استخدم محرك جوجل للبحث في الملتقى

 

الرئيسية التسجيل البحث الرسائل طلب كود التفعيل تفعيل العضوية استعادة كلمة المرور
facebook facebook twetter twetter twetter twetter

المناسبات


   
العودة   ملتقى أحبة القرآن > ۩ ملتقى العلـــم الشرعـــي ۩ > ملتقى القرآن الكريم وعلومه > قسم تفسير القرآن الكريم
قسم تفسير القرآن الكريم يهتم بكل ما يخص تفسير القرآن الكريم من محاضرات وكتب وغيرذلك
 

   
الملاحظات
 

إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 09-24-2025, 04:49 PM   #1
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 40

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

من نواقض الإسلام :

1-الشرك والكفر :
الشرك من نواقض الإسلام، والكفر من نواقض الإسلام, والكفر أنواع: كفر الجحود، وكفر الشك، وكفر الإعراض، وكفر الاستكبار، وكفر التكذيب.
2-الردة :
ومن نواقض الإسلام الردة تعريف المرتد: هو من ترك دين الإسلام، وهو عاقل مختار غير مكره إلى دين آخر، أو إلى غير دين كالإلحاد.

، قال الله عز وجل:
﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
[سورة البقرة الآية: 217

﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ﴾

أحياناً يرتد الإنسان عن الدين دون أن يُعْلِن ذلك، فالدين لا يعجبه، ولا أهل الدين، ولا منهج الدين، ولا سُنَّة النبي الكريم، ولا العبادات، كلها تتناقض مع هذا العصر، ولا يعجبه أن يصلي خمس صلوات في اليوم أو أن يصوم، فالإنسان له طاقة، وبالصيام تضعف طاقته، فلم يعد منتجاً بالصيام، فالذي لا تعجبه العبادات، ولا العقائد، ولا التوحيد، ولا منهج النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا مرتد عن دينه دون أن يشعر.

أعمال يحبطها الله عز وجل :

قال تعالى:﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾
حبطت أعمالهم أي أهلكتهم، وهناك بالطبع معانٍ أخرى لإحباط العمل،
فالله قال:﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ﴾[ سورة الفرقان: 23]

أعمال كالجبال، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، إذاً أعمال تمثيليّة( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ أخوانكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))[ ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ]

أحياناً يكون الإنسان ذكياً جداً، فيعمل عملاً طيباً مقبولاً عند الناس، والناس يثنون عليه، أما هو فليس كذلك،
فربنا عز وجل يحبط عمله، فالإحباط قد يكون العمل طيباً ولكن وراءه نفاق أو نية خبيثة، فهذه النية الخبيثة وهذا النفاق يحبطه.
إما أن يكون العمل مخالفاً للشرع بالأساس، أو أن يكون وفق الشرع ولكن نيته ليست سليمة، كلا العملين يحبطه الله عز وجل، لذلك:
﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

إحباط العمل :

سأل النبي الكريم ( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ؟ قالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))[ مسلم عن أبي هريرة ]هذا هو إحباط العمل..

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
بالمقابل:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾الإيمان الصحيح..﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا ﴾بالمعنيين المعنى التاريخي: ترك مكة إلى المدينة، والمعنى الآخر: هجر المنكر..
﴿ وَجَاهَدُوا ﴾بذلوا الجهد في سبيل الله..
﴿ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾




﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾218

﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا﴾
أي تحرك، ليس في الإسلام إيمان سكوني، لا بد من أن تتحرك، لا بد من أن يترجم إيمانك إلى عمل، لا بد من أن تعطي لله وأن تمنع لله، وأن ترضى لله، وأن تغضب لله، وأن تصل لله، وأن تقطع لله، الهجرة بمفهومها الواسع تعني الحركة، ما إن يستقر الإيمان في قلب المؤمن إلا ويعبر نحو ذاته بحركة نحو الخلق، فالذين أمنوا هاجروا في سبيل الله.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
آمنوا أي الإيمان الذي يريده الله عز وجل، وآمنوا الإيمان الذي ينجيهم، وآمنوا الإيمان الذي يحملهم على طاعة الله عز وجل، فليس كل إيمان عند الله إيماناً، وليس كل إسلام عند الله إسلاماً.
﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾[ سورة الحجرات: 14 ]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ﴾[سورة النساء: 136 ]
معنى ذلك أن إيمانهم ليس مقبولاً عند الله عز وجل، فالله جلّ جلاله إذا قال: "آمنوا" القصد من هذا الكلام الإيمان الذي بني على بحث ودرس وتأمل، والإيمان الذي تستكمل فيه أركان الإيمان من إيمان بالله موجوداً وواحداً وكاملاً، وإيمان بأنبيائه ورسله، وإيمان بكتبه، وإيمان بالملائكة، وإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، بمجمل هذا الإيمان ينبغي أن تطيع الله عز وجل.


إن الله يثني على المؤمنين:
﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[سورة العصر الآية: 3]
ولكن الإيمان درجات، هناك إيمان لا يجدي، وهناك إيمان مُنْجٍ، وهناك إيمان مُسعد
تصور أن دائرة كبيرة جداً هي دائرة أهل الإيمان، فكل من آمن أن لهذا الكون إلهاً موجوداً، وواحداً, وكاملاً, فهو في هذه الدائرة، لكن إن لم يستقم على أمره, فلا ينفعه إيمانه، كإيمان إبليس تماماً:
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ﴾[سورة صاد الآية: 81]
آمن بالله رباً، وآمن به عزيزاً، وآمن به خالقاً، قال: خلقتنى
وآمن يوم الآخر:﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[سورة الأعراف الآية: 14]
ما دام إبليس لم يطع الله عز وجل، واستنكف عن طاعته، فإيمانه لا يجدي

إذاً: مَا كلُّ من قال: الله خالق الأكوان ينجيه إيمانه، في هذه الدائرة الكبيرة دائرة صغيرة، هذا الذي آمن وعمل بإيمانه، آمن وعمل بمقتضيات إيمانه، آمن وحمله إيمانه على طاعة الله، هذا في الدائرة الثانية، وفي مركز الدائرة أنبياء الله عز وجل المعصومون، فإما أن يكون الإنسان خارج الدائرة، وهو الكافر والملحد، وإما أن يكون في دائرة الإيمان، لكن إيمانه لا ينجيه، وإما أن يكون في الدائرة الثانية، أي إيمانه ينجيه، وفي وسط هذه الدائرة الكبيرة مركز فيها أنبياء الله ورسله الذين هم قمم البشر، والقدوة للبشر، والذين عصمهم الله عز وجل، وأمرنا أن نأخذ عنهم .


من أيّ مادة في اللغة تشتق كلمة الإيمان؟ :
1-من الأمن :
أيها الأخوة، من أيّ مادة في اللغة تشتق كلمة الإيمان؟
من أمن، اطمأن، يعني ليس من طريق إلى أن تكون آمناً, مطمئناً, متوازناً, راضياً, متفائلاً, إلا أن تكون موصولاً بالله عز وجل، ذاكراً له،
لقول الله عز وجل:﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[سورة الرعد الآية: 28]
مستحيل، وألف ألف أَلف مستحيل أن تسعد وأنت معرض عن الله، لأن الله عز وجل يقول:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾[سورة طه الآية: 124]
تشتق كلمة الإيمان من الأمن، والأمن أكبر نعمة تسبغ على الإنسان، والدليل هذه الآية:
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[سورة الأنعام الآية: 81-82]

2-من التصديق :
تشتق كلمة الإيمان من التصديق، بمعنى:
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾[سورة يوسف الآية: 17]
أيْ: وما أنت بمصدق لنا، فإما أن نفهم الإيمان على أنه أمن, وراحة، وتوازن واستقرار، وسعادة, وسلامة، أو أن نفهم الإيمان على أنه تصديق لما جاء به الأنبياء والرسل.


المفهوم الشرعي للإيمان :
أيها الأخوة، أما المفهوم الشرعي للإيمان: فهو اعتقاد وإقرار وعمل، تعتقد أن لهذا الكون خالقاً ومربياً ومسيراً، وأنه موجود وكامل وواحد، وأن أسماءه حسنى وصفاته فضلى، وأنه خلق الإنسان ليسعده، وأن الدنيا دار فيها يتأهل الإنسان لجنة خلقه الله من أجلها، وأنه أرسل الأنبياء والرسل، وأنزل الكتب، وأنه خلق الملائكة، وأن كل شيء بفعله وقضائه وقدره ، هذا هو الإيمان .
فالإيمان اعتقاد، والإيمان اعتراف باللسان، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول، والإيمان سلوك، وأداء العبادات، وضبط الجوارح، وضبط الأعضاء، وضبط الدخل، وضبط الإنفاق، وضبط البيت، اعتقاد وإقرار وسلوك، لأن الكفر اعتقاد فاسد، وسلوك منحرف، هناك كفر اعتقادي، وهناك كفر كلامي، وهناك كفر سلوكي .



﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا ﴾
هاجروا بالمعنى الواسع والمعنى الضيق، فبالمعنى الواسع هجر المنكر، وهجر كل معصية، وهجر كل شبهة، وبالمعنى الضيق ترك بلداً منع فيه من إقامة شعائر الدين وهاجر إلى بلد أتيح له أن يعبد الله فيه.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
أي بذلوا الجهد، فنحن في دار عمل، وفي دار ابتلاء، فالتكليف طبيعته ذو كلفة، وهناك شهوات أودعت في الإنسان وهناك منهج الله عز وجل يقنن لك هذه الشهوات، يقننها بقنوات نظيفة، فأن تحمل نفسك على طاعة الله وعلى أن تقنن هذه الشهوات في أقنية نظيفة طاهرة تفضي بك إلى الآخرة، وإلى دار السلام فهذا هو الجهاد، ولذلك فالجهاد ثلاث مراتب؛ أولاها: أن تجاهد نفسك وهواك لأن المهزوم أمام نفسه لا يمكن أن يفعل شيئاً مع غيره، والجهاد الثاني: الجهاد الدعوي، أن تتعلم القرآن وأن تعلمه، وقد يتاح للإنسان الجهاد القتالي. والأصل أن تحمل نفسك على طاعة الله عز وجل وأن تجاهد نفسك وهواك.





سعة رحمة الله بعباده

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
الإنسان المؤمن يرجو ويخاف، فلو بنيت علاقته مع الله على الرجاء دون الخوف اختلت هذه العلاقة، ولو بنيت علاقته مع الله على الخوف دون الرجاء لاختلت هذه العلاقة، فالأنبياء والمرسلون والمؤمنون الصادقون يعبدون الله خوفاً وطمعاً ورغبة ورهبة، فهذا الوضع المتوازن يعني ترجو رحمته وتخاف عذابه، ترجو رحمته بحيث لا تطمع فيها فتقع في معصية، وتخشى عذابه بحيث تحملك هذه الخشية على طاعته دون أن تيأس من رحمته. فهي قضية فيها توازن دقيق، ترجوه دون أن تطمع في رحمته طمعاً يحملك على معصية الله، وتخافه خوفاً دون أن يحملك على اليأس من رحمة الله، فالخوف طبيعي ما لم يحملك على اليأس، والرحمة طبيعية ما لم تحملك على معصية، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إنهم يعبدون الله رغباً ورهباً، فهؤلاء الذين آمنوا الإيمان الحقيقي وهاجروا تركوا المنكر، وجاهدوا في سبيل الله، وبذلوا الجهد ليصلوا إلى مرضاة الله عز وجل وهؤلاء في الأساس يرجون رحمة الله، ولذلك دعا النبي عليه الصلاة والسلام فقال:((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا))[ مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ]

أنت لو عملت عملاً صالحاً يجب أن تبقى قلقاً لعل في هذا العمل نية لا ترضي الله، ولعل في هذا العمل حظاً من حظوظ الدنيا، استعذ بالله من عمل لا يرفع، ولذلك فقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن الجنة التي هي فضل الله عز وجل لا يكفيها العمل بل لا بد من رحمة الله، هذا الكلام يحتاج إلى تفصيل.


﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾

إلا أن يتغمدني الله برحمته. فالجنة محض فضل تحتاج إلى رحمة الله، إن كل عملك في الدنيا لا يكفي ثمناً للجنة، ولكنه قد يكون سبباً لدخول الجنة، وفرق كبير بين أن يكون العمل سبباً، وبين أن يكون العمل ثمناً، كل عملك الصالح لا يكفي ليكون ثمن الجنة. إلا أن يتغمدني الله برحمته. والجنة محض فضل، والنار محض عدل.

كل ما عند الله من خير متمثل في رحمته :

أيها الأخوة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾
ما هي رحمة الله؟
الله عز وجل يقول:﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾[ سورة الزخرف: 32 ]
أي شخص يملك أعمالاً تجارية تدر عليه ألوف الملايين
وإنسان يملك شارعاً بأكمله بكل أبنيته في أروج عواصم العالم،
وإنسان يملك شركة متعددة الجهات والفروع ولها حجم مالي خيالي،
﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

إن رحمة الله عز وجل مطلق عطائه من معانيها السلامة سلامة الصحة، وسلامة القلب، وسلامة النفس، ومن معانيها أن يحبك الناس، وأن تكون آمناً مطمئناً، وأن تصل نعم الدنيا بنعم الآخرة، وأن تنتهي بك دنياك إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ورحمة الله أثمن شيء يملكه الإنسان.

إن كل عطاء الله، وكل علم الله، وكل رحمة الله، وكل عدل الله، وكل قوة الله، وكل ما عند الله من خير متمثل في رحمته.
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[ سورة فاطر: 2 ]
إذا حجبت عنك رحمة الله وجاءتك الدنيا بحذافيرها فأنت أشقى الأشقياء، ولو حجبت عنك الدنيا كلها ومنحت رحمة الله فأنت أسعد السعداء، ورحمة الله أنك مع الله. إنك تستفيد من علم الله، ومن قدرة الله، ومن فضل الله، ومن غنى الله، وكل ما عند الله بين يديك إذا كنت موصولاً به، وكل ما عند الله محجوب عنك إذا كنت مقطوعاً عنه، إذاً رحمة الله مطلق عطاء الله عز وجل.
الصحابة الكرام عاشوا حياة خشنة لكنهم كانوا مغموسين برحمة الله، بينما أناس كثر في أعلى درجات الغنى والقوة حجبت عنهم رحمة الله فهم في أشقى حال


أسباب رحمة الله :

1 ـ طاعة الله وطاعة ورسوله :
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[ سورة آل عمران ]
2ـ تلاوة القرآن :
﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[ سورة الأعراف ]
رحمة الله تأتيك من تلاوة القرآن، لذلك قال بعض العلماء: إذا قرأت القرآن فلم تشعر بشيء، وصليت فلم تشعر بشيء، وذكرت الله فلم تشعر بشيء، فاعلم أنه لا قلب لك، ابحث عن قلبٍ ذاكر، عن قلبٍ موصولٍ بالله عز وجل.
3 ـ الإحسان :
الآن: الطاعة طريقٌ لرحمة الله، تلاوة القرآن طريقٌ آخر لرحمة الله، هناك طريق ثالث.
﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[ سورة الأعراف ]
بالطاعة يرحمك الله، وبتلاوة القرآن يرحمك الله، وبالإحسان يرحمك الله.


موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

اثبت وجودك .. تقرأ وترحل شارك معنا برد أو بموضوع

امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-24-2025, 04:51 PM   #2
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 40

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

تدرج القرآن الكريم في تحريم الخمر

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }.. [البقرة : 219].
إنك إن عرفت الله عز وجل فالشيء الأول بعد هذه المعرفة كيف أتقرب منه؟ وكيف أتصل به؟ وكيف أنتفع برحمته؟ وأنال من عطائه؟ وأسعد بقربه؟
فلذلك "يسألونك"، ومعنى ذلك الذي لا يعرف الله لا يسأل أبداً، لم السؤال؟ كله عنده سواء، أما الذي يسأل فهو الذي يعرف الله، وهل هذا يرضي الله؟ وهل هذا العمل يحجبني عن الله؟
وهل هذا العمل يسخط الله علي؟
"يسألونك"، مادام هناك سؤال فهناك اهتمام وهناك معرفة.

هناك تشدد مذهل في شؤون العقيدة أما في شؤون التشريع فهناك تدرج :
هناك تشدد مذهل في شؤون العقيدة والتوحيد والرسالة، أما في شؤون التشريع فهناك تدرج، وليس معنى التدرج أنه نقيض التشدد لا ولكن مادام الناس قد ألفوا شيئاً فلا بد أن نأخذ بيدهم برفق إلى الصواب، وهذا ماذا يعلمنا؟ لو أنك التقيت مع إنسان يجهل كل شيء عن الدين ورأيت في بيته مئات المعاصي فينبغي لك أن تبدأ بعقيدته، وأن تتعامى عن هذه المعاصي إلى حين، ثم تأخذ بيده مرحلةً مرحلة، ودرجة درجة، وخطوة خطوة، كي تخلصه من كل هذه المعاصي والآثام، أما لو قلت له في بيتك مئة شيء محرم فيجب أن تقلع عنها فوراً، فهناك على سبيل الطرفة أناس في بعض البلاد الإسلامية أسلم على أيديهم عدد كبير من وثنيي آسيا، أول خطوة أمروهم بها أن يختتنوا، فلم يقبلوا، فجعلوا الختان شرطاً لازماً لقبول إسلامهم، والاختتان لا بد منه، لكن تمهل قليلاً، بدؤوا بالختان فرفض الإسلام.
لا مهادنة في أمور العقيدة، ولا يوجد حل وسط، ولا تساهل، ولا مساومة، ولا قبول، أما في أمور التشريع فهناك تدرج، والتدرج لا يتناقض مع التشدد، فالتشدد يقابله التساهل أما التدرج فشيء آخر، وهذه نقطة مهمة جداً.

في الآية التالية أول إشارة في القرآن الكريم إلى أن الخمر مادة ضارة :
قال الله عز وجل:
﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ﴾
قد أقول هذه مادة غذائية أمامك، وهذه مادة غذائية نافعة، فعندما وصفت المادة الثانية بأنها نافعة فهم أن المادة الأولى ليست نافعة، يعني هذه المادة الغذائية فيها فساد.
هذه أول إشارة في كتاب الله إلى الخمر،ولكن سمح لهم، ثم كان بعض أصحاب رسول الله يصلي وكان في سكر، فنزل قوله تعالى:
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾
المرحلة الثانية، ولكن متى يشرب؟
ينبغي له أن يصلي الفجر بوقته ويذهب إلى عمله، وينبغي له أن يصلي الظهر وبعدها العصر وبعدها المغرب وبعدها العشاء فما بقي إلا أن يشرب كأساً في منتصف الليل ضاق الوقت.
فتدرج القرآن الكريم في تحريم الخمر
الآن:
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ﴾
الخمر هو الستر، والخمار هو الحجاب، وخامره خالطه، فالخمر مأخوذة من الستر، والعقل يغيب بالخمر،
لماذا حرمت الخمر؟
لأن أشرف شيء منحك الله إياه هو العقل، وهذا الخمر يغيب عنك عقلك،

بلاءٌ عظيم إبتُلي به شباب وفتيات المسلمين اليوم ،
وأصبحوا يتباهون بشربه وتصوير أنفسهم مع زجاجات الخمر ومشاركة صورهم على مواقع التواصل الإجتماعي دون أدنى ذرة حياء أو خوف من الله أو من الناس !
قال رسول الله ﷺ :
" كل أمتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً ، ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول : يا فلان ، قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه "
~ أخرجه البخاري ~

قال الله تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمرُ والميسرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون* إنما يريد الشيطانُ أن يُوقِعَ بينكم العداوةَ والبغضاءَ في الخمر والميسر ويصدَّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم مُنتَهونَ}

- لعن الله السارق وحده ، ولعن في الرشوة إثنين ، ولعن في الربا أربعة ، ولعن الله القاتل وحده
أما الخمر فلعن الله فيه عشــرة ؟!
عن إبن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :
" أتاني جبريل فقال : يا محمد إن الله لعن الخمر ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وشاربها، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وبائعها ، ومبتاعها ، وساقيها ، ومسقيها ".
واللعن من الله : هو الإبعاد .. وأكبر عقاب يُعاقب به الإنسان أن يُطرد من رحمته تعالى ..
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :
" ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُدار عليها الخمر "
وقال رسول الله ﷺ :
" كل مسكر خمر، وكل خمر حرام "
وقال رسول الله ﷺ :
" ما أسكر كثيره ، فقليله حرام "
وقال رسول الله ﷺ :
" لا يشرب الخمر رجل من أمتي ، فيقبل الله منه صلاةً أربعين يوماً "
وقال رسول الله ﷺ :
" لا تشربوا الخمر فإنها مفتاح كل شر "

وهذا الخمر الذي يتهافت عليها الناس ، الذين لا يعرفون الله عز وجل ، تشكل خطراً كبيراً على صحة الإنسان .

١- تصدع الشرايين وتمزقها .
٢- تصيب الإنسان بقصور في قلبه .
٣- بذبحة في صدره .
٤- بتشمع في كبده .
٥- بالتهاب غشاء معدته .
٦-بصداع .
٧- بالتهاب أعصابه .
٨- بفقدان ذاكرته .
٩- بضعف عقله .
١٠- بتشتت فكره .
١١- بتغيير في تركيب دمه .
١٢- بضعف مقاومته للأمراض .
١٣- بفقدان رجولته .
١٤- بقرحة معدته .
١٥- بالتهاب كليتيه .
١٦- بتقرح القولون .
١٧- بالتشنج العصبي .
هذا ما جاء في بعض كتب الطب عن آثار الخمرة على الجسم ..

فماذا قال الله عز وجل :
{ يُحلُّ لهمُ الطيباتِ ويحرِّمُ عليهمُ الخبائثَ }
معنى ذلك أن الله ما حرم هذا إلا لخبثه في الجسم وفي النفس ، ويجب أن نعتقد أن الفوز كل الفوز ، وأن الفلاح كل الفلاح ، وأن التوفيق كل التوفيق ، وأن الذكاء كل الذكاء ، وأن العقل كل العقل في طاعة الله ، وأن الدمار والهلاك في معصية الله .

فقد يعطيك الله المال كما تشاء، ويعطيك القوَّة كما يشاء، والجمال والذكاء والشأن ، ولكن إذا غضب عليك وطردك من رحمته ، فماذا وجدت ؟!
والله .. لم تجد شيئاً

قال الله تعالى :
( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ )

هل أنتم منتهون ؟
ألا يكفي ؟
أما آن أن تتوب ؟
أما تستحي من الله ويكفيك ما جرى ؟


معنى ﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾

المعاصي الخطيرة يجب أن تبقي بينك وبينها هامش أمان :
قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[سورة المائدة: 90]

أما كلمة فاجتنبوه فهي أشد أنواع التحريم على الإطلاق، ولو أن الله عز وجل قال: حرمت عليكم الخمرة مثلاً يجوز أن تبيعها وحِرم عليك شربها، فيجوز أن تبيعها، وأن تتاجر بها، وأن تنشئ معصرةً لعصرها، وأن تروج لها، وأن تعلن عنها، أما حينما قال الله عز وجل:
﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
أي يجب أن تبقي بينك وبينها هامش أمان كبير، فكلمة "فاجتنبوه" دقيقة، فوزير الكهرباء إن نصب أعمدةً لتيار عالي التوتر يضع لوحات فيقول: توتر عالٍ ولا يقول: ممنوع اللمس، بل يقول: ممنوع الاقتراب لأن التوتر العالي له مساحة، والإنسان إذا دخل هذه الساحة يجذبه التيار وسيحرقه فوراً. فالبلاغ الحكيم لا أن تقول ممنوع مس التيار ولكن ممنوع الاقتراب من التيار لشدة خطره، فإذاً المعاصي الخطيرة يجب أن تبقي بينك وبينها هامش أمان، قال:﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى ﴾[ سورة الإسراء: 32 ]
والزنا معصية خطيرة، لها مقدمات ولها منطقة محرمة فإذا اقتربت من هذه المنطقة المحرمة وقعت بالزنا دون أن تدري. فالشريف هو الذي يهرب من أسباب المعصية لا من المعصية بذاتها. إذاً هناك آية كريمة:

﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾[سورة البقرة: 187]
فيجب أن تبقي بينك وبين حدود الله هامش أمان.

شارب الخمر يفتح القرآن فيقرأ قول الله عز وجل:

﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ (90)﴾
( سورة المائدة ).
يقول: الله ما حرمه، بل قال:

﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
هذا أمر إرشادي، هات آية الخمر فيها حرام ؟
صار الإنسان فقيها، لأنه قال:

﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
ارتاح، إذاً: الخمر ليس حراما.
إنّ أيّ إنسان ينحرف يأكل الربا، ويقول: الله ما حرم الربا إلا بأضعاف مضاعفة، الدليل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً (130) ﴾
﴿ فَاجْتَنِبُوهُ (90) ﴾
.( سورة المائدة )
اجتنبوه تعني أشد أنواع التحريم ، اجتنبوه ، أي أن هذه المعصية لها قوة جذب ، فلا بدَّ من أن تدع بينك وبينها هامش أمان ، كيف أن النهر العميق المخيف الذي ينذر من وقع فيه بالموت ، لهذا النهر شاطئ مائل عليه حشيش مُبْتَل ، وله شاطئ جاف مستوٍ ، المشي على الشاطئ المائل المبتل الزَلِق فيه مخاطرة كبيرة جداً ، ممنوع أن تمشي على هذا الشاطئ المائل الزلق لئلا تقع في النهر ، ينبغي أن تمشي على الشاطئ الجاف المستوي ، هذه قاعدة .


شرب الخمر يضيع العقل الذي هو ضمان سلامة الإنسان :

ما علاقة هذا الكلام بقوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
العلاقة والمناسبة أن العقل هو مناط التكليف، وأن العقل هو الذي يحكم تصرفات الإنسان، وأن العقل هو الذي يضمن سلامته، فإذا شرب الخمر ضيع الأداة التي هي ضمان لسلامته.
حدثني أحد الأصدقاء أن إنساناً له مكانة كبيرة، بعد أن شرب تكلم كلاماً لا يصدر من طفل، فضح نفسه، وتحدث عن أسراره في ساعة الغيبوبة. فهذا الشراب الذي يذهب العقل، ويغيّبه عن الوعي محرم أشد التحريم، لأنه الأداة التي يمكن أن تكون ضمانة لسلامتك وسعادتك عطلتها، وتعلمون أن مقاصد الشريعة الحفاظ على الدين، والحفاظ على الحياة، والحفاظ على العرض، والحفاظ على العقل، والحفاظ على المال، ولكل مقصد كبير من مقاصد الشريعة حد ردعي إذا تجاوزه الإنسان، فحد الارتداد معروف، وحد القتل معروف، القتل يعاقب القاتل بالقتل، وحد شرب الخمر معروف، وحد انتهاك العرض معروف، وحد السرقة معروف، هذه المقاصد الخمس للشريعة، وكل مقصد من مقاصدها له حد رادع، إذاً العقل الذي هو مناط التكليف، والعقل الذي يمكن أن يتعرف إلى الله، والعقل الذي يريك الحق حقاً والباطل باطلاً، والخير خيراً والشر شراً، العقل الذي زودك الله به هو الميزان، قال تعالى:﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴾[سورة الرحمن: 7-8]
فالذي يعطل هذا الميزان، الذي يلغي عمل هذا الميزان، الذي يغيب هذا الميزان عن أن يكون حكماً في تصرفاته، هو الخمر، فلذلك الخمرة في الإسلام محرمة أشد التحريم

فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ ﴾
والمُطْلَق في القرآن يجري على إطلاقه " إصلاحٌ لهم "، إصلاحٌ لهم في حاجاتهم، أمِّنوا لليتيم حاجاته، أمِّن له طعامه وشرابه، ومسكنه ومأواه، ووسائل صحته، ووسائل تعليمه، ومالاً يعيش من رَيْعِه.
﴿ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾
فعلاقتك مع اليتيم ليست علاقة تجارةٍ، وليست علاقة ابتزاز، ولا علاقة أخذٍ، ولا نفعٍ، بل هي علاقة إصلاحٍ له فقط..
يجب أن تربيه وأن تقوِّم اعوجاجه، وأن تصلح أخلاقه، وأن تهتم بصحته، وبطعامه، وشرابه، وبأخلاقه، وبجسمه، ومستقبله، ودخله..


الفرق بين الخلط والمزج :

لو أن الله منعنا أن نُخالطهم لكان في هذا عنتٌ كبير،
قال تعالى:

﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإخوانكُمْ ﴾
أي لك أن تخلط ماله بمالك، ولكن الخلط شيء والمزجَ شيءٌ آخر، ولأضرب على ذلك مثلاً: إذ يمكن أن تخلط الحمّص مع العَدَس، وفي أي وقتٍ تشاء تفصلهما عن بعضهما، أما إذا خلطت الماء المُحَلَّى بالسكر مع الماء الذي يشوبه الحَمْض فمستحيل أن تفرق بينهما بعد حين فالعلماء فرقوا بين الخلط وبين المزج، المزج للسوائل والخلط للأجسام الصلبة.
﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ ﴾
فيمكن أن تستثمر مال اليتيم عندك، وأن تدخل ماله في تجارتك، وأن تجعله شريكاً في الجرد، معه مئة ألف أدخلتها في رأس المال، ولكن العلماء قالوا: لك أن تخلط ماله بمالك، ولكن يجب أن تعامله بالإحسان، إن كنت غنياً ينبغي أن تستعف، أي إن أردت أن تستثمر له مئة ألفٍ يجب أن تعطيه ربحها كاملاً إن كنت غنياً، فينبغي لك أن تستعف عن أكل ماله، وإن كنت فقيراً فيجب أن تأكل بالمعروف
(وحددوا المعروف بأن يأخذ أجر مثله في العمل الذي يقوم به وكلمة المعروف تعني الأمر المتداول عند الناس، أو أن يأخذ على قدر حاجته (الشعراوى))


ومعنى قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾[ سورة النساء: 6 ]
هناك ضوابط، فلو أن له مالاً وأردت أن تستثمره له بصفقةٍ من بضاعةٍ أنت تديرها، فهل لك أن تشتري له من نفسك؟
العلماء قالوا: يجوز، ولكن بأفضل سعر في السوق لصالحه.

﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾
فالعلاقة مع الله سهلة جداً، والله مطلع إلى قلبك، وعملك، وحركتك في الحياة، فيعلم ما إذا كنت مصلحاً لماله أو مفسداً له .يعلم ما إذا كنت قد جعلت من مال اليتيم تجربةً واختباراً للسوق، أو أنك وضعت مال اليتيم في أفضل صفقةٍ مضمونة النتائج.

﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإخوانكُمْ ﴾
لك أن تسكنه معك، ولك أن تقتطع من ماله جزءاً لمصروف البيت، صار هناك اختلاط، ولكن دائماً للحد الأدنى، ودائماً لصالح اليتيم، فقد يأكل في الشهر بألفي ليرة، فتقتطع من ماله ألف ليرة فقط، أي الحد الأدنى، والحد الأسلم والأحوط،
﴿ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا ﴾[ سورة النساء:5 ]
أي ارزقوهم لا من أصل المال بل من ريع المال.





موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية


امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-29-2025, 05:05 AM   #3
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 40

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

حسن اختيار شريك الحياة
{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.. [البقرة : 221].



إن بحثت عن مؤمنٍ ضمنت لابنتك سعادة الدنيا والآخرة:


تروى قصة عن سعيد بن المسيب، رحمه الله تعالى، وكان من كبار التابعين، وكانت عنده فتاة يندر مثيلها؛ علماً، وفقهاً، وجمالاً، خطبها الوليد بن عبد الملك لابنه، فامتنع، وعنده تلميذٌ في المسجد فقير جداً، توفيت زوجته، فتفقَّده، فعلم أنه قد فقد زوجته، قال له: ألا أزوجك ابنتي؟ قال له: أتمنى، قال له: ماذا عندك؟ قال: درهمان، والقصة ممتعة وطريفة ونادرة، ويبدو أنه زوجه إياها، وصار هناك إيجاب وقبول ومهر على درهمين، وفي المساء طُرِق باب هذا الفقير، فقال: مَن؟ قال: سعيد، فقال هذا التلميذ: تصورت كل مَن أعرفه اسمه سعيد لعله جاءني في هذا الوقت، إلا واحداً استبعد أن يكون هو الطارق، إنه سعيد بن المسيب، لأنه كان قاضياً، أمضى بين بيته ومجلس قضائه أربعين عاماً ما خرج عن هذا الخط، مِن بيته إلى مجلس القضاء، فلما فتح الباب رأى سعيد بن المسيِّب، دفع له ابنته، وكان العقد قد تم صباحاً، قال له: كرهت أن تنام الليلة وحدك، خذها، هذه التي خطبها الوليد بن عبد الملك لابنه فأبى، فلما سئل قال: ضمنت لها الجنة بهذا الزوج.


قد يزوج إنسان ابنته لشخص غني، فاسق، فيقول لها: انزعي الحجاب، واسهري معي، ويأتي أصدقاؤه والسهرة مختلطة، وقد يشربون، وقد يرقصون، ومعنى ذلك أنه أدخلها النار، أما إن زوجت ابنتك للمؤمن ففي الأعم الأغلب ضمنت لها الجنة، وأنا لا أقول لك هكذا أن زوج ابنتك لإنسان مُعْدَم، ما قصدي هذا من هذه القصة، ولكن حينما تبحث عن مؤمن فإنك تبحث عن الموقف الصحيح، وإنك إن بحثت عن مؤمنٍ ضمنت لابنتك سعادة الدنيا والآخرة، وإن بحثت عن المال فربما شَقِيَت بهذا المال.

﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾

فالأثرياء من المشركين يدعون إلى النار، وهناك تفلُّت، ونمط حياتهم نمط غير شرعي، وهناك اختلاط، وكم من أسرةٍ اختلطت بأسرةٍ أخرى فانتهت إلى الطلاق، وهناك كسب مال حرام، وانحرافات خطيرة جداً، وهذه كلها تعود بالشقاء على الزوجين ولو بقيا مع بعضهما طوال الحياة، ولكن قد تنتهي بهما الدنيا إلى النار، يدعون إلى النار.
﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ ﴾
فالعبد المؤمن هو عبدٌ آمن بالله، ومصيره الجنة، ومَن معه من زوجته وأولاده في الأعم الأغلب مصيرهم إلى الجنة، لأنه حملهم على طاعة الله، فإن أردت لابنتك مصيراً ينتهي بها إلى الجنة فابحث عن المؤمن، إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها.



الآيات التالية تبين أن أخطر حدث بحياة الإنسان زواجه :



قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾
أجمل شيء في الإيمان إذا كان هناك ماضِ سيِّئ فهناك مغفرة، وبعده الجنة، والله يدعو إلى الجنة، وإذا كانت هناك جاهلية فالمغفرة بإذنه..
﴿ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
أيها الأخوة... تبيِّن هذه الآيات أن أخطر حدث بحياة الإنسان زواجه، فالبيت قد يغيره، وقد يغير حرفته، أما زواجه فمن الصعب جداً أن يغيره لأنه قرار مصيري، فإذا كانت هذه الزوجة مؤمنةً، سعدت بها وسعد أولادك بها، ولذلك فأول واجبات الأب تجاه أولاده قبل أن يتزوَّج أن يحسن اختيار أمِّهم، وأول واجب على الأب تجاه أولاده قبل أن ينجبهم أن يحسن اختيار أمهم، فإن اختارها من بيت علمٍ، وبيت أدبٍ، وبيتٍ عريق، واختارها مؤمنةً، صالحةً، مستقيمة، عفيفة، سعد بها في الدنيا وكانت سبب سعادته في الآخرة، وإن اختارها بارعةً دون أن تكون فاضلةً قد يتمتَّع بجمالها إلى حين، ثم يشقى بها وينتهي إلى أسفل سافلين،
﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
قضية الزواج قضية خطيرة ومصيرية، فقبل أن تختار زوجة عُد للمليون، وابحث عن دينها، وعن علمها، وأدبها، وأهلها، وتربيتها، وخصائصها، لأنها أم أولادك، وسوف تقطف ثماراً يانعةً إن كانت صالحة، وسوف تدفع ثمناً باهظاً إن كانت سيئة.
امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-29-2025, 05:06 AM   #4
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 40

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
قال تعالى:
﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾

إلا أن اليهود تطرَّفوا، فإذا حاضت المرأة لا يؤاكلونها، ولا يقتربون منها، ويعزلونها عن حياتهم وكأنها شيءٌ قذر، ولكن الإسلام دينٌ وسطيّ، بين أهل الغرب الذين يفعلون كل ما يريدون في أثناء الحيض، وكأنها ليست حائضاً، وبين اليهود الذين نبذوها، وأبعدوها، ولم يؤاكلوها، ولم يعاشروها، فالإسلام وسطٌ بين هؤلاء وأولئك، والمسلم يعيش مع زوجته، ويأكل من طبخها، ويعاملها أطيب معاملة، ولكنه لا يقربها في مدَّة الحيض. أما المحيض فتعني دم الحيض، وتعني أيام الحيض، وتعني مكان الحيض..
﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾

هذا كلام خالق الكون، أمراضٌ كثيرة أيها الأخوة يعاني منها العالم الغربي، فسرطان عُنُق الرحم قليلٌ جداً في العالم الإسلامي، إلى درجة أنه منعدم، وأحد أسبابه أن يقرب الإنسان امرأته في أيام الحيض، مرض انقلاب الرحم، وهو مرضٌ لا تعاني منه المرأة المسلمة، لأن علاج هذا المرض حركاتٌ كحركات الصلاة، أمراضٌ كثيرة نحن في منجاةٍ منها بحكم ديننا وشريعتنا وطاعتنا لربنا..

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ ﴾
الرجل له ما فوق السرة، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث:
(( زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا ثُمَّ شَأْنَكَ بِأَعْلَاهَا ))[مالك عن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ]
فالمرأة وهي حائض تنام مع زوجها، وشأنه بأعلاها، ويؤاكلها، ويعاشرها دون أن يقترب من مكان الحيض.

الجماع لا يكون إلا في صمام واحد :
قال تعالى:
﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾
إذا تطهرن أي اغتسلن، ويطهرن ينقطع الدم.
فأتوهن كنايةٌ لطيفة عن الجماع..
﴿ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه ﴾
أي في صمام واحد في القُبُل..
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾

حينما نهى سيدنا لوط قومَه عن مقاربة الفاحشة الشاذة، قالوا: إنهم أناسٌ يتطهرون، فقال بعض العلماء:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾
الذين يفعلون ما أراد الله جل جلاله..
﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾
الذين لا يفعلون فعل قوم لوط في زوجاتهم..




﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾
ما معنى كلمة " حرث " الحرث: مكان الزراعة، ومكان النبات، وهل في المرأة إلا مكانٌ واحد يخرج منه الولد؟**
فكلمة:﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾مع وجود أحاديث كثيرة جداً تنهى نهياً قطعياً عن الصمّام الآخر..
﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾

﴿ أنَّى ﴾
تفيد المكان والزمان والكيفية، فبأية كيفيةٍ، وبأي مكانٍ، وبأي زمانٍ، شريطة أن يكون في مكان الحرث، وانتهى الأمر، وهذا كلام دقيق وواضح.

﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾
هذه أحكامٌ فقهية يجدها الإنسان في كُتُب الفقه، ولا يحتاج إلى تفاصيل أكثر إلا عند الضرورة.
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)


﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾
فهذا الذي يبتغي من الزواج المتعة الحسية، ولم يعبأ بإنجاب ولدٍ صالح يدعو له من بعده، أو بإنجاب ولدٍ صالحٍ يكون ذُخراً له، أو يكون استمراراً لعمله الصالح قال تعالى:﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُم
﴾أي لا يكن همك من الزواج هماً حسياً، ولا استمتاعياً، فالمؤمن يقوم إلى زوجته وفي نيَته أن يرزقه الله ولداً صالحاً يدعو له من بعده، فهذه الآية لها معانٍ كثيرة، قدِّموا لأنفسكم الخير من هذا الزواج، فالإنسان حينما يتزوج يجب أن يبحث عن المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرَّته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته، فهذه المرأة الصالحة سوف تكون أم أولادك، والولد الصالح أعظم كسب الرجل على الإطلاق، فإذا قدَّم لهذا الولد المُسْتَقْبَلِيّ أماً صالحةً ترعاه فقد قدَّم الخير لنفسه، قال تعالى:
﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾في بعض التفاسير أن التقديم للنفس في هذه الآية معناه: أن الإنسان إذا أراد أن يلتقي مع امرأته ينبغي له أن يدعوَ " اللهم جنبني الشيطان وجنب ذريتي الشيطان "، فهذا الطفل، وهذا المولود جاء مع دعاء شريف، ومع نفسٍ طاهرةٍ مقبلة، فالله جل جلاله يجنِّب هذا الولد الشيطان. فأنا أكاد أوقن يقيناً قطعياً أنه ما من لقاءٍ سبقه دعاء كهذا الدعاء إلا كان الولد صالحاً، أما الإنسانُ فقد يُرزَق أحياناً ولداً ينسيه كل شيء مِن شدة انحرافه وعقوقه، ولعله جاء في غفلة عن هذا الدعاء.


﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾
أي اجعلوا من الزواج وسيلة للعمل الصالح، فالله عز وجل له طرق كثيرة، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، ومن هذه الطُرُق أن تنجب ولداً صالحاً ينفع الناس من بعدك

زواج المؤمن متعة ورسالة :
أيها الأخوة الكرام، ليس هناك بيت لا يوجَد فيه أولاد، لكن لو علم الأب أنه إذا اعتنى بهذا الابن عناية فائقة، فربّاه تربية صالحة، أيْ اعتنى بعقله وجسمه وإيمانه وخلقه، ونشَّأه على طاعة الله، وعلى محبة رسول الله، ومحبة آل بيت رسول الله، وتلاوة القرآن، فهذا الطفل الذي جاء عن طريق الزواج هو أثمن ثمرةٍ في الزواج، وأكثر الناس يتزوجون للمتعة، يقول لك: هناك دافع جنسي، ورغبة جنسية، فهذه الرغبة محققة وأنت في أعلى مستويات القرب مع الله عز وجل، ولكن البطولة أن تنوي من هذا الزواج العمل الطيب. وهناك آيةٌ متعلقة بالجهاد يمكن أن نستفيد منها في الزواج..
﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ﴾
[ سورة النساء: 104 ]أي شاب سعى إلى الزواج فلا بد من مشقةٍ بالغةٍ في العثورِ على بيتٍ وتأثيثِه، وتأمين نفقات الزواج، ونفقات العرس، ونفقات الحلي، وفرش البيت بالأثاث، وقد يكون الدخل محدوداً، وهناك أزمة سكن مستحكمة، والمكاسب قليلة، والمطالب كثيرة، والحياة صعبة ومعقدة، فهو يتألَّم، لكن ألم المؤمن يرافقه أنه يرجو من الله في زواجه ما لا يرجوه غير المؤمن، فزواج غير المؤمن متعةٌ فقط، بينما زواج المؤمن متعة ورسالة، فالبيت المؤمن المسلم متميز، إنّه بيت مبدأ ورسالة ومنهج وتربية، فالابن المربى في بيتٍ إسلامي ابن متفوِّق، كأن الله عز وجل يقول

﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾أي قدِّم عملاً صالحاً من خلال هذا الزواج، وقدِّم عملاً طيباً، وابحث عن زوجة صالحة تعينك على تربية أولادك، وابحث من خلال لقاءك الزوجي عن هدفٍ نبيل تسمو به في الآخرة.
قال بعضهم: إن الرجل والمرأة لا ينبغي لهما أن يقعا على بعضهما كما يقع البعير بلا مقدمات، هذا فهمٌ إشاري لهذه الآية، فلا بد من مقدمات تليق بالإنسان، أما بلا مقدمات فقد صار عمله كعمل البهائم، إذاً هناك معنى مستنبط من قوله تعالى


﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾
أنت إنسان فلا بد من كلمة طيبة، ولا بد من مؤانسة وابتسامة، فهذا التقديم يليق بالإنسان في اللقاء الزوجي، أو أن هذا اللقاء الزوجي ينبغي له أن يكون مناسبة لعملٍ صالح مستمر بعد موت الإنسان، وهو إنجاب ولدٍ صالح يدعو إلى الله من بعده
امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-29-2025, 05:07 AM   #5
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 40

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

أساس كل مشكلة خروج الإنسان عن منهج الله عز وجل :
إذاً يمكن أن تكون هناك قاعدة: ما من مشكلةٍ على وجه الأرض إلا وراءها معصية، وما من معصيةٍ إلا بسبب الجهلِ، فالجهل هو أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، وهذا الشرع أمامكم، فحاول أن تحلِّل أيَّةَ مشكلةٍ، زوجية، أو تجارية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو علمية، حاول أن تحلل أيَّ مشكلة يعاني منها الإنسان، تجد هذه المشكلة لها سبب واحد هو: خروج الإنسان عن منهج الله عز وجل، وهذا القرآن الذي بين أيدينا هو منهج عظيم، وصراطٌ مستقيم، وحبل الله المتين.
منهج الله عز وجل متطابق مع الفطرة تطابقا تاماً ، فسواء أعصى الإنسان ربه في بند من بنود المنهج ، أو خرج عن مبادئ فطرته ، تعاقبه فطرته بحالة نفسية متعبة جداً ، هي الكآبة ، ولأن الناس توسعوا في الخروج عن منهج الله ، وعن مبادئ فطرتهم السامية
المرض الأول في العالم هو الكآبة ، هناك من يعالج نفسه عدة مرات من الكآبة ، بل إن بعض الأطباء النفسيين يعالجون عند زملائهم من الكآبة ، لأن الكآبة مرض العصر .
لذلك لما أُلّف كتاب في أمريكا " دع القلق وابدأ الحياة " ، من شدة القلق الذي ينتاب النفوس من بُعدهم عن ربهم ، أو بُعدهم عن مبادئ فطرتهم ، الطبعة الأولى خمسة ملايين نسخة ، وقد نفذت ، هناك قلق عام .
الإنسان مبادئ فطرته كبنود منهج ربه تماماً ، الله عز وجل أمرنا بالصدق ، فإذا كذب فيحتقر ذاته ، ويشعر بالصغار ، ويشعر بالذنب ، ويتألم ، ويكتئب


﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾
ماذا نفهم من هذه الآيات؟
نحن فهمنا الدين عباداتٍ شعائرية وكفى، فهمناه صوماً وصياماً وحجاً وزكاة، ولكن بنودَ الدين كثيرة جداً، هو منهج شمولي، ومنهج تفصيلي،
ففي أدق علاقتك بزوجتك الشرع له حكم، فلذلك حينما يطلب الإنسانُ العلمَ ماذا يفعل؟ يصون نفسه،
" يا بني العلم خيرٌ من المال، لأن المال يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة والعلم يسمو على الإنفاق،
يا بني مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة،وأمثالهم في القلوب موجودة ".

أنت حينما تأتي إلى مجلس علمٍ تتعلم أحكام الشريعة الغراء، وبهذا توظِّف الوقت لصالحك لأنّ أيَّ خطأٍ يقع في الشأن الخاص له مضاعفات خطيرة. فالإنسانُ تقريباً أعْقدُ آلةٍ في الكون، ولهذه الآلة صانعٌ حكيم، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة، فإذا كان هذا القرآن بآياته التشريعية، فهي سُنَّة النبي عليه الصلاة والسلام بتفصيلاتها البيانية، كانت تعليمات الصانع في التشغيل والصيانة، فالإنسان انطلاقاً من حبِّه المفرِط لذاته كان عليه أن يتِّبع تعليمات الصانع فيسعد ويرقى.
أيها الأخوة، تفاصيل الحديث عن هذا الموضوع يمكن أن نتابعها في أي كتاب فقه، لأن الإنسان يحتاجها عند الزواج.
ثم يقول الله عز وجل:

﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾

اتقوا معصية الله، واتقوا سخطه وعقابه وناره..
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
هناك رادع، وهناك مشجِّع، فالمشجِّع هي الجنة، والرادع هو النار، ولنعلم علم اليقين أن الله بكل شيءٍ عليم.
امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-29-2025, 05:08 AM   #6
مشرفة قسم القرآن

 
الملف الشخصي:






 


تقييم العضو:
معدل تقييم المستوى: 40

امانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of lightامانى يسرى محمد is a glorious beacon of light

افتراضي

      

أنواع اليمين
الأيمان التي يحلفها البائع ليروِّج سلعته هي أيمان تمحق البركة :

ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

أي حينما يحلف الإنسانُ يميناً في ساعة غضب، كأنْ يُقسِم ألاَّ يزور أخته أو شقيقته، ثم يجد الخير كله في زيارتها، وفي التواصل معها، وفي العناية بها، وفي إرشادها، وفي نُصْحها، فهو بهذه اليمين منع الخير عن نفسه، فالله عز وجل يقول لنا: إن كانت هذه اليمين الذي أقسمت به سيكون مانعاً لك عن فعل الخير، فينبغي ألاَّ تكون هذه اليمين سبباً لامتناعك عن الخير، فلا بأس عليك، كَفِّر عن يمينك واصنع الخير. وهذه حقيقة، لأن القصد أنك في هذه الحياة الدنيا مخلوقٌ للعمل الصالح، فإذا أقسمت في ساعة غضب ألاَّ تعمل صالحاً، وألا تقرض إنساناً، وألا تزور أخاً، وألا تساعد صديقاً، ثم وجدت أنك بهذا اليمين حرمت من الخير كله، ماذا نفعل؟ فنقول لك: افعل الخير وكَفِّر عن يمينك، ولا تتخذ من هذه اليمين وسيلةً للكف عن هذا الخير..
﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
فينبغي للإنسانِ بشكلٍ أو بآخرَ ألاَّ يحلف، لقوله تعالى:
﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾[سورة المائدة: 89 ]
وكان بعض الأئمة الكرام، وهو الإمام أبو حنيفة النعمان،رحمه الله تعالى يدفع ديناراً ذهبياً عن كل يمين أقسم بها صادقاً، ويعاقب بهذا الدينار نفسه، فكيف إذا كان غير صادق؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ ))[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

الآن أكثر البائعين يحلف كل كلمتين يميناً: بربه، بدينه، بالكعبة، بالقرآن، برأس مالها، بأقل من رأس مالها، هذه الأيمان التي يحلفها البائع ليروِّج سلعته هي أيمان تمحق البركة، ولعلها تنفق السلعة، ولكنها تمحق البركة، لذلك فعلى الإنسان أن يحفظ لسانه عن حلف اليمين، ودائماً حينما يحلف الإنسانُ كأنه يتَّهم نفسه بالكذب، عوِّد نفسك أن تقول كلاماً بلا أيمان، فهذا السامع يجب أن يحترم كلامك من دون يمين، فإن كان لا يصدقك إلا باليمين فيجب ألا تحدثه.


لا ينبغي للإنسان أن يحلف بغير الله فإذا حلف فليحلف بالله مع حفظ أيْمانه :
أَمْرٌ غريب، وصفةٌ شائعة بين المسلمين مع كل كلمة يمين، وأيمان منوعة، وبعض الأيمان محرِّم أن تحلفها: بأولادي!!
من كان حالفاً فليحلف بالله العظيم، ولا ينبغي لك أن تحلف بغير الله أولاً، فإذا حلفت فاحلف بالله، ويجب أن تحفظ أيْمانك من أن تكون في موضوعاتٍ يومية مبتذلة، أما حينما تحلف ـ لا سمح الله ولا قدر ـ يميناً غموساً لتقتطع به حق امرئ مسلم فقد خرجت من الإسلام، وهذه اليمين الغموس لا كفَّارة له، لأنه يخرجك من الدين، وتحتاج بعد اليمين الغموس إلى تجديد إسلامك، وإلى توبة نصوح، وإلى أن تشهد أنه لا إله إلاّ الله وأنَ محمداً رسول الله، لأنك بهذه اليمين الغموس خرجت من الإسلام، فهذا الذي يحلف يميناً أمام القاضي ليقتطع به مبلغاً أو مالاً من حق أخيه المسلم، إنه بهذا يخرج من دينه، فهذه اليمين الغموس موضوع آخر، أما هنا فلو حلفت يميناً في ساعة غضب، ومضمون اليمين ألاّ تنصح إنساناً، أو ألا تعين إنساناً، أو ألا تزور أخاً، أو ألا تعالج مريضاً، أو ألا تقرض مسكيناً، فلو حلفت مثل هذا اليمين ثم وجدت أن الخير في الحِنْث بها، فيجب أن تكفِّر عنه وأن تفعل الخير،هذا هو المعنى الأول..

﴿ وَلَا تَجْعَلُواْ اللهَ ﴾
أي هذا اليمين بينكم وبين الخير، وأنت مخلوقٌ للخير وللعمل الصالح، فلا تجعل هذه اليمين بينك وبين الخير. ؟

اليمين المنعقدة يحاسب عليها الإنسان حساباً شديداً :
إذا حلفت يميناً في ساعة غضب، ومنعت بها خيراً عن نفسك، يقول الله لك: لا تجعل هذه اليمين مانعاً لك من فعل الخير، بل كَفِّر عنه، وافعل الخير، ثم يقول الله عز وجل:
﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾
اللغو أناس كثيرون: ( تفضَّلْ كُلْ، واللهِ لا أقدر، قال: والله، تفضل كُل، والله لا أشتهي )، وهو في أشد حالات الجوع، ولكنه أَلِفَ أن يقول: إِي والله، لا والله، فهذه يمين اللغو، هذه اليمين نرجو الله أن يعفو عنّا به، ولكن الأولى ألا نحلف إطلاقاً.
﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾
حينما يحلف الإنسان يميناً مُنْعَقِدةً، وينوي وراءه شيئاً، فهذا اليمين محاسبٌ عليه أشد المحاسبة، ولهذا اليمين تبعات كثيرة.

من علامة نضج إيمانك أن تبتعد قدر ما تستطيع عن الحلف، تكلم بالحقيقة من دون أن تكون ضعيفاً، فتستعين بالحلف الذي لا يليق بك:
﴿ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
من ألطف ما قال العلماء في هذه الآية: إن هذا اللسان من نعم الله الكبرى:

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾[ سورة الرحمن: 1-4]
فشكر نعمة الكلام لا بالحلف، ولا باليمين اللغو، ولا المنعقدة، ولا الغموس، ولكن شكر هذه النعمة أن يكون هذا اللسان ذاكراً لله عز وجل،
لذلك أيها الأخوة، أتمنى عليكم وعلى نفسي أن ينقلب هذا الدرس إلى سلوك عملي أن نحفظ أيماننا، أما حينما تدعى إلى شهادة، وبهذه الشهادة يحق الحق ويبطل الباطل، ينبغي أن تشهد، وأن تقف، وأن تحلف اليمين، هذه طاعة لله عز وجل، لقول الله عز وجل:
﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾[ سورة البقرة: 282]




من صفات المؤمن الأساسية الإصلاح بين الناس :
قال تعالى:

﴿ أَنْ تَبَرُّوا ﴾
أن تفعلوا الخير..
﴿ وَتَتَّقُوا ﴾
وأن تقفوا عند حدود الله..
﴿ وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

من صفات المؤمن الأساسية أيها الأخوة أنه يصلح بين الناس لقول الله عز وجل:
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾[ سورة الأنفال: 1 ]
ولقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُم ))
[رواه الترمذي عن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ]
فالإصلاح بين الناس دَيْدَنُ المؤمن، وطاعته لله دَيْدَنُهُ أيضاً، ودَيْدَنُهُ أيضاً العمل الصالح، والطاعة، والإصلاح بين الناس، ولذلك قال تعالى:

﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾[ سورة النساء: 114 ]
ومن صفات المؤمن أنه يُقَرِّب، ويوفِّق، ولا يفرِّق، ولا يُباعد، ولا ينفِّر


الحالات التي أجازها الشرع في الكذب :

﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾[سورة النساء الآية:114]
فالإصلاح بين الناس قناة نظيفة للكلام, الإنسان لو كذب, لا يعد كاذباً, لأنه يوجد رخص كثيرة في الكذب؛ أن تصلح بين الناس, وفي الحرب, لأن الحرب خدعة, والإنسان يكذب على زوجته, لكن أكثر الأخوان الكرام: فهموا هذا التوجيه فهماً غير صحيح, مغلوط, كل شيء يكذب عليها فيه.
لو قالت لك: أتحبني؟ أنت تحبها, لكن ليس كما تريد, أقل مما تريد, فأنت قلت لها: والله أحبك, لا يوجد مشكلة, يعني طيبت قلبها, ولو هي سألتك, أو لو أنت سألتها: أتحبينني؟ قالت لك: نعم, من لي غيرك؟ كلام طيب, أما لا توجد زوجة ما فيها عيب, لو يريد أن يذكر لها العيب, ويكبر لها العيب, حطمها, ليس لها أحداً غيره, حطمها.
فالمؤمن لا يحطم, يعني هذه نصيبك, وهذه الله عز وجل كتبها لك, ولا يوجد أمامك غيرها, وارض بها هدية من الله عز وجل, فإذا أنت أغفلت عيوبها, وذكرت محاسنها, أنت ترفع مستواها, تنشطها, تصبح متألقة.


الإصلاحُ بين الناس فيه فوائدُ كثيرة، ومنها:
إن كان بين زوجين فإن الأسرةَ تعودُ للاجتماع، وربما كانت الحياة بعد الصلح أفضل من ذي قبل، وتتآلف القلوب، ونحفظُ الأولادَ والبنات من الشتات والضياع والطلاق.
والإصلاحُ إن كان بين الموظفين، فإنه يعيدُ للعملِ بهجته وأنسه، ويزيد من الإنجاز، ويضيفُ لهم سعادة التعاون.
وفي محيطِ العمل أهمس لك:
قد يكون ذلك الموظف تلمحُ منه بعضُ التغيراتِ النفسية فكن حكيماً وادخل معه في حديث لطيف فلعلك تقفُ على جراحٍ عنده ربما مع زوجته أو ولده أو نحو ذلك وحينها أعطه الكلماتِ الطيبة التي تصلح ما بينه وبين أهله.
والإصلاح إذا كان بين الأقارب فإن القلوب تتقارب، وندفع كيدَ الشيطانِ خارجاً.
أيها الفضلاء..
إن مما يحزنك أن يتأخر بعضنا عن الإصلاحِ بين المتخاصمين بحجةِ عدم التدخل في شؤن الآخرين.
فهذا أب لايتدخل لإصلاحِ الخللِ بين ابنتهِ وزوجَها حتى حصل الفراقُ بينهما.
وهذا مدير لم يتدخل في الإصلاحِ بين الموظفين حتى تفرقت القلوب ووقعت مفاسد كثيرة.
وهذا أخ لم يتدخل للإصلاح بين إخوته وأخواته ويقول: ليس لي علاقة.
فامتلأت القلوب حقداً وبغضاء.
" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ ".

الإيلاء في اللغة

لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (226)
الإيلاء في اللغة الامتناع باليمين، أن تمتنع عن شيءٍ وقد حلفت عليه اليمين، فهذا معنى الإيلاء في اللغة، وأما في عُرف الشرع فالامتناع باليمين عن وطء الزوجة أو عن اللقاء الزوجي، وهذا يحدث بين الأزواج كثيراً، فالعليم الخبير أعطانا حُكْماً في هذه الحالة؛
أولاً:

﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ﴾

هذه " مِن " أُلحقت بالفعل "يؤلون"، ليتضمّن الفعل معنى يمتنعون، أي على الذين يمتنعون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر، فلقد جعل الله للأزواج مدةَ أربعة أشهر يمتنعون فيها مِنْ نسائِهم بالإيلاء، فإن مضت فلا بد مِن حسم، هذه لا حرب ولا سلم، قطيعة مديدة لا تنتهي!! وهذا يتناقض مع حكمة الزواج، فلا بد من حسمٍ بعدَ هذا الوقت، إما أن تبقى كزوجة، وتعامل كزوجة، وتعاشر كزوجة، ويحسن إليها كزوجة، وإما الفراق، أما هذا الذي يدع زوجته أشهراً طويلة بلا حساب، ولا اهتمام، ولا مسؤولية، فهذا له حكمٌ في الشرع سوف نراه بعد قليل..

الحكمة من جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر :
مدة الإيلاء ينبغي ألا تزيد على أربعة أشهر
جعل الله سبحانه وتعالى مدة أربعة أشهرٍ للأزواج يمتنعون فيها من نسائهم بالإيلاء، فإن مضت المدَّةُ حَسَمَ الأمرَ، فإما أن يفيء الزوج، وإما أن يطلِّق، أيْ إما أن يصحوَ، ويعاشر زوجته، ويعاملها كزوجة، ويحسن إليها، أو أن يطلقها، أمّا أنْ تبقى المرأة معلَّقة؛ لا هي زوجةٌ يعطيها زوجها حقها، ولا هي مطلقة تبحث عن زوج، فهذا وضعٌ خطيرٌ ومَرَضِيّ قد يفضي إلى الخيانات والانحرافات.

قبل أن أتابع الحديث عن هذا الموضوع، لا ينبغي للإنسان أن يقبل عملاً يبتعد فيه عن زوجته سنةً فأكثر، فهذا يدمِّر حياته الزوجية، يدمره أو يدمر زوجته، لأن الخالق الكريم، الحكيم، الخبير، جعل مدة أربعة أشهر، أطول مدةٍ يمتنع فيها الزوج عن زوجته، وأطول مدةٍ تتحمَّل الزوجة البُعْدَ عن زوجها، وبعد هذا التاريخ لا بد من عودةٍ أو فصلٍ.
أيها الأخوة؛ اتفق الأئمة على أن المُولي ـ المولي اسم فاعل من الفعل آلى ـ على أن المولي إذا فاء إلى المواصَلة مع زوجته لزمته كفارة اليمين، وهذا شيءٌ بديهي؛ حلف يمين إيلاء ألا يقربها، فإن مضت أربعة أشهرٍ ثم صالحها، وقرَّبها، وعاشرها زوجة، فعليه كفارة يمين تفهم من آياتٍ كثيرة.
أيها الأخوة؛ جعل الله مدة الإيلاء أربعة أشهر، لأن هذه المدة هي المدة التي يمكن كما قلت قبل قليل للزوجة أن تتحمَّل بُعْدَهَا عن زوجها، فإن رجع هؤلاء الأزواج إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح فإن الله غفورٌ رحيم لا يؤاخذهم بتلك اليمين بل عليهم أن يكفروا عنها، فكل إنسان يحلف على امرأته يميناً ألا يقربها، فهناك أربعة أشهر، إن مضت وقاربها، فعليه كفارة اليمين، ولا شيء عليه بعد ذلك، وتعود الأمور إلى مجاريها، أما إذا امتنع عن ذلك، فلا بد أن يطلِّقها..

﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾[ سورة البقرة: 229 ]
فقول الله عز وجل:
"فإن الله غفورٌ رحيم"، أي لا يؤاخذكم بتلك اليمين، بل يغفر لكم ويرحمكم.



(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم)
الطلاق أمانةٌ في أيدي الرجال : أحياناً يريد إنسانٌ أن يخرج من مهر زوجته فيتهمها بالزنا، وهذا شيء يقع، فمَن الذي سيحاسبه؟ ومَن الذي سيبطش به؟
كما أن العِدَدَ والاستبراء أمانة في أيدي النساء، وقضايا الرحم، ودم الحيض، والاستبراء، فهذه مَن يعلمها؟ إنّها متروكة أمانة بيد الزوجة
البواطن من المضارة بين الأزواج في أمورٍ لا يمكن أن يصل علمها للحُكَّام، فجعل هذه الأشياء مكشوفةً عند الله عز وجل والله يحاسب عليها فقال:﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ ﴾

الآن دقق، عزم الطلاق، الطلاق قرار مصيري، لقد فكَّر، وفكَّر، ودقَّق، وتريَّث، وراجع نفسه، ووازن، ووضع الإيجابيات على اليمين، والسلبيات على اليسار، ثم اتخذ قراراً بتطليق زوجته، فهكذا الطلاق، أما ساعة غضب، بلا مبرر، يطيح بزوجته، ويشرد أولاده، ويهدم أسرته، فهذا ليس من حقيقة الشرع في شيء، وليس من قصد الشريعة في شيء، قال:
﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ ﴾
أي وقع العزم منهم عليه..
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
فالله عز وجل يعلم نيَّتك، ويعلم مَن هو الظالم، وكلمة:
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
فيها تهديد، أنت قل ما شئت، ولكن الله يعلم الخفايا، والبواعث، و المبررات، والأهداف التي عقد من أجلها الطلاق.

الطلاق أمانةٌ في أيدي الرجال :
الطلاق أمنة بيد الرجل
أخواننا الكرام؛ هناك أشياء تزعج الزوج، وهناك أشياء تزعج الزوجة، ولكن القضاء لا يمكن أن يثبتها، قد تظهر أمام الناس أنك تحبها، وأنك تكرمها، وأنك تقدِّم لها كل شيء، وأنت في الحقيقة تبالغ في الإساءة إليها، دون أن يطالك القانون أو الأحكام القضائية، فإنسان يهين زوجته فيما بينه وبينها ولا يوجد شاهد، يمتنع منها إضراراً بها فلا يعاملها كزوجة، بل أقل من زوجة، وهناك أساليب كثيرة يفعلها الأزواج ولا يحاسبون عليها لا بالقضاء ولا بالقانون، بل هناك أشياء قد يفعلها الزوج لا تستطيع الزوجة أن تبوح به أمام أهلها، وتخاف أن تبوح به، وهناك زوجاتٌ يَفعلن شيئاً مع أزواجهن ولا يطالُهنَّ القضاء، فالله عز وجل يقول:
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
أي هو عليمٌ بهذه الأعمال التي تسيء إلى الطرف الآخر. إنّه تهديد بما يقع في الأنفس والبواطن من المضارة والمضاجرة بين الأزواج في أمورٍ لا تأخذها الأحكام، ولا يمكن أن يصل علمها للحُكَّام، فجعل هذه الأشياء مكشوفةً عند الله عز وجل والله يحاسب عليها فقال:
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
لذلك رأى العلماء أن الطلاق أمانةٌ في أيدي الرجال، فقدْ يدّعي إنسانٌ أنه رأى في بيته رجلاً ويطلق امرأته، وهو مُصَدَّق، فمَن يحاسبه إذا كان مخطئاً؟ وأحياناً يريد إنسانٌ أن يخرج من مهر زوجته فيتهمها بالزنا، وهذا شيء يقع، فمَن الذي سيحاسبه؟ ومَن الذي سيبطش به؟
إنه الله عز وجل..

الدين يقوم على المسؤولية أمام الله عز وجل :
قد يصطلح الزوج مع زوجته، وتهبه بيتها إكراماً لهذا الصلح، فيأخذ البيت ثم يطلَّقها، وهناك من يفعل ذلك، فهذه المرأة التي تكيد للزوج، وهذا الزوج الذي يكيد للمرأة، مَن سيحاسبهما؟
هناك أشياء ظاهرة بين الزوجين يمكن أن تصل إلى علم الحُكَّام، ولكن هناك أشياء لا يعلمها إلا الله، فإذا قال الله عز وجل:
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

هذا تهديدٌ من الله عز وجل، ولذلك فإنَّ الطلاق أمانةٌ في أيدي الرجال، كما أن العِدَدَ والاستبراء أمانة في أيدي النساء، وقضايا الرحم، ودم الحيض، والاستبراء، فهذه مَن يعلمها؟
إنّها متروكة أمانة بيد الزوجة، والطلاق أمانة بيد الزوج، فالدين يقوم على المسؤولية أمام الله عز وجل.
سآتيكم بمثل آخر: لو أن إنساناً ذهب إلى بلدٍ غربي، وتزوج امرأةً في مركز إسلامي، فهناك شيخ، وإيجاب، وقبول، ومهر، وشاهدان، وكل شروط العقد الصحيح متوافرة، فلو نوى التوقيت، مَن يعلم هذه النية؟
الله وحده، الله جل جلاله يعلم هذه النية التي تتناقض مع حِكمة الزواج، ولذلك فعندنا أحكام ظاهرية، وعندنا خبايا داخلية، والخبايا الداخلية الله جل جلاله مطلعٌ عليها.
هناك شيء آخر: أمَر اللهُ عز وجل الأزواجَ أنْ يتربَّصن أربعة أشهر، وأمر النساء أن تتربَّصن مدة الإقراء الذي ذكره الله في آيةٍ أخرى.
يروى أن سيدنا عمر رضي الله عنه سمع امرأةً تنشد شعراً وهي وحيدةٌ في البيت، فسأل ابنته حفصة رضي الله عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟
فقالت: أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك.
أحياناً تجد بلداً يحتاج إلى مهندس بلا زوجة، والإجازة بعد سنة، وهذا مخالف للشرع، ويرفضون أن يأتي مع زوجته، ويريدونه وحده بلا زوجة، وله زوجة، وهي بحاجة إليه، وهو بحاجة إليها، فهذا الذي يفعله بعض مَن يطالبون بموظفين بلا زوجاتهم، فإنّ ذلك يوقِع فساداً كبيراً، ولذلك أي شيءٍ يخالف منهج الله عز وجل ينشأ عنه فسادٌ وأي فساد.



من طُلِّقت طلاقاً رجعياً تتربص بنفسها ثلاثة قروء :
يقول الله عز وجل:
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾سورة البقرة
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)

طبعاً آيات الفقه تحتاج إلى دقَّة، وتحتاج إلى صبر، لأنها أحكام دقيقة جداً يُبْنَى عليها الشرع، وهذا أمر للمطلقات بأن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، وقد ينشأ خلاف بين الزوجين، والخلاف شيء طبيعي، الزوج في ساعة غضب، غضب طبيعي أيضاً، طلق امرأته، ولعل هذا الطلاق ظهر في وقت غضب، وفي حالة غضب، ولعله يندم بعد حين، ولعله يتمنَّى بعد حين لو لم يكن هذا الطلاق منه، واللهُ عز وجل خبيرٌ بهذا الإنسان، والمطلقة التي طُلِّقت طلاقاً رجعياً تتربص بنفسها ثلاثة قروء، والقرء هو الحيض أو الطهر على خلاف بين العلماء، فالمرأة تنتظر الحيضة الأولى فيمرُّ شهر، فإن كلَّمها ووضع يده على يدها، فقد أرجعها، وانتهى الأمر، ولكن حسبت طلقة.
تصور إنساناً في ساعة غضب حلف يميناً، وبعد يوم ضعف هذا الموضوع أو برد، وبعد يومين لم يبقَ شيء، فقد ندم على هذا اليمين، فبكل سهولة ويُسرٍ بإمكانه أن يسترجع زوجته، ويكفي أن يقول لها: راجعتك، أو أن يضع يده على يدها، وانتهى الأمر، فقد راجعها، ولكن حسبت طلقة، فالله عز وجل لما سمح لك بالطلاق، سمح لك بالطلاق الذي جاء به النبي وفق سنته عليه الصلاة والسلام، مثل أنْ يحلف المرءُ يمينَ طلاقٍ في ساعة غضب، ثم وجدَ بعد حين أن هذا الأمر لا يستدعي هذا اليمين، فالقضية محلولة، تراجعها لفظاً أو عملاً، وانتهى الأمر، ولكن حسبت طلقة.

بعد مرور ثلاثة قروء لا يمكن للزوج أن يسترجع زوجته إلا بعقد ومهرٍ جديدين :
ما دامت الزوجة في البيت، فأكبر مشكلةٍ بينك وبينها تتضاءل حتى تنتهي، وأحياناً يمين طلاق ينتهي بعد يومين، أو بعد أسبوع، أو عشرة أيام، أو عشرين يوماً، أو شهرٍ، أو شهرين، هناك مهلةُ تسعين يوماً للزوج، ولعله أخطأ، لعله كان غاضباً، أو مبالغاً، أو أنّ هذا الأمر لا يستدعي هذا الطلاق، أعطاه الشرع تسعين يوماً، أما حينما تتطهَّر من الحيض الثالث فقد ملكت نفسها.
والآن كيف يرجعها؟ عملية بسيطة بمهرٍ وعقدٍ جديد، عقد بسيط جداً، لأنها ملكت نفسها، انتظرت تسعين يوماً، وكانت مع زوجها كل يوم معه، تحت سمعه وبصره، وفي متناول يده، وهي تتزيَّن له كل يوم، وهو بحاجة إليها، وهي بحاجة إليه، ومع ذلك لم يقاربها، ولم يراجعها، ملكت نفسها، فالآن، كي تسترجعها لا بد من عقدٍ ومهر جديدين، وبما أنّه لم يسترجعها، فقد ملكت الآن نفسها، وهي مخيرة.
بالمناسبة، في أثناء تسعين يوماً هي ليست مخيَّرة، ويكفي أن يقول لها: راجعتك، فقد رجعت إليه زوجةً، ويكفي أن يراجعها عملياً فقد رجعت إليه زوجة، أما حينما تمضي القروء الثلاثة، أو الأطهار الثلاثة، أو الحيضات الثلاث، وتغتسل، فقد ملكت نفسها، والآن لا يمكن أن يسترجعها إلا بعقد ومهرٍ جديدين.
ثم نشأ خلاف ثانٍ، فهذه طلقة أولى، استرجعها بعقد، حُسِبَت عليه طلقة، وفي الحالين سواء استرجعها أو لم يسترجعها، أما إذا استرجعها ضمن تسعين يوماً، استرجعها بلا مهر ولا عقد، وإذا استرجعها بعد تسعين يوماً استرجعها بمهر وعقد، فرجعت إليه، وطلقها مرة ثانية، ومضى ثلاثون يوماً، ثم ثلاثون يوماً، ثم ثلاثون يوماً، أي تسعون يوماً مرة ثانية، فما هذه القضية الكبيرة؟ إذا لم تكن القضية محتملة، ولا تقبل، ولا تستساغ أخرجته من جلده فلا يستمر الزواج، فانظر الضمانات بالشرع، إنها ضمانات مذهلة. فالطلاق حلٌّ لا يُلْجَأ إليه إلا في حالات نادرة جداً، لأن الله يرضى عن الزوجين إذا تعاونا، ويغضب عليهما إذا تفرَّقا، وهو أبغض الحلال إلى الله، فله صمَّام أمان هو الطلاق، وهو كالوعاء البخاري وكل وعاء بخاري لئلا ينفجر له صمام من مادة بلاستيكية، فإذا ارتفع الضغط إلى درجة غير محتملة، بدل أن ينفجر هذا الوعاء، فهذه المادة البلاستيكية تسيخ ويخرج البخار من هذا الوعاء دون أن ينفجر، وهذا هو الطلاق.

امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد
   
الكلمات الدلالية (Tags)
-د.محمد, البقرة, النابلسى, تفسير, راتب, صورة
 

   
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
د.محمد راتب النابلسي - تفسير سورة الفاتحة امانى يسرى محمد قسم تفسير القرآن الكريم 6 09-20-2025 06:53 PM
برنامج قصص الصحابة للدكتور محمد راتب النابلسي عادل محمد ملتقى الكتب الإسلامية 1 06-04-2020 10:37 PM
د : محمد راتب النابلسي: (إحدى عشر حقيقة لابد أن تعرفها) الزرنخي ملتقى الحوار الإسلامي العام 2 07-01-2017 05:25 PM
اسطونة تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى كامل تقلب صفحاته بنفسك الشيخ ابوسامح قسم الاسطوانات التجميعية 2 08-11-2016 07:04 PM
اسطوانة تفسير الدكتور محمد راتب النابلسي للقرآن الكريم عادل محمد قسم الاسطوانات التجميعية 1 08-11-2016 06:57 PM


   
 

vBulletin® v3.8.7, Copyright ©, TranZ by Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لموقع العودة الإسلامي
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009