيا، لما عندهم من مكاسب، لما عندهم من عطاء، ويعرض عن أهل الإيمان لضعفهم، النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال لعدي بن حاتم وكان ملكاً، قال له: " لعلَّه إنما يمنعك من دخولٍ في هذا الدين ما ترى من حاجتهم " . كان الصحابة فقراء جداً، أما الصناديد والأقوياء، وأصحاب الوجاهة، والبأس، والقوة، والأمر، والنهي، كانوا كفاراً: ﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ (27) ﴾(سورة هود ) إنك حينما تدع أهل الكفر ولو كانوا أقوياء، وتؤوي إلى أهل الإيمان ولو كانوا ضعفاء فقد واليت وتبرَّأت . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ِ(13)﴾( سورة الممتحنة) وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (51) ﴾( سورة المائدة ) لكن ضعاف الإيمان يوالون من حادَّ الله ورسوله، لما عندهم من دنيا، لما عندهم من مكاسب، يقول لك: شركة رابحة جداً تبيع الخمر، فيقول: أنا مضطر ماذا أفعل ؟ قد يوظِّف ماله في شركة ترتكب المعاصي، وقد يعمل في مهنة تقوم على معصية الله ابتغاء دُنيا يصيبها، أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه . المؤمن يعتزُّ بدينه وبإسلامه وبسنة نبيِّه عليه الصلاة والسلام: أول شيء بالدرس أنه لا بد من تركٍ ولا بد من تمسُّك، لا بد من إعراضٍ ولا بد من إقبال، ما الذي تركته في سبيل الله ؟ وما الذي أقبلت عليه في سبيل الله ؟ هل انتقلت من خندقٍ إلى خندق ؟ هل انتقلت من موقعٍ إلى موقع ؟ هل انتقلت من نمط معيشةٍ إلى نمطٍ آخر؟ هل انتقلت من طريقةٍ يألفها الناس وفيها بلوى عامَّة إلى طريقةٍ يحبها النبي عليه الصلاة والسلام وهي نادرةٌ . ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء))[رواة مسلم ] قُدِّم شيطان الإنس على شيطان الجن لأن خطره أشد: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ (102)سورة البقرة ﴾ الشياطين هم عصاة الجن، والجنُّ فيهم المؤمنون وفيهم الكافرون: ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً(11) ﴾(سورة الجن ) الشياطين هم العصاة من الجن الذين عصوا الله عزَّ وجل، فالجن منهم كفار ومؤمنون، والمؤمنون منهم طائعون وعصاة، وكل من عصى الله عزَّ وجل وخرج عن منهجه فهو شيطان ولو كان إنساناً، والدليل: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ ﴾(سورة الأنعام) قُدِّم شيطان الإنس على شيطان الجن لأن خطره أشد، إنسان يسكن إلى جوارك، زميلك في عملك، رفيقك في دراستك، جارك في بيتك، يحمل شهادة كما تحمل، يعيش كما تعيش لكنَّه شيطان يدعوك إلى المعصية، يدعوك إلى العَصْرَنَة، يدعوك إلى التحلُّل من كل منهجٍ سماوي، يدعوك إلى كسب المال الحرام، يتَّهمك بالجنون إن لم تكسب مالاً حراماً، إن قنعت بالحلال ولو كان قليلاً ولم تطمع بالحرام ولو كان كثيراً يتَّهمك بالجنون، هذا شيطان الإنس، وقُدِّم شيطان الإنس على شيطان الجن لأن شياطين الجن يحتاجون إلى دروسٍ من شياطين الإنس . قال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا (102) ﴾ قد يقول قائل: لقد كان سياق الآية أن يقول الله عزَّ وجل: واتبعوا ما تلت الشياطين على مُلك سليمان ـ ما تلت الشياطين، لكن الله عزَّ وجل يقول: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو (102) ﴾ معنى هذا أن المعركة بين الحق والباطل مستمرَّة إلى يوم القيامة، ليست هذه قصَّةٌ وقعت وانتهت، شياطين الإنس والجن يتلون الباطل، يلقون الباطل: ﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) ﴾(سورة إبراهيم) (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ....) سورة البقرة 102 السحر أن تسيطر على المسحور بحيث تجعله يرى ما لم يُرَ: حدَّثني صديق ذهب إلى الهند، رواها لي مباشرةً: أنه رأى ساحراً أمسك بحبلٍ وقذفه إلى الأعلى، فعلِقَ في الأعلى، أمر غلامه أن يصعد على هذا الحبل، فصعد على هذا الحبل حتى غاب عن الأنظار، أمره أن يرجع فلم يرجع فتبعه، فإذا برأسه يقع مقطوعاً وبيديه، لقد غضب الساحر من غلامه الذي لم يرجع، كان هناك سائح يصوِّر، صوَّر هذا المشهد بكل تفاصيله، فلمَّا أراد أن يظهر هذا الفيلم لم يجد شيئاً ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116)﴾ السحر أن تسيطر على المسحور بحيث تجعله يرى ما لم يُرَ، إذا مشى الإنسان في الظلام وكان خائفاً يرى أشباحاً تتحرَّك، ليس في البيت شيء، لكن الظلام الدامس، والخوف الشديد، وضعف النفس جعلا الإنسان يرى أشخاصاً يتحرَّكون، علماء النفس يضعون بقعة حبر فيراها كل إنسان بشكل، القضيَّة نفسيَّة، يُعبَّر عنه في علم النفس بالتنويم المغناطيسي، أي يستطيع المنوِّم أن يُري المنَوَّمين أشياء لا وجود لها إطلاقاً والآية واضحة: ﴿ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116)﴾( سورة الأعراف) وقال: ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى(66) ﴾(سورة طه ) هي لا تسعى، الساحر يستطيع أن يسحر عيون المسحورين ولكن أحداً لا يستطيع أن يسحر عينيه . الدعاء والاستعاذة بالله هما ما يبطل السحر وليس الدجل: سحرة فرعون حينما رأوا العصا أصبحت ثعباناً مبيناً هم سحروا لكنهم لم يُسْحَروا: ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ(46)قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(47)رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(48)قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(49) ﴾(سورة الشعراء) إلى آخر الآيات حتى قالوا: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(72)إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(73) ﴾( سورة طه) شائعٌ جداً في العالم الإسلامي أن هناك شيوخاً، لهم عمائم خضراء، يتعاونون مع الجن ليفكوا السحر، ليحبِّبوا الزوجة إلى زوجها، هذا كلُّه دجلٌ ما بعده دجل، ليس إلا الله، وليس إلا الدعاء، وليس إلا أن تستعيذ بالله عزَّ وجل، هؤلاء السحرة يُدَجِّلون وقد يكون لهم مظهر ديني أدلة من القرآن الكريم عن أهمية الاستعاذة بالله: قال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً(6)﴾( سورة الجن ) الساحر يعيش فقيراً ويموت فقيراً، ويقنع الناس أنه يفعل ما يريد، قرأت كتاباً فيه بعض الجرائم المُعَلَّلة، رجل يعمل في حقل مكافحة الجريمة، من خلال خبراته ألَّف كتاباً فيه بعض القصص عن بعض الجرائم الواقعيَّة ؛ إحدى المسجونات امرأةٌ تعمل في السحر، اعترفت أنها ترشد المرأة إلى أن تطيع زوجها، طبعاً تدخلها أولاً إلى غرفة مظلمة، والبخور، وترتدي هذه المرأة السواد، وشعرها مُضَّطرب، تحيطها بجو كهنوتي، ثم تأمرها أن تطيع زوجها، وأن تتزيَّن له، وأن تخدمه، الذي أمرتها به هو سببٌ علمي لمحبَّة زوجها لها، لكن هذه المرأة الغبيَّة تتوهَّم أن الساحرة استطاعت أن توفِّق بينها وبين زوجها، علماً أن الأوامر الجزئية التي أعطتها إيَّاها هي كافيةٌ كي تحبِّب المرأة بزوجها والعكس، فيجب أن نتحرَّر من هذه الأوهام أيها الأخوة، ليس القضاء على الشيطان إلا: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ(36) ﴾( سورة فصلت) وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201) ﴾( سورة الأعراف) وقال: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2) ﴾( سورة الفلق) وقال: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4) ﴾( سورة الناس) الذي يخنُس، يرتدُّ سريعاً، معك سلاح خطير، يكفي أن تستعيذ بالله بقلبٍ حاضر فينتهي عمل الشياطين جميعاً . |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
د.محمد راتب النابلسي - تفسير سورة الفاتحة | امانى يسرى محمد | قسم تفسير القرآن الكريم | 6 | 09-20-2025 06:53 PM |
برنامج قصص الصحابة للدكتور محمد راتب النابلسي | عادل محمد | ملتقى الكتب الإسلامية | 1 | 06-04-2020 10:37 PM |
د : محمد راتب النابلسي: (إحدى عشر حقيقة لابد أن تعرفها) | الزرنخي | ملتقى الحوار الإسلامي العام | 2 | 07-01-2017 05:25 PM |
اسطونة تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى كامل تقلب صفحاته بنفسك | الشيخ ابوسامح | قسم الاسطوانات التجميعية | 2 | 08-11-2016 07:04 PM |
اسطوانة تفسير الدكتور محمد راتب النابلسي للقرآن الكريم | عادل محمد | قسم الاسطوانات التجميعية | 1 | 08-11-2016 06:57 PM |
|